شطايبي بلدية غارقة في التخلف والعزلة

موسم سياحي فاشل في غياب الماء والفنادق

موسم سياحي فاشل في غياب الماء والفنادق
  • القراءات: 3348
 سميرة عوام سميرة عوام

إن الوصول إلى مدينة شطايبي بعنابة يعتبر مغامرة كبيرة بالنسبة للزائر لها أول مرة، حيث يقطع مسافة نحو 68 كلم وسط غابات الزيتون والريحان والدفلة الكثيفة، والمراعي التي تمثل نسبة 60 بالمائة من المساحات الرعوية بالمنطقة، في الوقت الذي تقل فيه الزراعة بهذه البلدية التي ترفض أن تكون كذلك رغم توفرها على مقومات طبيعية وأخرى سياحية بامتياز، لم يكلف القائمون عليها عناء استغلالها، حيث لم تتعد إنجازاتهم تهيئة الطرقات ورفع القمامة، ويبقى استقدام «المشروع الحلم» الغاز الطبيعي الوحيد الذي جاء به المير لكن بقي معطلا بسبب الدراسة الخاطئة التي أنجزت من طرف الجهات المعنية، ورغم محاولة المجلس البلدي تغيير النمط المعيشي للسكان، إلا أن شطايبي لا تزال غارقة في عزلة ومتخلفة اجتماعيا واقتصاديا.  

عند الدخول إلى بلدية شطايبي، تدرك مباشرة أنها منطقة فلاحية تمتد إلى غاية منطقة سيدي عكاشة المتاخمة لحدود الجارة سكيكدة حيث تنتشر قطعان الأبقار والماعز هنا وهناك، ويبقى هذان النشاطان مصدرا الرزق الوحيد لسكان المنطقة، فالمحظوظون من يملكون بعض الماشية، أما البقية فما عليهم سوى العمل في مرفأ الصيد، الذي  ينعدم لأغلب المرافق مقابل دنانير قليلة لا تكفي عائلة تتكون من فردين.

بمجرد أن تحدثنا إلى بعض مواطني البلدية لمسنا غضبا في كلامهم عن الوضع التنموي الضعيف الذي انعكس سلبا على حياتهم، فأغلبهم بطالون ناهيك عن الشح الثقافي والغياب الكلي للمرافق الضرورية.

وحسب سكان هذا الدوار الكبير فإن البلدية عبارة عن جيب مهمش ومعزول رغم سمعتها السياحية، مؤكدين أن الجهات المعنية ركزت اهتمامها على بلدية وادي العنب ووجهت الملايير لإنجاز المدينة الجديدة ذراع الريش فيما تبقى البرامج التنموية بشطايبي معدومة بحجة ضعف الميزانية، التي لا تغطي مصاريف الموظفين حسب رئيس البلدية العياشي علاوة.

صيف شطايبي بدون ماء

ما يزيد من متاعب سكان قرى الزقع، الزاوية العزلة، شطايبي مركز، وعين دوكارة وغيرها، جفاف الحنفيات وصعوبة توصيل الماء الشروب إلى المساكن، وهو أكبر مشكل يثير تخوف أكثر من 8 آلاف قاطن بهذه المنطقة في الوقت الراهن خاصة مع فصل الحر، حيث يصعب البحث عن قطرة ماء لشح الينابيع والسدود وقلة منسوب أخرى، باتت لا توفر احتياجات العائلات، في هذا السياق قالت إحدى المواطنات أن الاستحمام يوميا في فصل الصيف يعتبر أمرا مستحيلا نظرا لعدم صعود المياه إلى الطوابق العلوية من العمارة، وحتى إن وجد فهو قليل بالنسبة للقرى المجاورة، وحتى السكنات الأرضية، في هذا الإطار، قال مير شطايبي السيد علاوة عياشي أن المشكل المطروح هو صعوبة تضاريس المنطقة والجبال المحيطة بها إذ يصعب كليا استقدام أنابيب الماء من الينابيع الموزعة على مستوى أعالي جبال شطايبي، وأضاف أنه من بين المشاريع الخاصة بالتزود بالمياه الصالحة للشرب، تخصيص أكثر من 2 مليار سنتيم  لنقل الماء من المنبع الرئيسي الواقع بقرية عين عبد الله وصولا إلى العزلة، بالإضافة إلى استغلال منبع عين ملاون والذي سيدعم سكان قريتي الزقع والبهلول قريبا مذكرا بأن بلدية شطايبي السياحية تحتاج الماء لإنجاح موسم الاصطياف الحالي.

مرفأ الصيد هيكل بدون روح

ينشط في المرفأ، حسب إحصائيات مصالح بلدية شطايبي، نحو 540 صيادا موزعون ما بين 260 منصبا دائما و280 صيادا آخر غير شرعي أغلبهم اضطروا لبيع قواربهم في ظل نقص الثروة السمكية بسواحل المنطقة، وهو ما يسبب لهم متاعب يومية مقابل دخل لا يتعدى بعض مصاريف الجيب التي لا تحقق هي الأخرى طلبات عازب فما بالك بعائلة تتكون من 8 أفراد.

وحسب بعض الصيادين، فإن منتوج القارب الواحد يقتصر على كميات ضئيلة، حيث بلغ عدد صناديق السمك التي يتم إخراجها من الميناء مابين 6 إلى 10 صناديق، وهي الوضعية التي دفعت الكثير من مهنيي الصيد إلى التوقف عن النشاط والتوجه إلى البناء أو رعي الأغنام، في الوقت الذي أصبح فيه أغلب رؤساء وملاك السفن يعزفون عن الإيجار لفترات وصلت لدى بعضهم إلى 20 يوما، تفاديا لخسائر إضافية، حيث كشف أحد الصيادين أنه لم يتمكن منذ 4 أشهر من تغطية مصاريف مادة المازوت وتكاليف اشتراكات الضمان الاجتماعي، وبلغة الأرقام يتواجد بالمرفأ حاليا 150 قاربا معروضا للبيع في حال استمرار هذه المشاكل، وهو ما جعل عشرات الصيادين يرفعون بعض مشاكلهم للجهات المختصة لتعزيز قواربهم ماديا وتمديد مدة تسديد القروض بالنسبة للمستفيدين من مشاريع الاستثمار الصيدي، كما طالب الصيادون بقاعة تبريد للميناء من أجل حفظ غنيمة الصيد في ظروف صحية معمول بها.

الانسداد عرقل إخراج البلدية من الفقر

لمير شطايبي مشكلة مع الأرقام وهو ما لاحظناه خلال إعداد هذا الروبرتاج، حيث لم يعطنا أي رقم دقيق لنسبة البطالة بالبلدية وعدد البرامج التنموية والمشاريع التي جسدت في عهدته والتي توشك على الانتهاء والتي لم تخل إلا من تعبيد نحو 12 كلم من الطرقات، ومدها على طول القرى المجاوة والتي تربطها بمدينة شطايبي مركز، ناهيك عن محاربة ظاهرة انتشار المواشي ومعاقبة أصحابها عن طريق تسجيل المخالفات، التي تعتبر هي الأخرى ضريبة تنزف جيوب الزوالية ومن بين الإحصائيات التي حصلت عليها «المساء» رصد 250 مليون سنتيم، لإنجاز الطرقات المحورية وأخرى مؤدية لشواطئ الرمال الذهبية والخليج الغربي، وتمتد لتصل إلى منطقة سيدي عكاشة. وأكد المير أن الإنجازات «كثيرة» مقارنة بالانسداد الحاصل على مستوى المجلس الشعبي البلدي والصراعات الداخلية بين بعض أعضائه وهو ما تسبب في عرقلة بعض البرامج خاصة منها الاستثمارية على غرار السكن والشغل والفلاحة.

فلاحة منسية ومضيعة وقت للمزارعين

تتوفر شطايبي على نسبة 80 بالمائة من الكثافة الغابية والمساحة المتبقية منها عبارة عن أراض خصبة وأخرى بور تحولت مؤخرا إلى مراع ومساحات لتربية الأبقار والماعز والدواجن، وحسب المير فإن الفلاحة بالمنطقة متوقفة بسبب نقص برامج الدعم الفلاحي، إلى جانب غياب موارد السقي. ومن بين المحاصيل الموسمية الأكثر اهتماما من طرف الفلاحين الطماطم الصناعية والقمح ومشتقاته، بالإضافة إلى الدلاع ومنتوجات أخرى يعتمد عليها المزارعون لتوسيع نشاطهم الزراعي، والحرص على تحقيق الأمن الغذائي لسكان القرى الذين يجدون صعوبة في التنقل إلى مدينة عنابة لاقتناء حاجياتهم اليومية.

من جهة أخرى، ورغم وفرة الأبقار إلا أن الفلاحين يعرضون الحليب والألبان في السوق السوداء، وهو أكبر مأزق يقع فيه المربون وعددهم 20 مربيا، حيث يضيعون حقوقهم دون الحصول على أي تعويض من طرف جامعي الحليب ومشتقاته وهو ما كشفه لنا أحد الفلاحين الذي اعتبر أن ممارسة الفلاحة مضيعة وقت بشطايبي لأنها لا تدر عليهم بالأرباح.

نقص العقار يرهن حلم ساكني البناءات الهشة

استفادت بلدية شطايبي على مدار 5 سنوات من حصة 60 مسكنا اجتماعيا، لكنها لا تزال تراوح مكانها. ورغم أن هذا البرنامج عمره 10 سنوات إلا أن المقاولات تركته في بدايته بسبب نقص التمويل والدعم من طرف الجهات المعنية، وبالنسبة للسكن الريفي فتم بناء 130 مسكنا وهي برامج قليلة مقارنة بطموحات السكان ورغم الخريطة الجديدة التي تنتهجها البلدية لتغطية العجز في قطاع السكن إلا أن ذلك حال دون القضاء على المباني غير اللائقة، وهو ما اعتبره رئيس البلدية محاولة وخطوة جريئة لإخراج هذا الدوار الكبير من العزلة التنموية، ولو أن الحصص المقدمة غير كافية، وفيما يخص التحصيصات الخاصة بالسكن الاجتماعي سيتم تسويتها قريبا حسب المسؤول الأول عن البلدية، وفيما يتعلق بملف الشغل فإنه حسب البطالين إجحاف في حقهم وتلاعب بمصيرهم حيث يجدون شواطئ البحر والمقاهي ملاذا لكسر الرتابة اليومية علما أن هناك 400 عقد تشغيل منها ما يخص الشبكة الاجتماعية. ومن بين المشاكل التي أشار إليها المير النقل رغم توفر 6 حافلات لنقل المسافرين إلا أنها حسب المتحدث تضمن تغطية دائمة للخط الرابط بين عنابة وشطايبي مركز على طول 68 كلم، وقد يتعلق ذلك بنقص عدد المسافرين وعدم تنظيم خريطة النقل التي تخص المناطق شبه الحضرية. النقل المدرسي هو الشأن الوحيد الذي لم يطرح في هذه القرية الكبيرة، إلى جانب توفير المطاعم المدرسية على مستوى 7 تجمعات، ثانوية ومتوسطة، وفيما يخص الصحة لم يشكو المرضى من أعباء التنقل نحو عاصمة الولاية منذ بناء عيادة متعددة الخدمات لأخذ حقنة أو مراجعة طبية عادية.

شطايبي.. جنة منسية رغم خليجها العالمي

تعتبر منطقة شطايبي جنة فوق الأرض، لأنها تتوفر على الخليج الغربي الذي يعتبر من أكبر خلجان العالم بعد خليج ريو ديجانيرو، وهي مصنفة عالميا بعد أن حظيت باهتمام المنظمة العالمية للمحميات خاصة وأن لها أجمل لوحة فنية وإبداعية تظهر من خلال شروق وغروب الشمس من مكان واحد، ناهيك عن جزيرة «قلميس» التي تعتبر محج العرسان الجدد وحتى الشعراء والفنانين. شطايبي تبقى من المناطق السياحية المهمشة في الجزائر رغم وعود العديد من المسؤولين والوزراء الذين تقلدوا منصب وزير السياحة لتحويلها إلى مدينة نموذجية في الترويج للسياحة بمختلف أنواعها، إلا أن الأموال استهلكت في الطرقات دون إقامة الفنادق والقرى السياحية.

إعدادنا لهذا الروبورتاج كان مبرمجا في أجندة العمل لبداية 2017، إلا أن وعد الوالي السابق، يوسف شرفة، بتغيير النمط السياحي لشطايبي خلال موسم الاصطياف عطل عملنا، حيث انتظرنا تغير الحال، لكن الرغبة في نقل الواقع كانت أكبر، حيث تفاجأ فور وصولنا للمنطقة أن لا شيء يوحي بأن هذه المدينة على موعد مع موسم الاصطياف.. فوضى في ترتيب المرافق الخاصة بالشواطئ المسموحة للسباحة منها الخليج الغربي، شاطئ الرمال الذهبية 1 و2 و3 فهي مجرد مساحات شاطئية غير مستعدة لاستقبال سيل إضافي من البشر لأنها ضاقت خلال الأشهر الأخيرة من عبث المسؤولين، رغم أن رئيس بلدية شطايبي يراهن على استقطاب أكبر عدد من السياح بعد استقبال خلال سنة 2016 والسنة التي سبقتها لنحو 30 ألف مصطاف، لحد كتابة هذه الأسطر تم تنصيب 7 شاليهات من مجموع 30 حسب المير، حيث يتابع العملية أحد المستثمرين الخواص ويتبع هذه النقائص انعدام المطاعم وفضاءات الترفيه والراحة ويبقى الأمل الوحيد للسياح استقدام الأكل والماء من عنابة مركز في الوقت الذي تبقى فيه شطايبي مجرد مركز عبور يتمتعون فيه بنقاء الهواء أو الذهاب إلى سيدي عكاشة الذي يتواجد بين ولايتي سكيكدة وعنابة الذي مازال محل صراع بين الجارتين وهو ما زاد في إهماله وبقائه مجرد مزار لإقامة الوعدات وتقديم القربان للأولياء والصالحين.