سكيكدة

معالم أثرية وتاريخية في طيّ النسيان

معالم أثرية وتاريخية في طيّ النسيان
سكيكدة.. معالم أثرية وتاريخية في طيّ النسيان
  • القراءات: 4799
بوجمعة ذيب بوجمعة ذيب

مازالت العديد من المواقع والمعالم التاريخية والأثرية بعاصمة روسيكادا، تعاني من الإهمال والنسيان شبه المبرمج أمام صمت الصامتين الذي يصل إلى حد التواطؤ. ورغم قوانين الجمهورية والتعليمات الصارمة التي تؤكد على ضرورة إيلاء أهمية قصوى لها، خاصة أنها تشكل جزءا من ذاكرة مدينة سكيكدة وتشكل أيضا جزءا من تاريخها بحلوه ومره، ورغم الأموال الضخمة التي رُصدت طيلة أكثر من 20 سنة للارتقاء بهذه الكنوز الأثرية التي تعد إحدى الأوراق الرابحة لإنعاش السياحة الثقافية بعاصمة التاريخ، إلا أن "دار لقمان" تظل على حالها.

"البنكار" وجه آخر لمعلم تاريخي مهمل

من بين تلك المعالم التاريخية التي طالتها أيادي الإهمال بعد تحولها على مدار سنوات إلى ملجأ للمنحرفين والشواذ، ما يُعرف بـ "البنكار"، وهو موقع يتواجد في الجهة الشمالية أعلى جبل الموادير بمرتفعات بوعباز والمطل على منطقة طريق المعز وعلى خليجي فلفلة وسطورة.

وحسب المراجع التاريخية وبعض المصادر، فإن هذا المبنى الذي يعد الوحيد تقريبا بسكيكدة، تم إنجازه على شكل حصن منيع سنة 1939 خلال الحرب العالمية الثانية من قبل القوات الاستعمارية، لمواجهة الطائرات والزوارق الحربية للقوات النازية والفاشية، جزء كبير منه بُني تحت الأرض على طول حوالي 10 أمتار وبعمق أكثر من متر، والباقي تم تحصينه مع ترك فراغات على شكل نوافذ لمواجهة الطائرات والبوارج الحربية بالمدفعية والأسلحة المضادة للطائرات. وإلى جانب هذا يتكون "البنكار" من بابين؛ الأول يؤدي إلى غرفة الذخيرة والعتاد، والثاني يؤدي إلى غرفة العمليات، لتنتهي بثلاث نوافذ حجرية نصف دائرية؛ النافذة الأمامية الرئيسة ذات 180 درجة.

أما باقي النوافذ الشرقية والغربية فدرجتها أقل، ولازالت إلى اليوم آثار منصة المضادات موجودة في أرضية الغرفة، ثم قام المستعمر بتحويل المكان إلى شبه قلعة لمراقبة الواجهة البحرية والمدينة من تحركات مجاهدي الثورة التحريرية المظفرة. ورغم أن المعلم يوجد في حالة جيدة إلا أنه يبقى يعاني من الإهمال واللامبالاة بعد أن أصبح وكرا للمنحرفين. وأكثر من ذلك، فالعديد من شباب هذا الجيل لا يعرفون حقيقة هذا المكان، الذي كان على السلطات المحلية العمل على حمايته، ومن ثم جعله قبلة للزوار والسائحين؛ ما سيعزز مكانة سكيكدة خاصة في المجال السياحي والثقافي وحتى التاريخي.

متى يُنفض الغبار عن منبع سيدي أحمد الأثري؟

ونفس المصير يعاني منه المنبع الروماني والأثري سيدي أحمد المعروف باسم "لبريز دو" أو بالترجمة العربية "مكان أخذ الماء"، الذي كان يزود الآبار السبع الرومانية المتواجدة بمرتفعات بويعلى بمدينة سكيكدة المعروفة حالية بحي "سبع بيار"، بماء الشرب؛ من خلال أنفاق وقنوات أنجزها الرومان بطريقة عجيبة، مكنت من توصيل المياه من تلك الآبار إلى غاية الخزانات الرومانية المصنفة، ومنه تزويد عاصمة روسيكادا قديما بالماء الصالح للشرب.

كما قامت السلطات الاستعمارية سنة 1851، بإعادة تأهيله حتى يتسنى لها تزويد سكيكدة الاستعمارية بالماء، تماما بنفس الطريقة الرومانية. ورغم أهمية المنبع إلا أنه هو الآخر يعاني من الإهمال والتسيب بعد أن حاصرته الحشائش الضارة والأتربة؛ إذ لم يعد يحمل سوى الاسم. ويتأسف العديد من مواطني سكيكدة للوضع الذي آل إليه المنبع من تجاهل الجهات المختصة، التي كان عليها حماية مثل هذه المواقع الأثرية القديمة؛ كونها تشكل جزءا من تاريخ عاصمة روسيكادا، ليبقى في كل هذا المنبع الروماني سيدي أحمد من الينابيع المباركة عند السكيكديين.

الخزان الروماني ينتظر التفاتة

أما الخزان الروماني المتواجد بسطورة والذي يعود للفترة الرومانية الأولى، فإنه مازال ينتظر التفاتة وزارة الثقافة لتصنيفه كمعلم أثري محمي كغيره من المعالم المصنفة، خاصة أنه يوجد في القائمة الإضافية للجرد منذ سنة 2010. والأكثر من ذلك فإنه لم يستفد من مشروع الحماية والتثمين على غرار المعالم الأخرى. ورغم قيمته التاريخية إلا أنه مايزال في وضع كارثي للغاية بفعل عوامل الزمن والإنسان، ومنه الإهمال الذي طاله.

للتذكير، فإن خزانات سطورة الرومانية الثلاثة تُعد من بين أهم المعالم الأثرية التي تزخر بها سكيكدة، وهي عبارة عن مواضع لتخزين المياه، تم إنجازها خلال الفترة الرومانية مباشرة بعد استقرار الرومان بسكيكدة حوالي 44ق.م.

الحديقة الأثرية في وضع كارثي

وفي ما يخص الحديقة الأثرية المتواجدة بمدينة سكيكدة أو ما بقي منها، فإن وضعها الحالي يطرح أكثر من سؤال خاصة بعدما تهدم جزء من الجدار الواقي منذ أكثر من ثلاث سنوات، ما أدى إلى إتلاف العديد من الآثار التي كانت متواجدة، والتي يؤرخ معظمها لجزء من تاريخ سكيكدة العريق والمؤلم. وحسب المواطنين

فرغم المراسلات التي وجهت لمديرية القطاع من أجل التدخل لحماية ما يمكن حمايته، إلا أنه "لا حياة لمن تنادي!". ويناشد المواطنون عبر جريدة "المساء"، وزيرة الثقافة ضرورة إرسال لجان للتحقيق في واقع التراث بسكيكدة، الذي يعيش الإهمال الكلي، وحتى عمليات الترميم التي خضعت لها بعض المواقع كالمسرح الروماني منذ سنوات طويلة، فإن عملية التهيئة والترميم لم تكن حسب المواصفات العلمية والعالمية، وكدليل على ذلك المسرح الروماني الذي أُفرغ من محتواه. وحتى السور الروماني المتواجد بأعالي باب الأوراس يعاني هو الآخر الإهمال.

وعبّر مواطنون اتصلوا بـ "المساء"، عن استيائهم من أشغال الحفر العشوائية التي تقوم بها شركة متخصصة في الري بدون احترام الموقع الذي يضم، حسب العارفين بخبايا سكيكدة، مواقع أثرية، ورغم التقارير التي تم رفعها إلى الجهات المسؤولة إلا أن الأمور مازالت على حالها.

المسجد العثماني اغتاله التهميش

وفي ما يخص المسجد العثماني الواقع بمنطقة بني ولبان غرب ولاية سكيكدة والذي يُعد واحدا من بين أهم المعالم التاريخية التي تزخر بها المنطقة، ورغم ما قيل عنه إلا أنه مايزال يعاني هو الآخر، من الإهمال والإجحاف. وحسب مصادر تاريخية مختلفة تم جمعها من هنا وهناك، فإنها تشير إلى أن هذا المسجد بنته الداية لالة عزيزة زوجة رجب باي قسنطينة، حوالي سنة 1666 م بأحد مرتفعات جبل سيدي إدريس الذي يبلغ ارتفاعه 1283 مترا، ليعاد ترميمه بأمر من صالح باي حاكم قسنطينة، خلال فترة حكمه على بايلك الشرق. وفي سنة 1847 وخلال التواجد الاستعماري ببلادنا، أعيد ترميمه من جديد من قبل الأهالي، حيث كان منارة لطلاب العلم والشريعة، وتُعد منارته التي أنجزت على الطابع الأندلسي ولازالت قائمة إلى يومنا هذا، إحدى أقدم المنارات في الجزائر قاطبة.

للإشارة، يؤرخ هذا المسجد لحقبة التواجد العثماني بمنطقة بني ولبان، التي تُعد من بين أقدم المدن الرومانية بالجزائر وبشمال إفريقيا، إذ كانت تسمى "سيلتيانا" وتحكمها الملكة "زورقانا"، ليتم تسميتها من قبل الفاتحين المسلمين باسم "الزرقاء" المشتق من اسم ملكتها "زورقانا"، في حين سماها الأتراك باسم "ابن ولبان"، وهو اسم الجد الأول لقبائل بني ولبان الأمازيغية المنحدرة من قبيلة "كتامة البربرية"، وقد اتخذها الأتراك - حسبما أشارت إليه مختلف المصادر التاريخية - كمعبر استراتيجي يربط مدينتي قسنطينة والقل.

وللعلم، قاوم السكان الأصليون لقبيلة بني ولبان المعروفون بالولبانيون، بشراسة، تواجد الأتراك بمنطقتهم إلى غاية تدخل مشايخ المنطقة، حيث تم عقد الصلح بينهم وبين الأتراك في زاوية سيدي إدريس، ليبقى السؤال مطروحا: متى يُنفض الغبار عن المسجد العثماني الذي يبقى بحاجة ماسة جدا إلى التفاتة المعنيين بشؤون الثقافة بالولاية، من خلال القيام بعملية بحث وتنقيب واستعلام، تنتهي بإعادة تصنيفه حتى يساهم في إنعاش السياحة بالمنطقة التي تُعد قطبا سياحيا بامتياز، خاصة أنها تزخر بكنز تراثي متنوع يمثل مختلف الحقب التاريخية.

وحسب المعلومات التي جمعتها "المساء" من خلال مراجع عدة، فإن ابن خلدون والفاتح عقبة بن نافع قد مرا بالمنطقة. كما تضم المنطقة 17 موقعا أثريا رومانيا ذات أهمية تاريخية كبيرة. وتبقى العديد من المعالم الأثرية بسكيكدة بحاجة إلى اهتمام كبير والتفاتة خاصة من قبل وزارة الثقافة وحتى وزارة المجاهدين، سيما أمام الوضع المزري الذي آلت إليه، فهل سيتم فتح ملف المعالم الأثرية والثقافية بعاصمة روسيكادا من قبل أعلى هيئة في البلاد؟