ترميم المدينة القديمة بعاصمة روسيكادا

مشروع ما زال يراوح مكانه

مشروع ما زال يراوح مكانه
  • القراءات: 1779
❊بوجمعة ذيب ❊بوجمعة ذيب

ما زالت عملية ترميم المدينة القديمة بعاصمة روسيكادا تراوح مكانها، بعد 03 سنوات من انطلاق الأشغال الكبرى التي حولت وسط المدينة إلى شبه ورشة، ورغم ما قيل حينها عن أن السكنات القديمة، خاصة المتواجدة على امتداد طول شارع الأقواس، ستسترجع بريقها بعد أن تعيد للمدينة وجهها الجميل، لاسيما أن الترميمات ستكون على شاكلة التي عرفتها مدينة برشلونة بإسبانيا، وأسندت لمقاولات متخصصة، ومنذ ذلك الحين وأبناء المدينة يتطلعون بفارغ الصبر لأن يشاهدوا مدينتهم وقد ارتقت فعلا إلى مصف المدن المتوسطية الراقية، لكن تجري الرياح بما لا يشتهيه السكيكديون، بعد أن لاحظوا أن المشروع يخطو خطوات السلحفاة، ناهيك عن المشاكل الأخرى التي طفت على السطح، وحتى الأجزاء التي خضعت كمرحلة أولى لعملية الترميم، لم تكن في المستوى، إذ لم تصمد أمام التقلبات الجوية الأخيرة، دون إغفال الدور السلبي للمواطنين الذين عملوا على تشويه أعمدة أروقة روسيكادا التي جددت، والمحير في كل ذلك، يبقى غياب المراقبة من طرف الجهات المختصة، أمام غياب الوعي والحس المدني..

مليار دينار لترميم المدينة القديمة

حظيت المدينة القديمة بعاصمة روسيكادا، أمام الوضع المزري الذي آلت إليه بناياتها، باهتمام خاص من قبل الجهات المسؤولة على المستوى المركزي، خاصة أن سكيكدة، المدينة المتميزة بطابعها المعماري الذي يعود إلى السنوات الأولى من الاحتلال الفرنسي، تعد مدينة فريدة من نوعها وطنيا، إذ أنجزت ـ حسب العارفين بتاريخها ـ على النمط الموريسكي العربي الأوروبي، لذا رصدت الحكومة آنذاك، غلافا ماليا قدره 1.5 مليار دينار لإعداد دراسة علمية دقيقة لـ127 بناية قديمة، تضم في مجملها 604 مساكن، أسندت للمكتب آكويدوس الجزائري الإسباني، وعلى ضوء تلك الدراسة، ستخضع بنايات المدينة القديمة للترميم، تماما كما رممت مدينة برشلونة بإسبانيا.

انطلقت الدراسة التي استغرقت 15 شهرا، ومست ما يقارب 80 ألف متر مربع من المباني القديمة المتواجدة بالشارع الرئيسي ديدوش مراد، أو ما يعرف بشارع الأقواس، ومكنت من إعطاء تقييم شامل عن كل بناية ستخضع لعملية ترميم الأجزاء الأكثر تضررا، باستعمال تقنيات جد متطورة وعالية، وفعلا بعد أشهر من الدراسة التي سخرت لها إمكانيات كبيرة، خصوصا المادية منها، تم الشروع في أولى العمليات الاستعجالية المتمثلة في تأمين البنايات المهددة بالانهيار، بغرض حماية المواطنين والسكان والتجار مما قد يتعرضون له، بفعل الانهيارات المفاجئة التي قد تحدث، تليها عملية ترميم المباني المعنية، حسب دفتر شروط، مع الأخذ بعين الاعتبار المحافظة على الطابع المعماري للبنايات، فيما ظل المواطن طوال أشغال الترميم ينتظر بفارغ الصبر أن يرى بنايات مدينته التي كان يطلق عليها باريس الصغيرة، قد بدأت تسترجع بريقها، لكن وبعد الانتهاء من ترميم الجزء الأول من الحصة 14 لبنايات سكيكدة العتيقة، والتي مست 4 عمارات تضم في مجملها 19 مسكنا و16 محلا تجاريا، أسندت لمؤسسة محلية مؤهلة، لاحظ المواطنون أن العملية لم تكن سوى عملية ترقيع وبريكولاج، مست أساسا الواجهة الأمامية لتلك البنايات فقط، دون الحديث عن النوعية التي كانت جد رديئة، تفتقر للمسة جمالية، بينما ظلت السكنات المهددة بالانهيار تماما كما هي.

أوبيجيي سكيكدة تتفرج

بغض النظر عن رداءة الأشغال التي لم تصل إلى مستوى العمل الفني المطلوب، حسب المعاينة التي قمنا بها، فإن هذا المشروع وعلى أهميته، اعترضته العديد من العوائق، حالت دون إتمامه بالكيفية المطلوبة تماما كما جاء في دفتر الشروط، من بين تلك العوائق التي كانت سببا في تأخر عملية ترميم مباني النسيج العمراني القديم بقلب عاصمة روسيكادا، حسب مصدر من ديوان الترقية والتسيير العقاري للولاية؛ رفض عدد كبير من تجار شارع الأقواس المعنية محلاتهم بأشغال الترميم، إخلاءها لتمكين المقاولة من مباشرة أعمالها، نفس الشيء بالنسبة للسكان، رغم الوعود التي أعطيت لهم بترحيلهم إلى سكنات جديدة بصفة مؤقتة، جلها يقع في المدينة الجديدة بوزعرورة، على أن يخيروا عند الانتهاء من الأشغال، إما بالعودة إلى مساكنهم الأصلية، مع إرجاع المسكن المسلم لهم، أو البقاء في سكناتهم الجديدة، والتنازل عن مسكنهم القديم المرمم، وهذا ما يفسر ـ حسب نفس المصدر ـ اقتصار عملية الترميم على الواجهة الخارجية، فيما عجز مسؤولو ديوان الترقية والتسيير العقاري للولاية عن التحرك، قصد إيجاد حل للمشكل..

في نفس السياق، تفاجأ والي سكيكدة السيد عروة عيسى، بسلبية ديوان الأوبيجيي في تعامله مع السكان الذين يرفضون مغادرة سكناتهم الهشة التي تشكل خطرا حقيقيا عليهم، عند سماعه رد مدير ديوان التسيير العقاري للولاية على انشغالات أعضاء المجلس الشعبي الولائي، خلال دورته الأخيرة التي خصصت لملف السكن، حول أسباب التأخر الذي يشهده المشروع، الأمر الذي جعله يذكره بضرورة اتباع الإجراءات القانونية المطلوبة، من إعلام الأسر المعنية وتحسيسها بترك سكناتهم، حتى تتم عملية الترميم في أحسن الأحوال، إلى توجيه إعذارات لهم عن طريق المحضرين القضائيين، إضافة إلى تخصيص البناية التي ستحتضن هؤلاء السكان مؤقتا...

إعادة إخضاع 250 بناية عتيقة لخبرة ثانية

لأن العديد من سكنات الأقواس لم تعد قادرة على تحمل أثر السنين، أمام الانهيارات المتتالية التي أضحت تشهدها بين الفينة والأخرى، فقد تقرر بطلب من مصالح الولاية، إعادة إخضاع أكثر من 250 عمارة مصنفة في الخانة الحمراء، لخبرة ثانية أسندت للهيئة التقنية لمراقبة البنايات للشرق، مع العلم أن نفس العمارات سبق أن خضعت للخبرة الأولى من قبل مكتب الدراسات الجزائري الإسباني آكويدوس سنة 2012، وكان الغرض من إعادة إجراء تلك الخبرة، معرفة السكنات المهددة فعليا بالانهيار، حتى يتم التكفل بالعائلات، في إطار عملية الترحيل التي أطلقتها السلطات المحلية منذ أكثر من سنة، ومست قاطني سكنات المدينة القديمة المصنفة في الخانة الحمراء.

إعذار مكتب الدراسات الأجنبي

على شاكلة المسلسلات التركية التي لا تنتهي، قررت مصالح الولاية مؤخرا، أمام التأخر الكبير الذي يعرفه مشروع ترميم مباني المدينة القديمة بسكيكدة، تم توجيه إعذار أخير لمكتب الدراسات الأجنبي المكلف بإعداد الدراسة الخاصة برد الاعتبار، قصد إلزامها بالشروع حالا في إتمام عملها،  خصوصا من الجانب المتعلق بالدراسة التقنية التي تعرف تأخرا كبيرا، قبل اللجوء إلى فسخ العقد وإسناده لمكتب دراسات آخر، مما يعني أنه إذا تم الفسخ، فإن مسلسل تأخر أشغال إعادة الاعتبار لبنايات المدينة القديمة يبقى متواصلا.

أكبر مشروع في برامج التنمية المحلية

يُعد مشروع ترميم مباني النسيج العمراني القديم بقلب المدينة، من بين أهم وأكبر المشاريع التي تم تسجيلها في مدونة برامج التنمية المحلية بسكيكدة، إذ خُصص له غلاف مالي إجمالي قدر بـ 1.5 مليار دينار، يشمل الدراسة وأشغال الإنجاز التي تم تقسيمها إلى 24 حصة، وقد تم الشروع في عملية الترميم بعد الانتهاء من الدراسة التي أُسندت إلى المجمع الجزائري الإسباني، المكون من هيئة الرقابة التقنية للشرق، ومكتب الدراسات الإسباني آكويدوس، بغلاف مالي يزيد عن 425.5 مليون دينار. للتذكير، اشتملت  الدراسة على الأشغال الاستعجالية المؤقتة وأشغال رد الاعتبار، حيث يهدف الشق الأول منها إلى تأمين محيط التدخل، وحماية الأشخاص والممتلكات من خطر تهديم بعض البنايات التي تتطلب التدخل العاجل، لأن الأشغال المبرمجة لا تتكيف مع آجال إجراءات إبرام الصفقات العمومية.

السكيكديون يطالبون بلجنة تحقيق

ناشد العديد من المواطنين، من خلال حديثهم مع المساء، الجهات المسؤولة على المستوى المركزي، إيفاد لجنة تحقيق رفيعة المستوى، للوقوف على ما يسمونه بفضيحة ترميم النسيج العمراني القديم بسكيكدة، أمام رداءة الأشغال التي مست الحصة الأولى، وثانيا التأخر المسجل في المشروع، خاصة أن المبلغ الذي تم رصده كبير، ويتأسف السكيكديون الذين تحدثوا معنا، عن تبذير المال العام في أشغال لم ترق إلى المستوى المطلوب، أمام صمت الجميع... فهل سيفتح ملف ترميم المدينة القديمة لسكيكدة؟