محلات بيع الألبان والأجبان بمدخل حمام ملوان (البليدة)

محطة توقف إجباري لعشّاق الذوق المميّز

محطة توقف إجباري لعشّاق الذوق المميّز
  • القراءات: 905
رشيدة بلال رشيدة بلال

تمكن باعة الألبان  والأجبان على الطريق المؤدي إلى الفضاء السياحي حمام ملوان، بولاية البليدة، على مدار سنوات، من حمل الزوّار الذين يقصدون المنطقة، على التوقّف بغية شراء ما يعرض من متتوجات مختلفة الأذواق، معدّة بطريقة طبيعية ومنكّهة بما تنتجه جبال المتيجة من أعشاب عطرية، وأمام الإقبال الكبير سعى الصنّاع إلى توسيع نشاطهم من خلال فتح ورشات لرفع الإنتاج والقيام بتربية الأبقار والماعز لتوفير الحليب، والخضوع  لتربصات مكّنتهم من إدخال أنواع جديدة كالأجبان السورية على غرار "اللبنة" والأجبان اليونانية و"الموزاريلا" الإيطالية، رغبة منهم في إرضاء كلّ الأذواق. 

سمحت الزيارة التي قادت "المساء" إلى المنطقة السياحية حمام ملوان، التابعة لدائرة بوقرة بولاية البليدة، بالوقوف على الإقبال الكبير للزوّار على باعة الألبان والأجبان بالطريق المؤدي إلى مدخل مدينة حمام ملوان، حيث تحوّلت محلات بيع الأجبان إلى منطقة توقّف إجباري، يرتادها الزوّار الذين يقصدون المنطقة للسياحة أو للتداوي بمياهها المعدنية، لشراء ما أبدع الصنّاع في عرضه من أجبان  في أشكال وأذواق مختلفة.

وحسبما رصدته "المساء" على ألسنة بعض الزوّار فإنّ أجبان حمام ملوان، أخذت شهرة  كبيرة تعدّت حدود ولاية البليدة، بفضل ذوقها المميّز وطريقة صنعها التقليدية، ووفق ما جاء على لسان زائر من ولاية الشلف فإنّ ما دفعه إلى زيارة المنطقة هو رغبته في اكتشاف هذه المدينة الصغيرة المفعمة بالحياة التي ذاع صيتها، ولأنّ المحلات تقع على الطريق المؤدي إلى الحمام وبدافع الفضول رغب في تذوّق ما يعرض من أجبان نالت إعجابه كلّها، خاصة تلك المنكّهة بالأعشاب العطرية كالزعتر والزعيترة؟

فيما أكّد زائر آخر من ولاية المدية، أنّه يقصد المنطقة كلّ يوم جمعة، لشراء بعض أنواع الجبن التي لا توجد إلاّ في المنطقة، كما يغتنم الفرصة لتناول الغداء في أحد المحلات التي خصّصت مكانا لشرب لبن البقر بكسرة الشعير. أما السيدة "نورية. ن" التي قصدت المنطقة من العاصمة، رفقة والدتها التي تعاني من آلام في المفاصل، حيث نصحها الأطباء بضرورة العلاج بالحمامات المعدنية، وبحكم أنّها تزور المنطقة لأوّل مرة، فاستوقفها باعة الأجبان فقرّرت النزول من سيارتها لاستكشاف ما يباع، وكانت فرحتها كبيرة بتذوّق الأنواع المختلفة من الأجبان خاصة وأنّها من محبي كلّ مشتقات الحليب، معربة عن استحسانها للمجهودات المبذولة من طرف الصنّاع لتقديم أنواع مختلفة من الأجبان محلية الصنع، خاصة تلك المنكّهة بالأعشاب العطرية التي أعطت الأجبان أذواقا مميّزة.

من بيع الألبان إلى التخصّص في الأجبان

اقتربت "المساء" من بعض الباعة، وعن سرّ الشهرة التي اكتسبوها من بيع الألبان والأجبان، كشف عمي جيلالي سفانجي، في دردشته عن أنّ بدايته على غرار أغلب الباعة كانت بتحضير لبن البقر وبيعه على الطريق، وبالنظر إلى الإقبال الكبير للزوّار الذين يقصدون المنطقة للتداوي أو السياحة من  كلّ ولايات الوطن، خاصة في فصلي الربيع والصيف، فكّر في توسيع نشاطه بإدخال الأجبان، حيث كانت الانطلاقة ببعض الأجبان المعروفة بالولاية والمعدّة من حليب الماعز والبقر وشيئا فشيئا، أدخل بعض الأنواع الأخرى كأجبان الماعز، مشيرا إلى أنّه يسعى اليوم إلى التخصّص أكثر في إنتاج الأجبان بالطريقة الطبيعية من خلال تجريب بعض الوصفات التقليدية وإدخال بعض المنهكات من أعشاب وسوائل كزيت الزيتون وحتى الزيتون، وحسبه "فإنّ الطلب الكبير للزوّار على كلّ الأنواع خاصة منها زبدة البقر وبعض أنواع الجبن جعلهم كصنّاع ينتجون بعض الأنواع الجديدة  كالجبن المعدّ بالثوم والزعتر، والجبن الحار وجبن الزيتون وجبن الماعز بالزعيترة، جبن الدرسة الحارة والجبن المخلوط بالدرسة".

من جهة أخرى، أشار المتحدّث إلى أنّ بدايته في مجال الأجبان كانت من خلال صنع ما يعرف بـ«الجبينات" التي تحضّر في المنازل وتقدّم في شكل دائري على أوراق التين، حيث كان يعدّ من حليب الماعز الذي كان متوفّرا بكميات كبيرة، وبعدما  تراجعت تربية هذا النوع من الأغنام، عوّض بحليب البقر، ويعرف طلبا كبيرا خاصة من المصابين بالأمراض المزمنة لكونه خال من أيّ منكه.

من فكرة إلى صنعة متوارثة

تعود فكرة بيع الألبان والأجبان على الطريق المؤدي الى منطقة حمام ملوان، إلى المرحوم عمي موسى، الذي يعدّ، حسبما أكّده الباعة، من أقدم الصنّاع بالمنطقة، بدأ ببيع لبن البقر بالطريقة التقليدية عام 2003 عندما كان عاطلا عن العمل، حيث قرّر إحضار علبة معدنية وتحضير البن وبيعه في أكياس على حافة الطريق، وبعد الإقبال الكبير للزوّار وسّع نشاطه في مجال إنتاج اللبن بالطريقة التقليدية، من خلال فتح محل خاص بلبن البقر، وبعدها ورغبة منه في توسيع نشاطه في مجال إنتاج الألبان، أدخل في البداية بعض أنواع الأجبان المحضّرة بطريقة طبيعة خالية من أيّ مادة كيماوية، وحسب المتحدّثين فـ«هذا هو السرّ الذي أسهم في شهرة أجبان منطقة حمام ملوان"، حيث أنّ المادة الوحيدة التي يعتمد عليها هي الثوم وزيت الزيتون والملح، مؤكّدين أنّ الميزة التي جعلت الزوّار يتوقّفون للشراء هي وفرة بعض الأنواع من الأجبان التي لا تباع في مناطق أخرى، وهي أجبان الماعز والبقر، إلى جانب بعض الأنواع المنكّهة، واليوم أصبحت المنطقة تحوي على أكثر من ستة صناع لبيع الألبان والأجبان بطريقة جدّ احترافية والرقم مرشّح للارتفاع خاصة وأنّ هذه الصنعة، أصبحت تستقطب الشباب الذين يقومون بتربصات في مجال صناعة الأجبان".

..تذوّق ثمّ اشتر

من بين الخدمات التي يقدّمها صنّاع الألبان والأجبان بمنطقة حمام ملوان، التذوّق قبل الشراء، وحسب الشيخ عبد القادر صاحب  ملبنة، فإنّ أغلب الزبائن من الزوّار بمجرّد الوقوف بالمحل، يسألون عن أسماء بعض الأنواع ومكوّناتها، ويقول "حتى نضمن بأن ما يباع  لا يتم رميه نمكّن كلّ الزبائن من تذوّق المنتج قبل شرائه، وهي الخدمة التي لقيت استحسان كلّ الزوّار"، ويضيف "نسمح لهم بتذوّق كلّ الأنواع المعروضة التي يرغبون في شرائها ومن ثمة يختارون ما يشترونه عن قناعة، وفي بعض الأحيان نقوم بمزج بعض الأنواع أو ما يعرف بـ«ميلونج "خاص لبعض الأجبان السائلة المنكّهة نزولا عند رغبة الزبائن"  كما تقدّم أيضا خدمات أخرى لإرضاء الزبائن ممثلة في "تخصيص جزء من المحل لبعض الزوّار الذين يرغبون في تناول كسرة الشعير الساخنة بلبن البقر البارد، وعلّق محدّث "المساء" قائلا "إنّ بعض الزوّار من الذين يشعرون بالجوع عند الوصول إلى المحل يدخلون مباشرة لتناول وجبة الغداء حيث يمزجون بين اللبن والأجبان".

أما فيما يتعلّق بالأسعار، حسبما أوضحه عدد من الباعة "فتبقى تنافسية وفي متناول الزوّار الذين يمكنهم اقتناء الكميات التي يرغبون بها، حسب  ميزانياتهم"، مؤكّدين أنّ الأجبان التي تعرف ارتفاعا في ثمنها بالمقارنة مع باقي الأجبان الأخرى هي المعدّة من حليب الماعز لعدّة أسباب أهمها نقص إنتاج حليب الماعز، إلى جانب تسجيل تراجع بالأرياف والمناطق الجبلية في تربية  الماعز، الأمر الذي تسبّب في تسجيل نقص في إنتاج الحليب ما أثّر عليهم كمنتجين لأنّ كل ما يتم تحضيره من ألبان أو أجبان  مستخرج من حليب الماعز أو الأبقار.

قدر اللبن الدوّار ... عندما  يبدع الصانع لتغطية الطلب

ما شدّ انتباه "المساء" بكلّ المحلات التي تخصّصت في بيع الأجبان واللبن بالمنطقة وجود قدر كبير أو ما يعرف بـ "الطنجرة" مربوط بمحرّك يدور طيلة اليوم في حركة دائرية، والذي، اتّضح بعد سؤال البائع  عمي الجيلالي، بأنّ اللبن لم يعد يجري تحضيره يدويا بالنظر إلى الحاجة إلى تحضير كميات كبيرة، الأمر الذي دفع ببعض اللبانين إلى التفكير في ابتكار جهاز يسرّع عملية  تحضير اللبن ويعدّ كميات كبيرة، فكان ابتكار هذا الجهاز البسيط، الذي جرى تعميم استعماله بكلّ المحلات، ويشرح المتحدث "يوضع  فيه حليب البقر  ويظل الجهاز يدور طيلة اليوم ومن ثمة تستخرج زبدة البقر وكذا لبن البقر الذي يعتبر من أكثر الألبان التي تلقى طلبا" خاصة  أنّنا من المجتمعات المستهلكة  لطبق الكسكسي باللبن"، ويضيف "هي أيضا الفكرة التي جعلتنا نوسّع نشاطنا إلى بيع كلّ أنواع الكسكس الذي تشتهر به ولاية البليدة مثل كسكس البلوط والحمامة وكسكس القمح بالاعتماد على ربات المنازل من النساء اللواتي يحضرن الكسكسي في المنازل، إلى جانب خبز الخمير وخبز المطلوع وخبز الشعير  والفرينة والسميد" ، حيث يجلب إلى المحل لبيعه وبالتالي تمكننا من فتح المجال لعدد من النساء بفتح ورشات صغيرة بالمنازل لكسب قوتهن ودعم أسرهن. .".