"المساء" تتقفّى آثار الحياة بجبال الزبربر وسوق الخميس والقادرية..

قرى البويرة تحتضن أبناءها من جديد.. وتتخطى زمن العشرية السوداء

قرى البويرة تحتضن أبناءها من جديد.. وتتخطى زمن العشرية السوداء
  • القراءات: 1491
فاطمة الزهراء عباد فاطمة الزهراء عباد

التنمية بخطى متوازنة حافزٌ لتعمير الديار

قرىً هجّر أهلها الإرهابُ.. فأعاد لها الأمن والتنمية سكانُها

تخطت المناطق الجبلية النائية بولاية البويرة التي عانت من ويلات الإرهاب لسنوات طويلة بحكم موقعها المتوسط للسلسلة الجبلية، تخطّت واقعها الصعب، نحو واقع تنموي أقنع العائلات، التي فرت من سكناتها بالعودة إليها بعد استتباب الأمن بهذه المناطق، التي استفادت من برامج تنموية مختلفة ضمن برنامج الهضاب العليا، الذي مس مئات القرى التابعة لدائرتي سور الغزلان وبرج أخريص، قبل أن يأتي برنامج رئيس الجمهورية الخاص بمناطق الظل، ليزيد من قناعة السكان بضرورة الاستقرار في أراضيهم في ظل ما حمله من مشاريع كبرى، أعادت الحياة إلى هذه المناطق النائية، بنحو ألف مشروع تنموي مست الربط بالغاز والكهرباء، وتوصيل مياه السدود، وبرامج تنموية لاتزال تخطو نحو تحسين مستوى معيشة السكان، وتثبيتهم بمناطقهم.

... من قرى أشباح إلى وجهات سياحية وترفيهية

لا يكاد زائر عشرات القرى ببلديات البويرة، يصدّق ما عاشته هذه المناطق من ويلات الإرهاب خلال العشرية السوداء لولا الشهادات الحية التي يستذكرها من حين لآخر، بعض قاطنيها حول مدى بشاعة ما عانت منه، فلا أثر لمخلفات المجرمين التي مسحتها الصور التنموية، فالواقف أمام جدران المستوصفات والمدارس بصفة خاصة، لن يصدق أنها أُحرقت بالكامل، وهجرها تلاميذها لسنوات طويلة، بعد رد الاعتبار لها، وفتح أبواب أغلبها من جديد.

فمن جهتها قرية الزوابرية التابعة إداريا لبلدية زبربر بأعالي الأخضرية شمال غرب البويرة التي تُعتبر من بين أكثر المناطق التي عانت خلال سنوات الإرهاب، باتت الآن قِبلة للسياح بفضل ما تمتاز به هذه السلسلة الجبلية، من غابات، ساهم الأمن في استرجاعها لاخضرارها وجمالها، بالموازاة مع امتداد سد أسردون، الثاني بالجزائر من حيث قدرة استيعاب المياه، والذي أضحى وجهة سياحة وترفيهية حتى من خارج الولاية، ما بعث روح السكينة والطمأنينة من جديد، في سكان القرية التي هُجرت عن كاملها، قبل أن تعود لها الحياة مرة أخرى. تاملاحت التي، هي الأخرى، أُجبر سكانها على هجرها نحو عاصمة بلديتها أحنيف لسنوات طوال، إذ كانت معقلا للجماعات الإرهابية لموقعها الاستراتيجي بأقصى شرق ولاية البويرة، باتت، اليوم، وجهة هواة السياحة الجبلية والصيد، بعد مرافقة الدولة السكان، الذين قرروا العودة طواعية إلى أحضان تاملاحت، بفضل مختلف البرامج التنموية.

وتُعد قرية أولاد قلمام ببلدية سوق الخميس غرب البويرة، من بين القرى التي نجحت في تجاوز ما عاشته خلال سنوات العشرية السوداء، والتي عرفت تغيرا تنمويا، يظهر جليا من خلال منظر سكناتها الريفية الجديدة المتراصة على حافتي الطريق، في مشهد يبرز مدى إرادة الشعب في إعادة إعمار المنطقة، وما رافقه من برامج تنموية ساهمت في إنجاح إعادة تثبيت السكان بها، فها هي أولاد قلمام التي تُعتبر ثاني أكبر تجمع سكاني بالبلدية، تعود لتنافس المناطق الحضرية بطابعها العمراني الجديد، والذي تزيّنه المساحات الزراعية الخضراء، التي بدأت تزاحمها منشآت تربوية، ورياضية، وصحية، ضمن برامج تنموية، تسعى إلى التكفل بأبرز انشغالات ومطالب سكان المنطقة.

كما تعيش قرية السحاري بريدان، أقصى جنوب البويرة بحدود المدية، نهضة تنموية، مست عدة قطاعات، كانت مطالب ملحة لسكانها، من خلال برنامج الهضاب العليا ومناطق الظل، الذي سد عدة ثغرات خاصة في ما يتعلق بفتح المسالك وتهيئة الطرقات، والربط بالغاز والكهرباء الريفية التي زينت السكنات الريفية بها، ناهيك عن مشاريع تخص قطاعي الصحة والتربية، ودعم الفلاحة بهذه المناطق، التي يبقى مشكل السقي الفلاحي أحد أبرز انشغالات سكانها، على غرار أغلب قرى ومداشر بلديات الولاية.

المياه عائق آخر والدولة تمنح تراخيص بحفر الآبار

تشكو المناطق النائية على غرار باقي بلديات الولاية، أزمة مياه خانقة خلال السنوات الأخيرة في ظل قلة التساقط، ما وقف في وجه نشاط سكانها، والذي يعتمد عليه الكثير منهم كمصدر وحيد للرزق، وهي الوضعية التي دفعت بالجهات المسؤولة إلى اتخاذ جملة من التدابير الاحترازية لمواجهة الأزمة، إذ كشف مدير الموارد المائية عن اللجوء إلى المياه الجوفية لتغطية النقص المسجل في المياه الشروب، مع منح تراخيص بحفر الآبار الارتوازية، وإعادة استغلال المهجورة منها، والمتواجدة، حاليا، بكل من بلديات تاغزوت، وحيزر، والبويرة، وبئر اغبالو، والقاديرية، والجباحية، والأخضرية، وهو ما ستشرف عليه مديرية الري والجزائرية للمياه بالولاية، كما هي الحال بالنسبة لمنطقة الأخضرية التي تُعد من بين أكثر المناطق تضررا من أزمة المياه، مع تشجيع الفلاحين الصغار على حفر الآبار بأراضيهم، لاستغلالها في سد حاجياتهم من مياه السقي.

800 مشروع للمناطق النائية بالبويرة

استفادت العديد من المناطق النائية عبر مختلف بلديات البويرة، من 844 مشروع تنموي خلال سنتي 2020 ـ 2021، منها 454 مشروع تم تسجيلها بما يفوق 2 مليارين و700 مليون سنتيم خلال سنة 2021، و341 مشروع متعلقة بعمليات تزويد الساكنة بالمياه الصالحة للشرب وعملية التطهير، و265 مشروع موجهة لعمليات تهيئة شبكة الطرقات وفك العزلة عن هذه المناطق، و120 مشروع لتوصيل المساكن بشبكتي الغاز والكهرباء، و106 مشروع متعلقة بانجاز شبكة الإنارة العمومية، ومشروعان لتحسين ظروف تمدرس التلاميذ، و3 مشاريع موجة للصحة الجوارية، و3 أخرى لإنجاز مساحات اللعب، بالإضافة إلى 4 مشاريع متعلقة بإنجاز المتاريس، حيث بلغ عدد المشاريع المنجزة خلال سنتي 2020 و2021، 775 مشروع من المشاريع الممولة والملتزمة بتسليمها في نهاية سنة 2021، بنسبة إنجاز فاقت 95% من المشاريع المحصاة في إطار مختلف البرامج التي تهدف إلى القضاء على مختلف الفوارق التنموية بين مناطق الولاية التي يفوق عددها 500 منطقة محسوبة على مناطق الظل بولاية البويرة، وهي المشاريع التي استطاعت أن تتكفل بجزء هام من انشغالات ومطالب سكان هذه المناطق، حيث لم تعد تهيئة الطرقات، وتوفير الإنارة الريفية حكرا على المجمعات السكانية، بل استطاعت هذه البرامج، في ظرف قصير، توفير الإنارة، وتهيئة الطرقات نحو مساكن العائلات المتناثرة بهذه  القرى.

منشآت وهياكل تعود إلى الحياة

عادت العديد من المنشآت التي تم تخريبها وإغلاقها خلال سنوات العشرية السوداء، لتفتح أبوابها من جديد، لاستقبال العائدين إليها، كما هي حال قاعة السينما بأمشدالة، ومركز الترفيه الذي يقع بقلب لؤلؤة جرجرة تيكجدة، الذي بات يعج بالسياح من مختلف الولايات، لكن يصعب الظفر بغرفة للمبيت به، خاصة أيام العطل والمناسبات الوطنية، وذلك بعد سنوات من الإغلاق والخوف من زيارة المنطقة، ناهيك عن مراكز للتكوين، ومدارس أوصدت أبوابها بعدما فر سكانها نحو المدن، حيث تجاوز عدد المدارس المغلقة 30 مدرسة، تعمل الجهات المسؤولة على إعادة استغلالها لدعم المؤسسات المنجزة، فيما تتواصل نداءات إعادة بعث العديد من المنشآت التي لاتزال تنتظر التفاتة الجهات المسؤولة، لبعث الحياة من جديد، فيها، وإنهاء معاناة سكان هذه المناطق، والتنقل إلى مناطق مجاورة للاستفادة من أبسط الخدمات، كما هي حال العديد من قاعات العلاج، التي لاتزال أبوابها موصدة بحجة قلة التأطير البشري.

الفلاحة الجبلية: ملاذ البطالين، وطبقة عمالية شابة يعوَّل عليها

ساهمت عودة العائلات إلى المناطق المهجورة خلال السنوات الأخيرة، في إنعاش الفلاحة الجبلية، بدليل ارتفاع الطلب لدى مختلف المصالح المعنية بمنح الدعم الفلاحي، على غرار مصالح الفلاحة والغابات، لدعم زراعة الأشجار المثمرة، وتربية النحل، وكذا تربية الدواجن، بالإضافة إلى زراعة الخضر والفواكه الموسمية التي لم تعد حكرا على الاستهلاك الذاتي، في ظل تزايد الطلب عليها بالأسواق. 

وبعدما كانت الفلاحة الجبلية حكرا على أصحاب الخبرة وكبار السن، أضحت هذه المهنة في يد الشباب، الذين رفعوا التحدي بعزيمة وإرادة رغم قلة الإمكانيات ومحدودية المساحات، ما يؤشر إلى ميلاد طبقة عمالية بإمكانها دعم الإنتاج المحلي، ومنه الإنتاج الوطني لسنوات طوال، في ظل السياسة الجديدة المنتهجة من طرف الدولة، لدعم أي مبادرة هدفها ترقية المنتوج المحلي، في انتظار التكفل بمشكل السقي الفلاحي، الذي بات خلال السنوات الأخيرة، أحد أبرز العوائق التي تقف في وجه هذه النشاطات الفلاحية الجبلية، في ظل ما يواجهه سكان الأرياف خلال السنوات الأخيرة، من أزمة المياه بسبب قلة التساقط، وندرة المياه الجوفية التي كانت المصدر الوحيد لسقي محاصيلهم الزراعية على الرغم من مشاريع الربط بالمياه الشروب التي قطعت أشواطا هامة نحو العديد من قرى الولاية.

النقل معضلة سكان القرى والمداشر

توفير النقل من بين أهم مطالب سكان أغلب المناطق النائية التي عاد سكانها للعيش فيها خلال السنوات الأخيرة، نظرا لمعاناتهم، وصعوبة التنقل لقضاء حاجياتهم على طول أيام السنة على الرغم من نداءاتهم المتكررة، ومحاولات الاستثمار في هذا المجال من طرف الشباب البطالين، غير أن المشكل يبقى قائما، ويتدحرج من منطقة إلى أخرى، بين رفض فتح خطوط للنقل ومنح الترخيص، وتوفر طلبات الراغبين في العمل عبر هذه الخطوط، التي تشكو قلة الحظوظ، مما يجبر العديد من أصحاب الحافلات، على التخلي عن هذا النشاط، في الوقت الذي يطالب السكان بإيجاد حل لهذا المشكل الذي تزداد حدته خلال فصل الشتاء، ويناشدون الجهات المسؤولة إنقاذهم من جحيم سيارات الأجرة وتكاليفها الباهظة، على اعتبارها الوسيلة الوحيدة المتوفرة للتنقل من وإلى هذه المناطق.