مصالح بريد العاصمة بعيون الزبائن

عصرنة التجهيزات تستلزم صرامة أكبر لتحسين الخدمات

عصرنة التجهيزات تستلزم صرامة أكبر لتحسين الخدمات
  • القراءات: 1420
رشيد كعبوب رشيد كعبوب

يعتقد عديد زبائن البريد الذين شملهم هذا الاستطلاع بأن عصرنة المصالح وتجهيزات بريد العاصمة، أصبحت نعمة على الزبائن، حسنّت الخدمات من تخفيف الازدحام والاكتظاظ، وفرض نظام أكثر خدماتية باستعمال تنظيم التذاكر وانتظار الدور بدون هرج ومحسوبية.لكن هذا الرأي لم يُرض آخرين شملهم استطلاع "المساء"، هؤلاء انتقدوا بمرارة معاناتهم أمام الشبابيك وتدني الخدمات، بل منهم من ذهب إلى حد اعتبار أن عصرنة التجهيزات أنزلت نوعية الخدمات. بين ترحيب المستخدمين وسخط بعض الزبائن، ننشر هذا الاستطلاع.

أغلب من شملهم استطلاعنا من الزبائن بمراكز ومكاتب البريد بالعاصمة، أكدوا أن الخدمات تسير من سيء إلى أسوإ، وليس ذلك بسبب قلة التجهيزات وانقطاع شبكة الاتصال، ولكن لتصرفات المستخدمين الذين وجدوا ضالتهم في "نظام التذاكر"، وهو ما جعل المواطنين يفرون من المكاتب البريدية الكبيرة نحو الصغيرة التي لا تعتمد "نظام التذاكر"، كي يقفوا في طوابير ويضمنوا وصول دورهم وقضاء حاجياتهم. وأسّر لنا أحد قابضي البريد بالعاصمة - طلب عدم ذكر اسمه ـ أن من يجتهد ومن يتكاسل يأخذان نفس المرتب شهريا، لأنه ليس من حق القابض "تقييم" نشاط عناصره، كون منحة المردودية الفردية والجماعية ثابتة ولا يمكن التصرف فيها. ويعتقد محدثنا أن هذا هو "مربط الفرس"، وسبب "تمرد" العديد من المستخدمين رغم صلاحيات القابضين في توجيه "مساءلات"، لكنها - حسب المصدر -  لا تفي بالغرض المطلوب.

ضيق المقر لا يمنع من تقديم خدمات لائقة 

دخلنا مكتب بريد الكاليتوس الواقع بوسط المدينة في الفترة الصباحية، وكان موعد صب منح المتقاعدين. كانت الزحمة كبيرة، لكن المستخدمين والزبائن يؤكدون أنهم تعوّدوا على مثل هذه المشاهد، وتكيّفوا مع التعامل وفق هذه الظروف التي تتكرر كل شهر، رغم ضيق قاعة الشبابيك، مما يستدعي توسيعها، خاصة أن إدارة بريد الكاليتوس تحوز قطعة أرض مجاورة بمساحة معتبرة. 

وقد تباينت آراء بعض المواطنين الذين وجدناهم بهذا المرفق حول جدوى استخدام نظام التذاكر بين مؤيد ومعارض. ذكر أحدهم أن العملية مريحة للمسنين والمرضى، لكن ماعدا ذلك فإنها لا تسرّع وتيرة العمل. ليرد عليه آخر كان برفقته أن نظام اقتطاع التذاكر لا يمكن تعميمه على كل المكاتب البريدية، لأن بعضها يسير بشكل عادي، مثلما هو في الكاليتوس، ويعتقد أن تطبيقه سيخلّ بالخدمة عوض تحسينها. وحسب محدثنا، فإنه يفضل الوقوف في طابور خلف عشرين زبونا عن الحصول على "رقم الدور" وانتظار مناداته من طرف المستخدم بالشباك الذي قد يضيع وقتا يمكن استغلاله بدون تذاكر، قائلا: "جربت ذلك في مراكز بريدية كبرى وضيعت ساعات طوالا قبل أن أقضي حاجتي".

قابض بريد الكاليتوس: لا يمكنني التحدث إلى الصحافة

رفض القابض الرئيسي لبريد الكاليتوس، الإدلاء بأي تصريح بشأن تعميم نظام التذاكر،  تطبيقا للتعليمات. ورغم إلحاحنا على طلب توضيحات بسيطة تتعلق بما لاحظناه في الشبابيك والإجابة على انشغالات الزبائن، أكد المسؤول أن المدير الولائي لشرق العاصمة أمره بعدم التصريح للصحافة، وأنه على الصحفي الحصول على رخصة من الوصاية، وحينها زاد إصراري في استدراج القابض الرئيسي، حيث ذكرت له بأن لي وثيقة "أمر بمهة" و«بطاقة مهنية" وهما اللذان يخولان لي الحصول على المعلومة، وأن في كليهما عبارة "الرجاء من السلطات المدنية والعسكرية تسهيل مهمة حامل هذه الوثيقة"، لكنه أكد لي أن مسؤوله لا يقبل ذلك.

الزبائن يفرضون "نظامهم" بباش جراح

تنقلنا إلى مقر بريد باش جراح الذي يشهد زحمة دائمة، للاستعلام عن مدى تطبيق هذا الإجراء التنظيمي، قيل لنا إن السكان لم يقبلوا ذلك بل وخرّبوا آلة توزيع التذاكر، مجبرين المستخدمين على العمل بشكل عادي، لاحظنا ببهو الشبابيك عازلا زجاجيا به فتحات صغيرة يتحدث من خلالها الزبون مع الموظف، وهو ما يخالف إجراءات تحسين الخدمة مثلما هو الحال في بقية مقرات البريد. 

ما يميز بريد باش جراح هو تخصيص شبابيك للنساء وأخرى للرجال، هي خصوصية الأحياء الشعبية خاصة الأحياء المحافظة، مثلما ذكرته إحدى الزبونات التي أكدت لنا أنها راضية بهذا التنظيم، ولا تقبل باقتطاع تذكرة قد تعقد الوضعية الحالية للخدمات.

ذكر لنا أحد العمال المتقاعدين ـ وجدناه بهذا المرفق ـ أن جهاز اقتطاع التذاكر لا يمكن أن يشغّل بباش جراح، لكون السكان المترددين عليه لاحظوا أنه ضيّع أوقاتهم وأعطى الحجة والفرصة للموظفين بالعمل وفق مزاجهم، وأن عملية تعميم أجهزة نظام التذاكر، يمكن أن تكون صفقة مربحة يراد فرضها على المكاتب البريدية دون التأكد من جدواها في الميدان، مشيرا إلى أن العديد من الزبائن في مكاتب أخرى يقتطعون الذاكر ولا يعودون بعد ذلك، وأن ذلك يزيد في تضييع الوقت بدل الاستفادة منه. وقد لاحظت "المساء" ذلك فعلا في البريد المركزي الذي يعد نموذجا للتكاسل، حسب شهادات الزبائن.

المراكز البريدية الكبرى: كثرة الشبابيك ونقص الخدمات

يختلف الأمر تماما بمقر بريد حسين داي ذي البهو الواسع والشبابيك المتعددة التي تزيد عن الـ 12 لكنها، حسب شهادات الزبائن لم تنل رضاهم. أفاد أحد الزبائن أنه اضطر إلى اقتطاع تذكرة والخروج لمدة تزيد عن الساعتين وبعدها عاد ووجد دوره لم يحن بعد. جلست إلى جانب زبون آخر وحدثته عن الانتظار فتأفف وقال لي: "إنه كارثة.... أين المسؤولين عن هؤلاء المستخدمين؟" وأطلعني على ساعة يده للتدليل على أنه انتظر أكثر من ساعة ونصف، وأنه لم يجد خيارا عن ذلك.

قصدنا مكتب القابض الرئيسي فقيل لنا إنه غير موجود، لكن أحد مساعديه حاول إقناعنا بأن المشكل في نظام "الشباك الموجه لكل العمليات" وأن بعض الزبائن هم المتسببون في تعطيل الأمور، كون كل منهم يطلب من الموظف بنفس الشباك تأدية عدة خدمات، لكن محدثنا وجد حرجا عندما سألناه عن سرّ بقاء بعض الشبابيك شاغرة وأخرى تسير بسرعة السلحفاة، موضحا أن الزبون مهما تقدم له من خدمات فإنه لا يرضى.

وكذلك الأمر بالنسبة للبريد المركزي الذي يعرف إقبالا كبيرا، خاصة أنه يقع بقلب العاصمة، ويعمل بنظام التذاكر. وقفنا مرارا على مناوشات بين الزبائن والمستخدمين بالشبابيك وأغلبهن نساء لا يتورعن عن الخوض في أحاديث مع بعضهن البعض وترك الزبائن يعانون مشقة الانتظار، ولم يجد قابض البريد من توضيح إزاء ذلك إلا بالقول إنّه لا يمكن إرضاء كل الزبائن، وأن نظام التذاكر أراح فعلا المستخدمين.