"المساء" تفتح ملف تثمين الموارد المحلية

ضعف التكوين.. منظومة جبائية متأخرة وأملاك خارج السيطرة

ضعف التكوين.. منظومة جبائية متأخرة وأملاك خارج السيطرة
  • القراءات: 913
 حنان سالمي حنان سالمي

* أكاديميون: البلدية فاعل أساسي في خلق الثورة ومناصب الشغل

* منتخبون: تحديات كبيرة تعيق دور البلدية التنموي

عرفت ورشة "الحوكمة وتثمين الموارد المحلية"، المنظمة من قبل مصالح ولاية بومرداس وجامعة "أمحمد بوقرة"، نهاية الأسبوع المنصرم، مناقشة إشكالية كيفية تجاوز البلدية لدورها "السياسي الجاف"، لتصبح مساهما فعالا في النشاط التنموي والاقتصادي، وتحديد السبيل الكفيلة لتحقيق ذلك، في وقت يبقى الفرق واضع بين التنظير، وما هو مسجل في الواقع. وفي هذا الصدد، تحدثت "المساء"، إلى أكاديميين ومنتخبين محليين، في محاولة للخروج بنتيجة تميط اللبس عن هذا الموضوع. جاءت فكرة الجمع ما بين المعرفة النظرية للجامعة، والخبرة العملية للجماعات المحلية ببومرداس، في محاولة للارتقاء بالتسيير العمومي، وسط تحديات تحسين نجاعة الأداء وجودة الخدمة العمومية.

تحقيق التنمية المحلية هو أساس التنمية الوطنية

اتفق أساتذة كلية العلوم الاقتصادية بجامعة "أمحمد بوقرة"  ببومرداس، على أن هذه الورشة جاءت في وقتها، بالنظر إلى تأكيد رئيس الجمهورية بأن 2022 ستكون سنة اقتصادية بامتياز، لذلك فإن تحقيق التنمية المحلية هو أساس التنمية الوطنية المستدامة، ومنه جاء التأكيد في ختام الورشة، على أهمية جعل البلدية فاعلا أساسيا في إحداث الثروة ومناصب شغل، من خلال الإسراع في إصدار النصوص القانونية المتعلقة بالجماعات المحلية وتنظيمها، والخاصة بالجباية المحلية، عن طريق تحيين دفاتر الجرد وتحديد الأملاك العمومية التابعة للبلدية، وإسناد هذه العملية للخبراء، مع إشراك البلدية في عمليات التطهير العقاري لحماية الأملاك، ناهيك عن التأكيد على أهمية تشجيع الجماعات المحلية على البحث عن مصادر تمويلية جديدة، من خلال رفع التجميد على المرسوم التنفيذي المتعلق بتفويض المرفق العام، أو إصدار قانون بديل لهذا المرسوم، والإسراع في إصدار النص القانوني المؤطر للشراكة بين القطاعين العام والخاص، وكذا أهمية الاستفادة من تكنولوجيات الإعلام والاتصال، من خلال تفعيل العمل بالبوابة الإلكترونية للصفقات العمومية، والمضي نحو ترسيخ التعاقد الإداري الإلكتروني. كما تمت الدعوة إلى أهمية توسيع صلاحيات المسؤولين المحليين، للوصول إلى الانتقال الفعلي للتسيير القائم على النتائج، وليس القائم على البرامج بتغليب المنطق الاقتصادي على المنطق الإداري، مع رفع نسبة استفادة البلديات من توزيع الموارد الجبائية.

ضعف التكوين.. ومنظومة جبائية تجاوزها الزمن

قد يبدو الواقع الحالي مغايرا للتنظير الأكاديمي، حيث تحدث منتخبون محليون لـ"المساء"، على هامش الورشة، عن جملة من العراقيل، يرون أنها تحول دون تحقيق الوثبة التنموية المرجوة، سواء من قبل المُسير أو المواطن، حيث يظهر في السياق، ضعف بعض القائمين على تسيير الشأن المحلي، مما جعل أمين عام بلدية قورصو، معمري سعيد، يشير إلى أهمية التكوين، لاسيما في الشؤون القانونية، لضمان تسيير جيد. أما عن تثمين الموارد المحلية لتكوين إيرادات، فيرى أن الأزمة الاقتصادية العالمية، بسبب انهيار أسعار النفط وتفشي جائحة كورونا، ولدت أزمة اقتصادية وطنية، انعكست بشكل مباشر على الجماعات المحلية، ويظهر ذلك في تراجع الميزانيات، فبالنسبة لبلدية قورصو على سبيل المثال، فإن ميزانيتها الأولية فقدت حوالي 4 ملايير سنتيم خلال سنتي 2020 و2021، حيث بلغت حوالي 18مليار سنتيم، وهو مبلغ لا يكفي لتسيير هذه الجماعة المحلية، حسب نفس المسؤول.

كما أن النشاط الاقتصادي المحلي تراجع، بسبب تبعات الغلق جراء جائحة "كورونا"، مما أدى إلى تأثير مباشر على الإيرادات السنوية للبلدية من الجباية والضرائب، التي بلغت العام الماضي، حوالي 8 ملايير سنتيم، وهو مبلغ قدره المتحدث بالمحتشم، لاسيما أن الأسعار المطبقة حاليا على كراء بعض ممتلكات البلدية يبقى رمزيا، حيث لا تتجاوز أسعار كراء محلات تجارية وسط المدينة 5 آلاف دينار شهريا، وهي وفق ما ذكر المتحدث "بعيدة كل البعد عن أسعار السوق التي تصل إلى حدود 50 ألف دينار"يعتقد السيد معمري، أنه لابد من إعادة النظر في هذا الأمر، لاسيما أن الجماعة المحلية مطالبة اليوم بالبحث عن موارد أخرى، حيث تحدث عن وجود أملاك قديمة وضعت تحت تصرف بعض المواطنين، عن طريق مقررات الاستفادة أو عقود غير محددة الأجل، كالمساكن أو المحلات التجارية بأسعار بين 300 دج و2000 دج شهريا، الأمر الذي يتطلب، وفق ما قال، "إعادة تثمينها"، غير أنه طرح إشكالية صعوبة التطبيق من قبل المسير المحلي، لذلك ـ يقول: أنا أقترح هنا التنازل عن هذه الأملاك عن طريق البيع، حتى تستغني البلدية عن تكاليف التسيير التي أصبحت اليوم عبئا عليها، مضيفا: أما بالنسبة للبحث عن موارد أخرى، فأعتقد أن سن قوانين تحتم على المجلس الشعبي البلدي أن يسعى لإنجاز وبناء هياكل وأملاك مدرة للمداخيل، في إطار نسبة 10 بالمائة، حتى لا يردد في كل مرة جملة غياب أملاك".

غياب البنوك ونسيج تجاري خارج الإطار الرسمي

من جهته، تحدث عضو بالمجلس الشعبي البلدي لبودواو في هذا الموضوع، عن "عراقيل أخرى لا يراها المنظرون"، متحدثا في السياق، عن مشكل العقار الذي يظهر غيابه كمعرقل أساسي لتوفير بنية استثمار، كما يراد لها أن تكون، تضاف له عوامل أخرى كشبكة الطرقات، ومنظومة مالية مرافقة للاستثمار محليا، حيث يرى محدثنا أن "هذه السلسة متكاملة والإخلال بها لا يؤدي إلى تحقيق النتائج المرجوة".

فعلى مستوى بلدية بودواو، يقول المتحدث إن "البلدية تقع على مفترق شبكة طرقات وطنية هامة، على رأسها الطريق الاجتنابي بودواو-زرالدة، يضاف له الطريق الوطني رقم 5، والطريق الوطني رقم 24، تؤهلها لتكون قبلة للمستثمرين"، إلا أنه يطرح في المقابل "غياب البنوك، حيث يتواجد بإقليمها بنك (بدر) فقط، في ظل غياب البنوك الوطنية الهامة، وهو معرقل رئيسي ـ حسبه- للاستثمار بالبلدية، "أما العقار، فإنه إشكال في حد ذاته"، يقول المتحدث، مشيرا إلى وجود منطقة نشاطات في حي طرابلس، تحتوي على قرابة 20 حصة، وهي بحاجة للتهيئة، حيث تعود ملكية هذه المنطقة للوكالة العقارية، وليس للبلدية حق التسيير، كما أن هناك منطقة نشاطات بمنطقة المرجة بها حوالي 7 حصص فقط، لمستثمرين اثنين يشتغلان، وباقي المشاريع لم تنطلق، وليس للبلدية أي سلطة عليها، الأمر الذي يستدعي تدخل مصالح الولاية، حسب ذكر محدث "المساء"أما عن الإيرادات المحلية، ورغم أن بودواو من ضمن أكبر بلديات ولاية بومرداس، إلا أن الجباية المحلية المتوقعة لسنة 2022 - حسب محدثنا- تصل إلى قرابة 60 مليار سنتيم، وهي نسبة كبيرة، منها المحصلة من الضريبة على الدخل، وما تبقى يمثل عائدات كراء بعض الأملاك. وتصطدم البلدية في هذا الإطار، بواقع مر ينحصر في وجود عدد كبير من المحلات بأكبر الأحياء التجارية، على غرار الحلايمية، بن عجال، بن مرزوقة وبن تركية، تنشط دون سجلات تجارية، أي "مارشي نوار"، وهو ما يمثل خسارة الملايين من الضريبة غير المحصلة، ونحن هنا نطالب المصالح المعنية التدخل بصفة مباشرة لوقف هذا النزيف المالي، فمصالح البلدية تقف عاجزة أمام هذا الواقع"، يضيف المتحدث.

بلدية الأربعطاش... حظيرة صناعية وطنية دون كهرباء!

من جهته، يتحدث رئيس بلدية الأربعطاش، نور الدين خرباشي، عن المنطقة الصناعية بالبلدية، التي تعد واحدة من ضمن أزيد من 10 مناطق صناعية مستحدثة، مؤخرا، في إطار الإنعاش الاقتصادي، تنتظرها مصالح البلدية من أجل تحقيق جباية محلية جيدة، لتغطية مصاريف مشاريع تنموية تحتاجها البلدية، غير أن الواقع يشير إلى أن هذه المنطقة الصناعية المتربعة على مساحة قدرها 134 هكتار، مازالت تعاني منذ سنوات من غياب الشبكات الرئيسية للكهرباء، حيث لفت رئيس البلدية في حديثه لـ"المساء"، إلى أن غياب العقار لإنجاز محولات كهربائية بالمنطقة، يحول دون انطلاق العديد من المشاريع الاستثمارية، ملفتا إلى وجود 12 مستثمرا، سجل مصنعه نسبة إنجاز متقدمة جدا، واحد منهم فقط دخل في الإنتاج، معتمدا على مجمع كهربائي لضمان تزويد مصنعه بهذه الطاقة الحيوية. أما عن تسيير الشأن المحلي، فأكد المير أن البلدية فلاحية تعتمد فقط على إعانات الدولة، موضحا أن الميزانية الأولية للبلدية للسنة الجارية بلغت 14.4 مليار سنتيم، منها 9 ملايير لتغطية نفقات التسيير، بينما لا يفوق مبلغ الجباية المحلية المتوقعة 4 ملايير سنتيم، متحدثا عن أهمية إعادة النظر في التسعيرة المعتمدة في هذا الشأن، ناهيك عن التسيير بمنح المنتخب المحلي مزيدا من الصلاحيات، مما جعله يقر بصعوبة تجسيد اقتراحات الأكاديميين الخاصة بالورشة الجامعة ما بين مصالح ولاية بومرداس، وجامعة "أمحمد بوقرة".