"المساء" تستكشف إحدى روائع غابة قنواع بسكيكدة

"شلال أفنسو".. جنة أسرت عشاق الطبيعة ولم تستقطب المستثمرين

"شلال أفنسو".. جنة أسرت عشاق الطبيعة ولم تستقطب المستثمرين
  • القراءات: 5450
بوجمعة ذيب بوجمعة ذيب

تزخر ولاية سكيكدة المتربعة على مساحة إجمالية تقدر بـ 4118 كلم مربع، بالعديد من المناطق والمواقع والإمكانيات السياحية والطبيعية التي تُعد، حقيقة، جنة فوق الأرض، بإمكانها أن تعطي دفعا قويا لهذا القطاع، الذي مايزال يعتمد على السياحة الساحلية. ومن بين تلك المواقع الطبيعية النادرة، "شلال أفنسو" المتواجد بقرية أفنسو ببلدية قنواع التابعة لدائرة الزيتونة بأقصى غرب ولاية سكيكدة بالمصيف القلي، والذي يبعد عن عاصمة "شولو" مسير حوالي 90 دقيقة بالسيارة، وسط منظر طبيعي غابي بانورامي في غاية الروعة!

 

وما يشدك وأنت في الطريق إلى قرية أفنسو، الهدوء الذي يطبع المنطقة الآمنة، وطيبة سكانها، وسط مزارع وبساتين الفلاحين من أبناء المنطقة. ولا بد أن تسحرك كثافة الغطاء النباتي المشكّل من مختلف أنواع الأشجار والحشائش والنباتات ذات الروائح العطرة. وكلما خطوت خطوات إلى الأمام كلما شعرت بنوع من الانتعاش بسبب نقاوة الهواء. وعلى الرغم من أن الطريق مهيأ بنسبة تقدر بحوالي 80 ٪، إلا أن الرحلة من قرية أفنسو في اتجاه الشلال الذي ذاع صيته، تبقى حالمة وممتعة.

ويقدر علو الشلال أو ارتفاعه بحوالي 7 أمتار. ويكون غزير المياه شتاء فيما يتناقص صيفا، لكنه يبقى يحافظ على عذوبته وبرودته، ليمتزج خرير "شلال أفنسو" وصوت مياهه التي تستقر أسفله، بزقزقة بعض الطيور، مشكّلة، بذلك، سمفونية رائعة. وبمجرد سماعك صوت الشلال، لا بد أن تسلك منحدرا رغم صعوبته بعض الشيء، إلا أن ذلك يبقى مغامرة خطيرة، خاصة أنه يوجد أسفل الشلال مسبح طبيعي صغير نادر، فيما يوجد على مجرى الوادي عدة أماكن تُستغل في الجلوس والاستجمام تحت ظلال الأشجار الباسقة، في ديكور غابي محض، وسط رائحة أشجار الصنوبر والبلوط كثيفة الأوراق، ومتداخلة الأغصان، لتتسلل منها أشعة الشمس بعيدا عن الضجيج والحركة، فهذا الفضاء، حسب العديد من الزوار الذين التقيناهم هناك وقدِموا من بعض الولايات الداخلية وحتى بعض السياح الأجانب من الدول الشقيقة كليبيا، أفضل مكان للراحة والاستجمام، يساعد، حقيقة، على الحفاظ على التوازن النفسي، والولوج إلى الشلال. وحسب أحد مواطني المنطقة، فهو لا يتطلب دليلا سياحيا، على اعتبار أن المسلك المؤدي إليه، واضح المعالم.

توافد قياسي ومن كل الجهات على "شلال أفنسو"

عن سر التوافد القياسي وغير المسبوق من الزوار على المنطقة من مختلف ولايات الوطن وحتى من خارجه، وعلى "شلال أفنسو" خاصة خلال الصيف المنقضي، أرجع بعض الشباب سبب ذلك إلى الهدوء والأمن والأمان والراحة، فسكان المنطقة يسهرون على توفير راحة الزوار والسياح من كل ما من شأنه أن يفسد عليهم متعة قضاء يوم ساحر لا يُنسى وسط طبيعة في غاية الإبداع والإتقان الرباني، إلى جانب دور بعض المؤثرين و"اليوتيوبرز" المشهورين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كالمصري "محمد سعيد"، واليوتيوبرز الجزائري "الدقس" المعروف بجولاته السياحية، ناهيك عن دور شباب المنطقة، الذين روّجوا جميعا للشلال عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات.

وهنا يؤكد لنا أحد شباب المنطقة، على أهمية استغلال مثل هذه الوسائل، للترويج للسياحة الداخلية، ومنه إزالة الغطاء عن العديد من المواقع السياحية والأثرية المنسية، التي بالإمكان أن تساهم في انتعاش السياحة الجبلية، فيما تأسف البعض الآخر عن الدور السلبي لبعض دواوين السياحة، سواء تلك التابعة للقطاع الخاص أو العام في ما يخص الترويج للسياحة الداخلية، وكذا نقص الإشهار، فكان لزاما على مديرية السياحة - حسب أحدهم - أن تُعد مطويات وكتيّبات  مدعمة بصور، للترويج لمثل هذه المواقع والأماكن، التي ماتزال إلى يومنا هذا، تحافظ على عذريتها.

دعوة لإيلاء أهمية كبرى لموقع الشلال

ويبقى أمل سكان المنطقة الذين يعيشون على وقع البطالة، أن تتحرك الجهات المسؤولة سواء على المستوى المركزي أو السلطات المحلية منها قطاع السياحة، وقطاع الغابات، والبيئة، وكذا منتخبو المنطقة، من أجل إيلاء أهمية كبرى لهذا الشلال، الذي تجاوزت شهرته حدود الوطن، من خلال تشجيع الاستثمار في مجال السياحة الجبلية بإنشاء هياكل استقبال، وتوفير أحسن الخدمات للسياح وهواة السياحة الجبلية، ومنه كسر الصورة النمطية السائدة، والمتمثلة في كون الاستثمار السياحي لا يكون إلا على مستوى مناطق التوسع السياحي في المناطق الساحلية فقط، إلى جانب تهيئة المكان، وتعبيد المسالك والطرق المؤدية إليه، مع إقامة حدائق طبيعية، وبعض البنغالوهات المنجزة بحطب الأرز التي تتماشى مع الطابع الغابي للمنطقة؛ حفاظا على البيئة، ومطاعم وفضاءات تجارية لبيع المنتوج الفلاحي، وحتى بعض المنتجات الصناعية التقليدية التي تشتهر بها المنطقة، ومساحات للتسلية والاستجمام تكون صديقة للبيئة.

تنويع الاستثمار السياحي حل لترقية السياحة الداخلية

وتبقى ولاية سكيكدة من ولايات الوطن التي تملك مؤهلات سياحية كبيرة، سواء كانت شواطئ بحرية تمتد من رأس الحديد بأقصى شرق الولاية إلى رأس بوقارون غربا بالمصيف القلي، وبخلجانها وجزرها وأشباه الجزر الموزعة عبر سطورة، والعربي بن مهيدي إلى غاية فلفلة، والمرسى والقل، وكركرة، أو جبالا وغابات، كجبل الغوفي، وغابة بني توفوت، وجبل سيدي إدريس، وحجر مفروش والعاليا، وسطيحة ومرتفعات جبال زردازة، وخناق مايون والعوينات وعين قشرة، وغابة قرباز، وأعالي جبال سطورة، وأولاد أعطية، وبني زيد، ناهيك عن منطقة قرباز الرطبة المصنفة كمحمية طبيعية، بدون نسيان توفرها على عدد هام من الحمّامات المعدنية للعلاج والاستجمام؛ كحمّام الصالحين، وحمام الحامة الواقع داخل إقليم بلدية عزابة، إلى جانب سهولها الممتدة جنوب جبالها، التي تزيدها جمالا ما بعده جمال؛ كسهول وادي الصفصاف، ووادي قبلي، والوادي الكبير، وسهل عزابة، بدون إغفال المنطقة المتواجدة بين جبالها، لا سيما تلك الواقعة بين منطقتي الحروش وعزابة، المتميزة بمراعيها مترامية الأطراف التي  تشبه المراعي النورموندية في الأراضي المنخفضة، لكن رغم كل هذا التنوع إلا أن السياحة بها ماتزال تراوح مكانها أمام غياب مرافق متنوعة وهياكل نوعية لفائدة المواطن. و"ما زاد الطين بلة" الحظر الذي فرضته جائحة كورونا طيلة عامين، وإغلاق كل الحدود، إلا أن السياحة الداخلية عرفت بعد انحسار هذا الوباء، انتعاشا ملحوظا، مرهونا بتشجيع الاستثمار الحقيقي وتنويعه مع إعطاء أهمية للسياحة الجبلية، التي تبقى من الحلول التي تساعد الجمعات المحلية الداخلية في تدعيم مواردها ومداخلها، التي ستعود، بدون شك، بالفضل العميم على السكان.