"المساء" تقف على واقع التنمية بالحدود الغربية للوطن

سيدي الجيلالي.. من محاربة الاستعمار والإرهاب إلى مكافحة التهريب والتهميش

سيدي الجيلالي.. من محاربة الاستعمار والإرهاب إلى مكافحة التهريب والتهميش
  • 5789
جميلة. أ جميلة. أ
نسعى يوميا لاكتشاف وطننا الحبيب، ونجتهد دوما في تفسير بعض الأمور والظواهر التي تستجد هنا وهناك، والتهريب واحدة منها .. "المساء" اقتربت من الحدود الغربية للوطن ووقفت عند مبررات ودواعي هذه الآفة التي تنخر اقتصادنا الوطني.. وتحديدا من دائرة سيدي الجيلالي أكبر عرش بالغرب الجزائري. شدتنا العديد من المتناقضات التي حاولنا تفسيرها أو تبريرها.. لكن سرعان ما اتضحت الأمور لنا، فيكفي أن تقضي يوما بهذه المنطقة حتى تُشبع فضولك. أما الحديث إلى سكانها فسيمكّنك من إيجاد أجوبة شافية وكافية لجميع تساؤلاتك. سيدي الجيلالي من محاربة الاستعمار إلى مقاومة الإرهاب، وصولا إلى مكافحة التهريب والتهميش.
على بعد أزيد من 75 كلم عن تلمسان الدائرة، تقع سيدي الجيلالي التي تكتشفها بعد قطع مسافة طويلة بين منعرجات تل تيرني والحبالات، مناطق تؤكد لمن يراها ويكتشفها لأول مرة، ثراء الجزائر وتنوعها الطبيعي.. بين تربة حمراء وسوداء ومساحات رعوية شاسعة.. وطريق تحسنت وضعيته كثيرا مقارنة بالسنوات الماضية، وعندما تدخل الدائرة التاريخية تنبهر.. وتندهش، وقد تُفاجأ بالعديد من الأمور والمتناقضات التي جعلت من سيدي الجيلالي أفقر دائرة غنية بولاية تلمسان.
تُعتبر دائرة سيدي الجيلالي الواقعة بالجنوب الغربي لولاية تلمسان، إحدى أهم عروش أولاد النهار أكبر عروش الغرب الجزائري، ولا تبعد عن المغرب سوى بـ 15 كلم، وهي منطقة رعوية بامتياز بفضل تضاريسها السهبية الشاسعة التي تترامى بها عشرات القطعان من الماشية، وهي مشهورة بزاويتها العلمية المعروفة بزاوية سيدي يحيى بن صفية، وهو الجد الأكبر لأولاد انهار، وتستقطب الزاوية العشرات من طلاب العلم وحفظة القرآن من ولايات الوطن.

دائرة تستنجد بدائرة

قد يكون لقرية سيدي الجيلالي موقع على خريطة الجزائر الجغرافية لكن ليس على مخططاتها التنموية. سيدي الجيلالي وعبر بلديتيها سيدي الجيلالي والبويهي والعديد من القرى، تتطلع لافتكاك استقلالها عن الدوائر المجاورة الواقعة غرب ولاية تلمسان، على غرار دائرة سبدو، التي تُعد المتنفس والرئة التي تمد سيدي الجيلالي بالمؤونة وبأبسط الضروريات حتى الخبز مادامت الدائرة الأولى لا تتوفر حتى على مخبزة ولا على حمّام أو صيدلية.. الزائر هنا يُصدم لغياب شبه تام للتنمية.
وفي حديث خاطف مع بعض السكان، تطرقوا أول ما تطرقوا لغياب المخبزة؛ يقول المحفوظ إن زائر دائرتهم قد يموت جوعا لولا كرم أهاليها؛ لسبب وحيد، هو أن المسؤولين لم يفكروا في فتح مخبزة تغطي احتياجات السكان والبلديات التابعة لها، ويضطر المواطنون لقطع مسافة 30 كلم نحو دائرة سبدو لاقتناء هذه المادة الضرورية.. ولا يقف الأمر عند المخبزة؛ فلا مراقد هنا وإن اضطررت للمبيت فعليك بالمسجد أو بيوت السكان "الذين أغدقونا بكرمهم وسخائهم".. ولا يختلف واقع الصحة عن الخبز والمبيت؛ فإن تَوفَّر طبيب بعيادة الدائرة فصرفُ وصفة الدواء لن يكون سهلا لمن لا يملك سيارة.

تنمية غائبة ومستثمرون خواص لإنعاشها

وإن طال قدوم التنمية إلى سيدي الجيلالي من قبل الجماعات المحلية والمسؤولين، فإن أبناءها جاءوا اليوم لنجدتها، وليس غريبا أن يتردد اسم "الفلاح" على لسان الأهالي، الذين ينتظرون إطلالة هذا الرجل على المنطقة، وهو الذي عاد إليها لإنعاشها بما استطاع من أوكسجين. ويسعى السيد بن أحمد الجيلالي، وهو مستثمر من المنطقة مقيم بوهران، لإخراج سكان سيدي الجيلالي من وضعيتهم إلى مستوى متوسط يقيهم الحاجة إلى اللجوء لممارسات أخرى.
 وشرع السيد بن أحمد المدعو الفلاح ومنذ أسابيع، في إنشاء مخبزة وحمّام لتغطية احتياجات السكان، في انتظار إنجاز مصنع يلم كل الطاقات الشبانبة التي تزخر بها المنطقة، والذين وجدوا في التهريب سبيلا للخروج من وضعيتهم.

سكنات عمومية تنتظر من يتمّها منذ 10 سنوات

رغم أن آلاف الجزائريين يعانون من مشاكل متعددة من تدنّي مستوى المعيشة والبطالة، إلا أن الحديث عن أزمة السكن لا يقل أهمية عن هذه المشاكل، أو على الأقل بدائرة سيدي الجيلالي، حيث أصبحت حديثا عاما وغير جديد، خاصة في بعض الأحياء التي استفادت من "وعود" للقضاء على الأزمة، إلا أن الوعود لم تبرح حدود المنطقة، حيث طرحت الجهات الوصية برامج السكن الريفي إضافة إلى مضاعفة حصص السكن الاجتماعي، الرامية إلى مساعدة المواطن في الحصول على سكن لائق، لكن هذه السياسة تواجه الكثير من الصعوبات والعراقيل التي تحد من نجاعتها، وعلى رأسها مشكل تأخر الإنجاز الذي أثار استياء المواطنين، الذين وجّهوا اتهامات إلى المسؤولين والمقاولين المكلفين بالإنجاز.
ولا يخص هذا الوضع سكان بلدية سيدي الجيلالي بل يتعداه إلى البلدية الثانية الوحيدة للدائرة، وهي البويهي التي تضم العديد من القرى، أبرزها قرية العابد الحدودية المعروفة بآبارها المنجمية، والتي لايزال سكانها يتذكرون باعتزاز، ذلك القرار الشجاع للرئيس الراحل هواري بومدين، والقاضي بتأميم المناجم، حيث يقولون: "غداة اتخاذ هذا القرار شعرنا بأننا تحصلنا على الاستقلال للمرة الثانية بعدما تخلّصنا من سيطرة الأجانب الذين كانوا ينهبون خيراتنا، لكن سكان العابد اليوم يواجهون مشكلا كبيرا، خاصة بعد أن آلت أغلب السكنات بها إلى وضعية مزرية، وصارت مع مرور الزمن هشة، وتشكل خطرا على صحتهم، وهي التي يعود تاريخ إنجازها إلى سنة 1975 لفائدة عمال المناجم بالمنطقة.

لا جيل ثالث، لا بيومتري ولا ترفيه

عندما دخلنا سيدي الجيلالي في زيارة غير رسمية رفقة وفد صحفي، لاحظنا سكوتا وشبه انقطاع لأجهزة الاتصال، افتقدنا بهذه المنطقة روابط ووسائل لم نكن لنستغني عنها خارج حدود سيدي الجيلالي، الاتصالات والمواصلات لا معنى لها هنا اللهم إلا عند القلة القليلة التي تستغل تكنولوجيات الاتصال، ورغم محدوديتها لمآرب أخرى.. هنا لا وجود للجيل الثالث، أما البيومتري فلن يكون غدا.وعلى الرغم من تنظيم سكان سيدي الجيلالي والبويهي وماقورة والعابد لاعتصامات متكررة أمام مقر الدائرة للمطالبة بمتطلبات موضوعية، على غرار توفير الخدمات الإدارية وتسريعها والبريدية والمالية إلا أن القليل منها أُنجز.
والحديث عن مجال الترفيه بهذه المنطقة يبقى حديثا ذا شجون؛ فرغم العدد الهائل من شباب الدائرة ببلدياتها وقراها، إلا أن المرافق الترفيهية منعدمة لتعوّضها المقاهي التي أصبحت مقصدا لهم، لكنها تبقى غير كافية لاستقطاب الشباب، خاصة أصحاب المواهب، فدُور الثقافة مغلقة وغير مجهّزة إلى حد الآن، أما ملاعبها فلا تصلح لممارسة كرة القدم بفعل الضغط المتواصل عليها؛ إذ ساءت أرضيتها، علما أن بعض القرى على غرار العابد، بها فريق ينشط ببطولة الجهوي الثاني؛ الأمر الذي يدعو إلى إعادة تهيئة ميدانها.

التهريب.. الوجه الآخر لـ "الحلابة" بسيدي الجيلالي

تشهد الحدود الجزائرية في كل الاتجاهات استنزافا واضحا للثروات على اختلافها، ويبقى الوقود من أهم الخيرات التي تلقي طريقها خارج البلاد عن طريق عصابات تساهم، بشكل كبير، في زعزعة استقرار الاقتصاد الوطني.. في رحلة عادية إلى الحدود الغربية للبلاد. اصطدمت "المساء" بهذا العالم لتتابع استنزاف قطرات الوقود الجزائري من قبل من يسمونهم بالحلابة عبر سيارات المرسيدس، التي لم تعد تلك المركبة الراقية التي يتنافس عليها الأثرياء بقدر ما أضحت وسيلة عادية لتحقيق الثراء.
وتصطف مركبات من مختلف الأصناف والعلامات تتقدمهم المرسيدس بجنبات الأحياء وخلف المنازل وبمحاذاة محطات الوقود، المعروفة هنا بـ "البقرة الحلوب"، وما إن تفتح أبوابها بعد انقضاء مهلة الإغلاق الإجبارية التي لجأت إليها السلطات للحد من التهريب، حتى تجد المحطة مليئة عن آخرها، وتسمع الهتافات والصراخ يتعالى عمن له الأسبقية في التزود أوّلا بالوقود.   
وإن تساءلنا عن سر التواجد المكثف لدوريات الأمن بنقاط عديدة من الدائرة والتي استوقفتنا عدة مرات، فإننا فهمنا لاحقا أن كل من يدخل سيدي الجيلالي "مشبوه"، وأن كل عربات الوزن الثقيل وذات الخزانات الواسعة قد تكون محملة ببنزين موجه للتهريب.. وعند مرورنا بمنعرجات تل ترني صادفنا دوريات للدرك الوطني وحراس الحدود بمركبات مختلفة، يقومون بدوريات على طول المداشر المنتشرة.
وتُعتبر الموديلات القديمة لسيارات العلامة التجارية مرسيدس، أكثر السيارات استعمالا في تهريب الوقود بسيدي الجيلالي، التي لم يُخف أحد سكانها لجوءهم إلى التهريب بحجة البطالة. وبلوحات ترقيم تعود إلى أكثر من 20 سنة، تصطف هذه السيارات بمحطات الوقود لملء خزاناتها التي تسع لما بين 100 و180 لترا، حسب تصريحات أحد المواطنين. كما لاحظنا أثناء تواجدنا بأقصى المناطق الحدودية الغربية، سيارات 240E ،300 بالإضافة إلى السيارات النفعية الأكثر انتشارا في المنطقة، والمعَدة للتهريب سيارة تويوتا هليكس التي يستعملها المهربون بكثرة، كما تُعتبر بعض المركبات الأخرى على غرار بيجو 505، 306، 406 وسيارة داسيا لوقان، وسيلة مربحة أخرى لتهريب البنزين.