خبراء البناء يدقون ناقوس الخطر بشأن المباني القديمة ويؤكدون لـ"المساء":

سكنات ”الأحمر والبرتقالي” خطر على شاغليها... والمطلوب الترحيل فورا

سكنات ”الأحمر والبرتقالي” خطر على شاغليها... والمطلوب الترحيل فورا
  • القراءات: 5583
 رشيد كعبوب رشيد كعبوب

عمليات التأهيل لا يمكنها حماية سكان المباني القديمة


دق خبراء البناء والتعمير ناقوس الخطر، بشأن النسيج العمراني القديم بالعاصمة، خاصة أمام موجة التقلبات الجوية واستمرار تساقط الأمطار، الذي يزيد في هشاشة المباني، مؤكدين أنه لابد من خطة مستعجلة لإنقاذ الشاغلين للسكنات المصنفة في خانتي ”الأحمر” و"البرتقالي”، لحماية الأرواح وإخلاء المكان لتجسيد عمليات تجديد أو إعادة تأهيل، وحماية البنايات المصنفة وذات القيمة المعمارية.

يتوجس شاغلو البنايات القديمة، هذه الأيام، خيفة من حوادث الانهيارات والانزلاقات، التي باتت تودي بحياة الأشخاص، وما حادثة بولوغين الأخيرة إلا مثال عن هذه الإشكالية، التي باتت تؤرق الشاغلين، الذين لم يعودوا في مأمن عن المخاطر المحدقة، وتشكل هاجسا لدى السلطات العمومية، التي لم تجد الحل الجذري لحد الآن، رغم برامج إعادة التأهيل التي أطلقتها منذ سنوات.

وحسب المستشار والخبير في التراث المعماري، مصطفى معزوز، معتمد لدى الهيئة العالمية للخبراء الدولية بجنيف، أن هناك خطتين اثنتين للتدخل، الأولى استعجالية تخص الإسراع في استكمال عملية ترحيل الشاغلين للبنايات القديمة الآيلة إلى السقوط، قصد إبعاد الخطر عنهم، والثانية استراتيجية تتعلق بإعادة فحص المباني القديمة وتصنيفيها، وإطلاق برامج صيانة وتجديد هاتفة وخاضعة للمقاييس.


المباني تزداد هشاشة وآليات التدخل الحالية غير ناجعة

أكد المهندس المعماري امحمد حديبي، إطار سابق في قطاع السكن والعمران، لـ"المساء”، أن وضعية البنايات القديمة في الجزائر تزداد كل سنة سوءا، في غياب أجهزة متحكمة في الوضعية وعدم نجاعة الآليات المعتمدة الحالية، وتم إحصاء على المستوى الوطني ما يقارب مليون بناية قديمة آيلة للسقوط خلال السنوات المقبلة والقائمة مرشحة للارتفاع، نظرا لغياب آلية مراقبة ومتابعة الوضعية، حيث تحصي ولاية الجزائر أكثر من 400 ألف بناية قديمة، منها القصبة التي تضم لوحدها أكثر من 70 بالمائة من البنايات المهددة بالانهيار في أي لحظة.

ويرجع محدثنا عدم نجاعة عمليات الترميم المتبعة لنقص الخبرة، وسيطرة التأطير الإداري على التأطير التقني، مؤكدا أن الكثير من عمليات الترميم هي ”عمليات تجميلية” خارجية لا تمس ترميم الأساسات والجدران الحاملة للبنايات وهذا بسبب نقص الخبرة وعدم وجود هيئات متخصصة وخضوع تطبيق سياسة ترقيعية، إلى جانب عدم استقرار الهيئات المتخصصة المشرفة على القطاع والتي غالبا ما لا تخضع لمعايير علمية ويتم تعيينها على أسس الولاءات وليس للكفاءات وعدم وجود آلية الرقابة في صرف الأموال وفق دفتر شروط مدقق خاضع للمقاييس التقنية والعلمية في عمليات الترميم .

ويقترح المهندس حديبي وضع جهاز مركزي خاص بتسيير التراث وترميمه يتمتع باستقلالية التسيير والذمة المالية، وعدم تركه تحت وصاية وزارة الثقافة، وتكون له صلاحيات الإمضاء على اتفاقيات تكوين مع خبراء أجانب مختصين في ترميم التراث المبني، خاصة أن الحاجة ماسة لذلك، لكون معظم مدن الجزائر تاريخية عريقة تداخلت فيها عدة حضارات تاريخية، مشيرا إلى أنه لابد أن تخضع عمليات الترميم لآلية وخطة مدروسة تضمن نجاح العملية من خلال إخلاء هذه البنايات وإعادة إعمارها.


المطلوب إخلاء المباني المصنفة ”حمراء وبرتقالية” وإسكان شاغليها

وقال الخبير في التراث المعماري مصطفى معزوز إنه في ظل التقلبات الجوية المستمرة، التي تزيد في هشاشة المباني القديمة، إنه لا بد من إرادة سياسية تتخذ قرارات مستعجلة لترحيل العائلات القاطنة بالسكنات المصنفة في الخانة الحمراء نحو شقق لائقة وآمنة، وكذا إخلاء السكنات المصنفة في الخانة البرتقالية بتحويل شاغليها إلى مجمعات سكنية، قصد إعادة تمتينها وتأهيلها لتمديد صلاحيتها.

كما ذكرت المهندسة حسينة حماش خبيرة البناء والمختصة في ميكانيك التربة، إنه بعد إسكان العائلات تتفرغ السلطات العمومية، لاستكمال عمليات صيانة المباني العتيقة سواء تلك المصنفة كتراث محمي وتتعلق بالنسيج العمراني ما قبل الاحتلال الفرنسي، أو المباني ذات القيمة المعمارية المشيدة في العهد الاستعماري، وتحديد نوع الصيانة الواجب تجسيدها سواء تعلق الأمر بإعادة التأهيل، أو التجديد الذي يمس الأساسات.

وقالت المتحدثة إن الدول المتقدمة الرائدة في هذا مجال صيانة المباني العتيقة، خاصة الأورومتوسطية، تمكنت من إعادة تجديد النسيج العمراني القديم، ومنها المصنف الذي تم استغلاله في المجال السياحي، وإدخال العملة الصعبة، مشيرة إلى أن هذا ممكن بالنسبة لمباني القصبة المصنفة كتراث مادي، إذ بالإمكان استعادة المباني وجعلها موردا اقتصاديا بامتياز. 

وأفاد الخبير معزوز أنه على السلطات العمومية الانطلاق في عمل ميداني وتحرير ”بطاقات تعريف” تقنية لكل البنايات القديمة، وتحديد درجة هشاشتها ومقاومتها لمختلف الظواهر والكوارث الطبيعية، وكذا تحيين الهياكل القاعدية من طرق ومنحدرات وشبكات تحتية، واعتماد دراسات تحدد الأماكن التي توجد بها تربة لا تسمح بالبناء عليها.

وألح السيد معزوز على ضرورة أخذ العبرة من الحوادث التي وقعت ولا تزال تفاجئ الساكنة ومستعملي الطريق في كل مرة، منها سقوط عمارة جديدة بالعاشور في أكتوبر 2016، والانزلاقات الصخرية بحي لكونكورد ببئر مراد رايس في 2017، التي حدثت من قبل ولا تزال، وآخرها سقوط بناية، منذ أسبوع، بشارع عبد القادر زيار ببولوغين، وقبلها انزلاق التربة بحي لاكوت بالطريق الوطني رقم واحد، وآخرها انزلاق طفيف بطريق مستشفى دريد حسين، والقائمة مفتوحة.


لابد من خطة تدخل ناجعة والاستفادة من التجارب الأجنبية

ويقر السيد حديبي أن الجزائر لم تستفد من التجارب العالمية في الحفاظ على تراثها المادي، الذي يعد كنزا سياحيا مفتوحا، ليبقى عرضة للزوال يوما بعد يوم، دون تحرك فعلي، وخطة ناجعة، وكان من الأجدر أن تستفيد بلادنا من تجارب الدول الرائدة في ثقافة ترميم البنايات القديمة، ومنها إسبانيا وإيطاليا وفي هذا السياق يأمل محدثنا أن نستفيد من اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية التي وقعتها الجزائر بمناسبة زيارة الرئيس الايطالي للجزائر مؤخرا، والعمل على فتح مدرسة متخصصة.

من المفروض أن تكون هناك دائرة مستقلة مختصة، تعمل على مراقبة البنايات بصفة دورية وتخطر الجهات الرسمية بضرورة إخلائها قبل حدوث الكوراث، لكن للأسف عمليات الترميم المبرمجة ما زالت ضعيفة ونسبتها لا تتعدى 2 في المائة، مما هو مبرمج ومخصص للترميم وهو ما يطرح عدة تساؤلات حول مدى كفاءات الجهات المختصة التي أوكلت لها العملية، حيث فشلت في رفع نسبة الترميم رغم أن الأموال متوفرة ومحجوزة.


"الحلول اللحظية” أولى بالاهتمام لحماية الأرواح

من جهته، يقترح الخبير في العقار ومختص في الهندسة المالية، عبد الرحمان بن يمينة، على السلطات العمومية الإسراع، كخطوة استعجالية، في تطبيق ”حلول لحظية” بإيجاد تقاطع بين بنكي المعلومات الموجودة لدى لمركز المراقبة التقنية للبناء ”سي تي سي” ومصالح الحماية المدنية، حيث تمكن هذه التقنية من إنشاء مخطط تأمين للمنطقة وما بها من نقاط سوداء، سواء تعلق الامر بعمارات أو شرفات آيلة إلى السقوط، أو مسالك أو منحدرات أو أسوار ووضع مسارات آمنة، باستعمال شرائط ولافتات تحذيرية، تنبه المارة لعدم استعمال الطرق أو استغلال المباني أو غيرها.

ويؤكد محدثنا أنه من شأن هذا التقاطع المعلومات بين هيئتين لهما تدخل مباشر في الإطار المبني، من شأنها تحديد البنايات الواجب إخلاؤها فورا وتلك التي يجب ترميمها أو إعادة تأهيلها، كما يمكن لعملية التحيين التي تجريها مصالح ” سي تي سي” في فحص البنايات، تجعل مصالح الحماية المدنية على دراية بما يقع في إقليمها من إطار مبني مرشح لوقوع حوادث به، والعكس صحيح، إذ بإمكان ”سي تي سي” أن تضع في حسبانها تلك الحوادث التي تدخلت بشأنها الحماية المدنية، فتعيد تصنيف تلك المباني.

وبرأي الخبير بن يمينة فإنه بعد الحلول المستعجلة يتم العمل على إيجاد حلول استراتيجية، تكون على المدى القصير، المتوسط أو البعيد. ومعلوم أن الهيئة الوطنية للرقابة التقنية أكدت سابقا أنها أجرت خبرة تقنية على أزيد من 380 ألف بناية قديمة، خلال العشرين سنة الأخيرة، شملت المدن الكبيرة، لا سيما، الجزائر وعنابة ووهران وقسنطينة وكذا سكيكدة.

وتفيد المعلومات التي السابقة أن 25 بالمائة من الحظيرة العقارية بولاية الجزائر ما يمثل 380 عمارة قديمة تعرف حاليا أشغال إعادة تهيئة (من أصل 14767 عمارة معنية بالعملية)، وقد تم حسبه تخصيص غلاف مالي قدره 5624 مليار سنتيم وتجنيد 520 مقاولا و132 مكتب دراسات وقرابة 1850 إطارا سام على غرار المهندسين والتقنيين الساميين من أجل إتمام هذه العملية على أكمل وجه مضيفا أنه سيتم ضخ مبالغ مالية اضافية لاستكمال البرنامج المسطر.

تشرف عليها العديد من المؤسسات العمومية الولائية على غرار مديرية التهيئة الحضرية وإعادة هيكلة أحياء العاصمة ودواوين التسيير العقاري إلى جانب الوكالة العقارية. وقد سمحت الورشات بتشغيل أزيد من 12 ألف شخص ناهيك عن 50 مؤسسة مصغرة. للإشارة فإننا سعينا لاستقاء معلومات من مركز الفحص التقني للبنايات لولاية الجزائر، حول البطاقية العامة للمباني القديمة وتصنيفها الحالي والتقارير الموجهة للسلطات العمومية قصد اتخاذ الاجراءات المناسبة، لكن في كل مرة نصطدم بشح المعلومات وصد الأبواب في وجه الإعلاميين.