"المساء" ترصد واقع الأسواق الشعبية في شهر الرحمة

زحمة كبيرة من أجل "ربطة حشيش" عنوانها "بنّة رمضان"!

زحمة كبيرة من أجل "ربطة حشيش" عنوانها "بنّة رمضان"!
  • القراءات: 1042
 استطلاع: نسيمة زيداني استطلاع: نسيمة زيداني

تشهد الأسواق الشعبية منذ حلول شهر رمضان المعظم لهذا العام، حركة مكثفة لاقتناء مستلزمات مائدة الإفطار اليومية، فعلى الرغم من أن أغلب العائلات سبق لها أن اقتنت ما تحتاج إليه، إلا أن زيارة السوق بالنسبة للبعض، تُعد سُنّة لا بد منها، وهو ما لاحظته "المساء" خلال زيارتها بعضَ الأسواق الشعبية بالعاصمة.

رغم الارتفاع المحسوس في أسعار أغلب المقتنيات سواء تعلق الأمر بالخضر أو الفواكه أو حتى الأواني التي لايزال الطلب عليها كبيرا خلال شهر الصيام، إلا أن النشاط التجاري ظل على نفس الوتيرة بالنظر إلى الإقبال الكبير من طرف الصائمين على ما يُعرض طلبا لتلبية مستلزمات مائدة الإفطار، التي مهما غلت مكوناتها، إلا أنها تبقى لدى سكان ورواد الأسواق الشعبية في العاصمة، مرادفا للبحث عن "بنّة رمضان".

الأسواق الموازية مغناطيس يجلب المواطن

ككل سنة ومع حلول شهر الصيام، يستغل التجار غير الشرعيين ببلديات الجزائر العاصمة، فرصة رمضان المبارك لتوسيع رقعة البيع العشوائي والفوضوي أمام مرأى ومسمع المسؤولين، حيث عادت هذه التجارة لتتنامى بصور شوّهت الأحياء والشوارع، في حين وجد المستهلك البسيط نفسه بين مطرقة الأسعار الملتهبة التي يفرضها باعة الأسواق الجوارية، وسندان السلع الرخيصة التي يروّج لها بعض الباعة غير الشرعيين.

واقتربت "المساء" من بعض التجار الفوضويين بسوق باش جراح الشعبي، الذين أكدوا أن إقدامهم على هذا النشاط غير المرخص لبيع الخضر والفواكه والمواد الاستهلاكية سريعة التلف، ما هو إلا خيار جيد لهم أمام غياب البديل، مشيرين في معرض حديثهم، إلى أن المصالح المحلية لم توفر أيّ أسواق جواري بديلة، ولا أسواق تنشط على مدار السنة، فيما صادفت "المساء" وجود باعة ينشطون في هذه الأسواق الموازية رغم أنهم يملكون محلات في الأسواق المنظمة.

وقال أحد التجار من باش جراح، إنه لا يملك محلا، وهو متفرغ لإحدى الطاولات التي يضعها كل صباح على حافة الطريق، مضيفا أن نشاطه يدرّ عليه مبالغ مالية لا بأس بها، تغنيه عن التوجه إلى أمور أخرى.

زحمة غير مبرّرة بحي الجبل ببوروبة

غير بعيد عن باش جراح، وتحديدا في حي الجبل ببوروبة، امتلأ المكان بالتجار غير النظاميين، متسببين في عرقلة حركة السير على مستوى هذا المسلك، في حين حاولت "المساء" الاحتكاك ببعض هؤلاء الباعة للاستفسار عن سبب الزحمة غير المبررة في مثل هذه الأسواق، حيث أكد بائع خضر، أن التفسير الوحيد للزحمة في السوق، "اللهفة" المصاحبة لندرة بعض المواد، أو بسبب الصيام، مشيرا: "هذا الواقع نعيشه سنويا، وتعوّدنا عليه"، مؤكدا أن "زحمة السوق لا تزول طيلة شهر الصيام إلى غاية اقتناء لوازم العيد".

وأكد بائع آخر أن ربطة الكسبرة أو ما يُعرف بـ "الحشيش"، وحدها تدفع بالبعض إلى دخول السوق، ويعلق: "إن الحشيش والديول أول ما ينفَد من السوق" بالنظر إلى الطلب اليومي والمكثف عليهما إلى درجة تدفع النسوة من العاملات تحديدا، إلى اقتنائه صباحا قبل التحاقهن بمناصب عملهن، خوفا من نفاده"، بينما أشار بائع آخر للخضر، إلى أن "الزحام في السوق أمر طبيعي، لأنه المكان الذي يختار الكثيرون قضاء الفترة الصباحية فيه، حيث يتجولون بين الطاولات للفرجة والسؤال عن الأثمان، ولا يقتنون أي شيء، ومن ثمة يغادرون.. الأمر الذي يعطي انطباعا بأن السوق مزدحم"، مشيرا إلى أن "النسوة أكثر الفئات التي ترتاد السوق، لأنهن يقتنين بكميات قليلة، فمن أجل ذلك يحبّذن في كل يوم، زيارة السوق"، مردفا: "قد تزور المرأة مثل هذه الفضاءات التجارية، فقط من أجل كمشة حمّص أو ربطة نعناع، غير أنها تزور كل الطاولات وتسأل عن الأثمان. وفي اليوم الموالي تعود أدراجها لشراء مستلزمات أخرى، وتحديدا تلك المرتبطة بطبق الشوربة أو بعض الحلويات الرمضانية"، يضيف المتحدث.

الحراش "حدّث ولا حرج!"

أما بمدينة الحراش، فقد عادت الأسواق الفوضوية إليها بعد ما تم القضاء على الكثير من النقاط السوداء بها، خصوصا منها سوق "بومعطي". ورغم المحاولات المتكررة للسلطات العمومية والمصالح المختصة لوضع حد لذلك، إلا أن الوضع لم يعمّر طويلا، ليعود نشاط التجار الفوضويين بقوة، إذ أصبح في الوقت الحالي، من الصعب تحديد المساحة الحقيقية لسوق "بومعطي" الفوضوي، فهو ينتشر، بصورة عشوائية، بين مجمعين سكنيين وبمحاذاة متوسطة. كما أصبحت طاولات الباعة تتمركز كالفطريات في أرجاء المنطقة، وهي في تزايد ملحوظ، خصوصا مع حلول الشهر الفضيل.

وما شد انتباهنا ونحن نتجول بسوق "بومعطي"، أن الفئة المسنّة من أكثر الفئات التي ترتاد السوق، ومن الجنسين. وعلى الرغم من أن أغلبهم فاق الخمسين سنة، إلا أنهم  يفضلون شراء بعض اللوازم بأنفسهم.

عمي مختار، الذي تجاوز عتبة الستين، يقول إنه يزور السوق لأنه لا يجد مكانا آخر يقصده، فأحيانا يدفعه الأمر لشراء بعض اللوازم حتى وإن كانت موجودة في المنزل، وفي أحيان أخرى يكتفي بالتفرج على المعروضات.

إقبال النسوة على البهارات والمواد الاستهلاكية

عرفت الأسواق التي زارتها "المساء" بالعاصمة، إقبالا كبيرا من قبل المواطنين، لا سيما النساء، على اقتناء المواد الاستهلاكية، على غرار الطماطم المصبّرة، والزيت، والسكر وكل أنواع البهارات والتوابل، رغم أنها معروضة بطريقة غير صحية، ولا تتوفر على شروط النظافة، خاصة المنتوجات سريعة التلف، كالزبدة والأجبان، بفعل تعمّد التجار تخفيض أسعارها، والتي أصبح معها المستهلك يبحث عن أقل الأسعار، على حساب صحته!

وما لفت انتباهنا كذلك، التوافد الكبير خاصة من قبل النسوة، على طاولات بيع الأواني المنزلية، إذ تُعد عادة مألوفة عند الأسر الجزائرية، لأن شهر رمضان فرصة لربات البيوت من أجل تجديد ديكور مطابخهن، خاصة أن تنوع الأطباق خلال هذا الشهر، يتطلب ذلك.

"أسواق الرحمة" لكسر المضاربة

بمجرد دخول سوق الرحمة، يُفاجئك منظر عشرات المواطنين الذين أثقلت موجة الغلاء معيشتهم في الفترة الأخيرة، وهم يحملون أكياسا بلاستيكية بيضاء، فيها بيض وسكّر ولحوم بيضاء وفواكه مجففة، وفق ما لاحظناه بحسين داي، فسوق "الرحمة" في هذه البلدية، فتح أبوابه هذه السنة مبكرا، لكسر المضاربة في الأسواق الشعبية.

واستطلعت "المساء"، خلال جولة ميدانية بالمنطقة، آراء الوافدين على هذا السوق، وراقبت الإقبال الكثيف للمواطنين على السلع والمواد الغذائية التي يوفرها بأسعار تنافسية.

واللافت للانتباه توافد فئة واسعة من الأغنياء وميسوري الحال، لاقتناء مستلزماتهم وما يحتاجونه من هذه الأسواق.

وأكد أحد الباعة أن هذه النقاط التجارية توفر العديد من المواد ذات الاستهلاك الواسع والمنتجة محليا، مثل الزيت والسكر ومختلف أنواع الفواكه الجافة، كالعنب المجفف والمشمش والبرقوق المجفف...

وأكد آخر أن الأسعار في هذه الأسواق، منخفضة جدا، وفي متناول الجميع. والسبب راجع إلى كون السلع المعروضة تباع من المنتج إلى المستهلك مباشرة من دون المرور على وسطاء، وهذا ما يخدم ذوي الدخل المتوسط والمحدود كثيرا وحتى الأغنياء، الذين وجدوا ضالتهم في مثل هذه الفضاءات التجارية، التي تعود مع كل موسم صيام.

نسيمة زيداني


الزحمة في الأسواق.. هاجس آخر يتذمر منه المتسوّق

تشهد الأسواق البلدية المغطاة المتوزعة على بلديات العاصمة، تدفقا كبيرا من المواطنين في أوقات معيّنة من النهار، تكون ذروتها عند الساعة الحادية عشرة، وهو ما جعل المتسوقين يضيفون إلى تذمرهم من ارتفاع الأسعار، تذمرا آخر، تمثل في الزحمة التي لا تطاق، وتكون، حسب عدد منهم، على حساب صيام يومهم.   

تعرف الأسواق المغطاة المنتشرة عبر إقليم ولاية الجزائر، هذه الأيام، تعرف إقبالا كبيرا خرج عن المعتاد، من قبل المتسوقين، على غرار سوق 8 ماي ببلدية باب الزوار.

وحسب أحد تجار هذه السوق، فإن هذا الفضاء يفتح أبوابه في حدود الساعة السابعة والنصف صباحا، لكنه لا يعرف إقبالا من المواطنين في الساعات الأولى من النهار، فأغلب المتسوقين يفضلون التوافد على هذه المساحة التجارية في أوقات تكون نفسها، مما يجعل المكان مزدحما، يصعب فيه على التاجر تلبية طلبات الزبائن في آن واحد. كما يصعب، حسبه، على الزبون التسوق بأريحية.

وأضاف تاجر آخر أن ذروة التدفق المسجلة هذه الأيام، مثل ما لاحظ التجار منذ اليوم الأول من الشهر الفضيل، تكون عادة بين الساعة الحادية عشرة ومنتصف النهار. والسبب يرجع، حسب تقديره، إلى تكاسل البعض عن الخروج والتبضع في الصباح الباكر.

وفضلا عن ذلك، فإن السوق لا تغطي ولا تلبي احتياجات سكان المنطقة من المواد الاستهلاكية فحسب، وإنما هي مقصد يختار التسوق فيها مقيمون ببلديات وأحياء أخرى في وسط الولاية وغربها، وهذا بسبب الأسعار المعتمدة فيها، والتي تبقى مرتفعة، وقد تكون نفسها في أماكن أخرى، لكن معظم المتسوقين يرون أن الأسعار المعتمَدة أفضل، والمنتوجات المعروضة ذات جودة أحسن، خاصة الخضر والفواكه. 

المتسوقون، من جانبهم، ورغم كونهم المتسببين في الوضع المذكور، يحتجون، بدورهم، على الزحمة التي يشهدها السوق يوميا. ويذهب عدد منهم خاصة الرجال، إلى التعليق على الوضع بالقول: "صيامنا بات مشكوكا فيه!"، وهذا بسبب الالتصاق الجسدي بين الرجال والنساء، الذي تفرضه، يوميا، الزحمة غير المعقولة!

هدى. ن