ستون سنة تمر على انطلاق الثورة التحريرية

رمز الحرية والأمل

رمز الحرية والأمل
  • 1064
حنان حيمر حنان حيمر
"لا يبنى المستقبل إلا بمعرفة الماضي والافتخار به".. مقولة قد يعرفها الكثيرون، لكن إدراك عمقها مسألة تتعدى مجرد القول إلى الفعل والممارسة. وبهذا يختبر الرجال والنساء الوطنيون الذين يملكون في قلوبهم حبّا كبيرا للجزائر بدون أي شروط مسبقة أو مطامع.
واليوم، يحيي الشعب الجزائري الذكرى الستين لاندلاع إحدى أكبر الثورات في العالم، التي تم خوضها من طرف شباب لم يكن في وجدانهم إلا هدف واحد هو "الحرية " والانعتاق ونبذ الظلم و«الحڤرة" التي سلطها عليهم استعمار طال أمده، وخرق كل حدود الصبر التي تحلى بها الشعب الجزائري لأكثر من قرن.
ولهذا ليس غريبا أن يكون شعار الاحتفال بالستينية هو "نوفمبر الحرية"، لأن 5 جويلية 1962، كان التتويج للفاتح نوفمبر 1954، باعتباره كان الحلقة الأخيرة في كفاح من أجل الانعتاق والاستقلال واسترجاع السيادة.
ومهما قرأنا وسمعنا عن المعاناة التي عاشها الشعب الجزائري، والتضحيات الجسام التي بذلها أبناؤه من أجل الوصول إلى مخرج من النفق المظلم الذي وضعه فيه الاستدمار الفرنسي، فإنه من الصعب إدراك الوضع الصعب الذي عاشه مفجرو الثورة التحريرية وهم يعلمون أن الأمر ليس "مغامرة" أو "مقامرة" قد تنجح أو قد تفشل، وإنما هي مسألة مصير لا يمكن أبدا أن تكون محل قرارات ارتجالية.
ومن أجل هذه الأسباب، فإن إحياء ستينية نوفمبر هذه السنة يستوجب التشديد على ضرورة إظهار وإبراز كل الظروف التي أحاطت باندلاع الثورة والتحديات التي واجهتها، وهو ما يعني ضرورة استغلال كل المعلومات المتوفرة، والتي لا يمكن الحصول عليها إلا من شفاه صانعي الأحداث، وهم من تبقى من مجاهدينا الذين يرحلون الواحد تلو الآخر، آخذين معهم في غالب الأحيان الكثير من "أسرار" الثورة التي تعد معلومات جد نفيسة بالنسبة للمؤرخين، الذين يعملون على جمع الحقائق من أجل تكوين صورة شاملة لجزء هام من تاريخ الجزائر الحديثة.
وليس غريبا أن تجعل وزارة المجاهدين، من جمع الشهادات عبر كامل التراب الوطني الأولوية في عملها المستقبلي، لتكوين أرشيف سيمكن الباحثين من بناء رؤية أوضح، ستكون بدون أدنى شك قاعدة أساسية تعتمد عليها أجيال من أبناء الجزائر في حفظ ذاكرتها الثورية وتاريخها الشامخ.
فنوفمبر الحرية، ليس محطة توقفت في جويلية 1962، وإنما هو منهج وأسلوب حياة وتعايش يمتد عبر الأزمان، لأنه بني على مفاهيم ومبادئ راسخة، أكدها بيان أول نوفمبر، الذي لا يختلف أحد في كونه مرجعية رئيسية للجزائريين في كل المراحل، بل هو اليوم أكثر من أي وقت مضى ركيزة هامة لمستقبل البلاد.
والأوضاع الراهنة والأخطار المحدقة بالجزائر، تحتّم علينا اليوم، استذكار أهمية ذلك التلاحم والوحدة التي ميزت العمل الثوري الذي لا يجب أن ننسى أنه كان نابعا من تجارب سياسية هامة، لأنها كانت تعددية، ورغم ذلك استطاعت أن تجتمع حول مصلحة الجزائر التي هي الغاية الوحيدة لكل أبناء الأمة.
ولا تعني الأحادية هنا التخلي عن تعددية التفكير، بقدر ما تعني التوافق على قواسم مشتركة تؤدي إلى وحدة التنظيم في تسيير أمور البلاد، في وقت لا يمكن فيه تغليب الاختلافات على الوحدة، بالنظر إلى الواقع الجيوسياسي الجديد الذي تعرفه المنطقة المحيطة بنا.
ولا نقول شيئا جديدا إذا اعتبرنا أننا اليوم في حاجة ماسة إلى الخوض أكثر في تجربة نوفمبر الفريدة من نوعها في العالم، والتي يمكنها أن تشكل أرضية للتوافق والمصالحة بين الجزائريين، خدمة للصالح العام ولبناء مستقبل تفتخر به الأجيال لأنه سيكون امتدادا لماض مجيد.