طباعة هذه الصفحة

بونوح بتيزي وزو

رحلة في الطبيعة لاستكشاف خبايا تراث عريق

رحلة في الطبيعة لاستكشاف خبايا تراث عريق
  • القراءات: 2118
سميرة زميحي سميرة زميحي

أخذت السياحة الجبلية تستقطب بشكل كبير عشاق الطبيعة، لاكتشاف المناظر الجبلية، كمكان للاسترخاء والتنزه، وممارسة مختلف الرياضات الجبلية، حيث أن هذا النوع من السياحة يبعث الشعور بالراحة والهدوء الذي يستهوي محبي المرتفعات والقمم العالية، التي تحول أماكن صغيرة غير معروفة إلى أماكن ووجهات سياحية مهمة، كما هو الحال بالنسبة لمرتفعات بونوح، التي تسعى مجموعات شبانية إلى إبراز خبايا طبيعتها، عبر الغوص في مناظرها وجبالها، بفضل إنشاء جمعيات المتنزهين التي وضعت ضمن أولوياتها ترقية السياحة الجبلية .

لم تعد السياحة تقتصر على الشواطئ فقط، من خلال الاستجمام  بالبحر والجلوس تحت أشعة الشمس، فولاية تيزي وزو التي تضم شريطا ساحليا يزخر بمناطق جبلية جميلة وساحرة، تتوزع على القمم والمرتفعات، وتبقى بحاجة إلى الاستغلال، من خلال تدعميها بمنتجعات وفضاءات وإمكانيات تجعلها مصدرا مدرا للثروة، وهو ما تسعى إليه لجان القرى، من خلال إنشاء جمعيات تعمل على تعزيز جاذبية المناطق السياحية الجبلية، عن طريق الكشف عنها في إطار مبادرات، منها إحياء أعياد الزيتون والجبة القبائلية والتين الشوكي... وغيرها، والتنزه، وممارسة رياضة كالتسلق والقفز بالمظلات، مع التركيز على البعد البيئي، والحفاظ على استدامة الموارد الطبيعية.

السياحة الجبلية .... فضاء للترفيه والتنزه والراحة

بات اليوم، البحث عن منافذ أخرى لتسويق منتوج سياحي جديد، يستقطب السياح والأجانب، لتطوير السياحة وإنعاش موارد الاقتصاد الوطني، لتكون بذلك السياحة القروية كقطاع شبه جديد له مردود اقتصادي واجتماعي كبير، فضلا عن دوره الثقافي الغني بالأصالة والخصوصية المنفردتين، حيث لم يعد الترويج لمناطق سياحية يقف على وكالات الأسفار والمؤسسات المعنية، من أجل التعريف بكنوز السياحة القروية، بجبالها وسهولها، إنما يتطلب اليوم من كل أطراف المجتمع المدني، إعادة الاعتبار لمناطق لا تزال غير مستغلة، رغم أنها تعتبر كنزا ثمينا، يمكنه المساهمة في تطوير السياحة والاقتصاد في آن واحد.

أكد دا أرزقي، أحد النشطاء في مجال السياحة الجبلية ببونوح، أن النشاط السياحي في ولاية تيزي وزو، وتحديدا في الجهة الجنوبية، بدأ يأخذ شكله عبر اكتشاف فضاءات متميزة لممارسة السياحة الجبلية والتخيم، وممارسة الرياضة، والتزلج على الزلج والنزهة، حيث بعدما بقي لسنوات في الهامش، لاسيما بعد العشرية السوداء، تزامنا مع هجر القرويين للمناطق الجبلية والريفية، حيث بدأت مؤخرا، الحياة تعود إليها من جديد، وهو ما فتح المجال لرفع الغطاء عن خبايا الطبيعة واسكتشاف أماكن هادئة، من أجل الاستمتاع بالجمال الطبيعي الذي لا مثيل له.

أعقب دا رمضان بالقول، إن قاصد الجبال سينبهر حتما من جمال المواقع التي تعد بمثابة متاحف جمعت في صورة واحدة، عقودا من الزمن، تلخصت في المرتفعات  والمغارات، والمنازل التي انهارت جدرانها من ثقل ما تحملته وعاشته، لكنها لا تزال تشهد على محطات وأزمات وفترات من الحب والألم والمعاناة، والقسوة التي عاش السكان في وسطها، لتبقى اليوم تحفا معمارية تلامس السماء وتتوسط بقعة خضراء جميلة، تحلق في سمائها الزرقاء النقية، طيور بمختلف الأشكال والقردة، تتجول هنا وهناك، وهو منظر لا يوجد منه اثنين، يسحر العين ويلامس القلب العاشق للطبيعة والجمال الرباني، إلى جانب أشجار كثيفة، حيث الكثير من الأصناف لا نجدها في كل مكان.

أضافت نا باية، أنه من لا يعرف المكان، يخيل له كأنها جبال الألب الأوروبية، خاصة عندما ترتدي برنوسا أبيض حين تكسوها الثلوج لأشهر عديدة، وتقدم الطبيعة لعشاقها ما يبحثون عنه، ففي الشتاء تشكل الجبال قطبا للجذب السياحي، بفضل الثلوج التي تكسو هاماتها وقممها التي تستغل لممارسة رياضة التزلج، وفي الصيف يأتي دور هواة رياضات تسلق الجبال التي تنشط بكثرة، والتنزه، وغيرهما، حيث تتميز بونوح بالتضاريس الجبلية التي أكسبها تسمية جنة خضراء، بجمالها الطبيعي الذي يجمع بين الطبيعة الخلابة والسلاسل الجبلية المرتفعة، التي تزيدها جمالا، يجعل من المنطقة قبلة لعشاق الطبيعة والباحثين عن مناطق للتنزه والراحة بين أحضان بقعة خضراء، يزيد علوها عن سطح البحر بـ1000 متر، حيث يخيل للزائر أنه يجلس فوق السحاب.

جمال المناظر اختفى بسبب نقص المرافق والخدمات

تقودنا الصدفة أحيانا، إلى استكشاف مواقع سياحية رائعة بين قمم الجبال والغابات الكثيفة، ووسط المياه المتدفقة في صورة لا نجد منها اثنتان، حيث تمتاز بجمالها وسحرها الذي يغري السائح الوطني والأجنبي، وتجعله ينجذب إليها ويعود إلى أحضانها في أول فرصة متاحة، فالعين التي تسقط على هذه المنطقة لا يمكن أن تنام دون الاشتياق إليها، وهو ما التفتت إليه السلطات المحلية، من خلال برمجة مشاريع سياحية وتهيئة منطقة التوسع السياحي تيزي أوجعبوب ببلدية بونوح، التي تتربع على مساحة 118 هكتارا.

عملية تهيئة هذه المنطقة السياحية مركزية، أسندت للمؤسسة الوطنية للتنمية السياحية، التي تفتح المجال للمستثمرين لإنجاز مشاريع استثمارية متنوعة، تعد بالكثير للسياحة، منها مركب سياحي، وقرية سياحية، وإقامة، وقرية عصرية كبيرة، حيث يتضمن كل مشروع مجموعة من المرافق تتكامل فيما بينها، مما يضمن خدمات متنوعة، من شأنها توفير جو تنافسي يسعى إلى تحسين الاستقبال الذي يكون في مستوى طموح كل من يقصد هذه المنطقة، بعد دخولها حيز الخدمة.

هذه المنطقة الجبلية لها أهداف سياحية، فرضتها جمالية الطبيعة والغابات الكثيفة والمناظر الساحرة، التي تبدو من الأعلى لوحة فنية، رُسمت بريشة فنان مبدع، تطل على تجمعات سكنية ومناظر جميلة، تبقى بحاجة للاستغلال، بتدعيمها بمرافق سياحية، وتوفير الخدمات اللازمة لعشاق الطبيعة والمستكشفين والمغامرين من السكان والأجانب، وهو ما يساهم في تطوير التنمية بالمنطقة، وإخراجها من عزلتها التي فرضتها الظروف الطبيعية القاسية وبعدها عن الولاية.

الجمعية الثقافية إلمزين نبونوح تنظم أول طبعة للتنزه

عاد الأمل من جديد ليطرق باب السياحة الجبلية ببونوح، لتستعيد المرتفعات والقرى النائية زوراها وزبائنها، إلى جانب الزمن الجميل، الذي كانت تعج خلاله الجبال بالسياح من كل الجنسيات، تجسيدا لذلك الحلم، حيث أطلقت الجمعية الثقافية إلمزين نبونوح، (شباب بونوح)، بالتنسيق مع الجمعية الثقافية إيزوران ذواكال (عروق وتراب)، التابعتين لبلدية بونوح، الطبعة الأولى للتنزه مشيا على الأقدام، على مسافة تمتد على بعد 50 كلم، تربط قرية تيزي مدن، مرورا برميلا، إلى غاية تيزي  أوجعبوب.

انظم إلى تظاهرة التنزه مشيا على الأقدام، التي تنظمها ببلدية بونوح في طبعتها الأولى، أعضاء الجمعيتين المذكورتين، إلى جانب مشاركة عشاق الطبيعة والتنزه والرياضيين من ممارسي الرياضة الجبلية، الذين ساروا على امتداد مسافة 50 كلم من الطريق، الذي يعد أكبر جزء منها، مناطق فلاحية بامتياز، لاسيما الممتدة من قرية تيزي مدن. كما كان التنزه فرصة لاكتشاف والوقوف بقرى يقطعها مسار التنزه، وبقيت جدرانها المنهارة تشهد على حياة قديمة تحكي قصص عائلات، بما تحمله من المآسي والأيام الجميلة، التي تتجسد بقرية حلوان القديمة، التي تعلو عن سطح البحر بنحو 1000 متر، ويعود تاريخ تشييدها إلى ما بين عام 1500 إلى 1600م.

جعل مسار الطريق الذي يطل على منطقة آث اسماعيل، بين بوغني وبونوح، والممتد إلى غاية حيزر في ولاية البويرة، المشاركين في خرجة تنزه، متعة وفرصة لاكتشاف جمال القرى والأرياف، التي تشمل المرتفعات  والسهول والجبال والمزارع والحقول والمنازل القديمة، والمستثمرات الفلاحية، والغابات... وغيرها.

كما عمد أصحاب مبادرة النزهة، التي يقودها العارفون بخبايا الطبيعية في المنطقة، إلى تجنيد شباب، أمثال عبد القادر حمزاوي كدليل سياحي، لمعرفته الكبيرة والواسعة بالجبال، حيث كان يقوم منذ صغره، برحلات استكشاف للجبال والمناطق الغابية، وبنجاح أول مبادرة من الطبعة الأولى للتنزه، سيفتح المجال بأن تكون الجمعية ضمن القائمة الرسمية للنزهات في الولاية، لتساهم في التعريف بالسياحة الجبلية، حيث تم توجيه دعوة لعشاق الطبيعة من أجل التسجيل، أو الاتصال بالجمعية، لضمان الاستفادة من برنامج الخرجات المقبلة، التي تسمح لهم بالغوص في عمق الطبيعة الخلابة، واكتشاف وجه آخر، على اعتبار أن التضاريس التي تزخر بها الولاية، جعلت من كل منطقة خصوصيات تنفرد بها.

العراقة والأصالة والتاريخ ... الجانب الآخر لبونوح

لايقف وصف عراقة وأصالة وتاريخ بونوح على جانب معين، فالمنطقة كنز لا يمكن اسكتشافه في أسطر أو صفحة واحدة، وهو مثل المسلسل الذي يحمل كل يوم مفاجآت يحاول السكان إبرازها، لتكون نقطة الانطلاق نحو تطوير السياحة، حيث أن هذه البلدية الواقعة جنوب غرب ولاية تيزي وزو، انقسمت عن بوغني في عام 1984، وتشكلت سنة 1985، وتضمنت العديد من القرى، منها أورير، بوزلة، شباحة، حلوان، أمالو، آث سي علي وبعلي... وغيرها من القرى التي تحمل كل واحدة  أسرارها وتراثها وجمالها، حيث يحدها من الشمال مدينة بوغني، ومن الشرق قريتي آث منداس وآث كوفي، ومن الجنوب جبال جرجرة وآث العزيز وتغزوت (ولاية البويرة)، وفريقات وعين الزاوية في جناحها الغربي.

كما لا تزال بونوح تحتفظ ببقايا من المباني الأثرية التي تشهد على الحضارات المتعاقبة، منها برج الأتراك، والكنسية الكاثوليكية... وغيرها من المعالم الأثرية العريقة، حيث بقيت المنطقة تلمع بأسماء جميلة للأحياء  والقرى والمناطق، منها ألما بوولي، وليميلا، وتاغزة، وتاباكيت إيروميان، ولمكيسا... التي تبرزالتراث التاريخي الماضي المجيد للمنطقة، إلى جانب تيمز المرأة بصناعة الفخار باستغلال عدة أنواع من الطين ، وصناعة الصابون التقليدي يدويا باستخدام زيت الطهي المستهلك، ونقع الزيتون والطماطم والفلفل...

وفقا للسجلات الدينية التي تؤرخ للمنطقة، أنجبت بونوح مؤرخين ورجال دين ومثقفين، أمثال سيدي محمد بوقبرين، مؤسس الطريقة الرحمانية المولود عام 1715 بقرية باعلي، والشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن، الذي أقام طريقته الخاصة المضيئة الطريقة الرحمانية بآث اسماعيل، التي تمتد إلى بوغني، حيث أصبح أسطورة، بعدما كان محل نزاع بين أهالي الجزائر العاصمة وآث اسماعيل، لأن كل طرف أراد دفنه في منطقته، وفي الأخير وجد سكان آث اسماعيل أن الشيخ مدفون في مقبرتهم، ووجد سكان الجزائر أيضا الشيخ في مقبرتهم، مما كان وراء تسميته شيخ بو قبرين، أي الشيخ ذو القبرين، ويستمر الزوار في زيارة مقام دفنه في كل مناسبة دينية إلى اليوم.

يقال إن الشيخ من نسل فاطمة الزهراء ابنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، درس العلوم الثقافية وأتم حجه في مكة، حيث أمضى 25 عاما في الدراسة وإجراء البحوث، وأسس طريقته الدينية الخاصة التي تسمى الطريقة الرحمانية، واستقر بين الجزائر العاصمة وآث اسماعيل، حيث أقام عدة زاويا، وتوفي عام 1793 في آث اسماعيل، وبقيت الزاوية اليوم مكانا يدعو الناس أحبتهم للعودة، خاصة المغتربين.

تعتبر بونوح، مسقط رأس الفنان الثوري الراحل فريد علي، صاحب رائعة أيما صبر أوراتسرو (يا أمي اصبري ولا تبكي)، الذي دشن السكان نصبا تذكاريا باسمه، حتى لا ينسى الجيل الناشئ مطرب الثورة الجزائرية الذي اسمه الحقيقي؛ خليفي علي، وأنجبته قرية إخلفونن في 9 جانفي 1919، كما أنجبت بونوح المنتج السينمائي الشهير عمار تريباش، والفنان المجاهد موح السعيد أوبلعيد، صاحب الأغنية المشهورة أيثبير سيوضاس سلام، ( يا حمام بلغهم السلام)، يضاف إلى القائمة أسماء فنية لامعة كثيرة، تركت بصمتها ورفض السكان نسيانها، كونها ساهمت في تربية أجيال، وتنظيم شؤون القرى ومعالجة مشاكلها بطريقة ودية، لم تترك المجال للخلافات والمشاحنات، بفضل اعتماد مشايخ الدين والأئمة كقاعدة في المعاملات وفك المتخاصمين.

للإشارة، يقطع بلدية بونوح طريق رئيسي الطريق الولائي رقم 4”، الذي يسمى طريق فريقات، يمتد بين ذراع الميزان غربا، إلى غاية بوغني باتجاه جرجرة، وطريق آث اسماعيل الذي يربط بوغني ببونوح، يقطع  قرية آث لعزيز جنوبا، حيث أن قاصد المنطقة يمر بطرق وسط مرتفعات وبساتين وأشجار تجعل الرحلة شيقة وممتعة، ويخيل لمستغليها بأنه في رحلة صعود إلى السماء، وينتابه شعور خاص لا يعرفه إلا من عاش التجربة، إحساس يذهل العقل ويعجز اللسان عن التعبير عنه، وتبرزه العين التي لا تمل ولا تكل من النظر في الصور التي نقرأها عن مدينة الأحلام فقط.

منبع رميلا... يروي العطشان بمياهه العذبة المنعشة

على بعد كيلومترات من قرية رميلا، يوجد منبع مائي يسقي العطشان بمياهه العذبة ذات طعم يشبه ذوق العنب، حيث يقوم الشباب وكبار السن في الكثير من الأحيان، برحلة المشي لساعات طويلة من أجل بلوغ المنبع وتذوق وجلب مائه، إذ تتوسط المنبع مساحات خضراء تنسي مشقة المشي دون الشعور بالتعب، فالهواء النقي، والجمال الطبيعي الذي يوجد بكل مكان، يجعل المشاركين في الرحلة لا يحسون بطول الطريق، وهم يترقبون وقت وصولهم المنبع الطبيعي للتوقف، بغية الاستمتاع بعذوبة المياه العذبة التي تتدفق دون توقف.

يضم المنبع أيضا، أحواضا مخصصة للحيوانات، لأن المنطقة جبلية، يمارس فيها السكان نشاط تربية المواشي والأبقار، كما تضم محطات جميلة تستوقف المتنزهين على طول الطريق الذي ينتهي بتيزي أوجعبوب، كموقع مرتفع وجميل بأشجاره وإطلالته، حيث يفتح الموقع نافذة لمشاهدة جزء كبير من منطقة جرجرة، وكذا تاغزوت بالبويرة، وبوغني، وذراع  الميزان، ومناطق أخرى، بعضها تبدو قريبة وأخرى بعيدة.