المرازقة بمغنية (تلمسان)

دوار خارج اهتمام المسؤولين

دوار خارج اهتمام المسؤولين
  • القراءات: 1532
ل.عبد الحليم ل.عبد الحليم

سمحت زيارة "المساء" إلى الجهة الغربية لبلدية مغنية، بولاية تلمسان، وبالضبط إلى دوار المرازقة وقرية أولاد قدور الحدودية ذات الطابع الفلاحي الرعوي، بالوقوف على ما حمله قطار التنمية له. ففي ظل القفزة النوعية التي عرفتها بلدية مغنية مؤخرا، تعمل جاهدة لتجد مكانا لها بين الثماني قرى التي تشكل هذه البلدية الحدودية، وإزالة جملة النقائص التي زادت في مشاق السكان، وعلى رأسها ندرة الماء، اهتراء الطريق وغياب وسائل النقل.

بمجرد وصولنا إلى دور المرازقة، والكشف عن هويتنا، بدأ العديد من المواطنين الذين التقت بهم "المساء"، في طرح عدة انشغالات، وتسجيل مختلف النقائص التي تنغص حياتهم وتؤرق يومياتهم، بداية بالغاز الطبيعي، تماشيا وخصوصية المنطقة التي تعرف ببرودتها، وصعوبة الحصول على الماء الصالح للشرب.

استغل المواطنون الفرصة لطرح المزيد من الانشغالات، كافتقار الدوار للتهيئة الحضرية، حيث يأمل العديد من السكان في تحرك السلطات المعنية العاجل لانتشالهم مما وصفوه بـ "حياة الغبن ودائرة العزلة"، التي باتت عنوانا لمعاناتهم بسبب تراكم مشاكلهم اليومية مع طرق بعض الأحياء، التي قالوا عنها إنها قد تصلح لكل شيء، إلا للسير عبرها حتى مشيا على الأقدام، فما بالك بالمركبات نتيجة الحفر المنتشرة هنا وهناك، لتصبح صيفا، مصدرا للغبار والأتربة، وشتاء، بركا مائية وأوحالا يصعب تخطيها، ولعل أكثر المتضررين منها، المتمدرسون.

غياب الضروريات يصنع المعاناة

حسب سكان المنطقة، فإن دوار المرازقة يشهد غياب أدنى ضروريات الحياة الكريمة، كالمنازل اللائقة والماء والإنارة العمومية، إضافة إلى الغياب التام لكل أنواع الخدمات الصحية، وهو الوضع الذي يعيشه سكان هذا الدوار الأكثر فقرا في هذه البلدية، مما جعلهم يعيشون ظروفا جد صعبة، لتزيد السلطات البلدية من معاناتهم التي طال أمدها ـ حسب السكان ـ، حيث لم تلتفت لحالهم.

الزائر لهذا الدوار، يجد أن مشاريع السكن الريفي لا تزال في بداياتها، بدليل وجود مجموعات معتبرة من التجمعات السكنية لمنازل طوبية، لا تزال تميز حتى مداشر بجوار مركز البلدية، وبها أرباب عائلات وشباب يعانون من البطالة الخانقة، حولت حياتهم اليومية إلى جحيم ـ حسب تعبيرهم ـ مضيفين أنهم راحوا ضحية الوعود التي تطلقها السلطات البلدية في كل مرة، دون أن تجسدها على أرض الواقع، إلى جانب معاناتهم  من مشاكل أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، والمتمثلة في غياب الإنارة العمومية، إضافة إلى اهتراء الطرق وغياب أدنى المرافق الترفيهية، وغيرها من النقائص الأخرى التي يشكو منها السكان.

الشباب بحاجة إلى العمل والمرافق

شباب المنطقة الذين التقت بهم "المساء" في مركز دوار المرازقة، أكدوا أنه لا توجد في هذا الدوار أية فرص عمل لهم، فيما جعلتهم البطالة يعيشون فراغا قاتلا، فبدل أن تدعمهم البلدية بمشاريع تناسب منطقتهم، "راحت تضيع عليهم الفرص المتاحة كل مرة"، مما أدى بمعظمهم إلى اللجوء في أغلب فترات السنة، إلى العمل في الفلاحة في ظروف أقل ما يقال عنها، إنها صعبة،، خاصة في مجال غرس وجني البطاطا، ليختار البعض الآخر الحديث عن لجوء الأطفال إلى وديان مستوية وأراض تابعة للخواص، يلعبون فيها كرة القدم خلسة عن أصحابها، فليس لديهم فضاء آخر لممارسة الرياضة والترفيه عن أنفسهم، في ظل الغياب الكلي للمرافق الترفيهية والتثقيفية.

انعدام وسائل النقل يزيد من العزلة

كما يواجه السكان مشكل انعدام وسائل النقل نحو مركز بلدية مغنية، بسبب اهتراء الطريق المؤدي إلى دوارهم، مما يؤدي إلى عزوف الناقلين عن العمل في مختلف مناطق البلدية، خوفا من تعرض حافلاتهم لأعطاب تزيدهم أعباء مالية إضافية هم في غنى عنها، خاصة في الأيام التي تتساقط خلالها الأمطار، إذ تتحول إلى برك مائية يستحيل المشي عبرها، لذلك يطالب السكان السلطات المعنية التدخل العاجل من أجل برمجة مشروع تهيئة الطرق المؤدية إليه.

لاحظت "المساء"، أن جل المسؤولين يسكنون خارج هذا الدوار الذي يعرف نقصا واضحا في التغطية بشبكة الهاتف النقال لكل المتعاملين، في العديد من المناطق المنخفضة بالدوار، كما أن معظم السكان يتنقلون إلى مدينة مغنية لقضاء حوائجهم، واعتبر سكان الدوار أن المنطقة التي يقطنون فيها لم تر أي مظهر من مظاهر الاستقلال، والدليل على ذلك، الغبن والحرمان الذي يتخبطون فيه، نظرا لغياب أبسط ضرورات الحياة الكريمة.

مطالب على طاولة الوالي و"المير"

ذكر الأهالي أنهم رفعوا جملة من الانشغالات إلى والي الولاية، تتصدرها مشاكل الطرق الفرعية المتدهورة والسكن الريفي، إضافة إلى معاناتهم مع غاز البوتان، فضلا عن تمدرس أبنائهم في ظروف سيئة للغاية، وبصوت واحد، عبر السكان عن رغبتهم في إيصال ندائهم إلى السلطات المحلية والولائية، ليجد آذانا صاغية ويجسد على أرض الواقع، بالتالي القضاء على هذه النقائص.

من أولويات السكان، التعجيل بمنحهم حصصا للبناء الريفي، التي طالبوا بها رئيس البلدية مرارا، دون أية التفاتة منه، على حد تعبيرهم، إلى جانب ذلك، أكد السكان أنهم يتخبطون في مشكل حقيقي، نظرا بسبب ندرة قارورات غاز البوتان، وهو الأمر الذي يجعلهم يقطعون مسافات طويلة في رحلة بحث عن هذه المادة التي يزيد سعرها في هذه المنطقة عن 500 دينار للقارورة الواحدة، بالإضافة إلى الطرق الفرعية التي لم تشهد أية عملية تعبيد ـحسبهم ـ، حيث تتحول منطقتهم إلى برك للمياه الموحلة، بمجرد سقوط زخات من المطر، فيعجزون عن الخروج من بيوتهم ويبقون محاصرين داخل مساكنهم الطوبية، التي ينتظرون سقوطها وانهيارها في أي وقت ولحظة.

التلاميذ أكثر المتضررين

تلاميذ الدوار من أكبر المتضررين من هذه الوضعية غير المريحة، حيث يتحملون مشاق قطع مسافات طويلة سيرا على الأقدام لبلوغ مدارسهم الكائنة بالقرى والبلدية الأم، في ظل انعدام وسائل النقل المدرسي، وهو ما يطالب به أولياء التلاميذ ويصرون على السلطات المحلية توفيرها لإراحة أبنائهم، حيث يضطر عشرات التلاميذ إلى النهوض باكرا صباح كل يوم، لبلوغ مقاعد الدراسة التي تبعد عنهم بحوالي كيلومترين، مما يؤثّر على صحتهم ومستواهم الدراسي، وهو ما انتقده أولياء التلاميذ وطالبوا السلطات المحلية بتداركه في أقرب وقت ممكن، من خلال توفير حافلات النقل المدرسي، حيث تزداد صعوبة تنقلهم سيرا على الأقدام بين المنزل والمدرسة بقدوم فصل الشتاء، وانخفاض درجات الحرارة وحلول الظلام باكرا، خاصة بالنسبة للتلاميذ الذين يكملون دراستهم على الساعة الخامسة، ويصلون إلى منازلهم منهكين بعد حلول الظلام عليهم، وتزداد خطورة الأمر في الخوف على سلامتهم من الاعتداءات.

كما يصعب تنقلهم بسبب انسداد مدخل الدوار عند ساعات الذروة في الفترتين الصباحية والمسائية، وما زاد الطين بلة؛ الغياب التام لوسائل النقل العمومية والخاصة في الدوار، والتي تربطها بالبلدية، وهو المشكل العويص الذي يعاني منه جميع التلاميذ، خاصة في الطورين الابتدائي والمتوسط، بل وحتى تلاميذ الطور الثانوي عبروا عن مخاوفهم من تلك الطريق التي يسلكونها يوميا ذهابا وإيابا، في غياب النقل المدرسي والعمومي، مما جعل البعض يتخلى عن الدراسة.

أمام هذه الأوضاع، يطالب السكان بضرورة فتح آفاق واسعة لحركة التنمية بالمنطقة، حيث أضحت دواوير ومداشر هذه القرى التابعة لبلدية مغنية، تفتقر لأدنى شروط العيش الكريم، فيما يبقى أمل السكان قائما مع عودة الاستقرار إلى منطقتهم، خاصة أنهم عانوا الأمرين خلال سنوات الجمر، في وقت توجد الكرة في مرمى المسؤولين والمعنيين لإعادة الحياة إلى دواوير وقرى بلدية مغنية، وتجسيد مشاريع تنموية لائقة، بما فيها استكمال برنامج السكن الريفي، من أجل انتشال السكان من حالتهم المزرية.