”المساء تقف على واقع التنمية في مناطق الظل بقسنطينة

خيرات مهملة ومصانع مغلقة.. من المسؤول؟

خيرات مهملة ومصانع مغلقة.. من المسؤول؟
  • القراءات: 1801
 زبير زهاني زبير زهاني

تحصي ولاية قسنطينة أكثر من 200 منطقة ظل عبر بلدياتها الإثني عشر، وقد اختلفت انشغالات سكانها باختلاف احتياجاتهم، رغم أن الكثير منها ينام على كنوز ومقومات، من شأنها طرد شبح العزلة والتهميش والدفع بوتيرة التنمية بها، خصوصا في ظل وجود عزيمة لدى السلطات العليا للبلاد، لتغيير وجه هذه المناطق نحو الأحسن، إذ تميز هذه المناطق مقومات سياحية، صناعية وتجارية، لكن الواقع شيء آخر...

مناطق سياحية مهملة بابن زياد، ومصنع الآجر مغلق منذ سنوات، هي أهم ميزة بهذه البلدية، الواقعة على الطريق الوطني رقم 79، الرابط بين قسنطينة وميلة، والتي تم إحصاؤها ضمن مناطق الظل، هو وجود أحد أقدم المصانع في قسنطينة، وحتى في الجزائر، وهو مصنع الخزف الذي تم افتتاحه سنة 1958، من قبل المعمر الفرنسي "غاريك"، وامتد إنتاجه إلى غاية سنة 2008، ليغلق نهائيا، بعدما تم بيعه إلى أحد الخواص، منذ ذلك الوقت، لم يفتح المصنع الذي كان يشغل حوالي 300 عامل و50 إداريا، بمعدل عامل على الأقل من كل عائلة تقطن البلدية. ويؤكد سكان المنطقة أن خزف ابن زياد كان مشهورا على المستوى الوطني، وأن جداريات الخزف التي كانت تخرج من المصنع، موجودة بمتحف مقام الشهيد في العاصمة، وفي العديد من الفنادق عبر ربوع الوطن، على غرار فندق المرجان بالقالة في ولاية الطارف. حسب المعلومات التي استقيناها من مختلف المصادر، فإن مصنع الخزف والآجر ببلدية ابن زياد، والذي تم بيعه بملغ 21 مليار سنتيم في 2008، لم ينطلق في الإنتاج، بسبب عدم حصوله على رخصة من السلطات المخولة، وقد تم تبرير ذلك بتشبع السوق من مادة الآجر المستعملة في البناء، ويراهن سكان المنطقة على عودة هذا المصنع إلى سلسلة الإنتاج، حتى يمتص أكبر عدد من الشباب البطال، ويكون قاطرة تدفع بالتنمية داخل هذه المنطقة.

كما تضم البلدية، أعلى قمة من ناحية الارتفاع، على مستوى ولاية قسنطينة، تقدر بـ1316 متر فوق سطح البحر، وهي قمة جبل الشيخ زواوي، الذي يرقد هناك بين سفوح الجبال داخل زاويته، التي عرفت إهمالا كبيرا في السنوات الأخيرة، رغم أنها تضم مدرسة قرآنية، كانت في وقت قريب، محط اهتمام السلطات، لتعرف بعدها تهميشا وتدهورا كبيرين، وكان بالإمكان استغلالها من الناحية السياحية، لتكون مصدر دخل إضافي للبلدية، خاصة أن أعلى سفوح ابن زياد تضم فسيفساء وآثارا رومانية، تم اكتشافها مؤخرا، كما تضم هذه الجبال الحجرية، العديد من الكهوف والأنفاق التي تصل حتى إلى غاية منطقة وادي العثمانية بولاية ميلة، حسب تأكيد شهود عيان. ويعتبر الطريق الغابي بين المنطقة وغابة شطابة، على حدود بلدية عين السمارة، من أجمل المناظر الطبيعية، في انتظار التفاتة مديرية السياحة إلى هذه المعالم، قصد تحريك المشهد السياحي على حواف عاصمة الشرق.

مدينة تيديس الأثرية في بني حميدان بحاجة للاهتمام

تضم بلدية بني حميدان بقسنطينة، والواقعة على الحدود مع ولايتي سكيكدة وميلة، أكبر مدينة أثرية بالمنطقة، تبعد بحوالي 30 كلم من مقر ولاية قسنطينة، وتعد متحفا على الهواء الطلق، يتربع على أكثر من 40 هكتارا، حيث كان من المفروض أن تستفيد هذه المدينة الأثرية من مخطط يرمي إلى حمايتها وتثمينها، في إطار تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015"، لكن الأمور لم تسر وفق ما خطط لها، لتبقى هذه المدينة التي كان يفترض أن تدر عائدات كبيرة على البلدية في حال استغلالها بالشكل اللازم، في إطار تثمين المقومات السياحية بالولاية، لتبقى مجرد كتل من الحجارة لم تنل تصيبها من الاهتمام من قبل السلطات المحلية، في ظل غياب أبسط المرافق الضرورية بهذه المدينة، رغم نداءات الجمعيات المختصة، التي طالبت بتوسع الطريق الولائي الرابط بين الطريق الوطني رقم 27، والمدينة الأثرية على امتداد 7 كلم، مع المطالبة بتوفير حظيرة لائقة لركن السيارات.

تعكس مدينة تيديس مدى تطور الحضارات منذ العهد النيوليتي، وهو العصر الحجري الحديث، أو عصر الحجري المصقول، المتمثل في دولمانات، وهو حجر كبير مسطح موضوع فوق عدد من الحجارة المنصوبة، مرورا بالعديد من الحضارات، على غرار البونيقية والبيزانطية والرومانية والإسلامية، والتي تبقى شامخة وتأبى الاندثار إلى غاية اليوم، في انتظار تثمينها وتصنيفها ضمن التراث العالمي، ليكون على شاكلة المدينة الأثرية تيمقاد بمدينة باتنة، ويستقبل الموقع الذي يتواجد به ضريح "ليليوس أورباكوس"، الحاكم الروماني المنحدر من منطقة تيديس، التي شغلت في وقت سابق حصنا ومركزا متقدما للدفاع عن سيرتا القديمة، العاصمة الشرقية لمملكة نوميديا، سنويا حوالي 30 ألف سائح، بين زوار جزائريين وأجانب، وبعثات دبلوماسية أجنبية، وكان مشروع تهيئة تيديس مبرمج سنة 2008، لكنه لم ير النور، واكتفى ببعض الأمور البسيطة البعيدة عن تطلعات المهتمين والمطالبين بإبراز هذا المعلم التاريخي، الذي يعد من المواقع الأثرية الرائعة المتناثرة عبر التراب الوطني، وشاهدا عن تاريخ الجزائر القديم الذي يعود إلى آلاف السنين الخالية.

عانت بلدية بني حميدان، ذات الطابع الفلاحي، والتي تدخل ضمن مناطق الظل، خلال العشرية السوداء بشكل كبير، نتيجة موقعها الجغرافي وتضاريسها، وكذا تواجدها على الحدود مع ولايتي سكيكدة وميلة، إلى جانب غياب مشاريع التنمية، مما جعل عددا كبيرا من سكانها يغادرون نحو المدن المجاورة، وعلى رأسها بلدية قسنطينة، رغم عودة 20 بالمائة منهم في السنتين الأخيرتين، بعد برمجة العديد من مشاريع التنمية، التي تدخل في إطار تحسين ظروف العيش في مناطق الظل، ومست أبعد المناطق، على غرار سيدي دريس التي تبعد عن مقر البلدية بـ27 كلم، حيث ساهمت عودة عدد من المستثمرين إلى المنطقة، في تحريك الفلاحة، خاصة أن العائدين من السكان الأصليين، حملوا معهم مشاريع استثمارية في هذا المجال، من شأنها تحسين وجه البلدية التي كانت في سنوات خلت، مقصدا لمستثمرين كبار في أحد العلامات الفرنسية المشهورة في إنتاج الحليب و"الياغورت".

تضمنت المشاريع الاستثمارية التي باشرها السكان، الذين عادوا إلى أراضيهم وإلى منازلهم، استصلاح الأراضي، وتربية الحيوانات الأليفة المنتجة للثروة، على غرار تربية المواشي والأبقار، والدجاج، والنحل، وباتت رائدة في إنتاج العديد من المحاصيل الزراعية في شكل الحبوب، بالإضافة إلى حليب الأبقار، وهي الآن متوجهة لتحتل الريادة على المستوى الولائي في إنتاج اللحوم البيضاء. وفي حصيلة إجمالية لمشاريع التنمية وتحسين ظروف المعيشة ببلدية بني حميدان، استفادت البلدية من 33 عملية موزعة عبر 26 منطقة ظل، بغلاف مالي فاق 491 مليون دج، منها 6 عمليات لمنطقة دراع بني وقاد، و4 عمليات لمنطقة لحويمة، و3 عمليات لفائدة عين الحمراء، وعمليتين لفائدة مناطق السوسالي، والحمري، وعين الحامة، وجنان الباز، فيما استفادت المناطق الأخرى المتبقية، على غرار الصفصافة والشعيبة وعين قصيبة والمارة والحمري  وطكوك والسطارة وعين النشم، من عملية لكل منطقة، حسب الأولويات ومطالب السكان.

منطقة صناعية مهملة وثروات طبيعية غير مستغلة

تعاني بلدية مسعود بوجريو، التي تعد من بين مناطق الظل بامتياز في عاصمة الشرق، من عدة مشاكل، على غرار باقي مناطق الظل بالولاية، حيث يشتكي سكان القرى والأرياف والمشاتي، من غياب مظاهر التنمية، على غرار الكهرباء والغاز، رغم أن المنطقة تزخر بمقومات صناعية وثروات طبيعية، من شأنها تغيير وجه البلدية، التي تضم 9 مناطق ظل عبر القرى والمشاتي. استفادت البلدية من عدة مشاريع، في إطار تسليط الضوء على مناطق الظل، ومن مبالغ مالية معتبرة، قصد بعث عجلة التنمية، حيث يراهن المجلس الشعبي البلدي الجديد بمسعود بوجريو على الجانب البشري لإحداث التغيير، فيما استفادت البلدية سنة 2021، في إطار مشاريع الظل، من 26 مشروعا من مختلف مصادر التنموية، منها 21 مشروعا من مخططات التنمية المحلية، و3 مشاريع من ميزانية البلدية، ومشروعين قطاعيين، إلى جانب 12 مشروعا تم استلامها في قطاعات الموارد المائية، والتهيئة الحضرية، والإنارة العمومية والطرقات، و10 مشاريع في طور الإنجاز، لتبقى 4 مشاريع في مرحلة الإجراءات الإدارية.

يطالب سكان المنطقة المعروفة عند القسنطينيين باسم "عين الكرمة"، باستغلال الثروات الطبيعية، خاصة أن البلدية غنية بمادة الجبس بمنطقة "بوحصان عبد الله"، والتربة الحمراء التي تستعمل في صناعة الخزف والآجر، التي يمكن استغلالها في إنتاج مواد البناء، من خلال إنجاز وحدات إنتاج، من شأنها امتصاص البطالة، واحتضان عشرات الشباب الذين يقبعون في البطالة منذ سنوات، بالتالي المساهمة في استحداث مصادر دخل لعدد كبير من الأسر القاطنة ببلدية مسعود بوجريو، ذات الطابع الفلاحي، التي تتربع على حوالي 7 آلاف هكتار من الأراضي الفلاحية. من جهتهم، وجه أعضاء المجلس الشعبي البلدي، وعلى رأسهم رئيس البلدية، نداء للمستثمرين، من أجل التقدم للاستثمار في منطقة النشاطات الصناعية، التي تبقى دون استغلال، حيث يراهن أعضاء المجلس الشعبي البلدي، خلال عهدتهم الحالية، على إعادة بعث النشاط في هذه المنطقة، من أجل إضافة مورد مالي جديد لخزينة البلدية من جهة، وإنشاء وحدة لإنتاج الحليب، التي انطلقت الأشغال بها وتوقفت بعد مدة قصرة، ولم تر النور إلى الوقت الحالي، من جهة أخرى.

160 عملية تنموية واستغلال المقومات أهم الحلول

في سياق ذي صلة، خصصت ولاية قسنطينة 160 عملية تنموية، وفرت لها الموارد المالية اللازمة، حيث تم تقسيمها على ثلاث مراحل، ويتعلق الأمر بـ71 عملية مسجلة، تخص 50 منطقة ظل، حددت لها أجال انتهاء الأشغال في 31 ديسمبر 2020، مع إمكانية تجاوز الآجال بأسبوع إلى 10 أيام للمشاريع المتعطلة، والمقدرة بأقل من 10 بالمائة، بالإضافة إلى 68 عملية خلال السداسي الأول من سنة 2021، مست 62 منطقة ظل، و21 عملية خلال السداسي الثاني من نفس السنة، تخص 19 منطقة ظل. وقد تعددت مصادر تمويل هذه المشاريع، وبلغت حوالي 200 مليار سنتيم، منها المخططات البلدية للتنمية التي تكفلت بتمويل 70 عملية، بتكلفة 48.6 مليار سنتيم، وميزانية الولاية التي تكفلت بتمويل 66 عملية بقيمة 32.25 مليار سنتيم، بالإضافة إلى 14 عملية تم تمويلها من قبل البرامج القطاعية بمبلغ 98 مليار سنتيم، وميزانية البلديات التي تكفلت بتمويل 7 عمليات بقيمة 6 ملايير سنتيم، و3 عمليات ممولة من قبل صندوق الضمان والتضامن للجماعات المحلية بغلاف مالي قدره 6 ملايير سنتيم.

كان على رأس هذه المشاريع، الربط بشبكات المياه، والصرف الصحي، والغاز والكهرباء، بالإضافة إلى تهيئة الطرقات وتهيئة المؤسسات التربوية وتوفير النقل، حيث تم إحصاء في مجال المشاريع المنتهية أو المشرفة على الانتهاء، 20 مشروعا خاصا بتزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب، و30 مشروعا للربط بشبكة التطهير، و17 مشروعا خاصا بالربط بشبكة الكهرباء، ناهيك عن 27 مشروعا خاصا بالربط بشبكة غاز المدينة، و36 مشروعا خاصا بالإنارة العمومية، و19 مشروعا خاصة بتهيئة الطرقات البلدية، بالإضافة إلى 6 مشاريع خاصة بالتهيئة الحضرية، و3 مشاريع للمنشآت والتوسعات المدرسية، ومشروعين خاصين بإنجاز فضاءات اللعب. بخصوص العمليات المقترحة سنة 2021، قدرت بــ255 عملية، إذ من شأنها أن تمس 132 منطقة ظل، بملغ إجمالي قيمته 135.9 مليار سنتيم، حيث تكفلت وزارة الطاقة عن طريق مؤسسة "سونلغاز" بتمويل جزء منها، لم يخصص لها تمويل من قبل، بمبلغ 12 مليار سنتيم، لربط أكثر من 500 مسكنا، عبر مختلف البلديات بشبكات الغاز والكهرباء، تضاف لها بعض العمليات التي تم التكفل بها من قبل الولاية، على غرار تزويد 11 بلدية بـ25 حافلة للنقل المدرسي، مع تخصيص مبلغ 75 مليار سنتيم خلال هذه السنة، خاص بإعادة تهيئة الطرقات عبر الولاية، تضاف إليها قيمة 50 مليار سنتيم خلال السنة المقبلة، وهي مشاريع ستخفف الضغط على هذه المناطق، ليبقى استغلال المقومات الطبيعية والسياحية بهذه البلديات، من أهم وأنجع الحلول لإخراجها من الظل إلى الضوء.