بمشاركة رجال الدين والجمعيات والهلال الأحمر
حملات لتنظيف المقابر من النفايات وأعمال السحر

- 340

❊ دعوة للحفاظ على حرمة المقابر والسلطاتُ تتحرك
❊ حملة نظافة واسعة بأكبر مقبرة بالعاصمة "العالية"
❊ مواقع التواصل الاجتماعي توثق صوراً لتدنيس المقابر
❊ منع النساء من زيارة المقابر يثير الجدل
تدعو منظمات المجتمع المدني بالعاصمة، الى الحفاظ على القبور، وعدم تدنيسها بأي شكل من الأشكال، وتحت شعار "هيا انقُّو المقابر"، نظمت هذه الأخيرة حملة تطوعية واسعة لتنظيف المقابر من النفايات، والأعشاب الضارة، والحشائش التي غطت العديد من المدافن، في مشهد يعكس تراجع الوعي المجتمعي بضرورة صون حرمة المقابر. غير أن هذه الحملة لم تقتصر على الجانب البيئي فقط، بل شملت، أيضا، إزالة الطلاسم وأعمال السحر المدفونة التي طالما تسببت في معاناة عشرات العائلات.
وتهدف هذه المبادرة التي شاركت فيها جمعيات دينية وخيرية، نهاية الأسبوع المنصرم الى جانب السلطات المحلية والهلال الأحمر الجزائري إضافة إلى متطوعين وأئمة محليين، إلى رد الاعتبار للمقابر، والتصدي لممارسات السحر والشعوذة، التي حوّلت بعض المقابر إلى مسرح لها.
حرمة الموتى تفرض الحفاظ على المقابر
وقفت "المساء" على حملة النظافة بمقبرة "العالية" التي نُظمت الجمعة المنصرم، باعتبارها أكبر مقبرة بالعاصمة، شارك فيها شباب متطوعون بعدما حصلوا على رخصة من بلدية وادي السمار رفقة جمعيات خيرية إلى جانب الهلال الأحمر الجزائري، ابتداء من الساعة الثانية بعد الزوال، حيث اجتمع أصحاب المبادرة أمام البوابة الصغيرة المطلة على حي "المنظر الجميل"، حاملين قارورات الماء وكل الوسائل المساعدة على عملية التنظيف، سواء التقليدية، وحتى آلات لقص الأعشاب الضارة التي سخّرتها بلدية وادي السمار.
وكانت انطلاقة العمل من المقابر "المنسية" كما تلقَّب، لكونها موجودة بحواف المقبرة، والتي غطتها الأعشاب والأشجار، ويوجد بها الأفاعي والجرذان، حسبما أكد بعض من تحدثت إليهم "المساء"، حيث واجه منظفو المقابر صعوبة في إزالة الحشائش الضارة والطويلة التي يبلغ ارتفاعها مترين. ويبقى صراعهم متواصلا مع المشعوذين والسحرة رغم دعواتهم الكثيرة لتعزيز الحراسة على "منازل الموتى".
وكشفت بعض شهادات الشباب المتطوعين أنهم يجدون صعوبات في مراقبة زوار القبور. وسبق أن عثر شباب متطوعون على أغراض مستخدمة في السحر خلال تنظيف مقبرة العالية، حيث وجدوا ملابس نسائية داخلية بها قصاصات صغيرة، عليها كتابات غير مفهومة بالخط العربي والسرياني.
وآخرون عثروا على ما يسمى "كروزا" أو تمائم داخل القبور، وصور لشباب وشابات عليها أقفال حديدية، وأخرى بينها أعواد مشدودة بخيوط، وهي أعمال سحرية تُستعمل، غالبا، للتفريق، والطلاق، والعقم، وإنزال الفقر بالمسحور، أو من أجل جلب الحبيب، وشفاء العقم، وقضاء الحوائج. وزائر المقبرة يلاحظ، أيضا، مخلفات الأكل والشرب بجانب القبور، فضلا عن قارورات وعبوات الكحول المنتشرة على جوانب المقبرة.
وأكد بعض المتطوعين أن بعض القبور تعرضت للنبش، وهو الأمر الذي لم يستوعبه العامة بعد، فيما قال البعض إن العملية جاءت بفعل فاعل، وهي من اختصاص المشعوذين والسحرة، الذين مازالوا يستغلون هذه الأماكن لتنفيذ أعمالهم الشيطانية الدنيئة. وهي الحالة التي وضعت المواطنين في حيرة من أمرهم، فأصبحوا يطالبون السلطات المعنية ـ ويُقصد بها مؤسسة تسيير المقابر ـ بالنظر بجدية في الأمر، ورد الاعتبار لقبور موتاهم.
جمعيات تطالب بالحراسة الدائمة
أجمع أعضاء الجمعيات الناشطة التي شاركت في الحملة من أبناء باب الزوار والجرف والدار البيضاء والمنظر الجميل والسلطات المعنية وعلى رأسها مؤسسة تسيير المقابر والبلديات ومؤسسات المجتمع المدني وكافة المواطنين، على المحافظة على المقابر وحرمتها، ودعوة الجميع إلى المشاركة في حملات لتنظيفها من حين لآخر، ليس فقط بالعاصمة، وإنما في كل الولايات دون انتظار المواسم.
وأعرب محدثو "المساء" عن أسفهم لتحول مثل هذه الأماكن الطاهرة الى فضاءات مدنسة من قبل البشر. وقد ظهرت في السنوات الأخيرة، ظاهرة الرعي بالكباش مع اقتراب عيد الأضحى، لتضاف إلى قائمة التصرفات غير الأخلاقية وغير الحضارية التي تمس بحرمة المقابر، ناهيك عن إتلاف القبور بأغراض السحر والشعوذة، داعين المصالح المتخصصة لفتح تحقيقات؛ بهدف إيقاف من وصفوهم بالمجرمين.
كما دعت نفس الجمعيات المواطنين تحديدا، إلى الاتصاف بسلوك السلف ممن كانوا يزورون موتاهم بصفة منتظمة، ويقومون بمسح القبور، وتنظيفها من كل ما من شأنه طمس معالمها، إلى جانب الاهتمام ببناء القبر، أي وضع الشواهد التي تحمل اسم المغفور له، وتاريخي ميلاده ووفاته، حتى يبقى شاهدا على مر الأجيال من نفس العائلة، ولا يتعرض للسطو من قبل آخرين، ممن يحسبون بعض القبور المجهولة، وبالتالي يستغلون الفرصة لإعادة فتحها، والدفن فيها.
تعليمات بالاهتمام بالمقابر
وفي نفس السياق، وجهت ولاية الجزائر تعليمات صارمة للسلطات المحلية، بالاهتمام أكثر بنظافة المقابر، واحترام حرمتها، فضلا عن التحلي بالحس المدني، في وقت سطرت بلديات العاصمة برنامجا خاصا بإعادة تهيئة وتنظيف المقابر تزامنا مع عيد الأضحى المبارك، حيث أطلقت العديد من البلديات على ضوء هذه التعليمة، حملة لتنظيف المقابر؛ على غرار مقبرة "العالية"، وقاريدي بالقبة، وحي الجبل ببوروبة ومقابر أخرى؛ برفع النفايات التي يخلفها الزائرون، لا سيما أيام العيد، وسعيا لرد الاعتبار لحرمة وقدسية هذه الفضاءات.
وقد جرت أشغال التنظيف بمختلف المقابر على قدم وساق، قصد التهيئة والترميم، وإزالة كل ما يشوب حرمة المكان؛ من فضلات وأعشاب وردوم، بسبب إهمال بعض العائلات التي تترك مخلفات الأغراض التي تأتي بها إلى المكان بعد بناء قبور ذويها، دون إعارة أي اهتمام باقي القبور، بل يلجأ البعض إلى رمي مخلفات البناء فوق القبور المجاورة.
ودعت ولاية الجزائر المواطنين، بهذه المناسبة، إلى تقديم يد المساعدة، وتدعيم الجهود المبذولة من قبل مختلف المصالح؛ بترك المكان كما وجدوه عند الزيارة على الأقل، في وقت أصبحت العديد من المقابر على غرار "العاليا" التي تُعد من أكبر المقابر بالعاصمة، ملجأ للمنحرفين، الذين يتعاطون فيها المخدرات والمشروبات الكحولية، ما يستدعي تكاتف جهود جميع المصالح المعنية لوضع حد للظاهرة.
ويقوم أعوان النظافة بمقبرة "سيدي الطيب" المجاورة لمقبرة العاليا، بانتظام، بتنظيف هذه الأخيرة، حيث يجمعون كميات هائلة من الأكياس والقارورات البلاستيكية، تصل أسبوعيا إلى جمع شاحنة كاملة من القارورات البلاستيكية، فضلا عن إزالة ما يُرمى من فضلات، بما فيها بقايا بناء المقابر بواسطة القفف، لكون استعمال أي وسيلة أخرى كالمركبات، أمراً مستحيلا.
جرائم السحر والشعوذة تتواصل
كشفت حملة تنظيف تطوّعية لبعض مقابر العاصمة، على غرار أولاد فايت والكاليتوس وسيدي موسى، أطلقها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن وجود أعمال سحر وشعوذة مدفونة بين الأموات، في مشاهد أعادت النقاش حول تفشّي ظاهرة السحر والشعوذة في المجتمع، بعد عمليات تنظيف واسعة قاموا بها نهاية الأسبوع الفارط، بهدف تنظيف المقابر من الأعشاب والنفايات، وتحسين وضعها البيئي. غير أنها تحوّلت إلى حملة "تطهير من السحر" بعدما تمّ العثور على طلاسم وأغراض غريبة مخبأة تحت التراب، أو بين الأحجار والقبور.
وفي شهادات عديدة من مواطنين شاركوا في هذه الحملات، تم العثور على طلاسم غريبة، وكتابات مجهولة، وصور لأشخاص ملفوفة بخيوط، ودمى محشوة بإبر، وهي أدلة تشير بوضوح، إلى ممارسات شعوذة، هدفها الأذى، وتعكير حياة أفراد أو عائلات بأكملها.
ودائما على مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت مقاطع فيديو، وصور صادمة توثق حجم انتشار ظاهرة السحر المدفون داخل المقابر بالعاصمة، التقطها المتطوعون خلال حملة التنظيف، حيث كشفت عن أعداد كبيرة من الأعمال السحرية التي تم دفنها عمداً تحت الأرض.
ومن داخل إحدى مقابر بلدية الكاليتوس، نشر ناشطون صورا لأغراض متنوّعة، تمّ جمعها بعد استخراجها من باطن الأرض ومن بين القبور، بينها طلاسم مكتوبة بخطوط ورموز غريبة، وخصلات شعر، وملابس نسائية، وصور أطفال ونساء ورجال، وبقايا عظام حيوانات، وقطع قماش، وبيض، وكلها أدوات استُخدمت، على ما يبدو، في طقوس سحرية، تهدف إلى الإيذاء.
وقال الناشطون إن ما كشفوا عنه لا يمثل فقط خرقا للدين والمجتمع، بل يُعدّ فضيحة وجريمة، تعبّر عن مدى تغلغل الجهل وممارسات السحر والشعوذة في بعض فئات المجتمع. وعلى القانون الجزائري التعامل معها بصرامة، علما أن قانون العقوبات ينص على عقوبات تصل إلى عشر سنوات سجنا لكل من يثبت تورطه في أعمال السحر أو الشعوذة، التي تتسبب في ضرر نفسي أو جسدي أو اجتماعي للضحايا.
منع النساء من زيارة المقابر يثير الجدل
في المقابل، اعترض بعض نشطاء التواصل الاجتماعي على المطالبة بمنع النساء من زيارة القبور، معتبرين أن ذلك تعدٍّ، وانتهاك واضح لحقوق النساء في زيارة ذويهن من الموتى. كما أكدت إحدى السيدات أن السحر والشعوذة ليس من اختصاص النساء. ومثل هذه التهم يعاقب عليها القانون.
ويُعد اتهامهن دون دليل قذفاً دون مبرر، لذا لا بد من وضع رقابة صارمة، وحراسة مشددة من قبل الأعوان والمسؤولين؛ للحد من هذه الظواهر، تقول. للإشارة، فإن أصوات المطالبة بمنع النساء من زيارة المقابر، تعالت عقب الانتشار الواسع لفيديوهات توثق صور السحر والشعوذة في هذه الفضاءات، مطالبين بوضع كاميرات مراقبة.
وقال متطوعون في حملات التنظيف يجب على الدولة إصدار قوانين تمنع النساء من دخول المقابر، نظرا لكونهن الأكثر ترددا على زيارة الدجالين والمشعوذين، وهو الأمر الذي أثار حفيظة النساء، مطالبين برد الاعتبار، والبحث عن حلول أخرى بعيدا عن إهانة واتهام المرأة.
كما رفع العديد من المواطنون نداء مستعجلا إلى السلطات العليا للبلاد، بملاحقة السحرة والمشعوذين، لوقف التعرض بالإيذاء للآخرين، ووضع كاميرات مراقبة في كل المقابر، مع وضع قوانين صارمة لتحديد مواعيد الزيارات بدقة، دون ترك الأمر دون ضوابط تحكمه.