"المساء" تقتفى أثر التنمية في خناق مايون بسكيكدة

"جنة" عبث بها الإرهاب وأعاد لها النازحون الحياة

"جنة" عبث بها الإرهاب وأعاد لها النازحون الحياة
  • القراءات: 838
بوجمعة ذيب بوجمعة ذيب

عرفت العديد من المناطق النائية بولاية سكيكدة خلال السنوات الأخيرة، عودة جماعية لسكانها، الذين اضطرتهم الظروف الأمنية خلال العشرية السوداء، لهجرها، خصوصا تلك المناطق الجبلية المتواجدة بالمصيف القلي. وما شجع على عودتهم في المقام الأول، استتباب الأمن من جهة، والجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة في إرساء البرامج التنموية؛ تشجيعا على بعث الحياة في هذه المناطق، ومن ثم خدمة أراضيها. وكعينة على ذلك، تنقل "المساء" في هذا الروبورتاج، واقع قرى ومداشر بلدية خناق مايون الواقعة أقصى غرب عاصمة روسيكادا بالمصيف القلي، والتي تعد جنة فوق الأرض بما حباها الله من مناظر جمعت بين الجبال والبحر..

عن بلدية خناق مايون يقول رئيس البلدية السيد زبير زنير، إنها أنشئت بناء على التقسيم الإداري للبلاد لسنة 1984. وتبلغ مساحتها حوالي 46 كلم مربعا، يحدها من الشمال والغرب البحر الأبيض المتوسط، من الشرق بلدية أولاد عطية، ومن الجنوب بلدية وادي الزهور، بتعداد سكاني، حسب الإحصاء الأخير، يقدر بـ 4691 نسمة، مقسمة على ثلاثة تجمعات كبرى، وهي التجمع الرئيس خناق مايون مركز، والتجمع الثانوي لعوينات ومشتة لحسن تبيسي.

وعن المؤهلات التي تملكها هذه البلدية التي يجهلها الكثير من الناس، أشار المصدر، إلى أنها تمتلك عدة مؤهلات تجعلها، صراحة، بلدية سياحية بامتياز، إذ يوجد بها شاطئان رمليان، إضافة إلى شواطئ صخرية بطول 23 كلم، أبرزها شاطئ مرسى الزيتون بخناق مايون، وشاطئ سيدي عبد الرحمن (خرايف) بلعوينات، بالإضافة إلى واد مرسى الزيتون، الذي توجد به شلالات رائعة تستقطب العديد من السياح من كل حدب وصوب، إلى جانب تمتعها بغطاء غابي كثيف، يؤهلها للاستثمار في مجال السياحة الغابية. أما عن تسميتها بـ "خناق مايون"، وحسب ما صرح لنا به بعض مواطني البلدية، فإن أصل التسمية أمازيغية، وتعني باللغة العربية، "أم العيون" نسبة إلى كثرة الينابيع المائية المنتشرة بها.

العصابات الإجرامية تهجّر السكان

وكغيرها من العديد من المناطق الجبلية التي عاشت ويلات العشرية السوداء، فإن العديد من الأهالي اضطروا لمغادرة أراضيهم بحثا عن الأمن والاستقرار. وحسب السيد (ن. عمار) 61 سنة يقطن بقرية لحواش، فقد أشار لـ المساء، إلى أن المنطقة وما جاورها قد شهدت خلال فترة الإرهاب الأعمى، هجرة جماعية للسكان، هروبا من بطش العصابات الإجرامية نحو الأماكن الآمنة، سواء على مستوى مدينة القل، أو تمالوس أو حتى مدينة سكيكدة، بما فيها بعض بلديات ولاية جيجل الآمنة، كالميلية، وسيدي عبد العزيز، والقنار وغيرها.

أما السيد (ب. عمار) 59 سنة يقطن على مستوى قرية لحسن التبيسي التي تعد ثالث تجمع بعد مقر البلدية، فقد اعتبر أن هناك ثمة عدة عوامل ساعدت على هجرة المواطنين أراضيهم، فإلى جانب الظروف الأمنية الصعبة التي عاشتها المنطقة، فإن الحرمان المتواصل في حق مواطنيها من خلال عدم تخصيص لمنطقتهم والمناطق المجاورة لها، مشاريع تنموية، حيث عاش السكان خلال تلك الفترات في عزلة خانقة فرضتها جغرافية وتضاريس المنطقة من جهة، وعدم التكفل التام بانشغالاتهم المشروعة من قبل السلطات المحلية المتعاقبة على تسيير البلدية من جهة ثانية، جعلهم يفكرون في الهجرة.

أما الشاب (حسام) البالغ من العمر حوالي 29 سنة، فقد تحدث بمرارة عن الظروف الصعبة التي يعيشها الشباب على مستوى هذه المنطقة، وأغلبهم من أصحاب الشهادات الجامعية، مما يضطرهم لممارسة أي نشاط يجلب لهم المال، بالخصوص، خلال فصل الصيف. ويعتقد (حسام) أن الظروف الحالية التي تعيشها المنطقة خاصة بعد استتباب الأمن وعودة السكان إلى قراهم أمام توفر المنطقة على كل المؤهلات خاصة السياحية منها، تجعلها منطقة جذب للسياح، مما سيساهم، بشكل كبير، في تحريك التنمية التي تعود فوائدها عليهم وعلى الولاية برمتها، لكن، كما يضيف، يبقى كل ذلك مرهونا بتثمين الجهود التي تبذلها الدولة على أرض الواقع، من خلال منتخبين في المستوى، يدركون ثقل المسؤولية، ومن ثم العمل على تقديم إضافات للمنطقة.

مخططات تنموية تعيد الحياة لمناطق ظل خناق مايون

يرى رئيس بلدية خناق مايون السيد زبير زنير، أن الكثير من الظروف قد تغيرت بين الأمس واليوم، خاصة بعد عودة الأمن إلى ربوع البلدية بوجه خاص، وتراب الولاية بوجه عام. وقد تزامن ذلك مع العديد من المشاريع التنموية التي استفادت منها المنطقة في إطار مختلف المخططات التنموية، سيما منها المستعجلة، قصد التكفل بمشاغل سكان مناطق الظل. ولأن البلدية التي يسيرها هي بلدية ساحلية بامتياز وجبلية ولها بعد تاريخي خاصة الدور الذي لعبته إبان الثورة المظفرة، فقد أشار إلى أن هذه الأخيرة استفادت من العديد من المشاريع، منها إنجاز مساحات للراحة بمدخل البلدية، تعد مزارا للمصطافين خلال فصلي الربيع والشتاء، نظرا لوقوعها وسط غابات دائمة الخضرة تقريبا، واستغلال بعض المعالم التاريخية كالمنارة القديمة التي تم بناؤها إبان الحقبة الاستعمارية، وكذا مقام الشهيد بمنطقة العارطة المجسد للمستشفى العسكري بالولاية التاريخية الثانية، وكل هذه الأخيرة تعمل من أجل الترويج للسياحة بالمنطقة، زيادة على مشاريع أخرى يعتزم المجلس البلدي الحالي، تجسيدها على أرض الواقع، لها علاقة بالجانب السياحي، إذ تشجع البلدية على الاستثمار في هذا الجانب، سواء على مستوى المناطق الساحلية أو حتى الجبلية، التي ماتزال تحتفظ بعذريتها.

مشاريع لفك العزلة عن مناطق الظل

وفي ما يخص السياسة التنموية المنتهجة بالخصوص على مستوى مناطق الظل، أشار المسؤول إلى أن المجلس الشعبي البلدي بتركيبته الحالية، يعمل من أجل فك العزلة، وتحسين ظروف معيشة المواطنين بإنجاز مشاريع خاصة بمختلف الشبكات، كتوزيع المياه الصالحة للشرب، وكذا شبكات التطهير، بالإضافة إلى الإنارة العمومية والبناء الريفي، مضيفا أن المجلس الشعبي البلدي يعمل من أجل إعادة بعث مشاريع توسيع الكهرباء الريفية، خاصة بالتجمع الرئيس خناق مايون، ومدخل قرية لعوينات. كما يحرص على تحيين دراسة إنجاز مشروع ربط البلدية بغاز المدينة، لتشمل كافة السكنات عبر كل التجمعات والأحياء. ويسعى المجلس لاستغلال القدرات السياحية بالمنطقة من سياحة جبلية وبحرية، لتحقيق موارد مالية لتدعيم ميزانية البلدية بمداخيل جديدة، وخلق مناصب شغل للشباب البطالين، وتدعيم الفلاحة التي تعد موردا هاما للسكان المحليين، من خلال فتح مسالك لتسهيل تنقّل الفلاحين إلى بساتينهم لجني محاصيل الزيتون، الذي يتميز بجودة عالية في هذه المناطق، إلى جانب العمل على توفير الكهرباء الفلاحية لدعم وتشجيع تربية المواشي والدواجن، مضيفا أن المجلس الحالي يسير على نهج السياسة الرشيدة للسلطات العليا للبلاد، بتخصيص عدة مشاريع لرفع الغبن عن سكان تلك المناطق.

وفي هذا الصدد، يشير إلى ربط منطقة لحواش بشبكة المياه الصالحة للشرب، وتهيئة وتعبيد الطريق المؤدي إليها، بالإضافة إلى تسجيل عملية لتهيئة وتعبيد طريق منطقة الظل مشتة لحسن تبيسي، وتوتوش وجيملة. كما تم الانطلاق في تجديد وتوسيع الإنارة العمومية بمنطقة الظل مشتة لحسن تبيسي، في انتظار ـ كما أشار ـ تسجيل عمليات أخرى لفك العزلة، وتحسين ظروف المعيشة بمناطق الظل الست بالبلدية، على غرار إنجاز ملعب جواري بمنطقتي الظل الورد ومشتة لحسن تبيسي، مع السعي لتهيئة وتعبيد طريق منطقة شطوفي بعد الانتهاء من أشغال ربطه بغاز المدينة. كما انطلقت أشغال تزويد قرية لعوينات بالغاز الطبيعي انطلاقا من منطقة سنجاق، حيث باشرت المقاولة المكلفة عملية وضع الأنابيب لنقل تلك الطاقة، التي كثيرا ما انتظرها سكان المنطقة بفارغ الصبر، إلى جانب كل هذا انطلاق مشروع معالجة النقاط السوداء في شبكة الصرف الصحي خناق مايون، وقرى لعوينات كأحياء الطهرة، والسكان، ومدخل قرية لعوينات، ولبيور، وحي بوخميس، حيث سيمكن هذا المشروع، كما أشار رئيس البلدية، من القضاء على عدة تسربات لمياه الصرف الصحي، التي كانت تشكل خطرا على الصحة العمومية.