وفرة الإمكانيات لم تُحسّن الرعاية الصحية

تغيير الخارطة الصحية لم يُفد في تعزيز العلاج الجواري

تغيير الخارطة الصحية لم يُفد في تعزيز العلاج الجواري
  • القراءات: 1352
حنان.س حنان.س
قال البروفسور عبد الوهاب بن ڤونية، أخصائي علم الأوبئة والطب الوقائي لدى نزوله ضيفا على ”منتدى المساء”، أن الجزائر شهدت خلال العشريتين الأخيرتين تحولا وبائيا وديموغرافيا هاما أدى إلى تغيير الخارطة الصحية بما يسمح بتعزيز العلاج الجواري في سياق تقريب الصحة من المواطن، إلا أن هذا التغيير الذي صاحبه رفع معدل الإنفاق على القطاع لم يأت بثماره، كما أن درجة استجابة النظام الصحي بالوطن لتغير الخارطة الوبائية تبقى دون المستوى سواء من حيث تقسيم الخدمات أومن حيث نوعية العلاج.
وحسب المختص، فإن وزارة الصحة طبقت تنظيما جديدا للمؤسسات الصحية يهدف إلى فصل مهام المستشفيات الجامعية وتلك التي تضمن علاجا قاعديا. كما برز تقسيم آخر للمؤسسات الصحية على غرار المؤسسات العمومية الاستشفائية والمؤسسات العمومية للصحة الجوارية التي تشمل أيضا قاعات العلاج والعيادات متعددة الخدمات، وسمح هذا المسعى بإنجاز أكثر من 7000 مركز علاج وأكثر من 1500 عيادة متعددة الخدمات، مقابل 13 مستشفى جامعي فقط أغلبها موروث عن الحقبة الاستعمارية. هذه الأرقام ـ حسب المختص - لا ترقى إلى تحسين الرعاية الصحية بالوطن، ”فرغم معدل الإنفاق الهام على القطاع إلا أن درجة استجابة النظام الصحي سواء من حيث توزيع أو عدالة الخدمات الصحية على السكان تبقى دون المستوى المرجو، فحتى سياسة إصلاح المستشفيات لم تأت بالكثير بدليل ان اعتماد خارطة صحية جديدة هدفها الفصل بين الجانب العلاجي والاستشفائي الذي تتكفل به المؤسسات الاستشفائية الجامعية، وبين الجانب الوقائي الذي تتكفل به مؤسسات الصحة الجوارية لم يصل إلى تحقيق الأهداف المرصودة، لذلك نقول إن وفرة الإمكانيات المادية والمالية لم يواكبها تحسن في الواقع الخدماتي للرعاية الصحية في الجزائر”.
بعبارة أخرى، يرى ضيف ”المساء” أن الرجوع إلى النظام الصحي الذي أوصت به المنظمة العالمية للصحة ضمن إعلان ”ألماتا” بكازاخستان في 1978 والذي صادقت عليه الجزائر في نفس السنة مهم جدا في خلق التوازن في الرعاية الصحية، وهو النظام الذي ينص على مشاركة الجماعات المحلية في العلاجات الصحية القاعدية الأساسية، أي مشاركة البلدية والدائرة والولاية في ميزانية نفقات الصحة غير المباشرة (السكن اللائق، توفير ماء الشرب، العناية بقنوات الصرف الصحي...إلخ)، ”وكنتيجة لذلك أنشئت بالجزائر عام 1981 قطاعات صحية كانت ستصبح تلقائيا قطاعات صحية جامعية بمجرد توفر الموارد البشرية (أطباء وأطباء مختصين)، والميزة الكبيرة لهذه القطاعات أنها كانت ستحترم التقسيم الإدراي للوطن، كونها توفر قطاعا صحيا أو قطاعا صحيا جامعيا لكل دائرة، والجزائر تحصي 148 دائرة يقابلها بالتالي 148 قطاعا صحيا، إلا أننا اليوم نعود للوراء إذ لم يتم احترام هذا التنظيم، فالخلل يكمن في وجود مراكز استشفائية جامعية في 13 ولاية فقط وحرمان الـ38 ولاية المتبقية من مستشفى جامعي يقدم علاجا نوعيا، وحرمانها أيضا من تكوين متخصص للأطباء، وبقي الحال على حاله لغاية 2012 وتحديدا في الأغواط عند افتتاح رئيس الجمهورية للسنة الجامعية، ونادى بفتح مراكز استشفائية جامعية وجامعات بالجنوب الكبير”. ويتابع المختص تحليله فيقول: ”الأخطر من هذا الوضع أن الـ13 مركزا استشفائيا جامعيا المتواجدة حاليا يستهلكون لوحدهم ثلث ميزانية الصحة، ضف إلى ذلك عامل الاكتظاظ الكبير في هذه المراكز الذي يؤثر سلبا على عامل التكوين سواء الأطباء أوالأطباء الأخصائيين، والمحزن بين كل هذا وذاك أن ولاية الجزائر كونها عاصمة البلد تأوي لوحدها أربعة مراكز استشفائية جامعية، ولكنها كلها مراكز موروثة عن العهد الاستعماري (مصطفى باشا، بارني، مايو وبني مسوس)، وهذا كما قلنا رغم المصاريف الطائلة التي صرفت ولكنها لا ترقى لا إلى الجهد المبذول لتحسين القطاع ولا حتى لمستوى تحسين الخدمات، فالمواطن في 2015 ما زال يعاني من مركزية العلاج وخير دليل على هذا ما يجري في علاج مرضى السرطان الذين ينتظرون أشهرا وسنوات للحصول على موعد للعلاج رغم خطورة المرض.
ولا يقل الوضع فوضوية في القطاع الخاص عنه في القطاع العام، فحسب ضيفنا جاء التفكير في فتح العلاج التكميلي في القطاع الخاص منذ 1988 في إطار فتح المجال الاقتصادي للجزائر وخلق مفهوم إصلاح المستشفيات، جاء الترخيص لفتح العيادات الخاصة ”ومع الأسف لم ترق هذه الخطوة للنتيجة المرجوة، فعوض أن يكون قطاعا عاما وقطاعا خاصا متكاملين ومتنافسين لفائدة المريض، وقع تشغيل العيادات الخاصة على حساب الموارد البشرية في القطاع العام، أي تسرب الكفاءات الطبية، ثم جاء التنظيم من قبل الوزارة في 1997 من خلال تقنين العمل بالوقت التكميلي للأطباء، إلا أن الرقابة كانت غائبة تماما نظرا لسنوات اللاأمن التي عصفت بالبلاد في التسعينيات، مما أدى مع غياب الرقابة إلى نزيف كبير للمال وللعتاد الطبي من طرف بعض الجهات، وكان لهذه التصرفات اللامسؤولة الأثر السلبي الكبير على القطاع الصحي العام الذي أصبح لا يلبي متطلبات الصحة، كما يظهر عامل آخر لا يقل خطورة وهو تراكم ديون المستشفيات وتهوين الأمر من طرف الوصاية، وأعطيكم مثالا، ففي 2004 تم مسح 10 آلاف مليار سنتيم من ديون الـ13 مركزا استشفائيا جامعيا، وفي 2014 تم مجددا مسح مبلغ طائل آخر يصل إلى 2500 مليار سنتيم لـ622 مؤسسة صحية، والسؤال الذي نطرحه هنا: أين ذهبت كل تلك الأموال الطائلة؟ علما أن مسح الديون هي حالة طارئة ولا تتم إلا بعد إثبات المُسيِّر للقوة القاهرة، فهل 622 مؤسسة صحية ومنها المراكز الاستشفائية كلها قد أثبتت القوة القاهرة؟!”، يتساءل المختص ملمحا إلى أن غياب الرقابة يضرب بمصداقية تسيير المؤسسات الصحية بالوطن وبالتالي فقدان الثقة فيها من طرف المواطن بدليل انعدام أبسط وسائل العلاج من التطبيب البسيط إلى الجراحة المتخصصة.وفي سياق متصل، يشير الأستاذ بن قونية إلى الاستعجالات الطبية الجراحية التي يعتبرها النقطة السوداء في المنظومة الصحية ببلادنا، وهذا ما يجعل معدل الوفيات بالجزائر أعلى بكثير عن نظيره بكل من تونس والمغرب، فالاستعجالات كما يدل عليها اسمها لا تدع المريض في قائمة الانتظار ”والواقع يشير إلى أن المريض بالاستعجالات ينتظر في طابور، فهل يعقل أن ينتظر مريض بالربو في هذه المصلحة؟ وهذا سببه سوء التسيير الناجم عن انحراف للغلاف المالي الموجه للاستعجالات وحتى لغيرها من المصالح”، يقول المختص.