المساء" تتعقب مبادرات التضامن في الجزائر

تطوع وتكافل عفوي لشد أزر الأرملة وإسعاد الفقير

تطوع وتكافل عفوي لشد أزر الأرملة وإسعاد الفقير
  • القراءات: 949
هدى. ن هدى. ن

تتظافر الجهود التطوعية الفردية والجماعية أكثر في بلادنا، مع حلول المناسبات الدينية، على غرار شهر رمضان الكريم، وعيدي الفطر والأضحى، وتتهاطل الإعانات على المحتاجين والفقراء، لإدخال الفرحة في قلوب أصحاب العوز والحاجة، وهي في الأصل مبادرات ليست بالمناسباتية، حيث يصفها الكثير من المواطنين ومختلف الجمعيات بالعمل التلقائي، قائم على "تلقائية تنبع من الوجدان" بدون تكلف أو تكليف، حتى وإن غابت التكاليف، فإن التضامن لا يغيب، كونه لغة تواصل واتصال بين الأفراد بامتياز.   

يعد العمل التطوعي في الجزائر، سمة راسخة في المجتمع وسنة حميدة توارثتها الأجيال أبا عن جد، وهو عمل ينبع من الوجدان ويعكس ثقافة المجتمع ويطبع تصرفات أفراده. التضامن كممارسة، لا يقتصر في بلادنا على المناسبات الدينية، فحسب، وإنما يمارس طوال أيام السنة، ولا يرتبط كذلك بتوفر الإمكانيات من عدمه، فعندما يحتاج شخص ما إلى يد المساعدة، يجدها ممدودة إليه دون تردد.

التضامن ممارسة عفوية في الجزائري

يؤكد الكثير من الذين تحدث إليهم "المساء"، أن مد يد العون للآخرين سمة في الجزائريين منذ القدم، ولا تقتصر على القريب دون الغريب، ومبادرات التضامن في الجزائر باتت حديث العام والخاص. تؤكد سيدة في هذا الصدد، أنها تعمل دائما بكل عفوية وتلقائية، على غرس المبادئ الطيبة والسلوك الحميد في نفوس أبنائها وأحفادها، ويكون ذلك من خلال تصرفها وتعاملها مع الغير ومعاملتها لهم، فالأسرة الجزائرية وبدون منازع مثال للشهامة، وهذا بشهادة من يحلون ضيوفا كانوا أو زائرين. كما قد تكون عائلات كثيرة على قدر محدود ومعين من الإمكانيات، لكنها تحرص على استضافة أحد الصائمين على مائدة إفطارها، وتتقاسم مائدتها معه بما يتوفر لديها من وجبة إفطار، فلا علاقة للمبادرة بالمستوى المعيشي للأسرة، المهم هو السعي لضم أحدهم من عابري السبيل إليها.

متطوعون....

كثيرون هم الشباب من مختلف الأعمار، من كانوا يتجندون للعمل في إطار النشاط التضامني للهلال الأحمر الجزائري سنوات التسعينات، من خلال المشاركة في تنظيم وتأطير موائد الافطار التي تنظمها إدارة هذا الأخير بوسط العاصمة، ومناطق أخرى من ولايات الوطن لصالح الأشخاص بدون مأوى، وهي مبادرات كانت تستقطب الكثيرين من هذه الفئة. فرغم ارتباط الأسرة الجزائرية باللمة في رمضان، كان هؤلاء الشباب المتطوعين يتجندون بعد أوقات العمل أو الدراسة للالتحاق بمقر الهلال، المخصص لموائد الإفطار، غير بعيد عن  مقر الإدارة، الواقع بشارع "محمد الخامس" في العاصمة، لتقاسم الأشغال، فمنهم من يعمل على تحضير وطهي الوجبات، ومنهم من يعمل على خدمة الوافدين على المطعم.

مطاعم الرحمة... مصطلح أفرزته مبادرات المحسنين

برزت المبادرات المرتبطة بتنظيم موائد الإفطار، وفتح المطاعم التي اصطلح عليها بمطاعم الرحمة، بمبادرة من المحسنين الذين كانوا يسعون لإطعام المحتاجين والأشخاص بدون مأوى، ويحرص هؤلاء المحسنين، على عدم الظهور ويفضلون تكليف أشخاص معينين لتأطير العمليات الخيرية، ولم تكن هذه المطاعم في بدايتها تستقطب العائلات، لكنها كانت توفر لقاصديها من الذين وجدوا فيها ملاذا، وجبة رمضانية تستدعي الشكر لله والدعاء  للمبادرين بها.

تحول المحسنون إلى تموين وتمويل الجمعيات لصالح مبادرات التضامن، وينظمون موائدا للإفطار من خلال هذه الجمعيات، وباتت هذه الأخيرة تبادر بالعمل الميداني لصالح المحتاجين والعائلات المعوزة والأشخاص بدون مأوى وعابري السبيل، لدرجة فاقت التصور، وهو ما استدعى تدخل السلطات المحلية للوقوف على تنظيم مختلف المبادرات في الجانب المرتبط بالصحة، واتخاذ إجراءات خاصة لتأطير مختلف عمليات التضامن خلال شهر رمضان الكريم.

في تصريح لوزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، كمال بلجود، في اجتماع تنسيقي جمعه بولاة الجمهورية قبل أيام عبر تقنية التحاضر المرئي عن بعد، دعا القائمين على الجماعات المحلية، إلى مرافقة النشاط التضامني لمختلف الجمعيات الفاعلة في مختلف ولايات الوطن، خلال الشهر الكريم.   

الجمعيات الوطنية والمحلية... حضور للتضامن

يطبع ويميز نشاط عدد كبير من الجمعيات الجزائرية الوطنية منها والمحلية، عاملي التضامن والتطوع، سواء كان ذلك خلال المناسبات الدينية أو عند المواقف الإنسانية، والأخرى التي تستدعي التدخل في أوقات الحاجة، على غرار الأزمة الصحية التي عرفنها الجزائر في أواخر 2019، والمتمثلة في "كوفيد 19"، حيث سبّل الشباب أنفسهم وحرصوا على مرافقة السلطات، ونقل المؤونة للمتضررين في أقرب وأبعد نقطة من الوطن. 

جمعية "اتحاد الشباب المتطوع"

جمعية "اتحاد الشباب المتطوع" جمعية وطنية حديثة النشأة، ذات طابع شباني تطوعي، لها تمثيل في أكثر من عشر ولايات عبر الوطن، وهي بوتقة يجتمع فيها أكثر من 500 شاب وشابة تتراوح أعمارهم ما بين 18 و35 سنة، جمعتهم أهداف واحدة للمساهمة في العمل التطوعي بأبعاده وأهدافه الاجتماعية، للوصول إلى تحقيق التنمية المستدامة في مجالات التعليم البيئة والصحة. يعد العمل التطوعي، في نظر رئيس الجمعية، حسن حني، في تصريح "المساء"، أساس التنمية المستدامة، حيث ركزت الجمعية في إطار هذا التوجه مجهوداتها، وجندت المتطوعين المنتسبين إليها، للمساهمة في مد يد العون للمتضررين من جائحة "كورونا"، وعملت على مرافقة الجهود الرسمية للقضاء على الجائحة، وتم في رمضان من سنة 2020، تحضير 200 وجبة إفطار يوميا طيلة الشهر الكريم، لصالح الأطقم العاملة بمستشفى "لمين دباغين" ببلدية باب الوادي، لتدعيم جهودهم، بحكم مرابطتهم بالمستشفيات آنذاك.   

كما بادرت الجمعية، في إطار اتفاقية أبرمتها مع أحد متعاملي الهاتف النقال، بالتكفل بالعائلات المتضررة من الوباء والعائلات المعوزة. وتتلقى الجمعية المذكورة، مرافقة ودعما من السلطات المحلية -يقول السيد حني-، حيث سخرت لها مصالح بلدية وادي قريش، السنة الماضية، مدرسة ابتدائية لتحضير وجبات الإفطار لصالح العائلات المعوزة، وتعمل الجمعية هذه السنة، في إطار الشراكة مع نفس المتعامل النقال -يضيف رئيسها- على توزيع 2000 قفة تحوي مختلف المواد الغذائية، على العائلات المعوزة في عدد من ولايات الوطن.

دار السلام" لرعاية الأيتام

تعد جمعية "دار السلام" لرعاية الأيتام ببلدية عين طاية، مثالا آخرا لممثلي المجتمع المدني الفاعل في مجال التضامن والتطوع، وهي تعني برعاية الأيتام من الذين فقدوا أبا أو أما أو الاثنين معا. تنشط الجمعية الخيرية بالعاصمة، وتتوزع بكل من بلدية عين طاية وبرج البحري والمرسى وبرج الكيفان، وللجمعية ـ حسب رئيسها السيد محمد علي قبلي ـ في تصريح لـ«المساء"، امتداد وطني في إطار تنسيقية تضم جمعيات مستقلة عن بعضها البعض، لكنها تحمل نفس اسم وشعار ونفس أهداف ومشاريع "دار السلام لرعاية الأيتام" في كل من تبسة والمسيلة وبومرداس والمدية والجلفة وعين الدفلى ومعسكر والبيض والنعامة وتيميمون وأدرار، وتسعى الجمعية بمعية نظيراتها الأخرى ـ حسب رئيسها- إلى بناء دار لليتيم يكون الهدف منه احتواء الأيتام والتكفل بهم من جميع الجوانب، خاصة الجانب النفسي والتعليمي والترفيهي، وإلى جانب رعاية اليتامى وتقديم يد العون للأرامل، يتم إدماج هاتين الفئتين في العمل التطوعي، ويكون للجميع فرصة المشاركة في العمل الخيري.

التضامن خلال شهر رمضان

برمجت الجمعية لهذه السنة، توزيع ألف قفة مؤونة وتحضير وجبات محمولة، بالإضافة إلى كسوة 1000 يتيم، وستمس العملية المناطق النائية في الجنوب، كما تم تخصيص 3 آلاف وجبة إفطار لمعوزي بلدية سليم بولاية المسيلة، بمعدل 100 وجبة يوميا طيلة شهر رمضان، ويتم على مستوى بلدية عين طاية، تحضير الوجبات بالنسبة لأسر اليتامى، وتستفيد الأرملة من قفتين خلال الشهر الفضيل. 

كما خصصت هذا العام، 150 قفة لمعوزي سكان عين طاية، سيتم توزيعها بالتنسيق مع صفحة "عين طاية نيوز"، التي تم تكليفها بتقديم قامة المحتاجين للجمعية، ويتم العمل حاليا على التحضير لتوزيع 1200 كسوة للعيد، منها 200 كسوة لصالح أبناء العائلات المعوزة.

"فتح باب رزق"... مشروع المرأة المنتجة

كثيرون هم المحسنون الذين لا يبخلون على اليتامى، ويمدون لهم ولعائلاتهم يد العون، من خلال الجمعية المذكورة، كما يقومون بتمويل مختلف المشاريع التي تسطرها هذه الأخيرة. حسب السيد قبلي، تأخذ مبادرات التضامن أبعادا أخرى بالنسبة لجمعيته، فإلى جانب كونها توفر الإعانات لليتامى والأرامل، فإنها تعمل على إنشاء استثمارات لصالح الأرامل الماكثات في البيت، وتسعى في ذلك إلى الانتقال من العمل الخيري التقليدي إلى العمل الاحترافي.

من جملة المشاريع التي تم اعتمادها في هذا الإطار، مشروع "فتح باب رزق"، وهو مشروع استثماري تستفيد منه الأرامل بتمويل من المحسنين، ويهدف إلى تمكين النساء الأرامل وأبنائهن من الاستثمار وفق حرفة معينة يمتهنها أحد أفراد الأسرة، سواء الأرملة أو الأبناء. وتقوم الجمعية بتوفير ما تحتاجه الأسرة من عتاد لتجسيد مشروعها، على أن تقوم بتسديد المستحقات المالية المترتبة عليها، حسب طاقتها الإنتاجية، ويشترط عليها عدم  بيع العتاد لأي سبب كان، وفي حال فشل مشروعها، ترافقها الجمعية وتدرس حالتها، وتقوم هذه الأخيرة بتحويل العتاد إلى أرملة أخرى، مع احتساب فارق سعره الأولي. 

حفر الآبار... مشاريع استثمارية هامة

عملية حفر الآبار مشروع استثماري آخر، عملت الجمعية على إنجازه لصالح العائلات والشباب، بمساعدة المحسنين، وتم إلى حد الآن حفر 4 آبار؛ 2 منها في ولاية تيميمون، الأول على مستوى بلدية طلمين، والثاني في زاوية كنتة بالمسجد الكبير مكيد، والبئر الثالث في بلدية شروين بولاية أدرار، بمحاذاة مدرسة قرآنية، وتحول عائدات وفوائد هذا المشروع الاستثماري الخيري، لطلاب حفظة كتاب الله، فيما برمج المشروع الرابع بولاية المسيلة.

يضيف محدثنا، أن الأهداف التي تسطرها الجمعية، ويمولها المحسنون الذين يمدون أيديهم لليتامى والأرامل والعائلات المعوزة. وقد بادر أحد المحسنين من العاصمة، في إطار نفس المسعى النبيل، بالتبرع للجمعية بقطعة أرض تقع في بلدية تيمقطين بولاية أدرار، تبعد عن العاصمة بـ 1600 كلم، كما تبرع لإنجاز بئر خامس بالمنطقة، هو بصدد الحفر على عمق 80 مترا، وسيتم استغلال هذه الأرض بوجود المياه لغرس 1000 نخلة وزراعة الخضروات، وسيعمل هذا المشروع الاستثماري الكبير، على تشغيل اليتامى من البلغين. في ولاية النعامة، انطلقت الجمعية في تجسيد مشروع استثماري آخر لتربية المواشي، وتعهد محسن آخر بالتبرع بقطعة أرض لغرس نبتة تعد غذاء للماشية، ولا تتطلب السقي لأكثر من مرة.

أفراح اليتيم" عمل سامٍ

من جانب آخر، يقول رئيس الجمعية، إن هذا التنظيم بصدد فتح مدرسة "اليتيم للعباقرة" بمنطقة "سركوف" ببلدية عين طاية، سيستفيد منها اليتامى وغير اليتامى، حيث يتم تقديم دروس في حفظ القرآن الكريم والتكفل النفسي بالأطفال، ويتم بمقر الجمعية تخصيص كل يوم سبت، للتدريس وتقديم دروس الدعم لصالح اليتامى المتمدرسين، وقد أدى الاهتمام بهذا الجانب، إلى تسجيل نتائج معتبرة، ارتفعت فيها معدلات التنقيط السنوي للتلاميذ من 11 و12 إلى 17. وحسب ما تم استخلاصه، ارتفع عدد المتفوقين إلى 16 متفوقا من مجموع 32 متمدرسا.      

جمعية "الرائد الشبانية"

اتخذت السيدة ميهوبي، وهي عضو نشط بجمعية الرائد الشبانية لولاية الجزائر "فرع بلدية باش جراح"، مكانا عند مخرج أحد المساحات التجارية بالعاصمة، لجمع التبرعات لصالح العائلات المعوزة، وهي مبادرة تقوم بها الجمعية كل سنة لصالح الفئة المذكورة، وتلقى تجاوبا من قبل المتبرعين. وحسب ممثلة الجمعية في تصريح لـ«مساء"، فإن عددا كبيرا من المحتاجين في البلدية، لا يطلبون العون، لكن الجمعية تسعى للبحث عنهم، بما فيهم الأرامل واليتامى، ومن العائلات من يقدم أحد أفرادها طلب الاستفادة من المؤونة، ويتم على ضوء ذلك إيصال الإعانات إليهم. تملك محدثتنا، خبرة في مجال العمل التطوعي، ومنخرطة في الجمعية منذ 8 سنوات، وحسبها، فإن للجمعيات دور كبير ومهم في ميدان العمل الخيري، وتؤكد في هذا الجانب، أن التعاون موجود بين مختلف الجمعيات في الميدان، ويساهم بشكل كبير في تنظيم مبادرات التضامن، في ظل ما وصفته بالعطاء والرحمة التي يتميز بهما الشعب الجزائري.