في غياب الأطر القانونية، تكاليف يدفع ثمنها المرضى

تسعيرة التحاليل الطبية والأشعة خارج المراقبة

تسعيرة التحاليل الطبية والأشعة خارج المراقبة
  • القراءات: 6159

تسعيرة التحاليل الطبية والأشعة بمختلف أنواعها وتخصصاتها، تطرح أكثر من تساؤل لدى المرضى وعائلاتهم، في غياب أطر قانونية وتجارية تحدد التسعيرة التي تبقى خارج الرقابة، حسب المواطنين، حيث يختلف ثمن نفس التحليل أو الأشعة من عيادة لأخرى وبفارق كبير، ليبقى المريض يدفع الثمن.

يُعد ملف تسعيرة التحاليل الطبية والأشعة من بين الملفات التي لازالت خارج سيطرة المتابعة القانونية الدقيقة لمختلف المصالح المسؤولة عن الملف، في وقت يبقى المواطن يدفع ثمن الفارق الكبير في الأسعار، خاصة التحاليل الطبية التي تبقى بدون تعويضات لدى هيئة صندوق الضمان الاجتماعي، فيما يؤكد جل المواطنين ممن التقت بهم ”المساء”، أن أسعار التحاليل الطبية والأشعة تبقى خارج مجال المراقبة والتحكم بالكامل، أمام الطلب الكبير على التحاليل، وتضاعف عدد العيادات المتخصصة عبر كامل تراب ولاية وهران، وحتى بالمناطق النائية والبعيدة؛ ما يوضح وجود أرباح كبيرة يجنيها مسيّرو مراكز وعيادات التحاليل.

وللوقوف على الملف قامت ”المساء” بتحقيق ميداني حول الظاهرة؛ بالتقرب من مختلف الفاعلين في المجال؛ من هيئات رسمية مشرفة ومكلفة، لمتابعة الملف، إلى جانب التقرب ميدانيا من بعض العيادات المتخصصة في التحاليل الطبية والأشعة. 

وفي هذا السياق، تنقلنا إلى منطقة سيدي البشير ”بلاطو سابقا” بالمندوبية البلدية سيدي البشير ببلدية وهران، وبالضبط بجوار المستشفى الجامعي لوهران، والتي تُعد أهم منطقة تضم مراكز وعيادات للتحاليل يبلغ عددها، حسب إحصائيات رسمية، 54 عيادة ومركزا متخصصا في التحاليل، فضلا عما لا يقل عن 70 طبيبا بين عام ومتخصص في جميع التخصصات الطبية، في قطر عمراني لا يتجاوز 2000 متر مربع.

ولإنجاز المهمة تزودنا بوصفة طبية لمريضة مصابة بمرض القلب، وصف لها الطبيب المعالج تحليلا للدم يُطلب من المصابين بأمراض القلب، الذين يقصدون المستشفى في حالة استعجالية، ويتم مطالبتهم بتحليل استعجالي، وعرضه على الطبيب خلال الساعات الأولى لوصول المريض إلى مصلحة الاستعجالات الطبية. توجهنا مباشرة في حدود الساعة العاشرة ليلا، إلى أول مركز للتحاليل يقع على بعد 30 مترا فقط من مدخل المستشفى الجامعي لوهران. وبعد تقديم الوصفة كشفت عون الاستقبال أن التحليل موجود ويجرى بمبلغ 2100 دج، ويسلَّم بعد ساعة، لننتقل بعدها إلى ثاني مركز يقع على بعد أمتار من المركز الأول؛ حيث كشف مسيره أن نفس التحليل يجرى بمبلغ 1800 دج، ثم انتقلنا إلى ثالث يقع بنفس الشارع وعلى بعد 200 متر من المستشفى، حيث كانت المفاجأة كبيرة بعد أن اكتشفنا أن مبلغ التحليل تراجع إلى 1700 دج.

وأكد ممرض بالمستشفى كان برفقتنا أن نفس التحليل الطبي قد يقدَّر بـ 1200 دينار إذا تنقلنا إلى خارج منطقة ”بلاطو”؛ أي المنطقة المحيطة بالمستشفى، موضحا أن بعض العيادات الخاصة تستغل حاجة المرضى وعائلاتهم إلى التحاليل المستعجلة التي تجرى بعين المكان، وتسلَّم بعد ساعات فقط، حيث لا يمكن لعائلة المريض التفكير في التنقل إلى عيادات بعيدة من منطقة ”بلاطو”، أو التفكير في الثمن بسبب استعجالية التحليل ورهن حياة المريض، وهو ما يوضح حجم وعدد العيادات المتخصصة في التحاليل الطبية، والأشعة المنتشرة بمنطقة المستشفى الجامعي وعلى طول الشوارع المحيطة به.

تحاليل وأشعة بالملايين وبدون تعويض..

كما أبرز المتحدث أن بعض العيادات تتحجج بأن ارتفاع ثمن نفس التحليل، يرجع إلى نوعية المحاليل الكيماوية المستخدمة في التحاليل الطبية، وهو ما نفاه المتحدث، الذي أكد أن هذا التبرير غير صحيح؛ لأن معظم العيادات تستخدم نفس المحاليل المستوردة، والتي تقتنيها جميع عيادات التحاليل الطبية من نفس الموردين، مضيفا أن أموالا ضخمة يجنيها أصحاب العيادات على حساب المواطنين.

كما تقربنا من مركز مختص في الأشعة لمرضى القلب يقع بمنطقة العقيد لطفي بعد أن استنجدنا مجددا بوصفة طبية  من مصلحة أمراض القلب والخاصة بعدد من الأشعة الطبية لمريضة بالقلب. وخلال تقديمنا الوصفة طلبنا تحديد تسعيرة كل أشعة، فوجدنا أن سعر أشعة تخطيط القلب أو ما يُعرف بـ ”اكو ستراس” بـ 11 ألف دينار، فيما قُدرت تسعيرة أشعة القلب ”الإيكو كور” بـ 5 آلاف دج، و«الإكودوبلار” بـ 4 آلاف دج. والغريب في الأمر أن العيادة رفضت تقديم فاتورة بأسعار الأشعة بعد إجرائها. وأوضحت المكلفة بالاستقبال أن العيادة تمنح وصلا فقط. وعن سبب تفادي منح الفاتورة أكدت المتحدثة أن مسؤول العيادة يرفض تقديمها للمرضى.

وأكد بعض المرضى أن مصلحة الضمان الاجتماعي لا تعوّض ثمن الأشعة والتحاليل، وهو ما يُثقل كاهلهم، خاصة من محدودي الدخل، في الوقت الذي يؤكد العديد من المواطنين أن إجراء الأشعة أصبح يتطلب القيام بحملة بحث واسعة عبر عدة مراكز بالمدينة إلى غاية العثور على مركز أشعة بأقل ثمن.

غياب الأشعة والتحاليل عن المستشفيات ضاعف المشاكل

يُجمع عدد كبير من المواطنين وعائلات المرضى ممن صادفناهم خلال إنجاز التحقيق، على أن انعدام التحاليل الطبية بالمخابر العمومية والمستشفيات والعيادات الجوارية، وراء تنامي الظاهرة؛ إذ كان من المفترض أن تتوفر المستشفيات على التحاليل الطبية والمخبرية، خاصة بعض التحاليل المطلوبة بكثرة في المصالح الاستشفائية، والأشعة التي تفتقدها معظم المؤسسات العمومية، فيما وجّه البعض أصابع الاتهام إلى المسؤولين في توفير التحاليل، متسائلين عن دور مصالح الرقابة لحماية المواطنين من أسعار مراكز التحاليل، والأموال التي تخصص سنويا لصالح مخابر التحاليل الطبية بالمستشفيات العمومية. كما تفاجأنا خلال إنجاز التحقيق، بإنجاز مستثمر مركزا للتحاليل الطبية والأشعة بجوار مستشفى جديد، لازالت أشغاله جارية، وذلك قبل أشهر من افتتاحه رغم تأكيدات المسؤولين توفر المستشفى الجديد على جميع التحاليل والأشعة؛ ما طرح التساؤل حول كيفية منح الترخيص، والهدف من وجود مركز للتحاليل بجوار مستشفى جديد.

التجارة والصحة: التحاليل الطبية والأشعة غير مقنَّنة التسعيرة

للوقوف على طبيعة الممارسات التجارية في المخابر الخاصة بالتحاليل الطبية والأشعة ومدى التزامها بجداول التسعيرة، كشف المدير الجهوي للتجارة بوهران طيب فيصل في تصريح لـ ”المساء”، أن مخابر التحاليل الطبية والأشعة لا تخضع لجداول التسعيرة، ولا يتم مراقبتها من طرف مصالح مديريات التجارة ومصالح مراقبة الأسعار. وأوضح المتحدث أن أسعارها حرة ولا يتم التحكم فيها؛ إذ لا توجد أي قوانين أو لوائح تجارية تحدد التسعيرة، وهو ما لا يسمح لمصالح مراقبة الأسعار بالتدخل، مضيفا أن عملية مراقبة مراكز التحاليل والأشعة تخضع مباشرة لمصالح مديرية الصحة؛ على اعتبارها مهنة مصنفة رغم ممارستها بقيد وسجل تجاري. ومن جانبه، كشف المكلف بالإعلام بمديرية الصحة بوهران، أن أسعار التحاليل الطبية والأشعة تبقى حرة وتخضع للعرض والطلب، موضحا أن مقترحا تم إيداعه على مستوى الوزارة، للعمل على عقد اتفاقيات مع مراكز التحاليل والأشعة؛ قصد توقيع اتفاقيات، تمكن المرضى من إجراء التحاليل والأشعة باستعمال بطاقة الشفاء، فيما لم يُفصل بعد في هذا المقترح الموجود لدى الوزارة الوصية، حسب نفس المتحدث.

التسعيرة المرجعية للتعويضات لم تتغير منذ 30 سنة

وعن الموضوع كشف مصدر مسؤول من الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء ”كناص وهران”، عن أن ملف تسعيرة التحاليل الطبية والأشعة لازال ضمن الملفات التي لم يتم إعادة النظر فيها وتحيينها؛ إذ مازال العمل إلى غاية اليوم بقانون التسعيرة المرجعية لسنة 1988، الذي يحدد التعويضات عن التحاليل بأسعار قديمة لم تعد تتماشى والتسعيرات الحالية، مقابل ارتفاع أسعار المواد الخاصة بالتحاليل التي يتم استيرادها من الخارج؛ ما يشكل فارقا بين التسعيرة القديمة والتسعيرات الحالية، فيما لازالت التعويضات الطبية عن الوصفات لا تتعدى 50 دج مقابل أسعار للفحوص الطبية بين 1500 و2500 دج، ونفس الشيء بالنسبة للأشعة والتحاليل؛ ما يفاجئ المواطنين بالتعويضات مقارنة بأسعار التحاليل والأشعة، التي تشكل في كثير من الأحيان 50 مرة ضعف التعويض.

كما كشف مساعد مدير الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء ”كناص” وكالة وهران، عن أن التسعيرة الخاصة بالتعويضات لم تتغير منذ أكثر من 30 سنة؛ لعدة أسباب، أهمها مشاكل مالية بالنسبة للصندوق، موضحا أن القانون القديم لازال ساري المفعول؛ حيث تبقى التعويضات ضئيلة جدا. ومقابل ذلك أشار المتحدث إلى أن عدة تغييرات طالت التعويضات الخاصة بالأطباء المتعاقدين مع الصندوق. ويتم حاليا منح ما بين 400 و500 و600 دج بالنسبة للمتقاعدين والمرضى المزمنين؛ تعويضات عن الفحوصات الطبية، حيث تم نشر قائمة اسمية للأطباء المتعاقدين مع الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء.