مهنة الصيد في بوهارون

تجري الأيام بما لا تشتهي السفن

تجري الأيام بما لا تشتهي السفن
  • القراءات: 1394
❊ب.هشام ❊ب.هشام

يواجه محترفو الصيد البحري في بلدية بوهارون، تحديات كبيرة من أجل مواصلة مهنتهم، فأمام تزايد عدد الصيادين وكثرة التلوث والآثار السلبية للتغيرات المناخية التي انعكست على موائل الصيد البحري، سيكون صمودهم في المستقبل، على ما يبدو، صعبا جدا.

تعتبر بلدية بوهارون من أقدم بلديات ولاية تيبازة، على الحدود مع العاصمة، وهي معروفة لدى الجزائريين بمينائها للصيد البحري، ومطاعمها التي تقدم أجود أطباق السمك للزبائن وسكانها من المزاولين لمهنة الصيد البحري التي ورثوها أبا عن جد.

يعتمد غالبية سكان بلدية بوهارون، البالغ عددهم حوالي عشرة آلاف نسمة، على مهنة الصيد البحري، فحسب الإحصائيات الرسمية على مستوى البلدية، هناك حوالي 500 بحار يزاولون مهنة الصيد باستمرار، ويعتمدون عليها كليا في تحصيل معيشتهم.

يأتي ميناء بوهارون في المرتبة الثانية بعد ميناء بني صاف من حيث الأهمية، ففي عام 2018، بلغت حصيلته من السمك حوالي 10 آلاف طن، وهي حصيلة تعادل نسبة 10 بالمائة من إجمالي صيد السمك في الجزائر.

لكن في السنوات الأخيرة، أصبحت شديدة على هؤلاء الصيادين، فالبحر لم يعد يجود عليهم كما في السابق، خاصة في فصل الشتاء أو خلال أيام العواصف الهوجاء، وهو ما جعل الكثيرين منهم يلجأون إلى احتراف مهن إضافية لتلبية حاجياتهم اليومية. 

التلوث شوه الميناء ودمر التنوع الحيوي

من دون مغالاة، أصبح التلوث مظهرا مألوفا لدى الجزائريين، فالعديد من الشوارع والأزقة تنبعث منها روائح تزكم الأنوف، وهذا المظهر القاتم سيصدمك للوهلة الأولى في ميناء بوهارون، فمياهه الملوثة مغمورة بالقارورات والأكياس البلاستيكية وغيرها من النفايات الصلبة التي قد لا تخطر على بال.

المشكلة عالمية، فحسب إحدى الدراسات الإيطالية التي أجريت عام 2015، فإن البيئة البحرية المتوسطية تواجه مخاطر كبيرة، ناجمة أساسا عن كثرة النفايات البلاستيكية التي قدرتها بحوالي 3 آلاف طن.

يقول عمي محمد، وهو أحد محترفي الصيد البحري، التقيناه في الميناء؛ "مشكلتنا تكمن أساسا في التلوث، أنا أمتهن هذه الحرفة منذ صغري، في السابق كان عدد سكان المنطقة لا يتجاوز الألف، وقد بلغ عددنا اليوم عشرة آلاف، وهذا بطبيعة الحال، له مخلفات سلبية على البيئة البحرية، أنظر حولك الميناء غزته القارورات والأكياس البلاستيكية، وامتد هذا إلى أعماق المياه، بالإضافة إلى كل ذلك، عرفت منطقتنا خلال السنوات الأخيرة، تمركزا كبيرا للنشاط الصناعي، أثر بدوره على البيئة البحرية".

بالنسبة لعمي محمد، ممارسة مهنة الصيد أصبحت صعبة جدا "شتان بين الماضي والحاضر، لم يعد باستطاعتي اليوم توفير قوت عائلتي على مدى كامل أيام السنة، أعرف صيادين اضطروا إلى بيع مقتنيات منازلهم لتوفير قوت يومهم.. مهنة الصيد صعبة جدا.. كل هذا قدرنا.. البحر يجذبنا".

ارتفاع درجة حرارة المياه أثر على التنوع البيولوجي

إلى جانب عمي محمد، يجلس البحار سعيد الذي كان يساعده في خياطة شباكه، ويبدو أقل سنا منه، بدا في حديثه إلينا، أنه متمرس وملم بمشاكل الصيد، حيث تحدث إلينا عن أسباب أخرى في تراجع حصيلة السمك، وقال "أعتقد أن ارتفاع درجة حرارة المياه هو أيضا سبب في تراجع المحصول،  وأظن أن التغيرات المناخية لها دور كبير في ذلك، والعلماء أصبحوا يتحدثون كثيرا عن هذه الظاهرة"، ـ وأضاف "في السابق، كانت الثلوج تغطي جبالنا لفترات طويلة تمتد من فصل الشتاء إلى فصل الربيع، اليوم لم نعد نشهد ذلك وهذا دليل على أن درجة حرارة كوكبنا أصبحت مرتفعة، مما يؤثر كثيرا، بطبيعة الحال، على موائل الصيد".

أضاف السعيد يقول "يعتقد الكثيرون أن موضوع التغيرات المناخية أصبح يحتل صدارة المشاكل التي يواجها عالمنا، في السابق كانت الحروب الإقليمية والأهلية وانتشار الأوبئة تستقطب الرأي العام الدولي، لكن التغيرات المناخية أصبحت هي الأخرى محل اهتمام كبير، فهناك مظاهرات تحدث في مختلف دول العالم بسبب هذه الظاهرة".

ارتفاع عدد الصيادين خلق ضغطا

في آخر مكان من الميناء، التقينا بأحد البحارين، واسمه عبد المجيد، اشتغل لأكثر من أربعين سنة في هذه المهنة، وجاب خلالها العديد من مناطق الجزائر من بني صاف إلى القالة، خبرته مكنه من تولي لسنوات عديدة، منصب "رئيس السفينة"، لكنه اليوم متقاعد ويشتغل في أعمال حرفية بسيطة كخياطة الشباك.

بالنسبة لعبد المجيد (68 سنة)، يكمن المشكل أيضا في ارتفاع عدد الصيادين وسفن الصيد، وقال "زاد عدد سفن الصيد وتضاعف عدد الصيادين، لكن كمية السمك التي يتم اصطيادها لم ترتفع، فالملاحظ أن عدد الصيادين زاد، وهذا راجع أساسا للتسهيلات التي وفرتها الدولة للشباب، حيث منحتهم قروض "أونساج" لاقتناء مراكب الصيد، مما أثر نوعا ما على باقي الصيادين".

حسب إحصائيات وزارة الصيد، فإن كمية الصيد لازالت منذ سنوات كثيرة تتراوح في حدود المائة ألف طن في السنة، لكن في المقابل، عرفت سفن الصيد زيادة سنوية قدرت بنسبة 3 بالمائة، أما عدد الصيادين فقد ناهز المائة ألف صياد عام 2017، بينما بلغ عددهم عام 2009 حوالي 60 ألف صياد.