سكان منطقة النصلة بتبسة يعانون في صمت

انعدام المسالك، مرافق مغلقة وأزمة عطش

انعدام المسالك، مرافق مغلقة وأزمة عطش
سكان منطقة النصلة بتبسة يعانون في صمت
  • القراءات: 1722
نجية بلغيث نجية بلغيث

يعاني سكان منطقة النصلة التابعة لإقليم بلدية الكويف الواقعة على بعد 34 كلم شمال شرق ولاية تبسة والتي تضم 8 مشاتي، ظروفا معيشية قاسية، ساهمت بشكل كبير في تدهور وضعهم؛ ما جعلهم يشعرون بمرارة العيش وصعوبة الحياة بالنظر إلـى انعدام مختلف المرافق، وغياب المشاريع التنموية التي من شأنها المساهمة في استقرار الساكنة في هذه المناطق النائية.

نقائص كثيرة أعلن عنها السكان، وأثرت سلبا على حياتهم، وجعلتهم يجتهدون مرارا وتكرارا لإبلاغ انشغالاتهم السلطات المحلية؛ من خلال شكاوى تحوز "المساء" على نسخ منها، وُجهت لمختلف المسؤولين على اختلاف مستوياتهم بداية من المجلس الشعبي البلدي للكويف، وصولا إلى والي الولاية، لكن، حسبهم، رغم تعاقب المجالس الشعبية البلدية والولاة، إلا أن سكان منطقة النصلة لازالوا طوال عشر سنوات الأخيرة إن لم نقل أكثر، يعانون الأمرّين من الكم الهائل من المشاكل التي زاد من حدتها انعدام المياه، وكذا العزلة التامة لغياب المسالك الريفية، علما أن المنطقة تتوسطها 3 أودية كبيرة تشكل خطرا على السكان، خاصة الأطفال، بالموازاة مع تدهور الإطار الصحي رغم تواجد قاعة علاج مغلقة ولم تدخل حيز العمل منذ إنجازها.

100 عائلة تعاني العطش منذ 10 سنوات

وكشف السكان في تصريحاتهم لـ "المساء"، عن أن معاناتهم مع انعدام المياه تؤرقهم وزادت من صعوبتها، فالأزمة الحادة القائمة التي تعود إلى أزيد من 10 سنوات كاملة، حولت حياتهم إلى جحيم، على حد قولهم، رغم علم المسؤولين بوضعيتهم، وتلقوا بشأنها وعودا كثيرة بتمكينهم من الماء الصالح للشرب، إلا أنهم يضطرون للتزود بهذه المادة بواسطة الصهاريج بأسعار باهظة؛ فالحنفيات العمومية التي أنجزت ويفترض بها أن تزود السكان بالماء لإرواء عطشهم ومواشيهم، جفت وتوقفت نهائيا بعد جفاف الماء ببئر عين شجرة الذي يموّن هذه الحنفيات، في حين شبكة التوزيع مازالت قائمة، لكن، حسب السكان، الجهات المسؤولة عن الوضع هي الغائبة عن إيجاد حل لهذا الوضع، مشيرين إلى أنه بالنظر إلى غياب هذه المادة الحيوية تعرضت بعض أجزاء قنوات نقل الماء للتلف والتهشيم أمام الإهمال واللامبالاة وانعدام المراقبة من طرف الجهات المعنية.

وأشاروا إلى أن عينا واحدة فقط مازالت تتوسط 8 مشاتي يقطنها أكثر من 100 عائلة، لكن مياهها مالحة لا تصلح لا للشرب ولا لإرواء عطش المواشي، الأمر الذي أثر سلبا على وضعية المواطنين، الذين يضطرون لقطع مسافات بعيدة لجلب المياه بواسطة الأحمرة، أو لشراء الصهاريج لمن استطاع إلى ذلك سبيلا، وبأسعار مرتفعة يتراوح ثمنها بين 1200 و1300 دينار للصهريج الواحد، والذي لا يكفي، حسبهم، لاحتياجات العائلة المختلفة ولو ليوم واحدة، وهي الوضعية التي أثقلت كاهل السكان، وجعلتهم يشعرون بمرارة العيش، ويطالبون الوالي بتصاريح لحفر الآبار.

الإنارة الريفية والدعم الفلاحي مطلبان عاجلان

كما طرح السكان مشكلة عدم استفادتهم من الدعم الفلاحي رغم ما تتميز به أراضيهم الشاسعة من تربة خصبة صالحة للزراعة لإنتاج مختلف أنواع الحبوب والخضر والفواكه، مشيرين إلى أن هناك من السكان من قام بغراسة أنواع مختلفة من أشجار الزيتون والفواكه والحبوب والخضر، لكن انعدام المياه شكّل حجر عثرة أمام ذلك، فيما تأسفوا، من جهة أخرى، لعدم استفادتهم من الإنارة الريفية والبناء الريفي باستثناء عدد قليل منهم، في وقت يضطر الجميع للجري وراء قارورات غاز البوتان إن وجدت، خاصة في فصل الشتاء؛ حيث يصعب السير والحصول على قارورات الغاز في ظل ما تشهده المنطقة من برد قارس.

قاعة علاج لم تُفتح منذ إنجازها

ولايزال سكان منطقة النصلة يحلمون منذ زمن بعيد، بتوفير الخدمات الصحية رغم توفر قاعة علاج لم تدخل حيز الخدمة منذ إنجازها قبل سنوات، والتي كانوا يأملون في الاستفادة من أبسط خدماتها الصحية، في وقت يضطر الكثير منهم للتنقل إلى المؤسسات الاستشفائية البعيدة، حيث يقطعون مسافات طويلة تصل إلى 15 كلم تقريبا، للعلاج. وإذا تعلق الأمر بحالات الولادة فحدث ولا حرج، فنقل الحالة نحو المؤسسة الاستشفائية يكون على متن أي وسيلة نقل، بما فيها الجرارات وسيارات "الفرود"؛ إذ لا فرق بينهما، فالمعاناة واحدة، والمشكلة قائمة، والمهم الوصول للولادة أو لتلقي العلاج، لذلك فإن السكان يناشدون الوالي شخصيا فتح قاعة العلاج المتواجدة بالمنطقة، على الأقل للحالات الاستعجالية وحالات الولادة، التي غالبا ما تنتهي بالخطورة على صحة المرأة الحامل نظرا للتأخر في الوصول إلى المستشفى، وهناك حالات تنتهي بالوفاة.

انعدام المسالك والأودية أكبر خطر

بات انعدام المسالك الريفية وتدهور حالة شبكة الطرقات بهذه المنطقة، يشكل قلقا كبيرا سواء للسكان أو لأصحاب المركبات؛ ما جعل التنقل إلى المنطقة أمرا شبه مستحيل، خاصة في فصل الشتاء وبتساقط الأمطار، حيث يصبح العبور عبر المنطقة أو خروج السكان مستحيلا، فيما يرفض أصحاب سيارات الأجرة العمل على هذا الخط؛ خوفا من تعرض مركباتهم للتعطلات والأعطاب. كما تطرق السكان في مجمل تصريحاتهم، للخطر المحدق بأبنائهم الذين يواجهونه يوميا أثناء تنقلهم للدراسة؛ فحافلات النقل المدرسي متوفرة، لكن على التلاميذ التنقل إلى غاية الطريق الرئيس، حيث يجدون الحافلة في انتظارهم، وذلك بسبب انعدام المسالك، وهنا يضطر الأولياء لمرافقة أولادهم إلى الحافلة بقطع مسافات طويلة خوفا من السقوط بالأودية، علما أن المنطقة تضم 3 أودية تتوسط مشاتيها تشكل خطورة على حياة المواطنين بمن فيهم الأطفال؛ إذ تم تسجيل الكثير من الحوادث، تتعلق في عمومها بسقوط مواطنين وأطفال متمدرسين أثناء خروجهم، حيث جرفتهم مياه الأودية، وكان مصيرهم الموت.

كما أن الطريق الرئيس الوحيد المار قرب منطقة النصلة (طريق النصلة ـ قوراي ـ طريق بكارية) والذي يعد الأمل الوحيد للسكان، بات مهترئا ومتآكلا بسبب مرور شاحنات رفع الحديد والرمل التي تمر على مدار 24 ساعة، ما تسبب في تدهور حالة هذا الطريق رغم أن الدولة صرفت أموالا طائلة لرد الاعتبار له، قدرت بـ 26 مليار سنتيم، لكن لم يمض عام وعاد الطريق إلى حالته المزرية، الأمر الذي جعل سكان النصلة ينتفضون ويحتجون ويقطعون الطريق على الشاحنات حيث قاموا بمنعهم من العبور؛ ما تسبب في وقوع العديد من المشاجرات بين السكان وأصحاب الشاحنات، فيما قُدمت وعود من الجهات المعنية ـ حسب تصريحات السكان ـ لإيجاد حل استعجالي لهذا الطريق من خلال منع عبور الشاحنات على هذا الطريق، لكن لا شيء تجسد من ذلك، حسبهم، حيث بقيت الوضعية على حالها، والسكان على صفيح ساخن يحذرون من تصعيد الوضع والاحتجاج.

فرع بلدي خارج الخدمة

ويطالب سكان النصلة بفتح الفرع البلدي الذي أنجز منذ ما يفوق 7 سنوات والذي لم يدخل الخدمة إلى حد الآن، ما زاد في مشقة السكان في قطع مسافات كبيرة ذهابا إلى بلدية الكويف، لاستخراج وثائقهم. وقالوا في هذا الشأن إنهم طالبوا في العديد من المرات بفتح الفرع البلدي، لكن الوعود التي تلقوها لم تحقق بعد، فيما يشكو سكان مشتة الكمامشة من قطع مسافة 6 كيلومترات لاستخراج وثائق الحالة المدنية من مقر بلدية تبسة، بينما يتبعون إداريا لإقليم تراب بلدية الكويف، وهي الإشكالية التي تسببت، حسبهم، في حرمانهم من العديد من الاستفادات، أهمها حقهم في السكن الريفي، في حين أبدى سكان مشاتي النصلة استياءهم من انعدام شبكة الهاتف النقال، حيث يضطرون للصعود فوق التلال والمناطق المرتفعة، ليتمكنوا من الاتصال بغيرهم.

ورغم توفر منطقة النصلة على كنوز أثرية ومعالم تاريخية تعود للعهد الروماني، إلا أنها تعاني الإهمال والزوال والاندثار نتيجة غياب الاهتمام والعناية بها، في انتظار التفاتة جادة من الجهات الوصية، لرد الاعتبار لها وإنقاذها من دائرة الإهمال، ورد الاعتبار لحضارة هذه المنطقة الغنية، وتصنيفها كمواقع سياحية وترفيهية من شأنها إخراج المنطقة من عزلتها المفروضة.

المير يردّ على الانشغالات

من جهته، أقر، من جهته، رئيس بلدية الكويف السيد الهادي فارس، بالمشاكل المطروحة من قبل سكان مشاتي منطقة النصلة، موضحا في تصريح لـ "المساء"، أن مصالحه تعتزم تجسيد انشغالات السكان حسب الأولويات وأوضاع البلدية المالية، ومؤكدا بشأن الطريق الرئيس "قوراي – بكارية"، أنه طريق بلدي أنجزته بلدية الكويف في عهدة سابقة، يُستعمل من طرف سكان المنطقة، لكن شاحنات رفع الحديد تتسبب في تآكله واهترائه رغم وضع مصالح البلدية لافتة تمنعهم من استعمال الطريق المذكور الذي يعتبر طريقا بلديا أنجز لسكان المنطقة لا يتحمل ثقل شاحنات رفع الحديد، التي يُفترض بها استعمال الطريق الوطني، لكن سواق الشاحنات قاموا بإزالة اللافتة عنوة، مضيفا أنه اتصل شخصيا بمديرية الأشغال العمومية لوضع حد للشاحنات، بوضع لافتات تمنعهم من استعمال الطريق لكن بدون جدوى، ومضيفا أن أكبر معاناة تشهدها أرياف بلدية الكويف تتعلق بالمسالك الريفية التي تشكل أكبر مشاكلها، علما أن البلدية سجلت منذ سنوات مشاريع لإنجاز 10 كلم من المسالك الفلاحية عن طريق مصالح الغابات منذ سنة 2008، لكن إلى غاية اللحظة لم ينطلق أي من هذه المشاريع.

كما سُجلت مشاريع لإنجاز 45 كلم من المسالك الريفية عن طريق المصالح الفلاحية، استُعملت كلها لصالح المنطقة الجنوبية للولاية. أما في ما يتعلق بأزمة المياه على مستوى المنطقة، فأكد رئيس البلدية أن جميع أرياف البلدية يعانون أزمة نقص المياه وخاصة منطقة النصلة، كاشفا عن أن البلدية بصدد إنجاز بئر على مستوى مشتة الطوالبية، ستمكن من تموين بعض المشاتي انطلاقا من مشتة الأبيار المالحة إلى غاية الزيات والطوالبية، مع إمكانية تموين منطقة قوراي بالماء الصالح للشرب، إلى جانب برمجة مشروع آخر، يتمثل في بئر على مستوى مشتة الرياشة، قال رئيس البلدية إن مصالحه ستردّ من خلاله الاعتبار لبئر عين شجرة، وبالتالي تموين مشاتي القارة والطباقة والنصلة، وهو مشروع ذكر أنه قيد الإنجاز من طرف مديرية الري بالولاية.