مصرون على مواصلة النشاط رغم غياب التأمين والدعم المالي

الفلاحون الصغار يبحثون عن المرافقة

الفلاحون الصغار يبحثون عن المرافقة
  • القراءات: 2336
استطلاع: نوال .ح استطلاع: نوال .ح

غياب ثقافة التأمين الفلاحي، تفضيل العمل الفردي على التعاونيات الفلاحية والإصرار على العمل في ظروف صعبة وشاقة.. هي مظاهر تصنع حياة الفلاحين الصغار الذين لا يتجاوز سنهم 35 سنة. «المساء» حاورت عينة منهم في مزارعهم النائية التي تفتقر لكل أشكال التهيئة الحضرية بولاية المدية، فلا طريق معبدة ولا كهرباء ريفية، بالإضافة إلى رفض مصالح الديوان الوطني للأراضي الفلاحية طلبات بناء سكنات ريفية داخل المستثمرات، وهو حال المئات من الفلاحين الشباب الذين قرروا رفع التحدي رغم كل هذه العقبات ومواصلة العمل في أراضي الأجداد، والذين لا يجدون سوى شبكات التواصل الاجتماعي وموقع «يوتوب» للاطلاع على تقنيات عصرنة زراعة الأشجار المثمرة، في ظل غياب الإرشاد والمرافقة التقنية للمصالح المختصة.

الزيارة الميدانية التي قادتنا إلى عدد من المستثمرات الفلاحية التي وزعت مؤخرا في إطار عقود الامتياز للشباب من أبناء الفلاحين ببلديات ولاية المدية، سمحت لنا بالوقوف على مجموعة من الانشغالات الميدانية للفلاحين صغار، الذين لم يتحصلوا من المصالح الفلاحية، سوى على عقد امتياز للأراضي التي يعملون فيها، في حين تبقى العديد من المشاكل المهنية عالقة في انتظار من يلتفت إليهم، حيث لم يستفد هؤلاء الشباب من القروض الممنوحة من بنك الفلاحة والتنمية الريفية «بدر بنك» لمرافقتهم خلال المواسم الفلاحية، ما جعلهم يجدون صعوبات كبيرة في الوصول إلى حقولهم، خاصة عند تساقط الأمطار، كون الطرق غير معبدة واقتراحهم للمبادرة إلى تعبيدها قوبل بالرفض، حتى أن هناك منهم من هو متابع قضائيا حاليا بعد توقيفه من قبل مصالح الأمن خلال عمليات نقل الرمال والحصى من الأودية القريبة منهم، ناهيك عن تعرض أطنان من المنتجات الفلاحية وخاصة الفواكه التي جناها هؤلاء الفلاحين الشباب للتلف بسبب رفض مصالح البنك دعم مشاريع إنجاز غرف التبريد..

هذه عينة بسيطة من المشاكل والانشغالات التي رفعها الفلاحون الصغار وسط حقولهم،

وكلهم أمل في أن تجد نداءاتهم آذانا صاغية لدى الجهات الوصية المدعوة للتحرك من أجل التخفيف من معاناتهم من خلال المرافقة التقنية والمالية المرجوة..

يوسف غوالي (25 سنة):

الصعوبات الميدانية زادتنا عزيمة

   قال أصغر فلاح التقت به «المساء» بالمستثمرة الجماعية سي كفيفي ببلدية أولاد براهيم بولاية المدية، إنه يشارك منذ ثلاث سنوات مع أحد أقربائه في استثمار فلاحي، يخص زراعة الأشجار المثمرة، على غرار التفاح المزروع على مساحة 15 ألف هكتار والعنب في 12 ألف هكتار والكرز على مساحة ألفي هكتار، وذلك بعد أن تم شراء الأرض من أحد الفلاحين الذي تنازل عن حقه في المستثمرة الجماعية.

وأكد الشاب الذي ورث مهنة الفلاحة أبا عن جد، أنه وإلى غاية اليوم، لم يستفد من أي شكل من أشكال الدعم المقترح من طرف الدولة، مشيرا إلى أن «المصالح الفلاحية اكتفت بالوعود فقط خلال الزيارات الميدانية للمسؤولين إلى المستثمرة، وإلى غاية اليوم، قمنا بتهيئة الأرض وإنجاز حوض مائي بأموالنا الخاصة».

وعن مصدر الأشجار المثمرة التي تمت زراعتها، أشار المتحدث إلى أن أغلبها تم جلبه من الخارج، مؤكدا أنه كفلاح لا يعلم بنشاط عدد من المستثمرين الخواص في مجال إنتاج الشتلات، مرجعا الأمر إلى عدم وجود قنوات اتصال ما بين الفلاح وباقي الفاعلين في القطاع، الأمر الذي يجعله يضطر للتعامل مع الموردين لتخفيف أعباء التنقل والبحث عن منتجين محليين.

أما فيما يخص التكوين، فقد أكد الفلاح الصغير أنه تدرب على الفلاحة خلال فترة عمله في حقول العائلة، ولم يستفد يوما من عمليات التكوين، مشيرا إلى أن العمل الميداني هو أحسن تكوين لكل فلاح شاب يريد النجاح في مشروعه.

على صعيد آخر، إقترح الشاب على السلطات الوصية، على غرار مديرية الفلاحة ومصالح بنك الفلاحة والتنمية الريفية «بدر» التقرب من الفلاحين الصغار للاستماع لانشغالاتهم واقتراح صيغ وتحفيزات لدعم نشاط الفلاحين، مؤكدا بأنه «على الرغم من كل العقبات وغياب كل أنواع الدعم، هناك عزيمة لمواصلة النشاط الفلاحي، من منطلق أن اقتصاد الغد مرتبط بالأرض الخصبة».   

رضا كحال (35 سنة):

أقبل بالتكوين بشرط أن يكون داخل مزرعتي

من جهته، كشف الفلاح الصغير كحال رضا، أنه توارث الفلاحة عن أبيه وجده الفلاحين، حيث دخل في النشاط الفلاحي الفردي منذ أكثر من 15 سنة، ما سمح له باكتساب مهارات وسط الحقول. وهو اليوم يبحث عن صيغة للتكوين تضمن له اكتساب تقنيات حديثة، «بشرط أن يكون ذلك بمزرعته الخاصة»، وذلك لكونه مجبرا على متابعة استثماره بنفسه كل أيام الأسبوع ولا يمكنه مغادرة أرضه والتنقل إلى المعاهد المتخصصة في الشعب الفلاحية.

وفيما يخص التحفيزات التي تقدمها وزارة الفلاحة للفلاحين، أكد كحال أنه لم يستفد منها يوما. وهو يسهر شخصيا على الاعتناء بـ25 هكتارا من أشجار التفاح و10 هكتارات من مساحات الكرز و10 هكتارات من أشجار «النكتارين» والبرقوق، مشيرا إلى أنه طوال فترة نشاطه، لم يستفد يوما من قرض أو أي شكل من أشكال الامتيازات، والتي تبقى على حد قوله، «حكرا على الفلاحين الكبار فقط، في حين يظل الفلاح الصغير مهمشا من طرف المصالح الفلاحية التي لا تتذكر وجوده إلا خلال الزيارات الرسمية».

وعن العراقيل الميدانية التي يعاني منها الفلاحون الصغار، أشار كحال من جهته إلى أن بنك «بدر» يرفض التعامل مع الفلاحين الصغار ويمتنع عن استقبالهم أصلا. كما اعترف بأن ثقافة التأمين غائبة تماما في الحقول الصغيرة، بسبب غياب الثقة بين الفلاح وشركات التأمين، داعيا في هذا الصدد إلى تنظيم لقاءات جوارية والتقرب من فئة الفلاحين الصغار لاقتراح صيغ جديدة تتماشى وتطلعاتهم.

كما طرح ذات الفلاح إشكالية إتلاف الأطنان من فاكهة التفاح الموسم الفلاحي الفارط، مرجعا السبب إلى غياب كل أشكال الدعم المقترحة لإنجاز غرف التبريد والتخزين، حيث أشار في هذا الخصوص إلى أنه اضطر للتخلص من منتوجه بأبخص الأثمان، حيث خفض سعر الكيلوغرام الواحد من 150 و200 دينار إلى 60 دينارا، وهو السعر الذي لا يخدم الفلاح.

على صعيد آخر، رفع كحال إشكالية التضارب في أسعار المنتوج، بين البيع المباشر من الفلاح إلى التاجر وسعر سوق التجزئة، مشيرا إلى استغراب كل الفلاحين من تضاعف الأسعار ما  بين ثلاث وخمس مرات، ما يجعل الفلاح ـ حسبه ـ غير منتفع، من منطلق أن مسار الإنتاج كلف أموالا طائلة ووقتا طويلا، فيما يبقى المستهلك غير قادر على اقتناء مستلزماته اليومية بسبب غلاء الأسعار.

ودعا في هذا الإطار، المصالح المختصة إلى إعداد دراسة عميقة للوضعية واختيار أحسن الصيغ لتسويق المنتوج الفلاحي، بشرط عدم مطالبة الفلاح ببيع المنتوج في سوق الجملة «لأنه مهني مكلف بالإنتاج فقط وعملية التسويق لها أشخاص متخصصين فيها».

وعن فكرة إنشاء تعاونيات فلاحية بين الفلاحين، كشف كحال أن فكرة العمل التشاركي غير واردة لدى الفلاحين الصغار، كونهم يفضلون العمل الفردي لتفادي المشاكل القديمة التي عرفتها التعاونيات الفلاحية المنشأة أيام آبائهم..

في المقابل، ينتظر الفلاحون المتخصصون في زراعة الكروم والأشجار المثمرة، إعادة النظر في شروط الاستفادة من الدعم المالي لتجديد العتاد الفلاحي، كون الدعم يخص اقتناء جرارات عادية، في حين أن النشاط الفلاحي في المناطق الريفية والجبلية تتطلب جرارات تجر بسلاسل، مع العلم أن الجرارات المستعملة عبر غالبية المستثمرات الفلاحية الجماعية، والتي تم إعادة توزيعها على الفلاحين الصغار، هي جرارات قديمة تعود لسنوات الثمانينات والتسعينات، ما يجعلها ضعيفة المردود، فضلا عن تعرضها بشكل مستمر للأعطاب المتكررة.

سيد أحمد مناصري ـ(35 سنة):

لجأت إلى الأنترنت لتحسين نوعية منتوج الكرز

من بين الفلاحين الشباب الذين يحرصون على عصرنة نشاط زراعة الكرز، مناصري سيد أحمد، الذي ينشط بمزرعة حوش الهادي رفقة والده ببلدية العامرية بالمدية، حيث أكد لنا هذا الفلاح الصغير أن تتبعه لصفحات الأنترنت المتخصصة في زراعة الأشجار المثمرة، جعلته يكتسب مهارات جديدة، حيث لجأ مؤخرا إلى استعمال تقنية «لاركاج» التي تسمح بالرفع من عدد أشجار الكرز في الهكتار الواحد من 400 شجرة إلى ألف شجرة، وهو ما يضمن النوعية والكميات المطلوبة.

وحسب ذات الفلاح، فقد ثبت أن «الأشجار عندما تكون كبيرة تأخذ مساحات أوسع وتعطي كميات كبيرة من الفواكه لكنها ليست بالنوعية المطلوبة، وذلك من ناحية الشكل والنوع»، ولذلك تقرر ـ حسبه ـ استعمال هذه التقنية التي تخص تقليم الأشجار ليكون لها نفس الطول، مع محاولة ربطها ببعضها لتكون متقاربة وبذلك يربح مساحة أوسع، مع العلم أن التجارب الميدانية لتنقية «لاركاج» التي تم اعتمادها بلبنان أعطت نتائج إيجابية وضمنت النوعية والكمية، وانطلاقا من مثل هذه النماذج، قام الفلاح ناصري هذه السنة بتخصيص هكتار واحد لتجربة هذه التقنية بمزرعته، على أن يقوم بتعميم هذه التقنية مستقبلا على باقي أشجار التفاح واللوز.

وردا على انشغالات بعض المستهلكين بخصوص إلتهاب أسعار الكرز في السوق، أكد لنا مناصري أن سعر البيع بالحقول يتراوح ما بين 100 و300 دينارا للكيلوغرام الواحد، حسب نوعية المنتوج، غير أن سعر سوق التجزئة يتراوح ما بين 850 و1200 دينار، مشيرا إلى أن الضحية في هذه المعادلة هم فئتي الفلاحين والمستهلكين، وهو ما يبرر ـ حسبه ـ تضاعف عدد الوسطاء بين الجني والتسويق من أربعة إلى سبعة وسطاء «كلهم رابحون في هذه المعادلة»، داعيا بالمناسبة السلطات المحلية للتدخل العاجل لضبط السوق.

أما فيما يخص نشاط المجالس الوطنية المتعددة المهن لمختلف الشعب الفلاحية، فقد أجمع الفلاحون المستجوبون أن نشاطها يخص فئة الفلاحين الكبار فقط، حيث يبقى المجلس الوحيد الذي ينشط بصفة منظمة ـ حسبهم ـ ذلك الذي يخص شعبة القمح، فيما تنشط باقي المجالس بعيدا عن انشغالات وآمال الفلاحين الصغار الذين ينتظرون تحفيزات أكثر ودعما أكبر ومرافقة ميدانية لترقية مستوى أدائهم وتحسين نشاطهم، وذلك لن يتأتى ـ حسبهم ـ سوى بتوسيع مساحاتهم ومرافقتهم ماليا لاقتناء المعدات الفلاحية.