تبادل التهم بين الإدارة ومكاتب النظافة ببومرداس

الصحة العمومية الخاسر الأكبر

الصحة العمومية الخاسر الأكبر
  • القراءات: 1288
حنان سالمي حنان سالمي

شكلت النظافة بولاية بومرداس وغياب التنسيق بين مختلف الفاعلين في الميدان، موضوع نقاش على مستوى ديوان الولاية خلال اجتماعين متتاليين طُرحت خلالهما العديد من العراقيل التي تعيق مهمة القائمين على العملية. وفيما نفى رؤساء البلديات في هذا السياق، التقصير في أداء مهامهم، طرح ممثلو مكاتب النظافة من جهتهم، إشكالية الاعتداءات التي يتعرضون لها في الميدان.

تم بديوان والي بومرداس، بحر الأسبوع المنصرم، دراسة ملف المكاتب البلدية للنظافة المقدر عددها بـ 32 مكتبا في 32 بلدية، حيث استفيد من النقاش الدائر في هذا اللقاء، بأن هذه المكاتب رغم دورها الحيوي في الحفاظ على الصحة العمومية كونها حجر الزاوية في الوقاية من بعض الأمراض المتنقلة عبر المياه والحيوانات والأوبئة، إلا أنها تبقى عموما مجرد هياكل تفتقر للوسائل والإمكانات المادية والبشرية للقيام بعملها، مثلما تنص عليه القوانين المنظمة لسير وعمل وأهداف هذه المكاتب.

5 آلاف حالة عض من حيوانات ضالة

أثارت حصيلة المكاتب البلدية للنظافة ببومرداس والتي سجلت 5 آلاف عضة من حيوانات ضالة وخلفت، مؤخرا، وفاة واحدة بسبب داء الكَلب، أثارت حفيظة الوالي يحي يحياتن الذي اعتبر الرقم "مخيفا"، متسائلا عن الهدف من عمل المكاتب البلدية للنظافة الاستباقي للوقاية، ومطالبا بتقرير مفصل عن عمل هذه المكاتب التي قد لا تؤدي مهامها لأسباب أو لأخرى؛ عملا على تذليلها. وقال إنّ وزارة الداخلية اتّخذت إجراءات في هذا الصدد من أجل توفير كل الوسائل الكفيلة بضمان العمل الجيد لهذه المكاتب، غير أنه استهجن، بالمقابل، عدم التنسيق الجدي بين عدة قطاعات، التي قال إن "من المفروض أن تكون في الصف الأول لعمل هذه المكاتب، وبالتالي المحافظة على الصحة العمومية"، وهو ما يجعل العديد من المكاتب البلدية للنظافة تبقى، حسبه، هياكل بدون روح؛ حيث تعمل جلها بالحد الأدنى من الوسائل في ظل غياب المختصين.

وفي هذا السياق، كشف عرض مدير الصحة والسكان الدكتور فاتح حداد عن إحصاء 12 طبيبا مسخرا بالمكاتب البلدية للنظافة، و18 تقنيا في الصحة العمومية عبر 32 مكتبا بلديا، حيث يتكفل طبيب أو تقني بمكتبين اثنين ببلديتين في بعض الحالات بسبب نقص الأعوان، متحدثا عن غياب التنسيق الفعلي بين مختلف الفاعلين الرئيسيين الآخرين بمكاتب النظافة، وأهمها التجارة والفلاحة والبيئة ومصالح البلديات، وفقا لما يتطلبه القانون الخاص في هذا المجال، إذ كثيرا ما يجد الطبيب ـ حسب المتدخل ـ نفسه لوحده في مواجهة مشاكل كبيرة تتعلق بحماية الصحة العمومية، أهمها مواجهة الأمراض المتنقلة عبر المياه وعبر الحيوانات، موضحا أنه قد يساعد بيطري طبيب المكتب في أحسن الحالات.

رؤساء البلديات يوقفون تنفيذ القرارات

هذا الأمر، حسب المتدخل، يعيق أداء هذه المكاتب على أكمل وجه؛ حفظا للصحة العمومية، بينما يظهر عدم تطبيق "الأميار" التقارير أو المحاضر المعدة بشأن تدخلات مكاتب النظافة ميدانيا، كوجه آخر لا يُظهر الهدف الحقيقي للمكاتب البلدية للنظافة بالنظر إلى تعارض ذلك مع مصالحهم، حسبما كشف عنه لـ  "المساء" مصدر مطلع من إحدى المديريات التنفيذية، الذي أوضح أنّ معظم القرارات المتخذة في مجال إغلاق المحلات لأسباب مضرة بالصحة العمومية، لا تنفَّذ، ناهيك عن عدم اهتمام "الأميار" بالقضاء على بؤر انتشار الأمراض مثل الصرف الصحي في الهواء الطلق، أو حتى الاهتمام بالقضاء على الحيوانات الضالة؛ في خطوة للوقاية من داء الكلب.

1.1  مليار سنتيم لمكافكة الأمراض المتنقلة

هذه النقطة تحديدا أثارت نقاشا مستفيضا بين مختلف الأطراف خلال هذا الاجتماع. واستفيد بأن حملات القضاء على الحيوانات المتشردة تتم بالتنسيق مع عدة جهات من مصالح البلديات والدوائر والأمن، ومن المفترض أن تكون كل ثلاثة أشهر، غير أن تقاعس رؤساء البلديات في طلب الذخائر الحية وفتح الحملة بطلب مسبق منهم، سبب مباشر وراء تفشي تلك الحيوانات المتشردة في العديد من المدن مثلما سبق لـ "المساء" أن أشارت إليه في عدد سابق، وهو ما يفسر إحصاء 5 آلاف عضة حيوان مشرد العام الماضي، منها 49 % عضات كلاب، و45 % عضات قطط، و3% عضات قوارض، و3%  عضات حيوانات أخرى (حمار، قردة وغيرهما)، بتكلفة تصل إلى 22 مليون دينار بين مصل ولقاح مضاد للكلب للحالة الواحدة، بينما يصل الغلاف المالي الإجمالي لمكافحة الأمراض المتنقلة عبر المياه (تحاليل المياه) وعبر الحيوانات (ليشمانيا، سالمونيلا...) إلى 1.1 مليار سنتيم سنويا بولاية بومرداس، وهو غلاف مالي كبير تتحمله مديرية الصحة والسكان؛ ما جعلها تناشد الوالي يحياتن تخصيص مساعدة مالية من أجل تغطية هذا الأمر.

"لأميار" يقاطعون اللقاء الثاني

لأهمية الموضوع خُصص اجتماع آخر يوم الأحد المنصرم تحت إشراف الأمين العام للولاية عصام شرفة، الذي صب غضبه على "أميار" بلديات الولاية بسبب غيابهم غير المبرر عن الاجتماع، حيث تحدّث عن حضور 5 رؤساء بلديات فقط (الأربعطاش، سوق الأحد، الثنية، قورصو وبومرداس)، وغياب 27 رئيس بلدية؛ "وكأن أمر الصحة العمومية لا يهمهم!". وقال المسؤول مبرزا إن هؤلاء الأميار "يُعتبرون المتدخل الأول في هذه الحلقة"، ومن المفروض أنهم يعرفون حدود بلدياتهم وأنهم على علم مسبق ببؤر التدفق العشوائي لمياه الصرف الصحي، وبانتشار الحيوانات الضالة وانتشار النفايات في كل مكان.. لكن "لا حياة لمن تنادي!"، متحدثا عن لجنة وطنية مختصة ستحل ببومرداس في 20 جوان الجاري، لمتابعة ملف الأمراض المتنقلة عبر المياه، ومتسائلا عن مدى اهتمام الجماعات المحلية بهذا الملف، وهو ما يؤكد فرضية تنصل "الأميار" من تحمل مسؤولياتهم عن المكاتب البلدية للنظافة، وبالتالي حماية الصحة العمومية من الأوبئة.

رؤساء البلديات  يرفضون تهمة التقاعس

هذا الاتهام رفضه بعض "الأميار"، الذين تحدثوا، من جهتهم، عن نقص الأعوان بمكاتب حفظ الصحة والنظافة البلدية، ونقص الوسائل وغياب التنسيق، ورفضوا رفضا قاطعا القول بعدم تنفيذ المحاضر والقرارات؛ لكونها تتعارض مع مصالحهم الضيقة، حسبما أكد لـ "المساء" رئيس المجلس الشعبي البلدي للثنية علي بن طالة، الذي أوضح أن مصالح البلدية هي التي تقدم يد المساعدة الأولى للمكاتب البلدية للنظافة، لاسيما بتوفير وسائل النقل، ومؤكدا تنفيذ كل القرارات التي تتخذها في العديد من المجالات. كما فند قطعيا الأقاويل المروجة للحرص على المصالح الشخصية الضيقة لبعض "الأميار" على حساب الصحة العمومية. وأضاف أن مكاتب "بي.سي.أش" ببلدية الثنية على سبيل المثال، يسجل نقصا في الأعوان؛ إذ كثيرا ما يعمل بيطري ومفتش في النظافة والنقاوة العمومية والبيئة في غياب ممثلين عن مصالح الصحة والتجارة والبيئة. كما لفت إلى تنفيذ قرارات صدرت عن نفس المكتب في حالتين متفرقتين بالثنية مركز، تعود لأحد التجار ممن حُرر ضده محضر بسبب قلة النظافة، وتدخلت البلدية لإغلاق محله إلى غاية تسوية وضعيته، والذي عاد للنشاط مؤخرا، وأخرى بالمخرج الشرقي للبلدية على (ط.و/5)، حيث تدخّل "بي.سي.اش" لمعاينة بيع اللحوم الحمراء على قارعة الطريق، وتم توقيف النشاط التجاري فورا. وهو نفس ما ذهبت إليه مفتشة النظافة والبيئة بنفس البلدية، لما أكدت تنفيذ كل المحاضر والإعذارات الصادرة عن المكتب البلدي للنظافة، متحدثة في المقابل، عن مشاكل ميدانية يصادفها أعوان المكتب، تتمثل في عدم تعاون المواطنين معهم؛ حيث يتم إغلاق المحلات في وجوههم، كما أن الحراك الشعبي المستمر منذ أسابيع، رفع من حدة السب والشتم ضد هؤلاء الأعوان الذين يُنعتون أحيانا بـ "الموالين للنظام الفاسد"؛ ما جعل تأجيل بعض الخرجات حتمية لا مفر منها إلى غاية توفير الأمن، لاسيما أن أغلب الأعوان نساء. كما يظهر من بين النقائص المسجلة في عمل مكاتب النظافة، غياب الهياكل؛ أي المكاتب المستقلة؛ حيث يتم وضع الأعوان ببعض البلديات مع أعوان مصالح أخرى في مكاتب ضيقة.