أحمد حمدي ومحمد رزيق يتحدثان لـ"المساء":

الصحافة الحديثة تطبق مبادئ أول نوفمبر

الصحافة الحديثة تطبق مبادئ أول نوفمبر
  • 1135
 لطيفة داريب لطيفة داريب
لعبت وسائل الإعلام دورا كبيرا في التعريف بالثورة الجزائرية خارجيا، وتجنيد الرأي العام المحلي، فكانت جريدة «المجاهد» الناطق الرسمي لجبهة التحرير الوطني التي أولت أهمية كبيرة للإعلام، من خلال بيان مؤتمر الصومام الذي أشار إلى أنه يهدف إلى الدعاية بأهداف الثورة، لكن ما هو دور وسائل الإعلام في الفترة الراهنة؟ هل طبق بدوره مبادئ أول نوفمبر أم حاد عن الطريق؟. «المساء» في محاولة لإيجاد جواب على إشكاليتها هذه، اتصلت بعميد كلية الإعلام والاتصال؛ الدكتور أحمد حمدي والأستاذ الجامعي محمد رزيق، فكان هذا الموضوع.

أحمد حمدي؛
 وسائل الإعلام مطبقة لمبادئ ثورة
الفاتح من نوفمبر

في هذا الصدد، أوضح الدكتور حمدي؛ «قمت بدراسة أكاديمية «دكتوراه» حول موضوع «تطبيق وسائل الإعلام لمبادئ أول نوفمبر»، وبالضبط في الفترة الممتدة من 1962 إلى 1988، أي في مرحلة الحزب الواحد، وخرجت بنتائج مذهلة، فرغم وجود من يقول بأن الحزب الواحد يرادفه قمع ورأي واحد، نجد علميا وموضوعيا أن هناك ثلاثة أنواع من الخطاب الجزائري وهي؛ خطاب جريدة «المجاهد الأسبوعي» و«ريفوليسيون أفريكان»، وهما لسان مركزي لجبهة التحرير، خطاب جريدة «الشعب» وجريدة «المجاهد اليومي» الناطقتين باسم الحكومة وجريدة «الاتحاد العام للعمال الجزائريين» وهي «الثورة والعمل» الناطقة باسم العمال، لهذا هناك ثلاثة تيارات متمثلة في الحكومة والحزب والعمال. وأضاف أن عند دراسة وتحليل مضمون هذه الصحف، نجدها مختلفة تماما، بالتالي هناك تعدد في الأصوات وتباين في الآراء إزاء الكثير من القضايا، سواء الخارجية أو الداخلية، بالتالي عرفت هذه الفترة تعددية الخطاب وليس تعددية المالك. أكد عميد كلية الإعلام على عدم وجود قانون يمنع ملكية جريدة في ذلك الوقت، لكن ممارسته غير موجودة فكل الصحافة كانت تابعة للقطاع العام، إما للحكومة أو للحزب أو للعمال، بينما يتغير الخطاب داخلها، وقال؛ «إعلامنا طبق مبادئ أول نوفمبر، لأن فرنسا لم تخرج من الجزائر إلا وحطمت الكثير من المنشآت، مثل المصانع ومكتبة الجامعة والمطبعة وغيرها، كما لم تكن الدولة الجزائرية قائمة، وفي هذه الظروف، قامت الصحافة الجزائرية بدور كبير وبارز ومهم في تجنيد الرأي العام الجزائري للقضايا الوطنية، وأقدم مثال؛ جريدة «الشعب» التي كانت تدفع الناس للالتفاف حول مهمة بناء الدولة، فقامت بدور جبار وغير معروف، للأسف».
أما دور وسائل الإعلام في تطبيق مبادئ ثورتنا المجيدة في الفترة الراهنة، فأوضح المتحدث أن هذه المبادئ هي أولا عامة وليست تفصيلية، وذكر من بينها «الاستقلال والحرية»، أما تفاصيلها فنجدها ضمن أشكال تطبيقية، مثل الاعتماد على النظام الاشتراكي أو غيره، فهي مجرد تطبيقات، أما مبادئ أول نوفمبر فأكبر من هذه التفاصيل، أي أنها مبادئ عمومية وثابتة. وفي هذا قال بأن الصحافة الحديثة تطبق مبادئ أول نوفمبر، لأنها تدعو إلى الحرية، بناء الوطن والحفاظ عليه، وغيرها. «هناك نوع من الصحافة الصفراء، وهذا يرجع إلى عدم المهنية، فالقطاع مفتوح لكل من هب ودب، فقد نصطدم بشخص غني ينشىء جريدة، وآخر لم ينجح في شهادة ابتدائية يصبح صحفيا، مؤكدا أن هذه الأمور تعد مسألة تنظيمية، على وزارة الاتصال ترتيب أمورها وتقنين المجال من خلال المجالس، مثل المجلس السمعي البصري أو مجلس الإعلام.
وبدا الدكتور حمدي متفائلا بمستقبل الإعلام في الجزائر، مع إنشاء المجلس وبطاقة الصحفي وغيرها، لأن المجالس ـ في اعتقاده ـ كفيلة بتنظيم هذا المجال، باعتبار الوزارة تقنيا لا تستطيع القيام بهذا الدور، في حين تحرص المجالس على المهنية والجودة وعدم الانزلاق.
وتوقف متحدث «المساء» عند قضية تأثير الإعلام على المجتمع وسياسة البلد، وأوضح أنه ليس من مهمة الإعلام التغيير، بل تقديم المعلومة الصحيحة والنزيهة والموضوعية، والمأخوذة من عدة مصادر، على الأقل ثلاثة، فتأثير الإعلام يأتي على المدى الطويل، مثل المدرسة، بالتالي فالمعلومات الصحيحة تكوّن المجتمع على المدى الطويل.
في المقابل، وقبل إنهاء الحديث، عاد الدكتور حمدي إلى دور وسائل الإعلام أثناء الثورة المجيدة، وقال بأنه عند مراجعة الأدبيات الإعلامية للثورة الجزائرية، نلاحظ أنها ركزت منذ البداية على الإعلام ووسائله من خلال أول عمل إعلامي، وهو بيان أول نوفمبر (منشور، والمنشورات ندرسها ضمن الإعلام)، وبعدها تم تأسيس عدة جرائد ناطقة باسم جبهة التحرير، حيث أن لكل منطقة من مناطق الجزائر صحيفتها، وفي أكتوبر من عام 1955، تم تأسيس جريدة "المقاومة الجزائرية" في طبعات المغرب وتونس وفرنسا وظهرت بالضبط في 22 أكتوبر 1955، لهذا تم اقتراح هذا اليوم كيوم وطني للصحافة، كما برمجت عدة حصص عن الثورة الجزائرية في إذاعات تونس والمغرب، ليبيا ومصر، خاصة إذاعة «صوت العرب»، وتم سنة 1957 تأسيس إذاعة «الجزائر الحرة المكافحة» وهي جزائرية مائة بالمائة. وأوضح المتحدث أنه عندما ندرس جريدة «المجاهد»، نرجع إلى مؤتمر الصومام 20 أوت 1956 الذي عقد في الجبال وخرج بنتائج هامة، وتتكون أرضية الصومام من ثلاثة أجزاء؛ الجزء الثاني منها مكرس للإعلام والدعاية وضمنه نقرأ مبدأ جبهة التحرير في الإعلام، حيث تقول بأن مبدأ الدعاية لا يهدف إلى التنميق، بل هو عمل للتوعية.. الخ، كما خرج هذا المؤتمر ببيان يقول فيه بأنه منذ اليوم تصبح جريدة «المجاهد» الناطق الرسمي الوحيد لجبهة التحرير الوطني، لهذا، ألغيت جريدة «المقاومة الجزائرية» والجرائد الأخرى. وفي هذا السياق، أشار الدكتور حمدي إلى أنه قام بدراسة علمية لهذه الجريدة منذ نشأتها سنة 1956 إلى 1962، مع استقلال الجزائر، فوجد بأنها تضم حوالي 1400 مادة إعلامية؛ بين تعليق، تحقيق، تقرير، عمود ومقابلة، فقام بتحليل هذه المادة ووجد أن النصيب الأكبر في خطاب الجبهة كان موجها للدبلوماسية الجزائرية، والثاني مكرس للجبهة والمجتمع، وعند التأمل في هذا الموضوع، نقول بأن أغلب الخطاب موجه إلى الدبلوماسية بهدف إقناع الرأي العام الخارجي، باعتبار أن الجزائريين مقتنعون بالثورة الجزائرية، وفي هذا الصدد، تم إقناع قامات، مثل الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر وسيمون دوبوفوار وجونسون، الذين ساهموا فيما بعد بقسط وافر من الإعلام والدعاية والتعريف بالقضية الجزائرية، وحتى توفير الدعم المالي للثورة مثل «شبكة جونسون»، فالثورة الجزائرية إذن، كانت مركزة على الإعلام بدرجة كبيرة.

محمد رزيق؛
 الإعلام الجزائري مناسباتي في قضايا التاريخ

أوضح الأستاذ رزيق من جهته، أن الإعلام الجزائري ناقشه في شقين؛ الإعلام التقني والرسالة التي ينشرها وما تتضمنه من بيئة والظروف المحيطة بنا، وهل الرسالة التي ينشرها الإعلام منسجمة مع ما نعيشه من واقع إيجابي أو سلبي، أو لا؟، مضيفا أن الإعلام يلعب دورا في الكثير من الأحيان وإن كان في مظاهر مناسباتية، (8 ماي 1945 و1 نوفمبر، في بعض الأحيان يتكلم عن الأمير عبد القادر أو شخصية أخرى من القرن 19)، فدوره نقل الرسائل، والهدف من الرسالة التاريخية زيادة الملحمة الوطنية والوعي وتحقيق الوطنية الصادقة.. الخ، لكن الإعلام في يومنا هذا - في تقديره - فقد بريقه وقيمته، في حين نتكلم عن الثورة، لأن مشروع الثورة ليس قتال فقط، بل الهدف من ورائه طرد فرنسا واستعادة الاستقلال والسيادة، حيث  نجد بناء دولة وطنية ديمقراطية اجتماعية، وتساءل: «أين هي الديمقراطية؟ أين هو الاهتمام بالشؤون الاجتماعية؟ فبين شخص يملك 50 شقة وآخر لا يملك مسكنا بالمرة، بين شخص درس وليس له مستوى، وهو يسير مؤسسات ومصالح؟ وقال؛ «إننا لا نتمتع بالمبادئ التي من أجلها قامت هذه الثورة، بغية تحقيق العدالة والحرية، أنا لا أرى نفسي حرا لا في السوق ولا في الطريق ولا في العمل ولا في أي مكان أذهب إليه، أين هي دولة القانون والمؤسسات؟ أين هو من يراقب هؤلاء؟ لا أرى القانون ولا العدالة حينما أذهب إلى المستشفى والسوق، فما كان يحلم به قادة الثورة هو بناء دولة القانون، لكن لما نعيش عكس الغناء الذي يتغنى به، يحدث اضطراب كبير، وأضاف؛ وسائل الإعلام الخاصة تتكلم بأسلوب التهويل وليس بأسلوب الدراسة والنقاش، بل تقوم بنشر الإشاعات والدعايات، فالمواضيع الحساسة تتناول بطريقة رزينة وهادئة من خلال مختصين يناقشون فيها بحوثا ودراسات ويقومون بمتابعة هذه القضايا، أما أن نطلق الكلام بعمومياته، كأن نقول مثلا بأن في الدولة كل شيء سيء ، فهذا خطأ، لأن هناك أمور إيجابية، وحينما نرى الكأس، لا يجب أن نرى الفارغ منه فقط، بل المليء أيضا.
في المقابل، أوضح المتحدث أن الإعلام، كالأحزاب، ليس لها دور فعال في المجتمع، وقال؛ تحقق الاستقلال بفعل تضحيات الكثيرين، فالناس قُطعت إربا إربا، واليوم لا يريد الصحفي ورئيس الحزب أن تلمس شعرة منهما! فالأحزاب والمنظمات تريد تلطيف الجو مع النظام، رغم أننا يجب أن نبيّن للنظام أخطاءه، وإذا لم يتقبل الأمر، فلا أتعامل معه، واليوم أتساءل؛ أين هي المقاطعة؟ ليس لدينا نقد ولا مقاطعة، وفي النهاية نقول؛ عملنا.. وعملنا.. وأنا أقول؛ ماذا فعلت أيها الصحفي؟ فالصحفي في الماضي كان يسجن، فهل وضعه اليوم نفسه؟ الصحفي باع القضية مثله مثل السياسيين، فرئيس الحزب الذي لا يتكلم عن الوساطة والرشوة والظلم وغياب القانون وعيوب المجتمع لا أحتاجه. وفي إطار آخر، قد نتساءل: «لماذا الصحافة والأحزاب تتكلم بدون نتيجة؟ ربما علينا أن نعيد النظر في حساباتنا واستراتجياتنا، بأن نغير طريقتنا ونعتمد على طرق أخرى».