الحلي الفضية.. إرث ثقافي عريق ووديعة اقتصادية بحاجة إلى اهتمام

- 14349

تعرف صناعة الحلي الفضية إنتشارا كبيرا بمنطقة بني يني في تيزي وزو، إذ تعتبر إرثا عريقا وتاريخا زاخرا، فهي الحرفة اليدوية التي أبدعت فيها أنامل رجال ونساء منطقة القبائل منذ سنوات خلت، كما تعتبر أساسية في الزي التقليدي القبائلي، وازدهرت هذه الصناعة التي كانت في زمن مضى تستعمل كأوسمة، حيث يكرم الفارس الشجاع بقطعة فضية تسمى "ثازيبا"، يتم وضعها على ظهر الخيل ليعرف الجميع أن راكب الخيل مقاتل قوي. وقد ارتدت المرأة القبائلية الحلي الفضية التي زادتها جمالا، كما أنها تعبر عن مكانة من ترتديها، وبها يتم تصنيفها كامرة متزوجة، عازبة أو أرملة، فلكل قطعة معنى ورمز. كما تحظى المرأة بالعديد من الهدايا من المصوغات الفضية في المناسبات الخاصة، حيث تلبس الأم "أمشلوخ" الذي يدل على أنها أنجبت ذكرا.
أولى سكان منطقة القبائل اهتماما كبيرا للحلي الفضية منذ زمن بعيد، للاعتقاد السائد إلى يومنا بأنها تحمي من يرتديها وستجلب له الحظ السعيد والفأل الحسن. وتتواجد هذه المصوغات على أشكال منها "تفزيمت"، "تبروشت" وغيرها التي ترتديها المرأة والطفل خصيصا، إذ تحميه من الشر والحسد، وفي أغلب الأحيان لجلب الفأل الطيب له.
نجد في صناعة الحلي الفضية، كما توضحه النماذج المختلفة، مستويات رائعة من الحرفية والمهارة، تصاميم باختلاف المناطق، منها حلي مصنوعة بفريحة، وأخرى ببوغني، وكذا آث يني، فالعارفون بهذا المجال يستطيعون التمييز بين نموذج وآخر ومكان صنعه، لأن لكل منطقة صبغتها الخاصة، إذ دأب القرويون على صناعة الفضة وكذا إعادة تصنيعها بصهرها لصياغة حلي جديدة، مما جعل وجود النماذج القديمة جدا أمرا نادرا.
تعتبر أطقم آث يني المصنوعة من الفضة والمزينة بالمرجان الأحمر مطلب كل نساء القبائل، فزينة المرأة منذ أجيال متتالية كان يتوقف على لباسها التقليدي والحلي الفضية التي تشكل بفضل رسوماتها وألوانها وتنوع أشكالها، إنجازا فنيا متميزا بمنطقة آث يني التي قام سكانها من أجل حماية هذه الحرفة من الزوال، بتنظيم منذ عام 2011 معارض عيد الحلي الفضية، التي تحتضنها متوسطة العربي مزاني، والتي أصبحت عادة يتم إحياؤها كل سنة بمشاركة مجموعة من الحرفيين الذين يبدعون من سنة لأخرى في عرض موديلات جمعت بين التقليدي والعصري، لتشكل مصوغات جميلة بألوانها الخضراء، الزرقاء والصفراء، ترمز إلى الأرض والشمس والسماء، بفضل استعمال مسحوق يجمع بين الرمل و«المينيوم" (أكسيد الرصاص الأحمر) و«البوتاس" و«كربونات الصوديوم" التي يجلبها الحرفيون من الخارج، لتنصهر في درجة حرارة عالية وتتحول إلى مادة سائلة براقة تعطي أشكال أصيلة بلمسات عصرية، ليتم ارتداؤها في المناسبات والأفراح.
تحظي الحلي الفضية لآث يني بمكانة مرموقة بفضل التجديد والمحافظة على المرتبة الأولى وطنيا، من خلال مشاركة الحرفيين في التظاهرات الوطنية في صناعة الحلي الفضية، حيث حازت المنطقة بفضل إبداعات حرفيها على الجائزة الأولى مرتين على التوالي خلال سنتي 2006 و2007، كما حازت على الجائزة الثانية سنة 2014، فقد كانت آث يني وقراها بمثابة القلب النابض للصناعات التقليدية، خاصة صناعة الحلي المزينة بالمرجان، حيث بلغ عدد ورشاتها سنة 1873 حوالي 125 ورشة، حسبما ذكره الكاتب الفرنسي جوو موريزوت في كتابه "l’Algerie kabylisée"، الذي أوضح أن كثافة هذه الورشات يعود إلى تواجد التجار اليهود في آث يني أنذاك، ولد أصبح اليوم عددها لا يحصى بفضل جلب الحرفة من سنة لأخرى للشباب الذين تستقطبهم هذه الصناعة التقليدية الموروثة.
خلال زيارة ميدانية قادتنا إلى آث يني، فريحة وبعض البلديات، تبين أن المشكل العويص الذي يواجه صانعي الحلي الفضية اليوم، يتمثل في احتكار السوق السوداء للمواد الأولية من الفضة والمرجان ونقصها في السوق، ليبقى الحل مرهون باتخاذ الدولة إجراءات تحمي الحرفة والحرفيين معا.