أسعار السلع به منخفضة

"الحطاب" بعنابة.. سوق "الزواولة" والفقراء

"الحطاب" بعنابة.. سوق "الزواولة" والفقراء
  • القراءات: 8677
 سميرة عوام سميرة عوام

تحولت مدينة عنابة خلال الأيام الأخيرة، إلى وجهة حقيقية للتجار والباعة الباحثين عن مورد رزق، كما تفضل العائلات الذهاب إلى سوق "الحطاب"، لاقتناء بعض الضروريات من مواد غذائية وغيرها، على غرار اللحوم والخضر، بفضل أسعارها المنخفضة مقارنة بالأسواق الجوارية الأخرى، التي تعرف المواد الغذائية فيها التهابا في الأسعار، خاصة البيض الذي فاق 600 دينار للصفيحة الواحدة.

يعد سوق "الحطاب"، فضاء تجاريا يميز عنابة القديمة ويتوسط قلب بونة الجميلة، التي بسطت ذراعيها لكل العائلات الفقيرة وذوي المستوى المعيشي المحدود، حيث تستيقظ على غير عاداتها، على أصوات العربات المتنقلة، فبعد كل صلاة فجر مباشرة، يتم سماع تدافع الباعة الصغار مع التجار الكبار، الذين ينهضون قبل طلوع الفجر، وبروز خيوط الشمس الأولى، رغم برودة الطقس، فكل شخص له قصة مع سوق الحطاب، الذي يتوسط مدينة عنابة عاصمة "أبو مروان الشريف"، حيث يتواجد بمحاذاة محطة الحافلات "سويداني بوجمعة"، كما يحيط به مزار سيدي الحطاب وفرع إداري، ناهيك عن عدة محلات تجارية قديمة شيدت متلاصقة.

وساهمت كل هذه التركيبة البيئية والجغرافية، في إعطاء هذا الفضاء صورة جمالية، فرغم إلحاح أحد الولاة السابقين على إزاحة سوق "الحطاب"، بعد إعداده مخطط تحويله خارج المدينة، واختيار مدخل سيدي ابراهيم مكانا له، إلا أن ذلك القرار ذهب مع ذهاب الوالي، وبقي السوق شامخا، ليعيش منه الزوالي والمغبون.

المتجول فيه، لا تفوته رؤية أطفال صغار في سن التمدرس، يعرضون عضلاتهم الصغيرة لبيع كل ما يبحث عنه الزبائن من مواد غذائية، وحتى المعجنات المصنوعة في المنزل، مثل "المقرطفة" المعروفة لدى العائلات العنابية بـ«النواصر"، ناهيك عن "الفطير" و«الشخشوخة"، فكل الطلبات تجدها في سوق الحطاب، وقد تعلم الباعة جيدا كيفية عرض سلعتهم، مقابل بعض الدنانير، لتغطية نفقاتهم اليومية، وحتى مساعدة عائلاتهم.

كانت وجهتنا الثانية، إلى عدة أماكن ونقاط متواجدة على طول السوق، تم تنظيمها وتهيئتها من قبل مصالح بلدية عنابة، التي رصدت منذ شهرين، غلافا ماليا معتبرا، ليتم ربط هذا الفضاء التجاري بالكهرباء، مع ترميم وتهيئة أرضيته، وطلاء الجدران، لتحويله إلى سوق، أقل ما يقال عنه، أنه صالح للعرض والطلب، وتتسع مساحاته لبيع اللحوم والأسماك، وحتى مواد التنظيف.

مساحة لبيع المسروقات، المسامير والبراغي

يقوم بعض الشباب المتورطين في قضايا السرقات، خاصة الهواتف النقالة، وكذا بعض المواد الكهرومنزلية، بعرض السلع المسروقة في بعض أسواق المدينة، بأسعار رخيصة، للتخلص منها والتملص من تحقيق الشرطة، التي تقف لهم بالمرصاد وتعرف كل تنقلاتهم داخل هذه النقاط، وعليه تجد دائما عناصر أمن إضافية في الميدان، لتضع حدا لهؤلاء المنحرفين، الذين يلبسون رداء الباعة لبيع مسروقاتهم، ورغم هذه التجاوزات التي يعيشها سكان عنابة وما جاورها، تجدهم يترددون على العديد من الأسواق المفتوحة لشراء مثل هذه الأشياء، واقتنائها بسعر مغر، خاصة الباحثون منهم عن سلع غير مغشوشة.

حتى غرف النوم موجودة

تقبل العديد من العائلات، خاصة العرسان المقبلون على الزواج، على اقتناء غرف نوم مستعملة تعرض في سوق خاص، ومن قبل باعة يقومون بإصلاحها وطلائها، لإعادة بيعها بسعر مقبول، يتماشى مع ميزانية كل عائلة، خاصة من ذوي الدخل المحدود، حيث وجدت "المساء"، الكثير من الشبان منهمكين في اختيار واقتناء نوعية جيدة لغرفهم، وعلى حد تعبيرهم، فإن مثل هذه الأسواق تعد فرصة لشراء كل ما هو صالح للاستعمال ويليق بالزواج.

أكد مراد الذي بقي على عرسه 20 يوما، أن سعر غرفته لم يتعد 3 ملايين سنتيم، رغم أن الغرفة ذات نوعية جيدة ومصنوعة من الخشب الأحمر، فيما اختار صالح هو الآخر، الذي مر على زواجه شهران، الذهاب إلى هذا السوق، لاقتناء غرفة نوم كان سعرها في المتناول ومغر جدا.

تقبل عشرات العائلات الفقيرة في عنابة بشكل يومي، على سوق "الشيفون"، وهو الفضاء التجاري الوحيد المتواجد بوسط المدينة، والذي أصبح مقياسا حقيقيا للفقر في المنطقة، أمام تدني القدرة الشرائية، الأمر الذي زاد من تأجيج الوضع في بهذه الولاية التي ترفض أن تكون متطورة في مختلف القطاعات والمجالات، رغم أنها تتوفر على نسيج صناعي كبير.

تبدأ الحركة في الأزقة القريبة من هذا السوق عند السابعة صباحا، ومعها تكتظ الأزقة والأرصفة التي تمتد إلى آخر نقطة من سوق "الشيفون"، حيث يكثر الإقبال على أجنحته، التي تباع فيها مختلف الألبسة.

في هذا الإطار، اعتبر أحد الباعة، أن نشاطه يجلب له الكثير من الناس بمختلف فئاتهم، ولا يتردد في بيع جميع أنواع الألبسة، حتى الداخلية منها، رغم أن القانون يمنع ذلك، لكنه يتحجج بطلب الزبائن. وتصل أثمان السراويل والقمصان إلى ربع ثمنها المعتاد في المحلات التجارية الأخرى، كما أن ثمن "البالة"، حسب أحد التجار، يصل إلى ما بين المليون و2 مليون سنتيم.

وجهة "الڤليل" ولا شيء يهم

في الجهة المقابلة للسوق، لا يختلف الأمر كثيرا، غير أن الأثمان تكاد تكون أقل إلى النصف أحيانا من تلك المعلن عنها في المحلات الأخرى، وهو ما يجعل الإقبال عليها أكبر في المناسبات. ويقول أحد الزبائن "إن الألبسة هنا زهيدة الثمن، ولا تختلف كثيرا عن مثيلاتها في المحلات، ونحن مضطرون لشرائها، لأن السروال الذي يتجاوز ثمنه 1700 دينار على الأقل، لا يمكن أن يتحمل عبء هذه الأسعار، إلا من تجاوز راتبه 6 ملايين سنتيم كحد أدنى".

غيرنا الوجهة إلى الجناح الآخر، فوجدنا عائلات أخرى تبحث عن شيء يليق بها وسط كومة الملابس، ومع نهاية السوق تتعالى الأصوات بتوحيد ثمن الوحدة أقمصة، سراويل، فساتين و«الحبة" بـ120 دينار.. "يا الله يا ڤليل".. ويدخل الجميع في منافسة حادة، المهم البيع والربح السريع.

من جهتهم، أكد المختصون في الجانب الصحي، خلال تقاريرهم السنوية، أن الملابس المستعملة قد تتسبب في الإصابة بالحساسية والطفح الجلدي والأمراض المزمنة الأخرى، نتيجة التخزين السيء لملابس "الشيفون"، مما يؤدي إلى تنامي الفطريات التي تشكل خطرا على صحة الزبون وعلى جهازيه التنفسي والهضمي.

تهيئة 6 أسواق لإعادة تنظيم القطاع

من جهة أخرى، خصصت الجهات المعنية، غلافا ماليا معتبرا لتهيئة وترميم 6 أسواق، حيث تمس العملية السوق المركزي الذي يعتبر العصب الرئيسي لقطاع التجارة بالولاية، وخصص له مليار و370 مليون دينار، وسوق حي "الميناديا" الذي استفاد من 800 مليون دينار، وسوق الصفصاف الذي خصص له 90 مليون سنتيم، فيما رصد لسوق "حسين بوزراد" أكثر من مليارين و600 مليون سنتيم، فيما خصص للسوق الجواري لوادي فرشة أكثر من 830 مليون سنتيم، علما أن عملية التهيئة شملت في شقها الأول، سوق وادي الفرشة.

حسب جلسة العمل التي جمعت رئيس بلدية عنابة مع الوالي، في وقت سابق، فإن المصالح البلدية، اقتطعت من ميزانيتها الإضافية المتعلقة بالسنة الجارية، لتحسين مستوى الإنتاج بهذه الأسواق الجوارية.

في سياق متصل، من المنتظر أن تطلق مصالح بلدية عنابة، مشروع إنجاز ألف محل جديد، يدخل في إطار القضاء على التجارة الفوضوية، عن طريق توفير مناصب شغل جوارية موجهة لحاملي الشهادات الجامعية، وكذا المتخرجين من المراكز المهنية، وقد تم اختيار أرضية المشروع بمنطقة البوني. كما رصد لعملية إنجاز ألف محل، نحو 6 ملايير سنتيم.

800 تاجر وبائع متجول

من جهة أخرى، طالب تجار سوق الخضر والفواكه بـ«الحطاب"، وسط مدينة عنابة، بضرورة تدخل الجهات الوصية، للنظر في الأوضاع الصعبة التي يوجد عليها السوق المغطى، لاسيما في السنوات الأخيرة، لذا اقترحوا تخصيص غلاف مالي في سبيل إعادة الاعتبار لهذا السوق الذي طاله الإهمال واللامبالاة، في ظل غياب التهيئة به وانعدام الإنارة.

كما قال بعض التجار، إن المساحات المتواجدة بالسوق المغطى عبارة عن مساحات ضيقة مغطاة بالألواح الخشبية والصفيح، الأمر الذي يؤدي إلى تسرب كميات معتبرة من المياه، حيث يتحول المكان إلى برك موحلة، الأمر الذي يؤدي إلى تلف الخضر والفواكه والخضر ومختلف المواد الغذائية الأخرى.

في هذا الشأن، يضيف تاجر آخر، أن حالة السوق في تدهور، خاصة أمام انبعاث الروائح الكريهة وانتشار الأوحال، مما يصعب على مرتادي السوق اجتيازها، كما يجد المواطنون في أغلب الأحيان، صعوبة كبيرة في التبضع واقتناء سلعهم.

أشار تجار سوق الحطاب، إلى مشكل تنامي البعوض والحشرات السامة، بسبب تزايد عدد البرك المائية التي يخلفها تساقط الأمطار، وحذر بعض الباعة من تنقل هذه الأمراض إلى المستهلك، لأن الخضر والفواكه معرضة لهذه الحشرات السامة، وعليه يناشد التجار الجهات الوصية، التدخل للنظر في الأوضاع الكارثية التي وصل إليها هذا السوق، الذي يعتبر من أهم الأسواق المحلية في عنابة.

حسب إحصائيات غير مؤكدة، فإن نحو 800 تاجر فوضوي يسيطرون على المساحات المفتوحة على التجارة الموسمية بعنابة، ويعرضون سلعهم دون مراقبة من قبل أعوان التجارة، الذين يتعاملون معهم بالجانب الاجتماعي دون مطاردتهم، أما بالنسبة للتجار والباعة الفوضويين، فقد قالوا "تعودنا على البيع في الطريق، لأنها فرصة للاستثمار في مثل هذه الأماكن التي تعرف حركة كبيرة للمواطنين وزوار عنابة، فأغلبية البطالين يستغلون هذه المناسبات لممارسة تجارتهم"، وأمام انتشار هذه الظاهرة بمدينة عنابة، أكدت مديرية التجارة، تحضيرها لمخطط طموح قبل رمضان، من أجل مواجهة فوضى الأسواق بمختلف أنواعها في بعنابة، ووضع حد للتجارة الفوضوية الموجودة بالطرقات والأرصفة.