البيع العشوائي لـ’’الشربات” يهدد الصحة العمومية

البيع العشوائي لـ’’الشربات” يهدد الصحة العمومية
  • القراءات: 2705
❊ رضوان قلوش ❊ رضوان قلوش

تعرض مؤخرا 17 شخصا بوهران إلى تسمم، بعد تناول ”الشربات” التي ينتشر بيعها في كامل الأسواق الشعبية والشوارع، تزامنا وشهر رمضان، في غياب أدنى شروط الحفظ والتبريد، في وقت تعرف معظم الشوارع عرض أنواع من الشربات المصنوعة في المنازل، والتي تعد خطرا على الصحة العمومية.

يواجه الصائمون منذ أول يوم من رمضان، خطر التسمم الغذائي بسبب تناول مشروب ”الشربات” المعروض على مستوى الطرق  والشوارع، ويستقطب المواطنين الصائمين الباحثين عن ذوق الليمون في شهر رمضان، في غياب الحس المدني والوعي بخطورة تناول هذا النوع من المشروبات غير المراقبة، التي تحضر في المنازل، وفي ورشات سرية لا تتوفر على شروط الحفظ والنظافة وتعد بدون معايير تركيب للمواد الغذائية.

وقفت ”المساء” خلال اليومين الأخيرين على حالة مواطنين تعرضوا لتسمم غذائي جراء تناول ”الشربات”، صادفتهم بمصلحة الاستعجالات الطبية، وأكد أحدهم بأنه تناول كمية كبيرة من ”الشربات” التي اقتناها من أحد الباعة المتجولين في الحي الذي يقطن به وتسببت له في إسهال حاد وتقيؤ، فيما كان مواطن آخر يعاني من آلام على مستوى البطن بعد تناول كمية من ”الشربات” التي اشتراها من الشارع، وقد علمنا أن 17 شخصا كانوا ضحية استهلاك ”الشربات” الخطيرة مؤخرا.

في جولة ميدانية ببعض الأسواق الشعبية، على غرار سوق ”لاباستي”، وقفنا على ظاهرة انتشار بيع ”الشربات” التي تعرض تحت أشعة الشمس داخل أكياس بلاستيكية، في غياب كامل لشروط الحفظ والتعليب، وقد أكد بعض الباعة أنهم يمتهنون بيع الشربات منذ سنوات ويقومون بإعدادها في المنازل، وتحضيرها باستعمال الماء والملونات والليمون ومواد حافظة ومادة آسيدية، كما أكد بعض الباعة الآخرين الذين يعرضون الشربات داخل قارورات بلاستيكية، أنهم يقتنون القارورات فارغة ويقومون بملئها وعرضها على المواطنين، لتفادي استعمال أكياس البلاستيك التي وصفوها بالخطيرة، مؤكدين أن المشروبات التي تباع في القارورات البلاستيكية ”آمنة”، مستدلين في ذلك بعدم احتجاج أي مستهلك أو إصابته بتسمم، بعد أن أكد أحدهم أن كل ما يقال عن ”الشربات” إشاعات تهدف إلى القضاء على التقاليد التي تعارف عليها سكان وهران، وأوضح المتحدث أن استهلاك ”الشربات” تحول منذ سنوات إلى تقليد لدى سكان وهران،  حيث لا يمكن الإفطار دون وجودها فوق المائدة.

ألوان وأذواق مختلفة

وجهتنا بعدها كانت نحو سوق المدينة الجديدة، الذي يعرف هو الآخر انتشارا كبيرا لبائعي ”الشربات”، الذين يتجاوز عددهم 40 بين بائع متجول وأصحاب المحلات. كما اكتشفنا خلال التجوال في السوق،  وجود أنواع عديدة من الشربات، تحمل ألوانا مختلفة بين حمراء وصفراء، وردية وخضراء، وألوان أخرى عبارة عن خليط من الألوان.

كشف أحد الباعة المتجولين عن أن الشربات التي كانت تعرف بالليمون، تطورت من خلال إضافة عدة نكهات أخرى وفواكه، على غرار الموز والتفاح وحتى البطيخ الأحمر، وأضاف المتحدث أن المواطنين يقبلون على تناول الشربات بكل الأذواق، وهو ما يوفره الباعة.

عن مصدرها، أكد المتحدث أنه يقتنيها من أحد التجار بمنطقة مسرغين، ثم يقوم بتوزيع كميات كبيرة منها على الباعة في عدة مناطق من الولاية. وعن الأسعار، ذكر المتحدث أنها في متناول المواطنين، حيث يتراوح سعرها بين 100 و150 دج للقارورة من سعة 1.5 لتر، فيما يرتفع الثمن، حسب نوع الفاكهة، ويصل إلى 250 دج بالنسبة لمشروبات الموز.

غير بعيد عن البائع، يعرض بائع آخر أكياسا بلاستيكية من المشروبات داخل دلو بلاستكي به ماء بارد، وأكد البائع أن مشروب ”الشربات” يجب أن يبقى في درجة برودة محددة، لأنه يتعرض للتلف بسرعة، لذلك يقوم بوضعها في دلو من الماء البارد لعرضها أمام الزبائن الذين يفضلون شراءها باردة، موضحا أنه يقوم شخصيا بإعداد الشربات في المنزل، وهو يتخصص في هذا النوع من المشروبات منذ أكثر من 10 سنوات، وتحولت المهنة إلى مصدر دخل له ولعائلته، كما يقوم بتحضير المشروبات لصالح بعض الباعة الآخرين.

قارورات ”شربات” معلبة...

لم تقتصر ظاهرة بيع ”الشربات” على الأسواق الشعبية والأحياء الكبرى بولاية وهران، بل امتدّت لتمس الأحياء الراقية للمدينة، حيث تعرض بها أنواع مختلفة من ”الشربات” التي تعبأ في قارورات بلاستيكية، وقد وقفنا عند أحد الباعة بحي ”النخيل” الراقي، وتتميز القارورات التي يبيع فيها المشروبات بأنها مغلقة بإحكام، كأنها قارورات معلبة داخل مصنع، رغم أنها لا تحمل أية ورقة معلومات أو تسمية للمنتج أو تغليف.

كشف البائع عن أن ”الشربات” التي يبيعها للمواطنين بمبلغ 180 دج يقتنيها من مصنع للمشروبات، وتلقى إقبالا من المواطنين من عدة مناطق أصبحوا يثقون فيما يبيعه، حسب وصفه، وعن عدم وجود تعليب خاص أو تسمية للمشروبات التي يعرضها للبيع، أكد أنّها مشروبات موسمية والزبائن لا يسألون عن التغليف الخاص بها، المهم أنهم يشترون مشروبات صحية، حسب قوله.

الملونات و’’الأسيد” خطر حقيقي

من جهته، كشف طبيب أخصائي في أمراض الأمعاء بالمستشفى الجامعي لوهران، عن أن مشروب ”الشربات” المعروض بطريقة غير صحية في الشوارع والأسواق خطر حقيقي على الصحة العمومية، كونه لم تتم تعبئته بطريقة صحية، فضلا عن عرضه تحت أشعة الشمس لمدة طويلة وفي أكياس وقارورات بلاستيكية تساعد على تحلل المواد، مع عدم توفر تخزين جيد له. كما أكد الطبيب الأخصائي أن مصنعي هذا النوع من المشروبات التي تعرف إقبالا من المستهلكين، يعتمدون على إضافة كميات كبيرة من مادة ”الأسيد سيتريك”، وهي المادة التي تضفي على الشربات مذاق الحموضة، وهي مادة خطيرة على الصحة العمومية في حال استهلاكها بكميات كبيرة، حيث تساهم في تأكل الأمعاء والكلى خاصة.

الشخص الذي يتناولها يكون صائما، مما يتسبب في الحرقة المعدية، ترجع إلى تدفق الأنزيمات المختلفة في الجسم خلال عملية الإفطار بسبب الصيام طيلة اليوم، وهو ما قد تنجر عنه مضاعفات صحية على المدى المتوسط بالإصابة بأمراض خطيرة.

كما يلجأ المصنعون، يضيف المتحدث، إلى استخدام أنواع خطيرة من الملونات والمواد الحافظة، دون علمهم بالتفاعلات الكيمائية التي قد تنجم عن خلطها، والتي تحدد ضمن معايير خاصة في صناعة المشروبات. وهي معايير قانونية تراقبها مصالح المراقبة والنوعية والتجارة التي تصر عليها، وتلزم المصنعين بذكر كمياتها وأنواعها في التغليف الخارجي للمنتج.

دعا الأخصائي المستهلكين لتجنّب استهلاك الشربات التي تباع عشوائيا في الطرق والأسواق، والتوجه نحو استهلاك الماء والفواكه الطبيعية خلال شهر رمضان، لما لها من فوائد على الصحة. من جانبنا، لم نتمكن من التواصل مع رئيس الفيدرالية الجزائرية لحماية المستهلك، السيد زكي حريز، رغم الاتصالات العديدة به قصد رصد موقف الفيدرالية من الظاهرة.