ملف تداول على حله 6 ولاة و لا يزال مطروحا بوهران

البنايات القديمة.. الموت المحتَّم تحت الأنقاض

البنايات القديمة.. الموت المحتَّم تحت الأنقاض
  • القراءات: 1345
 رضوان.ق  رضوان.ق 

يُعد ملف البنايات القديمة بولاية وهران، من المسائل المعقدة، التي لم تتمكن السلطات المحلية من حلها رغم فتح 6 ولاة متعاقبين على الولاية له منذ بدء عمليات الترحيل والإحصاء التي سبقتها حوادث مميتة، راح ضحيتها قاطنون بعدة أحياء، على رأسها حي الحمري العتيق، الذي كان النواة الأولى لفتح الملف بأمر من الحكومة؛ إذ توالت التصريحات والوعود بالقضاء نهائيا على البنايات الفوضوية التي بقيت ولازالت، مخلفة المزيد من الضحايا، ومهددة مئات العائلات التي باتت تعيش الرعب يوميا داخل بنايات لم تعد صالحة للعيش.

يُعد ملف البنايات القديمة بوهران الذي خصص اجتماع للحكومة منذ سنوات، على خلفية حادث أليم وقع بحي الحمري سنة 2001 وخلّف وفاة 3 أشخاص، حيث تنقّل وقتها وزير التضامن الوطني لوهران، وزار منطقة الحمري، ووعد بفتح الملف لترحيل سكان المباني القديمة، وشرع وقتها في عملية تحقيق وإحصاء واسعة، توصلت بعد أشهر من التحقيقات، إلى تحديد حوالي 1900 بناية قديمة مهددة بالانهيار. وعلى ضوئها خُصصت برامج هامة للسكن لصالح ولاية وهران، مع إطلاق برنامج خاص، حمل شعار "القضاء على السكن الهش"، مس عدة أحياء سكنية كبرى، عرفت انهيارات جزئية، وأخرى كلية للمباني، على غرار حي سيدي الهواري، الذي كان عرضة لانهيارات عديدة طالت المباني القديمة. لكن بمرور السنوات ورغم تخصيص حصص سكنية هامة للترحيل، بقي المشكل مطروحا مع تواصل الانهيارات، وتسجيل المزيد من الضحايا، على غرار ما وقع بحي سيدي الهواري يوم 21 جوان 2017؛ حيث توفي شخص، وأصيب 14 آخرون، بينهم محافظ شرطة، وضابطان خلال عملية ترحيل السكان، وتلا ذلك عدة انهيارات، خلّفت العديد من الجرحى والمنكوبين بدون الانتهاء من الملف، الذي طُوي نهائيا. 

ترحيل 12 ألف عائلة ولكن... 

في هذا الصدد، سارعت السلطات المحلية إلى تنظيم حملات ترحيل متتالية، كان آخرها برمجة ترحيل نحو 3 آلاف عائلة بالبنايات القديمة عبر 8 مندوبيات بلدية منذ سنة 2014، وهي العملية التي مست 6 مندوبيات بلدية في انتظار باقي المعنيين بالعملية، الذين لايزالون في انتظار دورهم بعد الحصول على قرارات التخصيص المسبق للسكن الاجتماعي، في وقت صرح والي وهران بأن عمليات ترحيل سكان المباني القديمة، مست، منذ انطلاقها، نحو 12 ألف عائلة.

غير أن ما تعرفه عدة أحياء من انهيارات، أصبح يدعو، حسب المواطنين، إلى إعادة النظر في عمليات الترحيل، وإعطاء الأولوية للمباني، التي تبقى عرضة للانهيار في أي لحظة، على غرار شوارع "كافينياك" وحي سيدي الهواري وبعض شوارع أحياء "عبد المؤمن"، و«الحمري" و«البلاطو"، وهو الوضع الذي وقفت عليه "المساء"، التي زارت عدة مواقع تعرضت لانهيارات جزئية خلال الأيام الماضية بدون أن يسجَّل القاطنون بها في قوائم الترحيل، حيث أكدوا أن السلطات الولائية أصبحت ملزمة بإعادة النظر في عمليات الترحيل، وتنظيم حملة جديدة للإحصاء وترتيب الأولويات. وللوقوف على وضع بعض المباني القديمة، قادت "المساء" جولة إلى بعض المباني بوهران؛ حيث تعاني العديد من هذه الظاهرة. واندهشت بمجرد الوقوف بالطابق الأول لإحدى بنايات حي ابن سينا القديم، لانهيار السلالم بالكامل، وجزء كبير من الأسقف؛ إذ يمكن مشاهدة الطابق الثاني للبناية عبر حفرة عميقة ظهرت في السقف. وأكد سكانها أنهم فضلوا البقاء داخل البناية رغم وضعها الكارثي. ونفس الشيء لوحظ في بناية أخرى بشارع "كافينياك"؛ حيث تقطن عائلة بالطابق الثالث للبناية القديمة، التي تعرّض سقف منزلها لتشققات وانهيارات، منعتها من دخول إحدى الغرف. كما ظهرت تشققات بأرضية غرفة أخرى، قد تنهار في أي لحظة!

ولا يختلف الوضع بحي سيدي الهواري كثيرا عما تشهده باقي الأحياء؛ حيث انهارت سلالم عدة مبان قديمة، وانهارت معها الأسقف رغم تدخّل ديوان الترقية والتسيير العقاري، الذي قام أعوانه بإعادة بناء بعض السلالم الخشبية، غير أن ذلك لم يمنع من وقوع انهيارات جزئية في وقت تعرضت بناية من 3 طوابق، لانهيارات جزئية، دفعت بالقاطنين بها إلى الاستنجاد بجامع "الباشا" للمبيت، وتحويله إلى مركز عبور؛ حيث بقيت سنة كاملة إلى غاية ترحيلها، مؤخرا، بعد تفعيل قرار ترميم الجامع. وبحي الدرب العتيق الذي تحولت بعض مبانيه إلى شبه مصائد للسكان بفعل الانهيارات المتكررة فوق رؤوسهم، أكد المواطنون أنهم يعيشون الرعب جراء وضعية السكنات المنهارة. وقد لجأ معظمهم إلى إرسال أبنائهم للمبيت عند الأقارب؛ خوفا من انهيارات، قد تؤدي إلى وقوع ضحايا، فيما لازالت المباني شاهدا على حجم المعاناة.

وغير بعيد عن الدرب يقع حي "سانت أنطوان"، الذي يشهد، هو الآخر، انهيارات جزئية متكررة، تدفع العائلات كل مرة إلى المبيت في الشارع، وهو نفس ما تعيشه عائلات حي البدر. كما يُعد حي "قمبيطا" من بين الأحياء المصنفة في الخانة الحمراء بوجود عشرات المباني القديمة، وشهد هلاك زوجين وابنهما تحت الأنقاض منذ سنوات. كما يعاني حي "ابن سينا" من نفس المشكل؛ حيث سُجل، مؤخرا، إصابة امرأة بعد سقوط جزء من شرفة فوق رأسها، ولايزال سكانه الحائزون على مقررات التخصيص المسبق من السكن، في انتظار الترحيل. 

مبان شاغرة وهياكل خطِرة على المواطنين 

هي مشاهد يزيدها رعبا بقاء عشرات المباني القديمة رحل سكانها بدون هدم، ومنتشرة بقوة بحي سيدي الهواري القديم، مهددة حياة المارة.

وحسب عدد من المواطنين فإن الوضع يزداد خطورة يوميا مع تواصل الأمطار ووجود الأطفال، موضحين أن البناية الكبيرة التي تم ترحيل سكانها منذ سنوات بشارع الحدائق والمطلة على سيدي الهواري، لم يتم هدمها بالكامل، ولاتزال تجاور بناية سكنية آهلة منذ سنوات، إلى جانب وقوعها بالقرب من الملحقة البلدية؛ ما يضاعف حجم خطر الموت تحت الأنقاض. كما تجاور البناية مقر البنك الوطني الجزائري الذي يقصده يوميا مئات المواطنين، الذين أضافوا أن مصالح البلدية لم تتدخل لهدم البناية، وقامت بوضع السياج الحديدي فقط أسفل العمارة، لمنع الاقتراب منها، تاركة الخطر قائما!

كما شهدت بناية أخرى تقع في الشارع الموازي، انهيار شرفاتها على الشارع الضيق، الذي يُعد، كذلك، من المسالك الهامة بحي سيدي الهواري؛ إذ قامت مصالح البلدية بالتدخل من خلال وضع السياج الحديدي بدون هدم البناية.

وفي هذا السياق، يطالب سكان حي سيدي الهواري بتدخل عاجل، وتكليف لجنة خاصة لمتابعة الوضع، وهدم المباني القديمة التي تم ترحيل سكانها.

وتفيد إحصائيات حصلت عليها "المساء"، بأن 44 بناية قديمة بحي سيدي الهواري، لاتزال موجودة رغم ترحيل سكانها وتعرّض معظمها لانهيارات جزئية أو تشققات ظاهرة بدون أن يتم هدمها رغم برمجتها من طرف السلطات المحلية، التي كانت قامت بإحصاء البنايات المفترض هدمها، وهو ما يطرح تساؤلا، حسب السكان، عن الإبقاء على المباني القديمة، التي قد تقتل مواطنين في أي  لحظة.

كما طرح المواطنون مشكل عدم هدم البناية التي يتم ترحيل سكانها، حيث يعود إليها المرحَّلون إلى مواقع أخرى، للإقامة فيما. كما اقتحمت عائلات أخرى تقطن خارج المنطقة، المباني القديمة الشاغرة بعد أن أغلقت مصالح البلدية أبوابها بالإسمنت، وذلك إلى جانب عدم وجود برنامج واضح للترحيل، خاصة بحيي الدرب وسيدي الهواري، اللذين لايزال سكانهما يعانيان من انهيارات.


رئيس دائرة وهران: عملية إحصاء جديدة لسكان المباني القديمة

من جانبه، كشف مصدر من مصالح بلدية وهران، أن عمليات الهدم الخاصة بالمباني القديمة، عرفت مشاكل تقنية، خاصة أنها متراصة بجدران مشتركة وأعمدة حمل واحدة، وهي طريقة بناء قديمة تصعب عمليات الهدم، خاصة بوجود عائلات تملك عقود سكن وترفض الترحيل؛ ما يضطر السلطات لإخلاء المباني وتركها بدون هدم، إلى جانب تواجد بناية شاهقة شاغرة أسفل منحدر؛ ما قد يتسبب في انهيار الأرضيات والطرقات في حال هدمها. وسبق لمصالح البلدية أن قامت بطلب خبرة تقنية لعدة مواقع. كما تم مراسلة مصالح الهيئة الوطنية للمراقبة التقنية للبنايات، لإحصاء المباني، وهي العملية التي تمت عبر عدة مندوبيات، وتم تحضير ملفات خاصة، تتواجد، حاليا على مستوى الدائرة.

وبدوره، أكد رئيس دائرة وهران مراد رحموني لـ "المساء"، أن ملف المباني القديمة من الملفات الشائكة ببلدية وهران، خاصة بوجود أحياء قديمة بالكامل، تضم مئات العائلات، موضحا أن السلطات قامت بعدة عمليات ترحيل للعائلات القاطنة بالمباني القديمة، غير أن طبيعة الأحياء وقدمها يدفعان، كل مرة، إلى ظهور مبانيَ معرضة للانهيار. وقد تم الشروع في عملية إحصاء جديدة تشرف على الانتهاء، وهو التحقيق الذي سيسلَّم لوالي وهران، لاتخاذ الإجراءات اللازمة بخصوصه.

للإشارة، أوضح والي وهران، مؤخرا خلال ندوة صحفية، إنشاء لجنة تقنية خاصة، تقوم، حاليا، بعملية إحصاء جديدة لسكان المباني القديمة، سترفع، بعدها، تقريرا إلى الوالي؛ قصد وضع قوائم المستفيدين من الترحيل، وعلى الخصوص المتواجدين بالمباني المصنفة في الخانة الحمراء بمدينة وهران خصوصا، مضيفا أن اللجنة التقنية المكلفة بتفقّد ومراقبة البنايات والتي تضم خبراء الهيئة الوطنية للمراقبة التقنية للبنايات، قد أنهت عملها الميداني عبر مندوبيات بلدية وهران.