صانع الحلي الفضية عبيب مالك، 39 سنة من الخبرة:

اقتحام الصينيين مجال صناعة الفضة يهدد مستقبلها

اقتحام الصينيين مجال صناعة الفضة يهدد مستقبلها
  • القراءات: 16313

اعتبر صانع الحلي الفضية ابن آث يني، الحرفي عبيب مالك، أن اقتحام الصينيين مجال صناعة الحلي الفضية بات يهدد مستقبلها، داعيا الزبائن إلى تفادي شراء ما يعرض في الطرق رغم انخفاض أسعارها، والتوجه إلى المحلات التي يملك أصحابها بطاقات حرفي قانوني يخضع للمراقبة، لتفادي الوقوع ضحايا الغش والإصابة بأمراض عند لبس هذه المصوغات المقلدة، مشيرا إلى أن الحرفي وجد نفسه محصورا بين مشكلة التقليد المزيفة الذي يهدد فضة آث يني "الرمز" وكذا نقص المادة الأولية الذي يرهن الصناعة.

وتأسف السيد عبيب عن نقص الرقابة من طرف الجهات المعنية من جهة، لمنع استيراد مصوغات مغشوشة وكذا حماية الحرفة التي تعتبر وديعة اقتصادية بحاجة للاهتمام والدعم، مؤكدا على أن الحرفة التي يمارسها منذ 39 سنة، أصبحت على المحك بسبب مشكلة نقص المادة الأولية "الخام"، وفي الوقت ذاته، متوفرة في السوق السوداء، لكن بأسعار خيالية، مما يتطلب ـ حسبهـ  تدخل الدولة لاحتواء المشكلة والمساهمة في تطوير الحرفة التي أصبحت ركيزة اقتصادية. 

تحدث السيد عبيب عن مسيرته المهنية في مجال ممارسة حرفة صناعة الحلي الفضية، حيث يقول بأن عائلة عبيب في بداية الأمر كانت تمارس صناعة وتحويل الخشب، قبل أن تقرر الانطلاق في مجال صناعة الحلي الفضية التي انتقلت من جيل لآخر إلى أن وصلت إليه، يقول: "دخل عمي مالك في هذا المجال سنة 1977، حيث تميزت أسعار الحلي بزهدها وسهلت العمل للحرفي، فسعر الكيلوغرام الواحد كان  بـ1200 دج، كما أن عائلته نقلت الحرفة إلى العاصمة، حيث اشتغلت هناك لمدة 12 سنة، قبل أن تقرر العودة إلى قرية ثوريرث ميمون ببني يني، لمتابعة صناعة الحرفة من خلال فتح ورشة خاصة بعد ارتفاع عدد زبائنه".

كانت هذه الورشة تعج بالمتربصين الذين يزيد عددهم عن الـ10،  يساعدون الحرفي عبيب في تلبية الطلبات الكثيرة، لكن لم يستمر الحال على نفس المنوال، حيث وجد الحرفي نفسه مع متربصين اثنين فقط، بسبب قلة المادة الأولية، بالتالي قلة الإنتاج، ولم تعد هناك حاجة لليد العاملة. ولتوفير المادة الأولية، يقول الحرفي، إنه يقوم أحيانا بشرائها من يد ثانية، وأحيانا أخرى بصهر القديمة ويعيد صناعاتها لضمان التجديد.

وحول مسألة الأسعار التي تباع بها الحلي، قال الحرفي بأنها تتوقف على القيمة التي يباع بها الكيلوغرام الواحد من المادة الأولية التي كانت في الماضي في متناول الجميع، لكنها اليوم غالية جدا، زيادة إلى تطلبها الوقت والصبر. كما ارتفعت كذلك أسعار المرجان، خاصة أن حلي آث يني لا يمكن صناعتها بدون المرجان، فهذا اللون هو الذي يميزها عن الحلي الأخرى، موضحا أن حرفي آث يني ورغم إدخال العصرنة على الحرفة ظلوا محافظين على شكلها التقليدي، مما جعل الزبائن يتوافدون بقوة على هذه المنطقة، خاصة في فصل الصيف، حيث تشهد إقبالا كبيرا للسياح والزوار، خاصة في إطار إحياء عيد الفضة، الأعراس والحفلات التي تقصد خلالها العائلات آث يني لشراء ما يلزمها من مصوغات.

وتحدث السيد عبيب عن الفرق بين الحرفي الممارس لحرفة صناعة الحلي الفضية بين الأمس واليوم، فقال بأنه يوجد اختلاف كبير. ففي القديم كان الإنتاج كثيرا ولا يوجد زبائن، أما اليوم فهناك زبائن كثر لكن لا توجد مادة أولية، حيث يجد الحرفي صعوبة في تلبية حاجيات زبائنه، كما أن طريقة صناعة الحلي الآن أصبحت عصرية أكثر منها تقليدية، معتبرا ذلك أمرا جيدا، حيث أضفت هذه اللمسة نوعا من التغير الذي واكب متطلبات السوق. مضيفا أن الحرفي كان يعرف ببصمته، وتخصصه في نمط وشكل معين من الحلي، حيث قال إنه عندما يبحث زبون عن حلي ما، يتم إرساله مباشرة لأحد الحرفيين المختصين، على عكس اليوم، الحرفي يحاول صنع كل أشكال الحلي.

واعتبر الحرفي أن الحلي الفضية القديمة التي حافظت على بصمتها التقليدية أساسية بالنسبة لسكان المنطقة، الذين حرصوا على أن تتجهز العروسة بمجموعة من المجوهرات، منها "تعصابت"، "تفزيمت"، "أمشلوخ" و«تحزامت"، حيث قال بأن هذه المصوغات أساسية يجب أن تكون ضمن جهاز العروسة لتتزين بها عند ارتدائها اللباس التقليدي القبائلي، وكذا عندما تلد طفلا أو عندما يتزوج ابنها، منوها بأن كل شكل من أشكال الحلي له غرضه وغايته، فمثلا المرأة التي تضع "أفزيم" على رأسها تعبر عن فرحتها وأنها أنجبت صبيا، كما يضع "أفزيم" في طبق ربط الحنة للعروسين، وهو رمز للتراث وتذكير بالتقاليد، لاسيما أنه معروف عند سكان القبائل أن الفضة تقي من عين الحسود.