غــابـة ابــن قانة بسكيكدة
اعتداء مفضوح على محمية طبيعية

- 1668

تعرّضت العديد من مخطّطات شغل الأراضي بولاية سكيكدة، خلال العشرين سنة الأخيرة، بتواطؤ مع بعض الأطراف لانتهاكات صارخة، مكّنت بعض المقاولين المحظوظين بالاعتداء عليها في وضح النهار وتحت غطاء الاستثمار في مناطق هي في الأصل محمية بقوة القانون، إذ حُوّلت مساحات خضراء محمية طبيعيا إلى ورشات بناء أُنجزت فوقها سكنات وعمارات دون احترام أدنى أدوات التعمير والبناء، ما أدّى وبشكل كبير إلى تقلّص المساحات الغابية التي حلّ محلّ الأشجار فيها الاسمنت المسلّح، ومن بين تلك المناطق التي زارتها ”المساء”، حديقة التسلية المتواجدة بالطريق العلوي المؤدي إلى سطورة وبالضبط بمحاذاة قصر مريم عزة بمدينة سكيكدة، أو كما تسمّى حديقة التسلية لابن قانة التي أضحت في وضع جد كارثي للغاية وقفت عليه ”المساء”.
جريمة مع سبق الإصرار والتّرصد
غابة بن قانة يعتبرها السكيكديون بمثابة رئة المدينة، خاصة أمام تفاقم ظاهرة تلوّث الجو المنبعث من المنطقة البتروكيماوية التي زادت الوضع البيئي تدهورا، لم تكن ”المساء” تتوقع عند زيارتها إطلاقا تواجدها على تلك الحالة المأسوية، فبمجرد أن دخلناها عبر بوابتها الرئيسية بالطريق العلوي المؤدي إلى سطورة، اصطدمنا بمشاهد جد مؤلمة ومؤسفة يطبعها انتشار النفايات والردوم وقنينات الخمر، دون الحديث عن التدهور الفضيع للطريق الذي لم يعد صالحا للاستعمال، ناهيك عن عملية تخريب ممنهجة طالت العديد من الأشجار والحشائش والأحراش.
وتحوّلت بعض أماكن بهذه الغابة التي كانت فيما سبق جنّة حقيقية في قلب مدينة سكيكدة عامرة بالطيور والجداول، إلى وكر لمماسة مختلف مظاهر الرذيلة وأشكالها، وما زاد الطين بلّة فتح ورشة بناء على بعد أمتار قليلة بمحاذاة الغابة من الجهتين، حيث لم يتم احترام المساحة الفاصلة بين الورشة والغابة، ما أدى إلى انجراف كميات كبيرة من الأتربة، وكان بإمكان المستثمر صاحب الورشة أن يسيّج المكان بالإسمنت المسلح كي يمنع الأتربة والحجارة وغيرها من الوصول إلى طرفي الغابة.
مافيا العقار تعترض على مشروع التهيئة
وخلال تواجد ”المساء” بالغابة، تمّ منعها من قبل أحد المشرفين على الورشة صراحة من تصوير الكارثة، فيما اشتكى بعض المواطنين التقيانهم هناك بالوضع الخطير الذي آلت إليه هذه الغابة، متسائلين صراحة عن غياب المصالح المختصّة على الأقل لفتح تحقيق في المجزرة التي طالت هذا المكان الذي يعد من أجمل غابات المدينة. بينما تساءل آخرون بمرارة أمام صمت الصّامتين، عن مشروع الترميم الذي استفادت منه هذه الغابة المطلة على أحد أجمل شواطئ كورنيش سكيكدة، وذلك منذ أكثر من 15 سنة تقريبا، حيث تمّ تخصيص مبالغ مالية جدّ معتبرة وجّهت لإعادة تأهيل هذا الموقع الطبيعي، وانطلقت الأشغال في البداية على مساحة تقدّر بـ18 هكتارا، بعد أن تمّ تكليف مكتب للدراسات بإنجاز بحيرة اصطناعية تتربع على 300 متر مربع، إضافة إلى إنجاز رواق خاص بالعدو والركض بطول 2 كلم موجّه لهواة هذا النوع من الرياضة، فضلا عن 6 مساحات للعب خاصة بالأطفال والكبار مهيأة بمختلف الألعاب، وكذا أكشاك خدماتية ومطعم وكافيتيريا، وكلّها تنجز بمواد صديقة للبيئة.
كما تمّ برمجة إنجاز مدخلين للغابة وإحاصتها بجدار كبير من الإسمنت المسلح، مع تخصيص مساحة لركن السيارات تتسع لـ200 مركبة خفيفة، دون إهمال أشغال إنجاز شبكة للإنارة العمومية داخل كل المساحة الغابية تعمل بالطاقة الشمسية. لكن بمجرّد أن انطلقت بعض الأشغال منها إنجاز السياج بالاسمنت المسلح الذي ما زال قائما إلى الآن، حتّى توقف المشروع لأسباب مختلفة بعضها تحت ضغط مافيا العقار التي كان لها ما أرادت، وتساءل أحد المواطنين عن مصير هذا المشروع ومصير الأموال التي رصدت وعن الأطراف التي تدخلت لتوقيفه، ومن ثم حرمان عاصمة البتروكمياء من حديقة للتسلية على غرار ما هو موجود بعنابة، سطيف وباتنة.
من جهتها دقّت جمعيات المجتمع المدني ناقوس الخطر، مطالبين رئيس الجمهورية بالتدخّل لإنقاذ ما يمكن إنقاده ممّا تبقى من هذه الغابة، ومن ثمّ توقيف ما أسمته بالمجزرة التي تتعرّض لها هذه المحمية طبيعيا.
بعد تدخّل البلدية، أيّ مصير ينتظر بن قانة؟
من جهته تأسّف رئيس بلدية سكيكدة السيد الشريف بودعاس، خلال حديثه إلى ”المساء” صراحة للوضع الذي أصبحت عليه ما يعرف بغابة التسلية لابن قانة، خاصة كما قال إنّ مشروع إعادة تهيئتها قد توقّف سنة 2007، لأسباب اعتبرها غامضة، مضيفا أنّ جزءا منها حاليا قد استغلّ في مشاريع عقارية لتبقى حوالي 65 بالمائة من الغابة منطقة خضراء، وأمام هذا الوضع ـ كما أضاف لـ«المساء” ـ قرّر المجلس البلدي لسكيكدة من خلال مشروع مداولة متضمنة اكتساب أو اقتناء قطعة أرض بغابة ابن قانة لتخصيصها كحديقة غابية عمومية، يستفيذ منها كل سكّان المدينة، صادق عليها أعضاء المجلس، مشيرا إلى أنّ كلّ الاجراءات الإدارية قد تمّ إتّخاذها للشروع في عملية اقتناء المساحة من قبل مديرية أملاك الدولة كمرحلة أولى، على أن يقوم بعدها مكتب دراسات متخصص باقتراح دراسة لتهيئة الموقع كحديقة عمومية تنجز بموادّ صديقة للبيئة.
ومهما يكن من أمر تبقى حديقة التسلية لابن قانة جديرة بالاهتمام أكثر، وعلى الجهات المختصة فتح تحقيق حول ظاهرة الاعتداء على التروة الغابية، وعن أموال المشروع الذي استفادت منه هذه الأخيرة.