"المساء" ترصد ظاهرة عرض السلع خارج المحلات

إجراءات قانونية صارمة... ولا رادع للمخالفين

إجراءات قانونية صارمة... ولا رادع للمخالفين
  • القراءات: 6152
روبورتاج: هدى.ن روبورتاج: هدى.ن

تعد ظاهرة عرض السلع والمواد الغذائية خارج المحلات التجارية، أحد أهم العوامل المخلة بالمظهر الجمالي للمدن والأحياء والشوارع، وبقدر ما أنها تعيق حركة المرور، وتنقل الراجلين، وتعرض الأفراد للخطر، فإن أثرها السلبي يصل إلى إلحاق الضرر بالصحة العمومية، بفعل عرض المنتوجات الغذائية تحت أشعة الشمس. في هذا السياق، حاولت "المساء" رصد الظاهرة وأسبابها، من خلال مواقف وآراء المواطنين والتجار، وما يقابل ذلك من قرارات وقوانين يسعى أعوان الرقابة إلى تطبيقها. 

على الرغم من توالي القرارات، التي تلزم التجار باحترام القوانين ذات الصلة، لتفادي طائلة عدم الالتزام بها، مدعمة بخرجات ميدانية للفرق المشتركة لمصالح التجارة والأمن الوطني، إلا أن أصحاب هذه الفوضى، لا يعتبرون من الإجراءات القانونية المتخذة ضدهم، والتي تصل إلى حد المتابعات القضائية، وغلق المحلات التجارية.

تعرف ظاهرة عرص السلع خارج المحلات، انتشارا واستفحالا منذ عدة سنوات، وتحولت هذه الممارسة إلى أمر مألوف لدى المواطن، حيث بات يجد نفسه يوميا رهينة مواقف لا يخرج منها إلا متذمرا، ومنها، اضطراره إلى مزاحمة العربات والسيارات، خاصة في المناطق الحضرية، أين تكثر حركة المرور، ويتضاعف الخطر بالنسبة له، بوجود الأطفال وكبار السن.

ولا تقتصر الآثار السلبية المترتبة عن هذه الظاهرة، على تعرض الموطن إلى خطر الإصابة بحوادث السير الجسمانية، وعرقلة حركة المرور، إنما تتعداها بفعل عرض المواد الغذائية تحت أشعة الشمس الحارقة، إلى الحاق الضرر بالصحة العمومية.

المواطن سئم الأمر ولا رادع للظاهر

يؤكد عدد من المواطنين انزعاجهم من استحواذ أصحاب المحلات التجارية على الأرصفة المخصصة لهم، وحسب سيدة اعتادت مرافقة ابنها صباحا ومساء إلى المدرسة، كادت في إحدى المرات أن تفقده، بسبب عدم تمكنها من السير على الرصيف المخصص للراجلين.

حدث ذلك، عندما كانت تسير معه في الطريق المخصص للسيارات، في وضعية كان ابنها يسير فيها، بمحاذاة حركة هذه الأخيرة، ولم تتفطن للأمر إلا بعد تدخل أحد المارة، وهو ما جعلها تتدارك الخطر.

يؤكد مواطن آخر، تعرضه في كثير من الأحيان، إلى تذمر أصحاب الحافلات والمركبات، بسبب سيره في الطريق المخصص لهم، وحسب قوله، تحول بفعل استحواذ التجار على الأرصفة المخصصة للراجلين، إلى معرقل لحركة المرور، خاصة في الأحياء الشعبية المعروفة بضيق مسالكها وكثافة حركة سير المركبات بها، ويعترف محدثنا أنه كثيرا ما يدخل في مشادات كلامية مع هؤلاء، لأنه هو الضحية، -يضيف- وليس العكس.

وفي رأي مواطن آخر، حول عدد كبير من التجار الأرصفة إلى مخازن على الهواء الطلق، لأن السلع التي يتم عرضها في الشارع لا تسعها مساحة المحل التجاري، مضيفا أنه بدل اعتماد العقلانية في التموين، يتم اقتناء كميات كبيرة من مختلف المواد، وضرب محدثنا مثالا بالمساحات التجارية الكبرى، التي لا تعرض سلعها خارج محلاتها.

التجار يبررون

يبرر عدد من التجار لجوئهم لهذه الممارسة، الى ضيق المحلات التجارية، وعدم اتساعها للبضاعة المتوفرة لديهم، لأن الأمر، حسب البعض، يعيق دخول الزبائن، وهو تبرير يتقاسم طرحه الكثيرون، ومنهم أصحاب المحلات التي يعرض أصحابها مواد غير غذائية، على غرار الأثاث المنزلي والخردوات. وحسب أحد تجار التجزئة لبيع الأثاث من بلدية باب الزوار، تراجع عن هذه الممارسة بعد تعرض بضاعته إلى ما وصفه بالضرر، وملاحظته تغير لون مخزونه، جراء تعرضه المتكرر لأشعة الشمس، وهو ما كبده خسائر معتبرة، بسبب عزوف الزبائن عن اقتنائها، وأدى به الأمر -حسب قوله- إلى عدوله مضطرا عن هذه الممارسة، واعتماد حلول أخرى، لحل مشكل ضيق المحل.

يطرح تاجر آخر مسألة انتشار التجار الفوضويين، وغزوهم لشوارع العاصمة، على حد قوله، واستغلالهم للأرصفة من أجل عرض مختلف المنتوجات، ويلجأ الكثيرون منهم -يضيف- إلى اتخاذ أماكن بمحاذاة المتاجر، دون أن يتمكن أحد من ردعهم، فمجرد الاحتجاج، يضيف المتحدث، يدخل التجار النظاميون في مشادات كلامية، ويذهب الأمر بهم في أحيان كثيرة، إلى استعمال القوة.

ورغم أن القضاء على ظاهرة التجارة الفوضوية لا تدخل ضمن صلاحيات مصالح التجارة، وإنما تقع على عاتق الجماعات المحلية، إلا أن عددا من محدثينا يحمّلون مفتشيات التجارة مسؤولية ما وصفوه بتمادي التجار الفوضويين في ممارساتهم، دون أن يجدوا لهم رادعا يذكر.

قرارات متتالية دون نتائج تذكر

ترسانة من القوانين والقرارات تمنع شغل الطريق العمومي، على حساب حركة المرور وسير الراجلين، ويتضمن قانون العقوبات؛ مواد تعاقب كل من يعيق الطريق العام، ويضع أو يترك فيها مواد أو أشياء كيفما كانت، دون ضرورة، من شأنها أن تمنع أو تنقص من حرية المرور، أو تجعل المرور غير آمن.

كثيرة هي القرارات الإدارية الصادرة عن ولاية الجزائر، على سبيل المثال، للحد من ظاهرة استغلال التجار للأرصفة، وعرضهم لمختلف السلع، من مواد غذائية وغير غذائية، خارج مجلاتهم التجارية دون وجه حق.

يرجع أول قرار يخص ضبط هذا الجانب من الفوضى، إلى تاريخ 16 ماي 2005، من خلال القرار رقم 877، الخاص بمنع عرض السلع والمنتجات خارج المحلات التجارية، واستغلال الأرصفة ومساحات غير مهيأة أو مرخصة لعرض السلع والمنتجات، ويخص نص القرار تحديدا، المحلات التجارية الواقعة داخل النسيج العمراني والحضري، والتي يمارس أصحابها نشاطات تجارية ذات صلة مباشرة بالمستهلك، وتمس صحته.

وقع والي العاصمة، عبد النور رابحي، بتاريخ 17 أكتوبر 2022، قرارا يلزم أصحاب المحلات التجارية بطلائها ووضع لافتات مضيئة وأضواء، تحمل نوع النشاط والتسمية التجارية باللغة الوطنية، ولغة أخرى إن اقتضى الأمر، مع إبقائها مشتعلة ليلا، على واجهات العرض الزجاجية.

ويمنع القرار كل النشاطات التي تشوه المحيط، والوجه الجمالي له، كما حذر التجار من طائلة عدم الامتثال لأحكام ما جاء فيه، والتي ستجر المخالفين إلى الغلق الفوري للمحل، إلى غاية تسوية الوضعية.

تم وفق هذا القرار، تكليف الإدارة المحلية، ومصالح الأمن والدرك الوطنيين، والحماية المدنية، والمدراء التنفيذيين للولاية، والولاة المنتدبين للمقاطعات الإدارية، ورؤساء المجالس الشعبية البلدية، بتنفيذ هذا القرار المذكور.

جاء القرار سالف الذكر، بناء على عدد من المراسيم التنفيذية، وعلى القرارات الولائية الصادرة منذ 2013، والخاصة بتزيين العاصمة، منها على التوالي؛ القرار الولائي رقم 3159، المؤرخ في 11 ماي 2016، والمتضمن تعديل القرار الولائي المؤرخ في 3 ديسمبر 2013، الخاص بإنشاء لجنة ولائية مكلفة بمتابعة أشغال تزيين العاصمة، والقرار رقم 5373، المؤرخ في 1 سبتمبر 2016، المتضمن تحديد قواعد العمران التجاري، والمطبقة على المحلات التجارية الواقعة في ولاية الجزائر، والقرار ما قبل الأخير رقم 1763، المؤرخ في 23 فيفري 2022، المتضمن إنشاء لجان على مستوى كل المقاطعات الإدارية  للولاية، لتأهيل وإعادة الاعتبار لواجهة البنايات الكائنة بإقليم ولاية الجزائر، وتحسين المحيط.

انتشار أعوان الرقابة لولاية الجزائر

تطبيقا لما جاء في القرار الأخير لولاية الجزائر، للحد من الظاهرة، شهدت مختلف المقاطعات الإدارية للولاية، على مدار الأسبوع الماضي، في إطار العمل الرقابي للفرق المختلطة، التي تضم مصالح التجارة والأمن الوطني، تدخلات مكثفة لمحاربة استغلال الرصيف، وعرض السلع خارج المحلات التجارية، وشملت التدخلات؛ المحلات الواقعة بالمقاطعة الإدارية لدرارية والشراقة والرويبة.

وحسب مصالح مديرية التجارة وترقية الصادرات لولاية الجزائر، جاءت مختلف هذه التدخلات، تنفيذا للقرار الولائي الأخير، المحدد لشروط احترام قواعد العمران التجاري، ومنع عرض السلع على الرصيف، مع تحسين واجهات المحلات وطلائها، ووضع لافتات مضيئة عليها، تزامنا مع تحضيرات انعقاد القمة العربية.

وعلى ضوء القرار المذكور، دعا الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، منسقي المكاتب الولائية، ورؤساء الفدراليات المنضوية تحت لوائه، إلى المساهمة في تنظيم حملات تحسيسية وخرجات ميدانية وإعلامية، لحث أصحاب المحلات التجارية والمتعاملين الاقتصاديين، وأصحاب سيارات الأجرة والناقلين، وكل مهني القطاع، لتزيين محلاتهم والانخراط في الحملات المنظمة كل أسبوع على مستوى ولاياتهم، والتي تشمل تنظيم حملات نظافة، وتهيئة الأسواق الجوارية والشوارع التجارية الكبرى، وإزالة النقاط السوداء، والمفرغات العشوائية للنفايات التجارية على مستوى الأسواق ومحطات نقل المسافرين، وكل المناطق المجاورة للنشاطات التجارية.

ظاهرة وطنية ... أرقام تعكس استفحالها

تندرج مسألة محاربة ظاهرة البيع على الأرصفة بطريقة غير شرعية، من قبل بعض أصحاب المحلات التجارية، التي تباشرها مصالح الرقابة الاقتصادية وقمع الغش، بالتنسيق مع مصالح الأمن والدرك الوطنيين والجماعات المحلية، ضمن المحاور المسطرة في برنامج العمل الهادف إلى القضاء عليها.

وتم خلال شهر جوان من السنة الجارية 2022، تسجيل 4853 تدخل، منها 1679 تدخل مع الجماعات المحلية، بنسبة 34 بالمائة، و2759 تدخل مع مصالح الأمن الوطني، بنسبة 57 بالمائة، و415 تدخل مع مصالح الدرك الوطني، بنسبة 9 بالمائة.

تم على إثر هذه التدخلات، تسجيل 139 مخالفة، أسفرت عن حجز 3381 طن من المواد الغذائية، واقتراح غلق 44 محلا تجاريا، وإحالة 113 ملف على العدالة.

فيما يخص عرص المنتوجات الغذائية خارج المحلات، تم تسجيل 19555 تدخل على المستوى الوطني، ومعاينة 541 مخالفة، وتحرير 502 محضر متابعة قضائية، واقتراح غلق 47 محلا تجاريا، وحجز ما يقارب 91 ألف كيلوغرام و4841 لتر من مواد غذائية.

وتمثلت المنتوجات التي تم ضبطها معروضة خارج المحلات في مياه معدنية ومشروبات غازية وسميد وفرينة وخبز، وأبواق المثلجات، ونكهات لتحضير المثلجات ودجاج مشوي ولحوم حمراء وخضر وفواكه، وألبسة وأحذية ومجسمات عرض الألبسة، وأقفاص الطيور ومواد التجميل ومواد التنظيف وألعاب وخردوات.

تكشف حصيلة تدخلات نفس المصالح، خلال الفترة الممتدة من 8 مارس إلى نهاية ديسمبر 2021، عن تسجيل أكثر من 100 ألف تدخل، ومعاينة 4621 مخالفة وتحرير 4365 محضر متابعة قضائية، واقتراح غلق 268 محل تحاري، وحجز ما يقارب 47 ألف كيلوغرام وأكثر من 200 ألف لتر من المواد الغذائية.

تم خلال الأربعة أشهر الأولى من السنة الجارية 2022، تسجيل 102079 تدخل، أسفر عن تسجيل 2330 مخالفة، وتحرير 2124 محضر متابعة قضائية، وحجز ما يقارب 78 طنا من المواد الغذائية، واقتراح غلق 117 محل تجاري.

وبالنظر إلى التدخلات الميدانية للمصالح المعنية على مستوى السوق الوطنية، يكاد أن يكون الأمر غير مجد لوحده، وهو ما يتطلب تدخل المنظمات والجمعيات المتخصصة لنقل المعلومة، وتحسيس التجار، وجعلهم يندمجون بشكل طوعي، في سبيل القضاء على هذه الظاهرة التي استفحلت كثيرا خلال السنوات الأخيرة.