افتتاح الأسبوع الثقافي العراقي بعاصمة الثقافة العربية

إثراء أيام قسنطينة بالشعر والمقامات

إثراء أيام قسنطينة بالشعر والمقامات
  • القراءات: 1328
زبير. ز زبير. ز
بغداد الحضارة تَعاقب عليها السومريون، الأكاديون والأشوريون، بلاد النهرين وحقوق الإنسان مند 4000 سنة، موطن تشريعات حمورابي، هي بلاد الرافدين، دجلة والفرات، بلاد عجائب الدنيا والحدائق المعلقة ببابل التي بناها الملك نبوخذنصر الثاني؛ إرضاء لحبيبته وزوجته أميتس المديونية، بلاد مسلة الملكة سميرأميس، ساهمت في العصر الذهبي للخلافة الإسلامية، واحتضنت قبر الحجاج بن يوسف الثقفي. عرفت الحضارة الإسلامية في عاصمتها ازدهارا منقطع النظير خلال الحكم العباسي الذي وصلت حدود دولته إلى غرب أوروبا مرورا بآسيا وإفريقيا، هي العراق مواطن الشجعان وبلاد الثوار، رفضت الاستسلام رغم العديد من الحروب والدمار الذي شهدته على مر العصور، إلا أنها كانت دوما تبعث الحياة من الموت، وتزرع الأمل من اليأس، هي العراق التي جاءت إلى الجزائر محملة بالألم والآمال، تتقاسم معها حب الشقيق للشقيق وعشق الغريب لوطنه، هي العراق التي اخترعت الحرف، جاءت إلى بلد المليون ونصف المليون شهيد لتتقاسم معه حرف القاف؛ قاف العراق وقاف الثقافة، ثم قاف قسنطينة، جاءت إلى أرض الأحرار لتقول إن الثقافة توحّد الشعوب، وكم إن العالم العربي في حاجة إلى الوحدة! وإن الثقافة تزرع الأمل وتحارب اليأس، جاءت لتقول إن الثقافة هي روح الصمود، وهي وقود المقاومة، وهي إسمنت البناء، جاءت لتقول: "أنا هنا صامدة ولن أزول".

السفير العراقي عدي خير الله: قسنطينة مدينة رائعة وتظاهرتها

لا تكتمل إلا بمشاركة العراق افتتح السفير العراقي بالجزائر السيد عدي الخير الله، سهرة أول أمس بقاعة الحفلات الصغرى أحمد باي بقسنطينة، فعاليات الأسبوع الثقافي العراقي في إطار تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015، وهو ثالث أسبوع ثقافي عربي بعد مرور كل من فلسطين ومصر.

وأكد سفير العراق بالجزائر أن وجود بلاده شرف كبير من خلال المشاركة في هذه التظاهرة، التي قال عنها إنها لا تكتمل إلا بمشاركة بلاد الرافدين، معتبرا أن بلده أنشأ العديد من الحضارات مند قديم الزمان، وساهم في زرع ثقافة الحب، العلم، القانون والموسيقى، ليضيف أن الكثير من الحضارات تمجد الأموات، لكن حضارة بلاده كانت تمجد الأحياء وتبقى مستمرة في عطائها.

وقال سفير العراق إن العلاقة بين الجزائر وبلاده ليست كالعلاقة بين الدول الأخرى، مضيفا أنها علاقة دولة مع دولة وعلاقة شعب مع شعب، ووصفها بالعلاقة القوية والمتينة التي يعيشها الأشقاء كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة، معتبرا أن ثورة الجزائر التي عاشها شعب العراق كاملة، تبقى راسخة في ذهن أبناء بلاد الرافدين.

ووصف ضيف الجزائر مدينة قسنطينة بالرائعة، مؤكدا أنها مدينة الحضارة التي أنجبت العلماء والأدباء والمثقفين، معتبرا أن السياسة تتحرك باتجاه السلطة، وأن الاقتصاد يتحرك باتجاه الربح، ولكن الثقافة تعطي ولا تأخذ، مضيفا أن مثل هذه المهرجانات هي ملك للذاكرة الشعبية.

وقال السيد عدي خير الله، إن هناك مجالات في التعاون الثقافي بين الجزائر وبلده، تجسدت من خلال التبادل السينمائي، وبرمجة أفلام عراقية للعرض في الجزائر، وبذلك التعريف بالثقافة العراقية وبالحياة اليومية للمواطن العراقي، وهي مواضيع تحملها الأفلام المبرمجة.

وعلى الصعيد السياسي، اعتبر سفير العراق بالجزائر خلال الندوة الصحفية التي نشّطها عقب نهاية حفل الافتتاح، أن هناك تطابقا في الآراء بين الجزائر وبلاده في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، بالرغم من عدم وجود تنسيق في هذا المجال، مضيفا أن ذلك يعود إلى أن البلدين يملكان قرارهما السياسي بيدهما بعيدا عن أي تدخّل أجنبي.

ووصف سفير العراق بالجزائر حب الشعب الجزائري للشعب العراقي، بالحب الكبير فوق كل الحدود، موجها لوما إلى وسائل الإعلام الجزائرية، التي قال عنها إنها تنقل صورة سوداء عن العراق، وتتحدث بالتدقيق عن الدمار والألم، وتزيد، حسب وصفه، من تأجيج الجراح، مضيفا أن العراق بلد يحمل الجمال ويحمل الحضارة، وهي كلها صور قابلة للمعالجة الإعلامية، معتبرا أن وسائل الإعلام الأجنبية التي تنقل عنها الصحافة الجزائرية الأخبار، لها قصد مبيَّت في هذا الأمر، وتتعامل مع العراق كما تعاملت مع الجزائر خلال العشرية الحمراء.

وعن العلاقات الاقتصادية بين الجزائر والعراق، رد سعادة السفير عدي خير الله في جوابه عن سؤال لجريدة "المساء"، بأن بلده يبقى متفتحا على كل الدول العربية، وأن بلده أصبح سوقا مفتوحة، وأن الجزائر بإمكانها أن تستعيد مكانتها في السوق العراقية خاصة في مجال الصناعة والميكانيك التي يعرفها العراقيون جيدا، مضيفا أنه منذ تولّيه منصبه بالجزائر، سعى إلى ربط علاقات اقتصادية قوية بين بلده والجزائر، لكنه أبدى نوعا من الأسف عن عدم وصول هذه العلاقات إلى تطلعات الشعبين.

الدكتور أحمد الجبوري (رئيس الوفد العراقي): العراق يمرض ولا يموت ونفتخر بمشاركتنا الجزائر فرحتها

أكد رئيس الوفد العراقي الدكتور أحمد الجبوري، أن مشاركة بلاده في فعاليات قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015، هي مسؤولية تاريخية، فرضتها عليهم العلاقة بين البلدين التي تمتد في عمق الزمن الطويل، مضيفا أن وفد بلاده كان منتدبا شخصيا من طرف رئيس البرلمان العراقي السيد سليم الجبوري، وهو مشكَّل من عدد من الفعاليات، وعلى رأسهم كبار عمالقة الشعر العربي.

وقال الدكتور أحمد الجبوري الذي وصف الجزائر بالأخ الأكبر، إن قسنطينة نالت جزءا مما تستحق، حيث أكد أنها تستحق بأن تكون عاصمة للثقافة العربية، مبديا فخر بلاده بالمشاركة في هذه الفعاليات بعدما شاركت مند سنوات، في فعاليات تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية.

ونقل رئيس الوفد العراقي تهاني وتحية الشعب العراقي إلى الجزائر بهذه المناسبة، مؤكدا أن بلده ورغم الأزمة التي تمر بها إلا أنها أبت المشاركة مع الجزائريين فرحتهم، مضيفا أن جرح العراق مايزال ينزف بسبب الاقتتال الدائر هناك والإرهاب الأعمى، ورغم هذا صرح بأن شعب العراق مازال يستطيع أن يقول شعرا، ومازالت بغداد رغم أزيز الرصاص، دارا للسلام، مبديا أمله في أن تزول هذه الغمة عن العراق وعن كل الأمة العربية والإسلامية.

وقال الدكتور الجبوري إن العراق يمرض ولا يموت، وإن المثقف العراقي الذي يصنع البسمة والأمل يواجه هجمة شرسة من طرف الإرهاب الغاشم، مضيفا أن هناك حراكا ثقافيا بالعراق، وخير دليل على ذلك، حسب ذات المتحدث، هو شارع المتنبي الذي يبقى يعج بزواره من الأدباء والمثقفين، معتبرا أن المثقف هو جندي، وسيساهم في إخراج بلده من عنق الزجاجة.

الباحث جواد علي الكسار: لماذا هذه القطيعة الثقافية مع الجزائر؟

تساءل الباحث جواد علي الكسار، خلال الندوة الصحفية التي كان طرفا فيها بعد نهاية حفل الافتتاح، عن سبب القطيعة الموجودة بين الجزائر والعراق في مجال التبادل الثقافي، مضيفا أنهم كعراقيين يجهلون هذا. وقال الكسار إن الفكر هو أساس النهضة، وإن أصوات الرصاص بالعراق لم تحجب الحقول المعرفية، مضيفا أنه ورغم قلة الإنتاج الفكري في السنوات الأخيرة، إلا أن العقل العراقي لم يتوقف عن العمل، وإن العشب يواصل الحياة بالإرادة الصلبة ويمد جسور التبادل الفكري مع أشقائه. ولم يفوّت الكسار الفرصة للحديث عن أعلام الجزائر في المشرق، والذين تُجهل أعمالهم حتى من طرف الجزائريين.

وأكد الباحث العراقي أن مشروع البناء الثقافي في العراق، مايزال بعيد المنال ولم يكتمل بعد رغم وجود مبادرات مشجعة، مضيفا أن هذا المشروع يتطلب توفر العديد من العوامل انطلاقا من الإرادة السياسية إلى المحيط العام، ومساهمة المجتمع، وهو مشروع، حسب رأيه، كمشروع بناء الدولة.

الفنان محمد زكريا درويش: سعداء بتواجدنا بالجزائر وهي فرصة للتقارب أكثر

عبّر الفنان محمد زكريا درويش عن سعادته الكبيرة بتواجده بالجزائر. وقال عقب نهاية الحفل الذي نشّطه، إنه وكل الوفد العراقي فخورون بمشاركته في تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، مضيفا أنه اختار أجمل ما جادت به الذاكرة العراقية أو ما يُعرف بالمقامات العراقية لتأديته وعرضه أمام الجمهور الجزائري. كما أكد أنه اجتهد لاختيار أغنية جزائرية كهدية يقدمها للشعب الجزائري، ووقع اختياره على أغنية "نجمة قطبية" لعملاق الفن الجزائري رابح دراسية، مضيفا أن تجاوب الجمهور كان كبيرا، وأنه كان سعيدا بامتزاج الرايتين العراقية والجزائرية على ركح قاعة أحمد باي.

الممثل التلفزيوني والمسرحي مازن مصطفى: عشقت قسنطينة بين ليلة وضحاها

أبدى الممثل التلفزيوني والمسرحي العراقي مازن مصطفى، تعلقه الكبير بمدينة قسنطينة مند الوهلة الأولى التي وطأت فيها قدماه أرضها. وقال ضيف الجزائر الذي يزورها للمرة الأولى والذي يشارك في فعاليات قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، إن المدينة سحرته، وإنه وقع في عشقها بين ليلة وضحاها، بل ذهب بعيدا عندما وصفها بقطعة من الجنة التي سقطت من السماء، والتي اصطفاها الله ليمتع بها عباده على الأرض. وأكد الممثل العراقي أن هناك وشائج محبة بين الشعبين العراقي والجزائري، مبديا تمنياته في أن تستمر هذه العلاقة الطيبة وأن تتعزز أكثر فأكثر.

أغاني ناظم الغزالي والمقامات العراقية في سهرة فنية رائعة

وكان الشطر الثاني من الأمسية التي سهر على تنظيمها الديوان الوطني للثقافة والإعلام، موسيقيا محضا مع فرقة المايسترو محمد زكريا درويش، الذي أدى مقامات عراقية للفن الأصيل، حيث أدى أغنيات مشهورة من الفن الشعبي لعمالقة الغناء العراقي، وعلى رأسهم ناظم الغزالي. واستهل الحفل على آلة السنطور التي تعود نشأتها إلى حوالي 2000 سنة، وهي شبيهة بآلة القانون، لكنها تُعزف عن طريق الضرب على الأوتار بخشبتين رقيقتين، وكان مرفقا بمجموعته المشكّلة من ثلاثة عناصر على آلات الدف، الطبل والدربوكة، واستهل حفله الغنائي بأغنية "لولا المحبة لما تغربت عن بلدي"، ثم "مايجنة يا مايجنة"، وتعني الأرجوحة، وهي أغنية طالما رددها الصبية في العراق خلال شهر رمضان الفضيل. كما أدى أغنية "مدي بساطك وأملئي أكوابي"، وهي أغنية عن العراق التي وصفها بحبيبته، ثم من أشعار قيس بن الملوح أو الشاعر المعروف بمجنون ليلى، غنى محمد زكريا درويش "لامني في حبي ليلى أقاربي". وتفاعلت القاعة مع أغنية "طالعة من بيت أبوها رايحة لبيت الجيران". كما تفاعل الشعراء العراقيون الذين عطّروا السهرة بعبق من كلماتهم مع أغنية "يا أم العباية حلوة عبايتك"، وعلى صوت الدف الذي علا رقص شعراء العراق رقصتهم الشعبية وأيديهم متماسكة والعلم العراقي بينهم، في مشهد صفق له الجمهور كثيرا. وكان ختام السهرة مسكا بأغنية جزائرية للفنان رابح درياسة وهي "نجمة قطبية"، التي رددها الحضور مع المغني، ليتم في الأخير تكريم الشعراء المشاركين في السهرة رفقة الفنان محمد زكريا درويش من طرف والي قسنطينة.

فطاحل العراق لبّوا نداء عاصمة الثقافة

واستُهل الحفل بعد الرسميات بإلقاء قصائد شعرية لفطاحل الشعر بالعراق والوطن العربي، حيث اعتلى المنصة الشاعر نجاح العرسان، الذي قدم قصيدة العطش البارد، وقبلها غازل الجزائر بمجموعة من الأبيات، قال فيها:

قلق وفي عيني دمع سعيد أني تُركت مع الذئاب وحيد،

عطشا أتيت من الفرات إلى هنا أسقي اليراع، من مداد وليد

شعري تأخر في الوصول وعذره طار الفؤاد وحط قبل قصيدي

عندي العراق فلا تعد بمزيد، أحلام أم في انتظار وليد

عانقت من أمس الجزائر نخلة ملأت خطايا بخضرة التجديد

دعني أهيئ لحظتي، حلم الجزائر... صار أقرب من عيون بعيد

بحرا طويت البحر فوق سحابة... جاءت تقبل ألف ألف شهيد.

وخلف الشاعر مضر الألوسي زميله على ركح المنصة، حيث قدّم أبياتا من قصيدته، "نهارات"، وقال قبلها عن الجزائر:

يغيب سنة وجهي ووجهك حاضر وتؤمن بي عيني وحسنك ثائر،

فكم في اختصار الوقت من ألف ليلة في ليلتنا الأولى كأنك ساحر،

وأن بساط الريح من سحر ما أرى فسيح وهذا الكون من حولي دائر،

وكل فوانيس المجارات أطلقت عفاريتها عجلى إليك تسافر،

فتريني في وجه البلاد تصوفا وكل امتداد حول وجهك دائر،

أنا الباز والأحراش والليل والضحى، أنا الفجر والعشر الليالي الأواخر،

أنا الشمس والتكوير والنجم إذ هوى، وما ضل بي قلب ولا زاد ناضر،

يمارونني عما أرى وهو باطن ويبدو لي ما لا أرى وهو ظاهر،

رأيتك والأحلام تغزل ثوبها، عروسا على أهدابها سأل شاعر،

فقلت لهم قولا، فقالوا فقل لها، فقلت ومن هذه، فقالوا الجزائر.

ثم تلا أبياتا عن القدس سماها "تراتيل القدس"، وقال:

على كتفي حملت القدس نار،

أطوف بأمتي دارا فدار،

أرقع من ثياب الذل قومي،

وأشرب صمتهم عار فعار،

ولي وطن يموت بألف سيف، وحولي الروم والعرب السكارى،

ورايات تلف على غثاء، فأين الخيل والزير الغيار،

وأين العاديات الليل ضبحا، أعطلنا احتلابا أم عشارى،

فيا عرب المنابر والمرايا ويا أفواه أحلام خسارة،

بناتكم تفض بكل أرض ومازالت بنادقكم عذارى.

وكان آخر شاعر في الشطر الأول من السهرة العراقية الشاعر نذير المضفر، الذي ألقى أبياتا من قصيدته "بذار النار"، وقال عن الجزائر:

قد تعكزت أحرفي والمحابر ... كل سطر مشيته إلى الجزائر

كل ما أقول أكبر مني ... أي وصف أجيد والحبر حائر

وجهك البحر في فضاءات شاعر... همسك الأرض والجبال الدفاتر

فأنا مرة أحوار موج يقتفيها ومرة لا أحاور ...ألزم الصمت في قداسة وجه، كل بحر من كله الله حاضر

جئت في موعد البذار أنست الحب فوق الأشعار والقلب ماطر... راهبا طفت أخبرتني المنائر بحديث لحبك المتواتر

ثورة الأرض أفرزتها أسود للرجال وللنساء الحرائر... كنت يا ثورة الحياة عصافير تغنت بزقزقات التواتر

أنت يا ثورة التنى يا جزائر يا حنين الثرى بقلب الجزائر.