"المساء" ترصد ظاهرة سرقة الكوابل والأجهزة الكهربائية

أجهزة الدولة تتعقب "مافيا" النحاس

أجهزة الدولة تتعقب "مافيا" النحاس
  • القراءات: 1428
 رشيد كعبوب رشيد كعبوب

* عمليات تخريب هدفها المال وتعطيل أجهزة الإنذار والمراقبة

* محجوزات الشرطة والدرك تكشف حجم تنامي الظاهرة

* المطلوب الإسراع في إعداد قانون جديد لتسيير النفايات المعدنية

تفشت ظاهرة سرقة النفايات المعدنية، لا سيما الكوابل الكهربائية النحاسية بشكل دقت بشأنه المصالح الأمنية ناقوس الخطر، بالنظر إلى مخلفات هذه الجرائم، وآثارها السلبية على يوميات المواطن، والوضع الاقتصادي، حيث سجلت مصالح الشرطة والدرك مئات القضايا الإجرامية، وقبضت على عدد هائل من المتورطين في السطو على أملاك الدولة. واختلفت أهدافهم بين تحصيل أموال بطريقة غير شرعية، وأخرى تخريبية، بغرض تعطيل أجهزة إنذار ومراقبة.

 

وقد ارتأت "المساء" استقصاء الأمر لدى مصالح الشرطة القضائية لكل من جهازي الأمن والدرك الوطنيين، من خلال تحليل الإحصائيات التي سُجلت السنة الماضية والأشهر الستة من السنة الجارية، التي أكدت أن الظاهرة لاتزال تعطل مصالح المؤسسات، ومن ورائها شؤون المواطنين، وتكبد الخزينة العمومية أمولا طائلة لتعويض الأجهزة المخربة والكوابل المسروقة. ولم تقتصر عمليات السطو التي تطال الشبكات الكهربائية، على تلك التي هي خارج الخدمة، أو التي لم تدخل الخدمة، بل امتدت الظاهرة في السنوات الأخيرة، إلى الشبكات تحت التوتر، مما أدى إلى تسجيل عدة حوادث صعق كهربائية، خلفت الكثير من الأرواح.

كما أخذت ظاهرة سرقة الأجهزة الكهربائية أبعادا خطيرة، إذ أضحت المنشآت الكهربائية وتجهيزات قطع التيار الكهربائي، هدفا للصوص، الذين لا تهمهم مخلفات هذا الفعل الإجرامي، بقدر ما يهمهم تحصيل الأموال جراء السطو على تجهيزات وكوابل وقنوات وقضبان معدنية، يبيعونها لأصحاب مستودعات الرسكلة والتدوير، الذين لا يسألون عن مصدرها، ولا يجدون، في المقابل، سلطة ضبط قانونية، تحدد نوع النفايات القابلة للجمع وإعادة التدوير، في حين تشكلت في هذا الشأن، شبكات متخصصة تقودها عصابات سرقة النحاس المنهوب من منشآت عمومية، ملحقين بذلك أضرارا وخيمة بالاقتصاد الوطني رغم أن القانون يشدد العقوبة على المتورطين في هذا النوع من الجرائم، حيث توجه لهم تهم متعلقة بجرم تكوين جمعية أشرار، والسرقة بالتعدد مع توفر ظرفي الليل واستحضار مركبة، وتخريب وإتلاف أملاك الدولة، واستخلاص معدن النحاس، وتهيئته للبيع والتهريب خارج الحدود الجزائرية، ويكون جزاءهم غرامات مالية، وسجن نافذ لأكثر من ثلاث سنوات.

نحو وضع قانون جديد لتسيير النفايات المعدنية

ولوضع حد لهذه الجرائم، كشف الرائد نبيل شابي من قسم الشرطة القضائية بقيادة الدرك الوطني في تصريح لـ "المساء"، أن جهاز الدرك بالتنسيق مع مختلف القطاعات ذات الصلة، منها الصناعة والتجارة وغيرهما، يعكف على وضع قانون جديد لتسيير النفايات، وتحديد المعاملات مع البائع والمحول، يفرض تحديد هوية من يأتي بالسلعة، كأن يكون متحصلا على بطاقة حرفي مثلا، مما يسمح بتتبع حركة النفايات، وتمكين مصالح المراقبة من تفكيك شفرة اللصوص، ومعرفة مصدر النفايات المسروقة.

وحسب الإطار بالدرك الوطني، فإن تشديد القوانين وإقحام مختلف مصالح القطاعات في عملية التسيير والمراقبة، كالتجارة، والصناعة، والداخلية، والشرطة والدرك وتمكينها من تبادل المعلومات والتنسيق بينها بشكل يحمي المنشآت والموارد الأولية وقطع الغيار وغيرها، من شأنه التخفيف من هذه الظاهرة الإجرامية، أو القضاء عليها تماما إذا ساهمت كل المؤسسات والهيئات في تطبيق القوانين المنتظرة.

إحصائيات الشرطة والدرك تؤكد تنامي الظاهرة

قال الرائد نبيل شابي إن جهاز الدرك عبر ولايات الوطن، في عمل دائم وتنسيق مستمر مع كل الشركاء، لمحاصرة ومحاربة هذه الظاهرة، التي صارت في تنام، وأضحت تزيد في متاعب المواطن كلما تعلق الأمر بالطاقة الكهربائية أو الاتصالات. وتتعقد الوضعية أكثر عندما تعجز المؤسسات المستهدفة عن إصلاح الأعطاب بسبب عدم توفر قطع الغيار والتجهيزات التي توقف استيرادها من الخارج.

وأكد الرائد شابي أن الدرك حقق نتائج في معالجة القضايا ذات الصلة في عدة ولايات مستها هذه الظاهرة بشكل لافت، منها الجزائر العاصمة، وتلمسان، وبومرداس، وعنابة، وقالمة، وقسنطينة، حيث عالجت 992 قضية تخص سرقة النفايات من مختلف المعادن، تورط فيها 1109 شخص. وتمكنت المصالح من حجز 47234 كلغ من النفايات المعدنية، و155802 متر من الكوابل النحاسية.

ومست هذه الظاهرة الإجرامية عدة مؤسسات عمومية، على رأسها مؤسسة النقل بالسكك الحديدية، و"الجزائرية للمياه"، و"سونلغاز"، و"اتصالات الجزائر"، وبشكل أقل مقاولات أشغال البناء، حيث تقدمت المؤسسات "الضحية" بشكاواها لدى الدرك، وأخرى تم التبليغ عنها في حينها. وتتوزع قضايا السرقة المعالجة بنسب متفاوتة، منها 63 قضية بالجزائر العاصمة تورط فيها 44 شخصا، والبليدة 42 قضية بـ 42 متورطا، وقالمة 41 قضية و51 متورطا، وعنابة 40 قضية بـ 52 متورطا، وعين الدفلى بـ 35 قضية، بها 25 متورطا، وقسنطينة 33 قضية بـ 34 متورطا.

ومن جهتها، عالجت مصالح الأمن الوطني، هي الأخرى خلال الأشهر الخمسة من السنة الجارية، 260 قضية، تورط فيها 245 شخص، منها 202 قضية. وكانت في سنة 2012 سجلت 136، أوقفت بشأنها 136 شخص، تم تقديمهم إلى الجهات المختصة. ويتبين من خلال حصيلة الأمن الوطني ارتفاع منحى هذا النوع من الجرائم في المناطق الحضرية، التي توجد بها مختلف النفايات، لا سيما الحديدية منها.

الدرك سند قوي لمساعدة المؤسسات في حماية ممتلكاتها

ويساهم إطارات الدرك الوطني في التكوين البشري وتأهيله للقيام بحماية الممتلكات العمومية والخاصة، ومحاصرة لصوص النفايات المعدنية، وتدريبهم على استغلال جميع الوسائل التكنولوجية المتاحة، ككاميرات المراقبة، وأجهزة الإنذار وغيرها، وجمع كل القرائن المادية لمتابعة المجرمين، لا سيما أن أعوان الحراسة بالمؤسسات العمومية والخاصة، يقومون بعمل إداري. وأفاد الرائد شابي بأن مصالح الدرك الوطني تقوم بمحاصرة جزء من الظاهرة، من خلال عمليات التفتيش التي يقوم بها في الطرقات، وباعتبارها دليلا ماديا يقدم لمصاح العدالة لمتابعة المتورطين، فكلما توفرت المعلومة في وقتها تتمكن مصالح الأمن من السيطرة على الجريمة، وتوقيف المجرمين، يقول الرائد شابي، مضيفا: "الدرك وضع خططا أمنية محكمة مع المؤسسة الوطنية للسكك الحديدية الأكثر تضررا من ظاهرة السرقة، لتغطية النقاط المشبوهة. وبعد دراسة الخارطة الإجرامية وتحديد عاملي الزمان والمكان، نقوم بتسخير وحدات بحث مموهة، للقبض على المجرمين".