مشروعية صوم رمضان ونزول القرآن فيه [2-2]

❊ فضيلة الشيخ: الطيِّب العقبي

(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

إنَّ في القرآن لهدًى للناس لو اهتدوا بهديه وأخذوا أنفسهم بتعاليمه السامية، وإنّ في القرآن لرحمةً للعالمين، وإنًّ في القرآن لموعظةً وشفاءً لِما في الصدور؛ وإنّ فيه بواعث الخير كله والصوارف عن الشر كله، وإنَّ فيه لسعادةُ الدنيا وسعادةُ الآخرة ولكنّ أكثر الناس عن الاهتداء به والاستفادة من أحكامه والاستضاءة بنور حكمه غافلون.

ذلك لمّا ران على قلوبهم فأغفلها عن ذكر الله من أوضار الذنوب، ولما غشى على أبصارهم من حب العاجلة والانهماك في ملاذها وملابسة شهواتها والاغترار بزخارفها الفانية، فكان من نعمة الله التي أتمها على عباده المؤمنين أن يصقل أرواحهم بصقال من تعاليم دين الرحمة إتمامًا للنِّعمة وتعميمًا لهذه الرحمة، وما هذا الصقال للأرواح سوى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة:185) مغذّي النفوس بغذاء الإيمان ومزكّيها، ومرقِّي الأرواح إلى درجات الكمال ومُعلِّيها؛ ففيه ذكر الله والمراقبة والخشية، وفيه الرُّجعى إلى الله والإنابة إلى سبيله السوي وصراطه المستقيم، وفي صومه ما يوقظ النائم وينبه الغافل ليعمل صالحا، ويتلافى بالتوبة ما فرَّط في جنب الله، وبه يذكر العبد واجب ما خُلق لأجله ويجد من صومه وإمساكه ومراقبته لربه واستقلاله في إرادته ما يعينه على كل هذا ويغسل عن قلبه تلك الأوضار، ويمحو بذكر الله وتذكر نعمه التي لا تحصى وآلائه التي لا تحد ولا تستقصى، ران الذنوب والأوزار، وفي كل ذلك ما يذكِّره بالقرآن ويستفزه إلى التمسك بهديه بحبله، فياله من ذكرى تذكِّر المؤمن بالقرآن ونزول القرآن! وياله من رحمة تشمل من سنة إلى أخرى أمة القرآن فتجدد عليها صلتها بخالق الأكوان ومفيض النعم على الإنسان. ويا لفضل هداية القرآن على الناس وعموم بني الإنسان لو كانوا يعلمون..!

أما فوائد الصوم المشروع ونتائجه التي يظفر بها من يكون صومه لله وكما أمر الله فهي على سبيل الإجمال: تقوى الله كما أشار إلى ذلك قول الله عز وجل: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونْ) والتَّقوى هي كل شيء في الدين، وهي جماعه، وإليها ترجع كل الفضائل؛ وهي الغايات منه ومنتهى ما يصل إليه الواصل، بل قصارى ما يتطلبه السالك وتسمو إليه همم العارفين بطرق السلوك وما هنالك (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) (الطلاق:5)، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (الطلاق‏:2).

وآيات القرآن في شرح معنى التقوى وجزاء المتقين وفلاحهم وتحقيق فوزهم بحسن العاقبة أكثر من أن يستوفى الكلام عليها في مثل هذه العجالة.

فما أجلَّ العبادة التي توصل إلى هذه المرتبة، وتُدْني من نيل هذه الكرامة! و ما أعظم فضل الله ومنَّته على المؤمنين بمشروعيتها لهم: مطهرة للنفوس، ومزكية؛ وصاقلة للأرواح ومرقية!

وما أكثر بركة هذا الشهر الذي جعله الله ظرفا لها كما أنزل فيه القرآن (هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)!

فحمدًا لله وشكرًا لآلائه، وإكبارًا لسموِّ تعاليه وجلاله، وتمجيدًا وتقديسًا لعظمته وكماله، على ما شرعه لنا من عبادةٍ تعد نفوسنا لتقواه وتهيؤها إلى نيل ما أعده من جزاء عباده المتَّقين.

والله أكبر.

قراءة 1016 مرات