طباعة هذه الصفحة

مطحنة الشط بمدينة قسنطينة القديمة

محج القسنطينيين والأجانب خلال رمضان

محج القسنطينيين  والأجانب خلال رمضان
  • القراءات: 1297
❊  شبيلة. ح ❊ شبيلة. ح

تعدّ مطحنة الشط المتواجدة بالمدينة القديمة السويقة، من أقدم المطاحن بعاصمة الشرق. فرغم السنوات الطويلة على إنجازها منذ سنة 1954 من قبل صاحبها المرحوم الحاج بلحي رابح، غير أنها لم تفقد هويتها، ولحد الساعة فهي قبلة ومحج العائلات القسنطينية التي تقصدها من كلّ حدب وصوب وحتى الجالية الجزائرية بالخارج، ليس فقط خلال شهر رمضان، بل حتى خلال الأيام العادية نظرا للخدمات التي تقدّمها والمنتجات التي تعرضها وبأسعار مغرية، غير أنّ لشهر رمضان بالمطحنة نكهة فريدة حسبما وقفت عليه المساء من خلال التوافد الكبير للمواطنين الذين يقصدونها بغرض طحن أهم منتج يستعمل طيلة الشهر الفضيل في البيوت القسنطينة الذي لا تستغني عنه أي عائلة في صينية رمضان وهو الفريك.

مطحنة الشط، التي تعدّ جزءا من تاريخ المدينة القديمة، لاتزال وإلى غاية اليوم تعرف انتعاشا منقطع النظير بدءا من الأسابيع الأخيرة من شهر شعبان وحتى الأسبوعين الأولين من رمضان، حيث أن العاملين بهذه المطحنة يعملون على قدم وساق للانتهاء من مئات الطلبيات الخاصة بطحن الفريك وغيرها من الحبوب الأخرى كالذرة والشعير وغيرها، وحتى التوابل بأنواعها المختلفة وألوانها والتي باتت في السنوات الأخيرة مطلبا كبيرا للعائلات كونها تستخدم في الكثير من الأطباق اليومية التي تشتهر بها الولاية، حيث يشتم كل من يدخل المطحنة رائحة الأعشاب والتوابل الزكية على غرار الرند والإكليل والقرفة والقرنفل وغيرها التي تنتشر رائحتها بالمطحنة التي لاتزال تحافظ على معمارها القديم المحافظ على اللمسة العثمانية والمتمثل في ضيق وطول المدخل الذي تتوسطه أقواس حجرية تفصل بين كلّ مدخل وآخر.

شباب المطحنة الذين توارثوا المهنة أبا عن جد وينتمون إلى عائلة واحدة، حافظوا على الخصوصية التي تميزهم عن باقي أصحاب المطاحن وهي الخلطات السرية التي يقومون بها لزبائنهم، خاصة المرضى منهم على غرار مرضى فقر الدم الذين يقدمون لهم منتجا خاصا هي البسيسة، وكذا مرضى ضغط الدم الذين يستفيدون من منتجات مصنوعة بطرق صحية.

ولعلّ ما يميّز المطحنة القديمة، تلك الآلات التي لاتزال شاهدة على أعمال أزيد من 70 سنة من الطحن، فضلا عن الآلات الجديدة التي عوّضت عمل النساء اللواتي كن يعملن بالمطحنة خلال سنوات السبعينيات والثمانينيات واعتبرن من ركائز المطحنة، حيث قال أحد أحفاد المرحوم بلحي السيد شوقي العايب، إن النساء كن يعملن طوال اليوم بالمطحنة لتحضير الفريك والبسيسة والتوابل وغيرها، ويقمن بعملية الغربلة باستخدام الوسائل التقليدية القديمة المشهورة في قسنطينة على غرار التقعيدة والسياير كالغربال وسيار الزرع والدقاق وغيرها من الأدوات التقليدية التي تحول المادة الخشنة التي تم طحنها إلى طحين رقيق، إلاّ أنّ حرفتهن بدأت في الاندثار بعد أن كبرن في السن ولم يعدن قادرات على مثل هذه المهنة، ما استدعى تعويضهن بالآلات الحديثة التي تعمل عملهن على غرار آلة الغربال التي تقوم بغربلة المواد المطحونة بالآلة الأولى وهي المطحنة، فيما تقوم الآلة الثانية التي تضم جهازين، الأول لتصفية ما طحن والثاني غربلة المطحونات الخشنة، قبل إعادة طحنها من جديد، ليتم في آخر عملية فرز المواد المطحونة بين الرقيق والخشن وعرضها للبيع أو تسليمها لأصحابها.

وأضاف المتحدث أنّ المطحنة في السنوات الأخيرة باتت قبلة لعدد معتبر من السياح وكذا الجالية الجزائرية بالخارج التي باتت تقتني طلبيات معينة على غرار الفريك، البسيسة، المزيت والكسكسي الأبيض والتريدة، وحتى بعض التوابل لاستعمالها خلال الشهر الفضيل بالخارج، قصد تذكّر نكهة رمضان بالبلد، وهو ما وقفنا عليه بالمطحنة عندما صادف وجودنا تواجد مغتربين واحد بإيطاليا والثاني بفرنسا، حيث أكّد أحدهما أنه جاء لصيام الـ15 يوما ببيت العائلة قبيل السفر وأخذ كمية معتبرة من الفريك المطحون والبسيسة وكذا الكسكسي الأبيض وبعض التوابل لعائلته وأصدقائه، فيما اعتبرت السيدة ح. حنيفة من القاطنات بالمدينة القديمة قبل ترحيلهم إلى علي منجلي، أنّها لا تحس بنكهة رمضان إلاّ إذا طحنت الفريك بمطحنة الشط، رغم أنّها اليوم تقطع مسافة طويلة للوصول إليها، فضلا عن الطابور الطويل للظفر بمكان لكيسها، حيث قالت إنّه رغم التطوّر وتوفّر الفريك الجاهز بالمحلات التجارية إلا أنّها لا تستمتع إلا إذا صنعته أناملها وطحنته المطحنة، حيث أنّها وقبيل أسابيع من رمضان، تقوم بشراء القمح اللين وتقوم بتحميصه ثم غسله جيدا بالماء الصافي قبل أن يتم تمليحه وتجفيفه تحت أشعة الشمس ثم طحنه وغربلته، ليصبح جاهزا للاستخدام اليومي لشربة الفريك. 

من جهة أخرى، تحدث السيد شوقي عن العديد من المنتوجات الأخرى، التي يزداد عليها الطلب بالمطحنة، خاصة خلال الأسبوع الثاني من رمضان، حيث أكّد أنّ المطحنة تعود إلى الانتعاش من جديد بعد الانتهاء من طحن الفريك الذي تعوّضه المكسرات على غرار الجوز واللوز والبندق وغيرها، والتي تستعمل في التحضير للحلويات التقليدية كالبقلاوة والقطايف وحتى طمينة اللوز وغيرها. ويجتهد عمال المطحنة لتوفير الطلبيات لتسليمها لأصحابها قبيل منتصف رمضان أو قبيل انقضائه، إما لإعداد حلويات الختان في المنتصف ليلة الـ27 أو لإعداد الحلويات الخاصة بالعيد، وهنا التقينا بالشابة ن. وردة التي قصدت المطحنة وهي محملة بأكياس متنوّعة من المكسرات، حيث قالت إنّها جاءت لطحنها لسمعة المطحنة الطيبة وجودة عملها، فهي تحتاج المكسرات مطحونة لإعداد حلويات العيد، فيما قالت السيدة لمياء إنّها جلبت المكسرات للإسراع في تحضير الحلويات لختان ابنها. أما التاجر ياسين صاحب محل بـ«الريتاج مول علي منجلي فقال إنه يقصد دوما المطحنة لشراء المكسرات المطحونة وإعادة بيعها لزبائنه خاصة وأنّهم يطلبونها بصفة خاصة من مطحنة الشط المعروفة كونها بعيدة عنهم، مشيرا إلى أنّهم يشترونها رغم غلاء سعرها نظرا لجودتها.