لا تجعلوا الصيام شماعة للخمول والكسل

لا تجعلوا الصيام شماعة للخمول والكسل
  • القراءات: 1165
❊❊رشيدة بلال ❊❊ ❊❊رشيدة بلال ❊❊

يربط عدد كبير من المواطنين في الآونة الأخيرة عطلتهم السنوية بالشهر الفضيل، غير أن الأسباب وراء ذلك تباينت واختلفت من شخص لآخر، ففي الوقت الذي يدفع الأمر بالبعض إلى التفرغ لأداء العبادات التي عادة ما تتضاعف كقراءة القرآن والصلاة في المسجد وقيام الليل، يفضل آخرون تمضيتها في النوم والكسل والخمول وتفادي الدخول في مشاجرات وملاسنات، خاصة إن كانوا من المدخنين أو المدمنين على المنبهات، كالشاي والقهوة، فلا يجدون من حل إلا اللجوء إلى العطلة... "المساء" حاولت من خلال الاحتكاك ببعض الأخصائيين تحليل الظاهرة ـ إن صح التعبير ـ تحليلا اجتماعيا نفسيا ودينيا.

البداية كانت مع الأخصائية النفسانية هدى مخلوفي، التي قالت في معرض حديثها لـ"المساء"، بأن ربط العطلة مع شهر رمضان يمكن أن يتم تقسيمه إلى أربعة أصناف مكيفة حسب العقلية الجزائرية، صنف يعتبره بمثابة الشهر الذهبي ويخصصه للطاعات، فيأخذ إجازة من العمل حتى يتفرغ لأداء كل العبادات، وتقول "من الناحية النفسية، هؤلاء المواطنون في حالة نفسية إيجابية وسعادة واتزان". بينما يعتبره الصنف الثاني شهرا متعبا، فيقرر أخذ إجازته تفاديا للدخول في شجارات مع الآخرين، حيث يقضي هذا الصنف أغلب وقته داخل المنزل، وهذا غالبا ـ توضح ـ "ما نجده لدى المدمنين على المنبهات، كالقهوة والمدخنين ولدى الشخصيات التي تتميز بالمزاجية القلقة والمضطربة".

في حين يرفض الصنف الثالث أخذ إجازة، بحكم أن النشاط العام للشارع وتردده على المصالح الإدارية يقل جدا، فيعتبره فترة فراغ نسبي يعمل فيها بأريحية، تقول المختصة، وتضيف أن الصنف الرابع نحصره في مجموعة من النشاطات المنهكة التي لا تنتهي من مشتريات ومأكولات وزيارات ومصاريف، وفي هذه الحالة يقع عادة الضغط على المرأة العاملة بصفة خاصة، فتضطر إلى أخذ إجازتها حتى تستطيع القيام بكل الأشغال.

رمضان دورة تعليمية مكثفة

حسب الأخصائية النفسانية، فإن اختيار البعض للعطلة في الشهر الفضيل   راجع إلى نقص الثقافة الرمضانية في المجتمع، بالخصوص فيما يتعلق بإيجابيات الصيام والطاقة الروحانية الناتجة عنه، وما يمكن أن نؤدي فيه من نشاطات مميزة، تقول "الكثيرون لا يفقهون تسيير وقتهم خلاله، ويلجأ العديد منهم إلى النوم لساعات طويلة نهارا، ومنهم من تنقلب ساعته البيولوجية فيتحول ليله نهارا ونهاره ليلا، وهو ما يتنافى والحكمة من الصيام". مشيرة إلى أنه في   الأصل، اعتبار رمضان مدرسة أو دورة تعليمية مكثفة تحدث تغييرات عميقة في الفرد نفسيا واجتماعيا وصحيا، وهذا لا يتحقق إلا بالتفاعل مع الناس يوميا واستثمار الساعات التي يكون الجسم فيها صائما، نذكر منها ـ تقول ـ "يعود الجسم إلى اتزانه البيولوجي والفيزيولوجي خلال الصيام، فتعدل الهرمونات وينظف كل الجسم بخلاياه وأعضائه من كل السموم، مما يجدد ويقوي عمل الأعضاء ويزيد من كفاءتها وقوتها، فيقوى جهاز المناعة، بالتالي ينعكس على الفرد بالهدوء والسكينة والاسترخاء.

من ناحية أخرى، تعمل العبادات على تخليصه من الطاقة السلبية المتراكمة طيلة السنة"، موضحة أن "شهر رمضان علاج نفسي وعقلي، يكسب الفرد توازنا انفعاليا ومرونة وتكييفا مع النفس والمجتمع، ويساعده على التخلص من انحرافات الشخصية وأمراض القلب والسلوكات السلبية، كما أنه يدعم الصحة الروحية التي هي لب الرضا والسعادة والاطمئنان.

بالتالي تعلق الأخصائية النفسانية "إن كانت العطلة في سبيل الوقوف على تلك التفاصيل، فهي أحسن تخطيط، وإن كانت من أجل النوم، فتعد مضيعة للوقت بين التسوق والطبخ، وهي أكبر خسارة لتلك الفرصة الذهبية بهدف الرقي بالذات.

الهروب من المسؤولية

من جهتها، ترى الأخصائية الاجتماعية راضية صايفي، أن الفئة التي تختار عطلتها في رمضان، هي الشريحة التي لا تحب العمل في هذا الشهر بالذات، فتفضل الهروب من مسؤولياتها بأخذ العطلة، وإن كنا ـ تشير ـ«لا نملك إحصائيات حول عدد الفئات التي تختار برمجة عطلتها في هذا الشهر وما نوع الوظائف التي يتم التخلي عنها خلال هذا الشهر الفضيل لأخذ فكرة واضحة"، لكن على العموم وبوجهة نظر اجتماعية، تقول بأن هذه الفئة تكون باختيارها للعطلة في هذا الشهر، قد تهربت من مسؤولياتها وعطلت مشاغل الناس، ولعل هذا ما نلاحظه خاصة في بعض المؤسسات ذات الطابع الإداري، موضحة أن ما ينبغي التأكيد عليه في هذا الإطار، أن رمضان لا يجب أن يكون بمثابة الشماعة التي يختفي وراءها حتى لا يعمل".

من جهة أخرى، تعتقد الأخصائية أن اختيار البعض للعطلة في شهر رمضان بدافع التفرغ للعبادة قلة قليلة، موضحة أن تفشي الفكر الاجتماعي بالتوجه نحو العطلة، تنتج عنه الفوضى وتتعطل معه الأعمال،

وهو نفس الرأي الذي أكدت عليه الأخصائية الاجتماعية نبيلة وحدي، التي تؤكّد من جهتها، أن المجتمع الجزائري يعاني من أزمة القيم التي يستقيها في أول الأمر من الأسرة، ومن ثمة تتدخل عوامل أخرى تجعل مصادر قيمه مختلفة،  كالمسجد والشارع والمدرسة، وعندما يحاول تطبيقها، يخصها لنفسه، وتشرح "نعلم كلنا أن الصيام عبادة، لكن يفضل البعض الإجازة في شهر رمضان هروبا من العمل، لأن نفسه تدعي الإعياء أو تتحجج بالنرفزة أو الرغبة في السهر والنوم"، بالتالي ـ تضيف ـ "القيم موجودة، لكن نفسه في آخر المطاف هي المسيطر على اختياراته، ومن ثمة يمكن القول بأن اختيار العطلة في رمضان يرجع إلى كل شخص وكيف تنظر نفسه إليه.

العطلة جائزة والأعمال بالنيات

دعا جلول الحجيمي، رئيس نقابة الأئمة، المواطنين الذين يختارون برمجة عطلهم في الشهر الفضيل، إلى ضرورة الانتباه إلى مسألة مهمة يهملها الكثيرون، وهي "النية"، وقال "على المواطن أن يفقه جيدا أن من كانت نيته عند أخذ العطلة في شهر رمضان العبادة والتفرغ للالتزام الروحي، فإن أجره يزيد، ومن كانت نيته النوم والسهر والتسوق، فإن ذلك سيقلل من أجره". مشيرا إلى أنه يفترض أن يتمسك الصائم بالعمل في شهر رمضان، خاصة أننا نعرف أن هذا الشهر شهر الانتصارات الظاهرة والباطنة، بالتالي يحبذ للصائم أن يجتهد ويعمل ويتعبّد.

من جهة أخرى، أوضح محدثنا أن الكثير من الصائمين يربطون شهر الصيام بالنوم، وهي الظاهرة التي تفشت في الآونة الأخيرة وانتشرت بشكل ملفت للانتباه في المساجد، مما أعطى صورة سيئة عن صيام الجزائري. بالمناسبة "أدعو الصائمين إلى الحد من هذه الظواهر المكروهة، التي نسعى كأئمة إلى محاربتها ودعوة الصائمين إلى التمسك بالعمل والنشاط والاجتهاد لمزيد من الأجر".

وهو نفس الرأي الذي أكده الشيخ زين الدين العربي، إمام وأستاذ ورئيس عضو لجنة الإفتاء بالعاصمة، الذي أشار في معرض حديثه إلى أن برمجة العطلة في رمضان جائز شرعا، ولا يوجد ما يمنعه، خاصة إن كان الغرض من هذا التفرغ أداء العبادات والإكثار من الطاعات، بدليل ـ يقول ـ أن بعض المواطنين يأخذون عطلهم في هذا الشهر لأداء العمرة، مشيرا إلى أن الغرض من العطلة إن كان للنوم والهروب من العمل والكسل والخمول فإن أجره سيكون ناقصا بالتأكيد، لأن نيته لم تكن في سبيل توجيه جهده للعبادة.

❊❊رشيدة بلال ❊❊