ليلة القدر

تلتمس في العشر الأواخر وترجى في السابع والعشرين

تلتمس في العشر الأواخر وترجى في السابع والعشرين
  • القراءات: 3958

اختلف العلماء في تحديد ليلة القدر، واتفقوا على أنها في العشر الأواخر من رمضان، ويرجع اختلافهم لتعدد الأحاديث الواردة في ذلك، وذهبوا إلى الله تعالى أخفاها، حتى يجتهد الناس في العبادة في العشر الأواخر من رمضان، وتحري ليلة القدر في الأيام الوتر من العشر الأواخر منه، لما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال ”تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر”.

كما اختلفوا على مر العصور في تحديد ليلة القدر، بين كونها تقع في ليلة الحادي والعشرين من رمضان أو الثالث والعشرين والخامس والعشرين، أو ليلة السابع والعشرين والتاسع والعشرين، واستدلوا في ذلك بما رواه عبد الله بن أنيس وحديث ابن عباس رضي الله عنهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى”، رواه البخاري.

المشهور لدى جمهور الفقهاء، من المالكية والشافعية والحنابلة، والأوزاعي وأبو ثور، أنها في العشر الأواخر من رمضان، لكثرة الأحاديث التي وردت في التماسها في العشر الأواخر من رمضان، وتؤكد أنها منحصرة في الأوتار.

الأظهر عند المالكية أن موعد ليلة القدر هو ليلة السابع والعشرين، وهذا ما ذهب إليه الحنابلة أيضا، فقد قال البهوتي أن أرجاها ليلة سبعٍ وعشرين نصا، وقال الطحطاوي: ذهب الأكثر إلى أن ليلة القدر ليلة سبعٍ وعشرين، وهو قول ابن عباسٍ وجماعةٍ من الصحابة رضي الله عنهم.

مقد استدل العلماء على أن ليلة القدر في سبع وعشرين رمضان بحديث زِرّ بْن حُبيْشٍ، أنه قُالُ: قُلْتُ لأُبيِّ بْنِ كعْبٍ، إِنّ أخاك عبْد اللّهِ بْن مسْعُودٍ يقُولُ: منْ يقُمِ الحوْل يُصِبْ ليْلة القدْرِ، فقال: يغْفِرُ اللّهُ لأبِي عبْدِ الرّحْمنِ، ”لقدْ علِم أنّها فِي الْعشْرِ الأواخِرِ مِنْ رمضان، وأنّها ليْلةُ سبْعٍ وعِشْرِين، ولكِنّهُ أراد أنْ لا يتّكِل النّاسُ، ثُمّ حلف لا يسْتثْنِي أنّها ليْلةُ سبْعٍ وعِشْرِين”، قال: قُلْتُ لهُ: بِأيِّ شيْءٍ تقُولُ ذلِك يا أبا المُنْذِرِ؟ فقال: ”بِالآيةِ الّتِي أخْبرنا رسُولُ اللّهِ صلّى اللّهُ عليْهِ وسلّم، أوْ بِالعلامةِ أن الشّمْس تطْلُعُ يوْمئِذ لا شُعاع لها”.

كما وردت أحاديث في أن موعد ليلة القدر في السابع والعِشرين: قال أُبيُ بنُ كعبٍ رضِي اللهُ عنهُ في ليلةِ القدْرِ: ”واللهِ، إنِي لأعلمُها، وأكثرُ عِلمي هي الليلةُ التي أمرنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بقِيامِها، هي ليلةُ سبعٍ وعِشرين” رواه مسلم. وروى مسلم عن أبي هُريرة رضِي اللهُ عنهُ قال: تذاكرْنا ليلة القدْرِ عند رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فقال: ”أيُكم يذكُرُ حين طلع القمرُ وهو مِثلُ شِقِ جفْنةٍ” (أي نِصف قصعةٍ)، قال أبو الحُسينِ الفارسيُ: أي ليلة سبْع وعِشرين، فإن القمر يطلُع فيها بتلك الصِفة.

ورأى علماء أن موعد ليلة القدر يكون ليلة الحادي والعشرين ومال إليه الشافعي، والصحيح أنها في العشر الأواخر دون تعيين، والحكمة من إخفائها لكي يجتهد الناس في العبادة في العشر الأواخر كلها، كما أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس، واسمه الأعظم بين أسمائه الحسنى.

كما وردت أحاديث عن الْتِماس ليلة القدر في التاسعة والسابعة والخامسة من العشر، ومنها ما روي عن ابنِ عباس رضِي اللهُ عنهُما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”الْتمِسوها في العشر الأواخِر من رمضان، ليلة القدْر في تاسعةٍ تبقى، في سابعةٍ تبقى، في خامسةٍ تبْقى”،  رواه البخاريُ، وعن ابن عباس رضِي اللهُ عنهُما: قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ”هِي في العشر، هي في تِسع يمضِين، أو في سبْعٍ يبقين”. رواه البخاري.

عن عُبادة بن الصامتِ قال: خرج النبيُ صلى الله عليه وسلم ليُخبِرنا بليلةِ القدْر، فتلاحى رجُلانِ من المسلمين، فقال: ”خرجتُ لأُخبِركم بليلةِ القدْر، فتلاحى فلانٌ وفلانٌ، فرُفِعت، وعسى أنْ يكون خيرا لكم، فالْتمِسوها في التاسعةِ والسابعةِ والخامسةِ” رواه البخاريُ ومسلم، والمقصود في ليلة التاسع والعشرين وما قبلها من الوتر، أو في ليلة الحادي والعشرين وما بعدها من الوتر، أو في ليلة الثاني والعشرين وما بعدها من الشفع. وعن أبي سعيدٍ الخُدريِ رضِي اللهُ عنهُ قال: خطبنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: ”إنِي أُريتُ ليلة القدْرِ، وإنِي نُسِيتُها (أو أُنسيتُها)، فالْتمِسوها في العشرِ الأواخرِ من كلِ وترٍ”، رواه البخاري. وعن عبد اللهِ بن عُمر رضِي اللهُ عنهُما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ”الْتمِسوها في العشرِ الأواخِرِ فإنْ ضعُف أحدُكم أوْ عجز، فلا يُغْلبن على السبْعِ البواقِي”، رواه مسلم.

كما أكدت أحاديث أن ليلة القدر في السبع الأواخِر، فعن عبد اللهِ بن عُمر رضِي اللهُ عنهُما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ”الْتمِسوها في العشرِ الأواخِرِ فإنْ ضعُف أحدُكم أوْ عجز، فلا يُغْلبن على السبْعِ البواقِي”، رواه مسلم. وعن ابن عُمر رضِي اللهُ عنهُ أن أُناسا أُرُوا ليلة القدْر في السبع الأواخِر، وأن أُناسا أُرُوا أنها في العشر الأواخِر، فقال النبيُ صلى الله عليه وسلم: ”الْتمِسوها في السبع الأواخِرِ”، رواه البخاريُ ومسلم. وعن ابن عُمر رضِي اللهُ عنهُما عن النبيِ صلى الله عليه وسلم قال: ”تحرُوا  ليلة  القدْرِ  في السبْعِ الأواخِرِ”. رواه مسلم.

ورد في أن موعد ليلة القدر في الثالث والعِشرين: عن عبد اللهِ بن أُنيسٍ رضِي اللهُ عنهُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”أُريتُ ليلة القدْر، ثم أُنسيتُها، وأراني صُبحها أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ”، قال: فمُطِرْنا ليلة ثلاثٍ وعِشرين، فصلى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فانصرف، وإن أثر الماء والطِين على جبهته وأنفِه. قال: وكان عبد الله بن أُنيسٍ يقول: ثلاث وعِشرين. رواه مسلم.

أما أفضل ما يدعو به المسلم في ليلة القدْر العفو والمغفرة من الله سبحانه وتعالى، فقد رُوي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ”قلتُ يا رسول اللهِ أرأيت إن علِمتُ ليلة القدرِ ما أقولُ فيها؟ فقال: ”قُولي اللهم إنك عفُوٌ تُحب العفو فاعْفُ عنِي”.