مدير البحث العلمي والتطوير التكنولوجي عبد الحفيظ أوراغ لـ "المساء":

٪70 من الباحثين الجزائريين غير متحصلين على شهادة دكتوراه

٪70  من الباحثين الجزائريين غير متحصلين على شهادة دكتوراه
  • القراءات: 5661
حاورته : مليكة خلاف حاورته : مليكة خلاف

أكد مدير البحث العلمي والتطوير التكنولوجي السيد عبد الحفيظ أوراغ، في حديث خص به "المساء"، أن 70٪ من الباحثين الجزائريين غير متحصلين على شهادة الدكتوراه، مضيفا أن النهج الأكاديمي الذي تنتهجه الجامعة الجزائرية لا يشجع على الابتكار، وهو بمثابة عائق أمام تحقيق التنافسية للمؤسسات الاقتصادية. كما دعا إلى ضرورة إنشاء الجامعات الخاصة، والتفتح على العالم لتحسين التكوين. ودعا إلى تشجيع إنشاء مخابر الامتياز، وجعلها تستجيب لاحتياجات القطاعين الاقتصادي والاجتماعي للبلاد؛ فهي تمنح قيمة إضافية لها. السيد أوراغ تطرق لعدة نماذج عن الشراكة بين مخابر البحث والمؤسسات الوطنية، والتي أعطت نتائجها الإيجابية في ظرف زمني قياسي.

المساء: كيف تقيّمون مسار البحث العلمي؟

 ❊❊ البحث العلمي في الجزائر مر بعدة مراحل، البداية كانت في 1976 بإنشاء الديوان الوطني للبحث العلمي، وكانت له مهمة تنظيم القطاع؛ باعتباره أولوية في سياسة الدولة. ونجح في مهمته من خلال إرساء الركائز الأولى للبحث بعد أن كان منعدما؛ عدد الباحثين في البداية لم يتجاوز 140 باحثا على المستوى الوطني. وفي 1986 تقرر حل الديوان، ومر القطاع بمرحلة عدم الاستقرار، وتداولت عليه 7 وصايات لمدة 10 سنوات، وبالتالي كان البحث العلمي غائبا في الميدان إلى غاية سنة 1998؛ حيث تم إصدار أول قانون للبحث العلمي، وأعطيت له أولوية إنشاء الصندوق الوطني لتمويل القطاع. خلال البرنامج الخماسي الأول الممتد من 1998 إلى غاية 2002، كانت المهمة منصبّة على تجسيد مفهوم البحث العلمي ميدانيا وخلق المؤسسات التي تسيّره، بإنشاء المخابر وتمويل البحوث وتجنيد الباحثين، وسُجلت خلال هذه العملية عدة تطورات. ثم مررنا بمرحلة فراغ إلى غاية 2008، التي شهدت إصدار القانون الثاني الخماسي للبحث العلمي الممتد من 2008 إلى غاية 2012، وهي المرحلة التي شهدت إنشاء المديرية العامة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي؛ أي في 2009، فكانت مهامها تتمحور حول تسيير البحث العلمي وتنظيمه وتمويله من عدة جوانب، مع العمل على تجسيد مقاصد البحث العلمي في كل القطاعات والمؤسسات. 

 بموجب حوصلة في 2008 سجلنا غياب المنشآت القاعدية اللازمة لبعث ديناميكية في البحث العلمي، مما جعل المديرية تبرمج إنشاء العديد من المراكز والمحطات التكنولوجية والمحطات التجريبية. كان هناك برنامج طموح؛ حيث كان يُفترض في 2017 تسلّم كل هذه المرافق، والمتمثلة في 20 مركز بحث جديد و20 محطة تكنولوجية و20 محطة للتحاليل الكيمائية والفيزيائية و20 محطة للحاسوب المكثف و15 وحدة بحث، مما يعني استكمال الأرضية اللازمة لديناميكية البحث العلمي.  من جهة أخرى، أدت هذه البرمجة إلى تجنيد أكثر من 27 ألف أستاذ باحث و3 آلاف باحث دائم، موزعين عبر 1400 مخبر بحث داخل الجامعات و25 مركز بحث و28 وحدة بحث. كما أعطينا الأولوية لتدعيم عودة الباحثين الجزائريين من الخارج والعمل على مستوى مراكز البحث، بحيث تكون المناصب التي يشغلونها في الخارج معادلة مع تلك التي يشغلونها في الجزائر، وقد عاد عدد منهم إلى البلاد. 

 من جهة أخرى، فكرنا في صيغ لإدخال كل الابتكارات والأفكار الجديدة التي لها انعكاس إيجابي على الاقتصاد الوطني، وذلك بإنشاء مؤسسات تجارية على مستوى مراكز البحث لتثمين نتائجه وخلق الثروة، فضلا عن مناصب الشغل؛ فمثلا لدينا مركز البحث في التكنولوجيات الصناعية الذي لديه فرع تجاري يشغّل أكثر من 500 عامل عبر الوطن بمشاريع مختلفة، وهو يُعد بمثابة جسر بين البحث العلمي والاقتصاد الوطني.  بالنسبة للتمويل نلاحظ أن ما مُوّل للبحث بين 2008 و2015 يقدَّر بـ 69 مليار دج؛ أي بنسبة 0.35 ٪؛ فماذا تمثل هذه النسبة أمام الناتج المحلي الخام؟ وإذا قارنا أنفسنا بالدول النامية فسنلاحظ أننا مازلنا بعيدين جدا عن المعدل العالمي، يكفي مثلا أن نصل إلى نسبة 1 بالمائة على الأقل. 

 إفريقيّا وعربيّا نجد أن الجزائر تحتل المراتب الأولى في التخصصات العلمية والأكاديمية، على غرار العلوم والتكنولوجيا، لاسيما الفيزياء والكيمياء والرياضيات والهندسة. كما أن المنتوج الوطني يمثل 28 بالمائة من المنتوج الإفريقي، وهذا يبين أن الإنتاج العلمي في بلادنا يشهد تطورا، وأن له مكانة مميزة على المستويين العربي والإفريقي.  لكن نقطة ضعف المنظومة الوطنية للبحث العلمي تكمن في تأخر التطور التكنولوجي، ومن ثم عجز كبير في النماذج التي يُفترض أن نستعملها في التحويل التكنولوجي، كالابتكار؛ لأن كل الجهود كانت مرتكزة على البحث الأكاديمي. في المقابل، تتمثل فلسفة القانون الثالث في البحث عن كيفية تجسيد مفهوم البحث العلمي داخل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، من منطلق أن كل الجهود ستنصب في المستقبل على الرفع من مستوى البحث والتطوير فيها. مثلا نلاحظ عبر العالم أن ثلث الباحثين يتواجدون داخل القطاع الجامعي الأكاديمي، وثلثين في القطاع الاقتصادي والاجتماعي، وهذا معمول به عالميا ويُعد شرطا لأي تطور تكنولوجي. 

 لكن في الجزائر نلاحظ أن 99 بالمائة من الباحثين يتواجدون داخل الجامعات، وهذا يمثل عائقا أمام تحقيق التنافسية للمؤسسات الاقتصادية، ويمنعها من التطور التكنولوجي والابتكار، إذن فالقانون الثالث الذي تم إصداره هذه السنة، سيعمل على إيجاد الميكانيزمات لتحفيز كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية على تحقيق هذا الهدف.  كما يجب التأكيد على أن الباحث الأكاديمي داخل المؤسسات الجامعية، يجب أن يقيَّم وفق الشهادة المعمول بها عالميا، وهي الدكتوراه. الباحث هو كل شخص حاصل على دكتوراه. وفي الجزائر رغم كل الامتيازات التي وفرتها الدولة لصالح الباحثين، إلا أننا نسجل أن أكثر من 70 بالمائة من الباحثين هم شباب لا تتجاوز أعمارهم 40 سنة وغير حاصلين على شهادة الدكتوراه، فيجب العمل على الرفع من مستوى الباحثين الجامعيين وتشجيعهم على مناقشة الرسالة. 

 الباحث الأكاديمي يقيَّم أولا بالشهادة؛ حيث تكمن مهمته في الرفع من مستوى المعرفة، لكن في القطاعين الاقتصادي والاجتماعي الأمر يختلف تماما، لأن من يكوّنون الباحثين هم مهندسون معروفون على المستوى العالمي باسم مهندسي البحث والتطوير، الذين يعكفون على تحويل المعرفة إلى تكنولوجيا، وتجسيد الفكرة لتصبح منتوجا أو خدمة، وهو المفهوم الجديد الذي نسعى لتجسيده في الميدان، كما يُعد ذلك همزة وصل بين الباحث الأكاديمي والتقني، الذي يحوّل الفكرة إلى شيء ملموس، وهي الحلقة التي كانت منعدمة داخل المنظومة الوطنية للبحث العلمي. سنبذل كل الجهود لكي ترفع الشركات الوطنية من مستوى التنافسية على المستويين الوطني والدولي؛ بإنشاء وحدات للبحث والتطوير على مستواها، وأيضا تخصيص موارد بشرية مستعدة لرفع هذا التحدي. 

لكن ألا يتطلب ذلك ميزانية كبيرة؟

❊❊ الدولة أقرت في القانون تحفيزات لتمكين الشركات من تجسيد هذه الفكرة؛ فكل الشركات سواء كانت عمومية أو خاصة والتي تنشئ وحدات البحث والتطوير، ستستفيد من دعم الدولة، كما سيموّل الصندوق الوطني للبحث العلمي كل الشركات المبتكرة، والتي يسهم منتوجها في القيمة المضافة للاقتصاد الوطني. 

ما هي القيمة المالية التي يمنحها الصندوق لهذه الشركات؟

❊❊لا يمكن تحديدها، وتتم وفق ثقل وحدات البحث وما يمكن أن تقدمه من منتوج. 

بالتحديد، كم تبلغ ميزانية القطاع؟

❊❊ الميزانية لم تعد محددة كالسابق؛ ففي كل سنة مالية نقدم احتياجاتنا ونناقش ذلك داخل غرفتي البرلمان، وندافع عن هذه الميزانية حسب أهداف برامجنا. 

المساء: كم عدد الباحثين في الجزائر؟ 

 ❊❊عدد الباحثين الجامعيين والباحثين الدائمين بمختلف شهاداتهم، لا يتجاوز 30 ألفا، وهو رقم ضئيل بالنسبة لـ 40 مليون نسمة، فالمعدل العالمي هو 1080 لكل مليون نسمة، فإذا أخذنا عدد الباحثين في اليابان فهو 4200 باحث لكل مليون نسمة، وبالتالي لم نصل بعد إلى المعدل العالمي. وبالنسبة للذين لديهم شهادة دكتوراه فلا يتجاوز عددهم 5 آلاف باحث. من باب التوضيح، تطلَق كلمة باحث على كل إطار يعمل بصفة رسمية في البحث العلمي؛ عدد الأساتذة عندنا يقدَّر بـ 52 ألف أستاذ ولكن ليسوا كلهم منخرطين في المنظومة البحثية، ومن بينهم يوجد 27 ألفا فقط؛ بما يعني أن العدد لا يصل إلى الضعف.  

كيف يمكن إحصاء عدد الباحثين في الخارج؟

❊❊عادة نكتب للسفارات أو نتصل بالباحثين، ومن ثم نقوم بإعداد قاعدة بياناتية، والتي تحصي إلى حد اليوم 1000 باحث مازالوا يتواجدون في الخارج. أما الذين عادوا منذ سنة 2010 فعددهم يتراوح من 200 إلى 250 باحثا. 

هل ضبطت مديرية البحث العلمي إستراتيجية للاستفادة من الكفاءات في الخارج؟

❊❊نرحب بكل الباحثين الجزائريين الذين يريدون المشاركة في البرامج الوطنية للبحث العلمي ويسعون للرفع من مستواها في الجزائر. لقد وجهنا نداءات للباحثين الذين يملكون أفكارا ابتكارية ويريدون تجسيدها في الجزائر. الأبواب مفتوحة، والدولة توفر لهم امتيازات؛ كأحقية السفر عدة مرات في السنة في الدرجة الأولى في الطائرة، والتكفل بمصاريفهم داخل الجزائر، فضلا عن تخصيص منحة لهم تقارب 45 ألف دج شهريا.  عندما قمنا بحوصلة سنة 2010 سجلنا أن عدد الباحثين الذين شاركوا في البرامج الوطنية لا يتعدى 120 باحثا فقط؛ فليس كل الباحثين المتواجدين في الخارج لديهم رغبة التعاون مع بلادهم وليسوا كلهم يملكون أفكارا ابتكارية، كما أن هناك من لا يرغب البتة في التعامل مع الجزائر. 

تزايد عدد مخابر الباحثين في كل الجامعات، ما هو عددها بالتحديد؟ وهل هناك إستراتيجية متكاملة لعملها؟ أم أن كل جامعة تشتغل باستقلالية؟

❊❊ يجب أن نعرف بأن كلمة مخبر بحث دخلت إلى المنظومة البحثية الجزائرية سنة 2000. بدأنا بإنشاء المخابر داخل الجامعات، وفلسفتنا كانت تتركز على جلب أكبر عدد من الباحثين وتنظيمهم كي يشاركوا بصفة فعلية في البحث العلمي؛ باعتبارها وحدة ارتكازية. غير أن الإشكالية تتمثل في ضمان مستوى الدكتوراه داخل مخابر التكوين، مع حصول نصف الباحثين داخل المخبر على هذه الشهادة، على أن تكون أيضا مشاريع البحث وطنية أو دولية، فهذه هي الشروط لإنشاء المخبر مع ضمان حصوله على ميزانية التسيير والتجهيز. لجلب أكبر عدد من الباحثين نعطي الفرصة للجميع لتقديم ملف التكوين وإنشاء المخابر، وقد سرنا على هذا النهج لمدة 15 سنة، واستطعنا خلالها جلب 27 ألف أستاذ مع إنشاء 1400 مخبر. في تقييمنا النهائي الشامل لهذه السنة والذي ارتكز على دراسة الموارد البشرية ومستوى الشهادة فضلا عن مدى فعالية التجهيزات المقتناة والمشاركة في البرامج الوطنية، قمنا بتصنيف المخابر وفق 3 مؤشرات تحمل اللون الأخضر والبرتقالي 

والأحمر؛ فالمؤشر الأخضر يرمز إلى مخابر الامتياز التي لها القدرة على المنافسة الدولية، والأحمر يعني ضرورة إغلاقها؛ كونها لا تأتي بالجديد. أما المؤشر البرتقالي فيعني منح فرصة أخرى للمخابر المصنفة في هذه الخانة؛ حتى يتسنى لها رفع التحفظات التي وجهتها لها اللجنة. ووفق هذا التقييم وجدنا أن من بين 1400 مخبر يوجد حوالي 400 مخبر في الضوء الأخضر، و100 مخبر في الضوء الأحمر و900 مخبر في الضوء البرتقالي، ولذلك قررنا من هنا فصاعدا أن يكون هناك نوعان من المخابر، مخابر امتياز وطنية تشارك حقيقة في تطور المعرفة والتكنولوجيا وحل مشاكل القطاعات الأخرى، ومخابر محلية تكون تابعة للجامعة الأصلية.

أما مسألة التمويل فستكون صعبة للمخابر الوطنية؛ كونها ستتم عبر تحديد الأهداف وليس بصفة أوتوماتيكية. المخابر المحلية ستكون عبر المجالس العلمية بصفة ضئيلة، وفي نفس الوقت تمنح الفرصة لهذه الأخيرة للوصول إلى صفة الامتياز، وبالتالي التحول إلى مخبر وطني، وهذه فكرة جديدة في إستراتيجية عملنا، والتي نسعى من خلالها للتفريق بين الامتياز والرداءة لتشجيع التنافسية. بالنسبة لعمل المخابر يجب الإشارة إلى استقلالية عمل الباحث على مستوى المخابر المحلية؛ إذ لا أحد يتدخل في مهامه مثلما ينص عليه الدستور الجديد، في حين أن المخابر الوطنية تعمل وفق مشاريع لها صلة باحتياجات الدولة والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية حتى تأتي بقيمة إضافية للوطن، وهذا هو الفرق بين الشكلين. 

ما هو عدد الاختراعات المسجلة؟ وهل تتم داخليا أم على مستوى شراكات مع مخابر أجنبية؟

❊❊: لدينا عجز كبير جدا في الابتكار وفي البراءات العلمية؛ لأن الجامعات الجزائرية في شكلها الحالي كلها جامعات ذات نظام أكاديمي محض وليست جامعات ذات توجه تطبيقي، على غرار جامعتي "أمايتي" بالولايات المتحدة الأمريكية التي لها 1000 براءة، والأمر نفسه مع جامعة "تكنيشت" بألمانيا. وبما أن الجامعات الجزائرية لها الاتجاه الأكاديمي فهي لا تشجع التطور التكنولوجي، وبالتالي فعدد البراءات ضئيل جدا ولا يتجاوز 170 براءة، وهو عدد لا يقارن ببراءات الجامعة الأمريكية المذكورة حتى ولو جمعنا كل الجامعات الجزائرية.  بخصوص الابتكارات الآتية من القطاعين الاقتصادي والاجتماعي في أي دولة يُفترض أن تقدَّر بـ 90 بالمائة، أما إذا لم نجسد فلسفة البحث والتطوير داخل مؤسساتنا، فؤن ذلك سيحول دون تحقيق الابتكار والتوصل إلى خدمات جديدة، وهذا يمثل أكبر عجز في النمو الاقتصادي في بلادنا. 

 تجدر الإشارة إلى أن 95 ٪ من البراءات محلية وليس لها علاقة بالشريك الاقتصادي والاجتماعي، وهي متواجدة في المخابر فقط ولم تتحول إلى قيمة إضافية؛ لأن هناك مشكلا كبيرا في القطاعين الاقتصادي والاجتماعي، والمتمثل في انعدام الثقة في المنتوج البحثي الجزائري، لذلك أغتنم الفرصة بالقول إذا كان هناك شعار يدعو إلى استهلاك كل ما هو جزائري فالبحث العلمي معني أيضا بهذا الشعار، هذا نداء لكل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية التي يجب أن تثق في القدرات والكفاءات الجزائرية؛ لأن ذلك سيؤدي حتما إلى رفع مستوى الابتكار داخل هذه المؤسسات. 

وماذا عن الشراكات مع الأجانب؟

❊❊ لا توجد. الأفكار بدأت تتغير اليوم داخل القطاعين الاقتصادي والاجتماعي. منذ 3 أو 4 أشهر بدأنا في شراكات حقيقية خاصة مع المديرية العامة للأمن الوطني ووزارة الدفاع الوطني وسوناطراك ومجمع الإسمنت ومجمع الحديد والصلب. هذه المؤسسات أبدت إرادتها للعمل في هذا المجال من أجل إدماج وحدات البحث والتطوير في هذه المؤسسات وإيجاد الحلول المطروحة على مستواها. والآن بدأنا في توجه جديد، يتمثل في إنشاء فرق مشتركة ومخابر موحدة لرفع هذا التحدي. 

يتحدث البعض عن تحول هذه المخابر إلى أبواب للسياحة الخارجية من حيث فترات التكوين والتربص. هل هناك متابعة من قبل الوزارة أو المديرية بخصوص البحوث المنجزة؟ وكيف تعتمد مقاييس البحوث؟

❊❊بنود ميزانية التسيير لا تسمح بتحويل أموال العملة الوطنية إلى عملة صعبة، وبالتالي المشاركة في الندوات والدورات التكوينية بهذه الأموال ممنوع قانونيا، وذلك يدخل في ميزانية الجامعة.  أما مقاييس اعتماد البحوث فيجب التذكير بأنه في القانونين الأول والثاني للبحث العلمي، لم تكن هناك معايير لتقييم تمويل المشاريع التي كانت تستفيد في السابق من نفس القيمة المالية مهما كانت أهميتها، غير أنه تم استدراك ذلك وقررنا أن يكون التمويل بأهداف محددة وليس بصفة أوتوماتيكية. بالنسبة للتخصصات التي تدعمها الدولة فهي تتمثل في الرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلوم النواة والهندسة بصفة عامة. 

نجد أن الاختراعات المسجلة في الفترة الأخيرة طائرات بدون طيار أين وصلت؟ و هل يمكن التأكيد على أنها صناعة جزائرية 100 بالمائة؟

 ❊❊هي صناعة جزائرية 100 ٪، وأصبحت لدينا محطة تكنولوجية ببواسماعيل مؤهلة لإنجاز هذا النوع من الطائرات، لقد انتقلنا من مرحلة التصميم والتجارب الناجحة إلى التصنيع بصفة احترافية تحت إشراف إطارات كفأة. 

حدثنا عن تجارب أخرى؟

❊❊ لدينا العديد من البراءات والابتكارات في ميدان الصيدلة، الميكانيك، الفلاحة والإلكترونيك وغيرها. بدأنا في تجسيد بعضها ميدانيا، لكن المشكلة الآن هي كيف يمكن أن تؤدي هذه البراءات إلى خلق مؤسسات صغيرة ناشئة، وهو ما يتطلب التمويل من قبل الدولة لتشجيع إنشاء هذه المؤسسات. 

 إلى أي مدى جسدت براءة اختراع الباحثين الجزائريين في عالم الصناعة؟ وماهي العراقيل التي تواجهها؟

❊❊ لما نجسد البراءة داخل الجامعة فيجب أن نتفاعل معها، لأن البراءة أتت من فكرة أستاذ أو باحث، وفي العديد من المرات تكون بعيدة عن الواقع الجزائري، إذن يجب التعامل مع هذه الميكانيزمات منذ البداية وعلى أن تكون بطلب من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية حتى نتوصل إلى منتوج جديد لتسهيل إدماج البراءة في سياسة الشركة. فمثلا شركة سوناطراك كان تستعمل إسمنت خاصا في تشييد آبار البترول مستوردا من الخارج بالعملة الصعبة، وبالشراكة بين باحثين وسوناطراك وإسمنت الجزائر تم تصنيع هذا النوع من الإسمنت الذي تم تجريبه الشهر الماضي بنجاح، واليوم تم إبرام شراكة في هذا الإطار؛ مما سيقلص من نفقات الاستيراد. 

نلاحظ أن أفضل جامعة جزائرية تحتل الرتبة ما بعد الـ 3 آلاف عالميا، في حين نلاحظ أن العديد من الجامعات الخليجية على غرار جامعة الرياض، أصبحت تحتل المراتب الـ 500 الأولى من حيث العدد والنوعية؛ إلى ماذا يعود هذا الترتيب المتقهقر للجامعة الجزائرية؟ هل يعكس ذلك ضعف المستوى أم ضعف الاتصال أم اللغة؟

 ❊❊أولا فكرة التصنيف فكرة عالمية لصالح الجامعات التجارية مثلما نلاحظ ذلك في الـ 100 جامعة المصنفة في المراتب الأولى، كما أن 80 بالمائة هي جامعات خاصة وليست عمومية، وهذه الأخيرة لا تحتاج للإشهار لأن التسجيل فيها يكون بصفة مجانية. الجامعات الخاصة تبحث بالتأكيد عن استقطاب المزيد من الأموال الضخمة والطلبة أيضا. 

ولكون الجامعات الجزائرية كلها عمومية فإنها تحصل على تمويل الدولة وليس هناك تنافسية؛ لأنها تتساوى في الفرص والتمويل، لذلك يجب إنشاء جامعات خاصة في الجزائر لخلق التنافسية التي نراها مثلا في الثانويات الخاصة، التي تكون نسبة النجاح بها أكبر. كما أن التنافسية هي التي ترفع من مستوى التكوين. في الولايات المتحدة الأمريكية نجد مثلا 4 آلاف مؤسسة بحثية وجامعية، كما أن عددا كبيرا من الجامعات في هذا البلد تأتي بعد الجامعات الجزائرية لأنها عمومية. 

بالنسبة لدول الخليج نلاحظ أن جامعات تحظى بتصنيف أفضل من الجامعات الجزائرية، وهنا يجب الأخذ بعين الاعتبار بأن القاعدة البشرية لهذه الجامعات ليست وطنية 100 ٪؛ حيث تستقطب أحسن الأساتذة في العالم، كما أن سيرهم الذاتية تحسب على هذه الجامعات، وبالتالي تصنيفها يكون أفضل، لكن هل ذلك يعكس الصورة الحقيقية لهذه الجامعات في الوقت الذي يدرس 100 ألف طالب سعودي في الخارج مثلا؟

هناك من يشكّك في التصنيف الدولي للجامعات؟

❊❊لا يجب التشكيك في هذا التصنيف؛ لأنه حقيقي ولا يجب أن نكذب على أنفسنا. عندما نلاحظ أن 70 بالمائة من مكونات الجامعة الجزائرية غير متحصلة على شهادة الدكتوراه، فكيف نطمح للحصول على أعلى المراتب، يجب التفكير في كيفية الرفع من مستوى القدرات التي تدرس في الجامعات الجزائرية بالدرجة الأولى؛ فمثلا نلاحظ أن كل الإطارات المتواجدة في مؤسسات الدولة المتخرجة في سنوات السبعينيات والثمانينيات، لها قدرات تكوينية عالية لأنها درست على أيدي متعاونين من كل بلدان العالم، كانوا يشكلون 80 بالمائة من القدرة البشرية للجامعات الجزائرية قبل أن يتم جزارتها؛ حيث تولى مهمة التدريس حاملو شهادة "الماجستير". والمشكل يكمن حاليا في الرفع من مستوى الموارد البشرية من الناحية البيداغوجية والعلمية، باستدراك اللغة؛ لأنها تعد الحاجز الأكبر بين المؤطر والطالب، والرفع أيضا من المستوى العلمي شرط الحصول على الدكتوراه. نحن نعتمد أنظمة تعليمية بعيدة عن واقعنا وبدون التفكير في انعكاساتها على الواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، فيجب تحديد الأهداف أولا. 

في نظرك، هل تراجع مستوى التكوين في الجامعات؟ فمثلا نجد في قطاع الصحة أن الجزائريين يذهبون إلى دول مثل تونس وتركيا للعلاج رغم أن أكثر من 30 بالمائة من أطباء تونس، تخرجوا من مدارس الطب الجزائرية، غير أن الواقع انعكس اليوم، هل يرجع ذلك إلى السياسة الصحية المنتهجة أو وجود اختلالات في التدريس؟ 

❊❊ لا يجب أن نفرق بين نظام التكوين في الطب والمجالات الأخرى؛ لأن المشكل في نوعية التأطير؛ حتى في فرنسا تقرر إعادة النظر في التكوين في هذا المجال. في الدول الأنجلوساكسونية مثلا نلاحظ أن دراسة الطب تستغرق 10 سنوات؛ لأنه يشترط الحصول على شهادة في العلوم الأساسية.كما أن الطبيب في الولايات المتحدة الأمريكية هو من يقوم بكل شيء؛ من فحص وإجراء تحاليل وغير ذلك؛ لأنه بيولوجي بالدرجة الأولى، ومؤهل للقيام بكل ذلك. ضعف التكوين في مجال الطب في الجزائر مرتبط بعدة عوامل، أبرزها غياب علم التشريح واقتصار ذلك على الجانب النظري فحسب؛ بسبب صدور قانون في التسعينيات ينص على منع الشريعة تشريح جثة الإنسان. في نظري يجب تغيير هذه الذهنية وإزالة الطابوهات أمام التطور العلمي، ومن غير المعقول ألا يرى الجراح عضوا من أعضاء الإنسان إلا بعد أن يجري عمليته الأولى!

اللغة الإنجليزية أصبحت أمرا لا مفر منه في البحث العلمي، تليها بدرجة أقل اللغة الإسبانية، ألا يعتبر التكوين باللغتين العربية والفرنسية في مجالات البحث، عثرة، علما أن التجهيزات المتوفرة كلها باللغة الإنجليزية؟

❊❊ليست لدينا الآن الكفاءات والقدرات والموارد البشرية للتدريس باللغة الفرنسية، فما بالك باللغة الإنجليزية؛ حيث عدد المؤطرين ضئيل جدا، وغالبا ما يتم الاستعانة بالحاصلين على شهادة الليسانس باللغة الإنجليزية للتدريس في الجامعات. أرى أنه لا مانع من استقدام أساتذة من الخارج، كالهند وباكستان مثلا، لأن تحدي الجامعة الجزائرية هو الانفتاح على العالم. 

هل هناك عقود بين الجامعات الجزائرية والجامعات الأجنبية؛ كتبادل الطلبة مثلا؟

هناك العديد منها، لكنها تبقى مجرد حبر على ورق، لأن تجسيد ذلك ميدانيا يتطلب ميكانيزمات وتمويلا، فنظام "أل أم دي" في أوروبا يختلف عما هو موجود عندنا؛ لأنه مبنيّ على الحركية والتنقل والتكفل، فهناك تناغم في السياسات الأوروبية عندما يتعلق الأمر باستقدام طلبة الاتحاد للدراسة في مختلف الجامعات الأوروبية لمدد معيّنة، حيث يتم التكفل بكل المصاريف، وبذلك يمكن القول إننا اعتمدنا نظاما لم نكن مهيئين له. 

هناك أسماء علماء جزائريين لا يتم استغلالهم والاستفادة من بحر علمهم الواسع، على غرار محمد بنات الذي يقود الأبحاث النووية في اليابان، وصديقك بلبشير المختص في الكيمياء النووية؛ لماذا لا تعطى لهم صفة الأساتذة الزائرين بدل أن يدرّسوا في جامعة واحدة؟

❊❊كل الأبواب مفتوحة للباحثين ولابتكاراتهم، لكن يجب التفريق بين النظري والتطبيقي عند تجسيد الأفكار، ليس لدينا باحثون ممن يملكون سلطة القرار في المخابر والجامعات الأجنبية التي يعملون فيها، ليتسنى لهم مساعدة بلدهم، فمثلا هناك باحث صيني أمريكي حاصل على جائزة نوبل في الفيزياء، يملك مخبرا كبيرا في جامعة كاليفورنيا، نصّب علم بلده داخل الجامعة. هذا الشخص فرض نفسه ويدرك بأن الولايات المتحدة لا يمكنها الاستغناء عنه، فليس لدينا هذا النوع من الباحثين؛ فإذا تكلمنا عن الباحث زرهوني نجد أنه قام بأشياء كبيرة، وأتى إلى الجزائر ليس بصفة شخص باحث بل كمسيّر للبحث العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا بد من التفريق هنا بين الباحث والمسيّر. نحن لدينا مسيرون من هذا النوع، لكن عدد الباحثين الذين يعملون في إطار تحويل التكنولوجيا لا يتجاوز عدد أصابع اليد. كما أننا لا نحتاج لمحاضرات، بل لمن يعطي قيمة إضافية للاقتصاد الوطني.  

الاتحاد الأوروبي خصص منحا للدول المغاربية لتكوين الإطارات؛ لماذا لا تستغل الجزائر هذه المنحة؟

❊❊استقبلت منذ أيام المديرة العامة للبحث العلمي في الاتحاد الأوروبي، وأكدت لي أن المشاريع التي تقدمها الجزائر نسبة نجاحها تقدّر بـ 25 ٪ مقارنة بمشاريع الدول الأخرى التي لا تتجاوز 13 ٪، وبالتالي فإن المشاريع الجزائرية امتيازية. ونحن إذا أردنا المشاركة في المشاريع الدولية فيجب انتقاؤها على أن تكون رائدة وتليق بمكانة الجزائر؛ لأنها تعكس صورة الجامعة الجزائرية والبحث العلمي، وتعود بالنفع على الاقتصاد الوطني.