الممثل المسرحي بوحجر بوتشيش في حوار لـ"المساء":

يجب التوقف عن الفعل المسرحي لمدة ثلاث سنوات

يجب التوقف عن الفعل المسرحي لمدة ثلاث سنوات
الممثل المسرحي بوحجر بوتشيش
  • القراءات: 1539
حاورته: دليلة مالك حاورته: دليلة مالك

خرج الممثل المسرحي بوحجر بوتشيش من الدورة الـ14 للمسرح المحترف متوجا بجائزة أحسن ممثل، فضلا عن تتويج مسرحية "خاطيني" التي كان ضمن تشكيلتها الفنية، بالجائزة الكبرى للمهرجان، لكنه في هذا الحوار مع "المساء"، يدخلنا في إشكالات المسرح في الجزائر، إذ يعتقد أنها تجارب مسرحية، وذهب بعيدا ليدعو إلى التوقف عن الفعل المسرحي، بهدف المراجعة وتصحيح الأخطاء، وعبر عن حلمه الذي لم يتحقق بسبب إجراءات إدارية يمكن أن يجد حلا بكل سهولة، بل وأسهل من شرب الماء، على حد قوله.

أنت ممثل مسرحي محترف، كيف تشخص حالة المسرح الجزائري الراهن؟

❊❊ أنا لا أؤمن بمصطلح المسرح الجزائري، أعتقد أن هناك شيئا اسمه تجارب مسرحية في الجزائر، وهي عبر الأوقات تغيرت، لكن المسرح لم يتغير، وكأنها تأقلمت مع الظرف، على سبيل المثال، لما نذهب لستينات وسبعينات القرن المنصرم، نجد الاشتراكية في تجارب ولد عبد الرحمان كاكي وعبد القادر علولة، ونرى تجاربهم في مسرح الحلقة. أرى أن المسرح يضيع وقته، وهذه قناعة شخصية، كان الأجدر منذ البداية، أن نسميه مسرحا إغريقيا، ولماذا نذهب لإنشاء مسرح جزائري، لأننا في الواقع نمارس المسرح الإغريقي واستثمرنا فيه، وحاولنا وضع إسقاطات بالقواعد الأرسطية، التي اشتغل عليها أرسطو، على المجتمع الجزائري، لو تم الاتفاق مسبقا لكسبنا وقتا. ومع تعدد التجارب، ووجود مسارح الدولة، ومن جهة ثانية، التعاونيات والجمعيات المسرحية وغياب قانون الفنان وتشريد الممثل والمخرج المسرحي وغلق المنافذ، والتضييق على حرية التعبير، كلها عوامل شاركت في تخلف أبي الفنون.

الدورة الرابعة عشر للمهرجان الوطني للمسرح المحترف، هي نتيجة حتمية لهذا الراهن. وفترة تفشي فيروس "كورونا" كانت نعمة، حتى نعرف مسرحيا من نكون؟ لو لم يكن الوباء وكانت إنتاجات مسرحية لطيفة، غير أن الأزمة الصحية حالت دون ذلك، والمهرجان في دورة 2021 قدم عروضا مسرحية قديمة الإنتاج، لم يسع لها الوقت أن تقدم عروضا خلال العام المنصرم، وفي نظري، هذا الأمر مؤشر لأزمة كبيرة.

ما الحل في اعتقادك؟

❊❊ الحل أولا أراه في تجديد الذهنيات، ثانيا يجب أن نتوقف عن الفعل المسرحي، وحري بنا التفكر، بالمعنى الديني، أي أن نتوقف عن كل شيء متعلق بالمسرح لمراجعة أنفسنا منذ 1962 دون الخوض في التجارب التي كانت في فترة المحتل الفرنسي، محطة تفكر، لمدة ثلاث أو أربع سنوات.

هناك تجارب مسرحية وليس مسرحا

من يقوم بمهمة "التفكر" وماذا ينتظر منهم؟

❊❊ أولا، يجب أن نهتم بالمعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري ودعمه بقوة، وإن اقتضى الأمر إحضار أساتذة ومختصين من الخارج. ثانيا، لابد من فتح معهدين أو ثلاثة في الشرق والغرب والجنوب كملاحق لمعهد برج الكيفان، حاليا خرجي الجامعة يواجهون مشكلا كبيرا، ففي العام الماضي، لما تخرجت ليسانس في الفنون الدرامية وسجلت في الماستر إخراج مسرحي، كانت هنا المعضلة، فهذا التخصص يحتاج إلى ممارسة، يمكن أن يكون في الدراسات العليا، كالدكتوراه. لابد من إعادة النظر في كل شيء.

لا بد من محطة "تفكر" لمراجعة ما نقوم به    

ما تعليقك على لجنة إصلاح المسرح التي أنشأتها وزارة الثقافة والفنون العام الماضي؟

❊❊ شخصيا سعدت بها، وفرحت بالتسمية التي تضم كلمة إصلاح، بغض النظر عن المبادرة، لأن كلمة إصلاح لغويا، أتى بعد مفسدة، وهو بذلك اعتراف لحال المسرح، لكن من جهة ثانية، وجد أن بعضا من أعضاء اللجنة كانوا في المفسدة، وفي هذه الحالة لم أفهم، إنه تناقض كبير. كيف نقوم بالإصلاح بأشخاص مفسدين؟ وهم أشخاص معروفين. في الأخير، تبقى وزارة الثقافة مسؤولة عن النتائج المنتظرة من هذه اللجنة.

 ضرورة الاهتمام أكثر بالجانب التكويني

ما رأيك في مستوى التكوين المسرحي في الجزائر؟

❊❊ يحيل التكوين الفني في الجزائر إلى اختيارين؛ الأول هو المعهد العالي لمهن العرض والسمعي البصري، والثاني الجامعة وخرجيها، في الحالة الثانية، هي لما ينجح التلميذ في البكالوريا يوجه تلقائيا وفق المعدل الذي ناله، ومن حاز على معدل 10يوجه مباشرة إلى قسم الفنون، كما حدث بجامعة وهران. وأتكلم عنها بحكم تجربة عاشها، أن هناك طلبه، للأسف، لا يعرفون معنى الفن، وليس فقط لا يعرفون مسرحية، وجدوا أنفسهم في هذا القسم في الجامعة. وطلبة مثل هؤلاء ماذا يمكن أن تنتظر منهم. لا بد من وزارة الثقافة والفنون ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن تسقط التوجيه التلقائي لقسم الفنون، أعتقد أن الفن هو اختيار، لا يمكن أن يخضع لمعايير ثابتة.

أما المعهد العالي لمهن فنون العرض، فأعتقد أنه في البدايات كان موفقا، لما جلب أساتذة من الخارج، لاسيما من روسيا، ومن بلدان المشرق، وبفضلهم خلقوا طبقة نخبة معروفين على الساحة، وهم على أبواب التقاعد. واليوم أين يمضي المعهد؟

لي ثقة كبيرة في كفاءة المدير الحالي محمد بوكراس، لكنه ليس المسؤول الوحيد على المعهد، على الجميع المساهمة، بما في ذلك الدولة، من خلال توفير أريحية مالية لجلب أساتذة مختصين من الخارج.

أرفض الظهور في التلفزيون لهذا السبب

❊ لمعت على الخشبة، هل أتتك عروض في التلفزيون أو السينما؟

❊❊ مبدئيا أرفض الظهور في التلفزيون، وأعطيك مثالا لتفسير هذا القرار. مؤخرا، تم الاتصال بي من أجل المشاركة في مسلسل رمضاني، وكلمني المساعد قائلا "بوحجر، عليك بالقدوم إلى العاصمة، هناك دور لك"، فطلبت منه سيناريو العمل، وقابل طلبي بضحك هستيري، ورد المساعد "أقول لك تعالى لتشتغل، وأنت تطلب سيناريو؟"، وقد كنت جديا في طلبي، الذي أراه أمرا طبيعيا. لذلك رفضت الظهور على التلفزيون، لا أقبل لوجهي أن يظهر بهذا الشكل وأنا مشتغل عليه مدة 25 عاما على الخشبة، ثم أبيعه لأجل مقابل مادي. لا أستطيع.

في السينما، لدي تجربتين أو ثلاث، لا أدري لماذا، التجربة الأخيرة كانت مع فيلم "أحمد باي"على الصعيد الشخصي كانت مفيدة، خاصة مع الطاقم الفني وخبرة الإيرانيين التي نهلت منها الكثير. ولي مشاركات بعض الأعمال في الفيلم القصير مع مجموعة من الشباب. لكن العمل في التلفزيون في الظروف التي تحدثت عنها، أرفضها.

تخصص فنون توجه من رغبة وليس بمعدل

حدثنا عن مصير المسرح الخاص الذي بنيته في عين تيموشنت؟

❊❊ منذ سنتين لم أفتحه، ولا أدري ما يوجد داخله. في آخر مرة لما قررت التوقف، وصلني استدعاء من وكيل الجمهورية، مفاده أنني فتحت منافذ النجدة دون تصريح، وأنا لما فتحتها طلبت الموافقة من البلدية، لكن دون رد، وكنت مجبرا على فتحها، ذلك أن المسرح ليس فيه أبواب أخرى في حالة وقوع حادث. وقانونيا المقر ليس ملكي، وقد تحركت لأجل ذلك، ولا يمكنني فتحه، لذلك غلقت الباب مجبرا. أعتقد أني كنت مهووسا بإنشاء مسرح خاص، ولو عاد بي الزمن إلى الوراء لما أقدمت على هذا الفعل من أصله. أنا حلمت وحلمت في بلدي، وليس هناك من يقف ضدي، لكن للأسف، في بلدي تعرضت للحقرة.   

ألا يوجد حل لهذه المبادرة الجميلة؟

❊❊ الحل موجود، وهو أسهل من شرب الماء، هو مجرد مكالمة هاتفية من الوصاية وهي وزارة الثقافة والفنون، بحيث تتصل بوالي ولاية عين تيموشنت وبدوره يعطي أوامره لأملاك الدولة، وهم يسوون الوضعية، كان ذلك عن طريق الكراء باعتبارنا تعاونية مسرحية، أو بعقد امتياز، ذلك المقر لا يمكن الاستثمار فيه، لأنه يقع وسط حي شعبي، وفي الأصل كان مصنعا للخمور وقت المحتل الفرنسي، ويحوي على دهليز  بعمق أربعة أمتار، ولا يمكن أن يتحول إلى معمار، وإنشاء مسرح فيها أحسن استثمار. اليوم تعبت من هذه المسألة التي تعود إلى 13 عاما من العمل. 

ما رأيك في ظهور المسرح الخاص "النملة" بمدينة وهران؟

❊❊ كان حلمي أن يحظى كل حي في الجزائر بمسرح، حتى ولو كان بسعة 40 مقعدا، أتمنى من مبادرة "مسرح النملة" أن تحرك الوصاية لنص قوانين وتسهيلات، وهناك ألف طريقة لتحقيق ذلك، مثلا في الصين، يقتطع مبلغ رمزي من أجر العامل أو الموظف الصين، يستفيد منه المسرح، وفي المقابل يشاهد المسرحيات مجانا. ويمكن أن نفعل هذا في الجزائر، وبذلك يمكن أن ينتعش المسرح في الجزائر بتعاونياته وجمعياته المسرحية.

أنا لست إداريا أو مفكرا، أنا ممثل مسرحي، وقصة إنشاء مسرح خاص في مدينتي تعود إلى عدم وجود فضاء للتمرين. الحلول موجودة، يبقى أن نفكر فيها فقط، وعلى الوزارة المعنية أن تقدم التسهيلات.