الكاتبة سامية بوغرنوط لـ "المساء":

"وصايا السامية" شعلة أدبية وبلسم للمتلقي

"وصايا السامية" شعلة أدبية وبلسم للمتلقي
الكاتبة سامية بوغرنوط
  • القراءات: 7248
حاورتها: لطيفة داريب حاورتها: لطيفة داريب

عادت الكاتبة الشابة سامية بوغرنوط إلى الساحة الأدبية بإصدار جديد تحت عنوان "وصايا السامية زمن الحداثة من رحم الجاهلية"، ليكون المولود الأدبي السابع لبوغرنوط، التي سبق لها أن أصدرت كتبا أكاديمية في علم الاجتماع الأسري والتربوي، والأدب الروائي، وفن الخطابة، والنثر بأنواعه... "المساء" اتصلت بها، وأعدت هذا الحوار. 

❊❊ عدتِ إلى الساحة الأدبية بمولود فريد من نوعه، حدثينا عنه.

"وصايا السامية زمن الحداثة من رحم الجاهلية"، هو عمل أدبي بحت، خاض غمار فن الوصية؛ الأدب الجاهلي الذي جاء بحلة الحداثة. هذا العمل ولوهلة قراءة عنوانه يدفع القارئ نحو منطقة تجاذب بين زمن حاضر وآخر ولَّى، ليشير إلى ولادة حديثة لعصر قديم. يحمل هذا العمل بين دفتيه ثلاثة أبواب رئيسة معنونة حسب نوع الوصية وصاحبها؛ حيث قسمت كل باب إلى قسمين معنونين أيضا "وصايا الأهل إلى الأبناء"، و"وصايا للأقرباء والأصدقاء"، و"وصايا الحكماء إلى القوم""وصايا السامية" عمل فاق التميز، جاء ليحيي هذا الأدب القديم، ويكون بمثابة شعلة أدبية، وتربوية وتنويرية. أردت من خلاله أن أقف أمام صرح الكلم الراقي، وأجوب عوالم الحرف، فأنال من فنه الوفير، وأستعرض بحلّة البوح ما يناجي الفكر، ويخالج الفؤاد، ويسمو بقيمة الخُلق ورفعة الأدب.

"وصايا السامية" عمل فاق التميز، جاء ليحيي هذا الأدب القديم

❊❊ على أي أساس تم اختيار العنوان؟

هو عنوان يفتح تأويله ودلالته أمام القارئ على مصراعيها؛ حيث يتبلور المعنى العميق بأبعاد دلالية وأخرى رمزية، وكلها تصب في مصب علاقة تكاملية، تؤكد مدى نسبية المقاربة بين العنوان وبين المضمون، مع نقل وتفسير الصورة السيميائية الدلالية التي تشي باستقطاب المسوّغات والأطياف التي حلت على هذا العمل، فأعطته صورة حديثة من الواقع الحالي. وفي نفس الوقت استطعت أن أحافظ على جذور هذا الفن الأدبي في ظل الاحتماء بالأصل، فنتج اختيار العنوان عن اجتماع العنوان الرئيس والفرعي، بتأثيرهما تسليما تاما يجمع ما بين وصايا تربوية، وأخلاقية، واجتماعية وثقافية ووطنية، وبين سامية الكاتبة؛ الاسم الذي نُسب إليه هذا النتاج باطنه وظاهره؛ أوله مصدر الاسم في معناه السامي، وثانيه لسموّ قيمته الأدبية العالية والرفيعة.

❊❊ إلامَ يعود اهتمامك بفن الوصية؟

في ظل الإصدارات التي اكتسحت الساحة، يظهر جليا أن أدب الوصايا من الفنون التي تفتقر إليها الساحة الأدبية الجزائرية، بل وينعدم، فجاءت تجربتي الفريدة سباقة للخوض في مثل هكذا نوع أدبي من قلم مبدعة جزائرية، ولأني من عشاق البحث في غابر الأزمان عما يمكن نبشه من أطلال الحرف. أردت من خلاله أن أعتلي منصة الإبداع بشيء يميّز قلم السامية، فيعيد بذلك مجد أدب قديم، ليطفو، من جديد، على سطح الساحة الأدبية الجزائرية. وبما أنني مؤمنة جدا بأن الحرف دليل صاحبه، أسست عقد قران بين قراءة مطولة، وتطلّع فريد لقناعاتي في عالم الحرف، ومزج بين تطلعاتي المعرفية بهذا الفن، وبين زاد تجاربيٍّ حافل؛ بغية تعزيز أفق التوقع لدى المتلقي بقيمة المواضيع المدرجة في هذا النتاج المميّز.

 أردت من خلال هذا الإصدار، اعتلاء منصة الإبداع بشيء يميّز قلم السامية

❊❊ هل ستكتبين مستقبلا في صنف آخر من الأدب الجاهلي؟

بإذن الله... فارتشاف الحرف النبيل من عصر قديم جميل، لم يُشبع مجاعتي الروحية وتعطشي للارتواء من بحر اللغة، فأمتع قرائي من كل لون أحسنه، ومن كل نوع أرفعه، في حين يعكس رؤية جديدة للقارئ المتذوق من جهة. ومن جهة أخرى، حتى أزكي ثورتي في الحرف، وأدعم قضيتي الإبداعية التي طالما أردتها متميزة، ونقية وفريدة في طريقة انتقائها، بعدما اعتدت أن آخذ قضية الإبداع بجدية ودأب.

❊❊ هل الغطس في بحر الأدب الجاهلي يسير، أم يتطلب براعة لغوية وثقافة عميقة؟

فن الوصية هو زبدة مخاض عسير، وخلاصة تجارب طويلة تستدعي أن تصاغ حرفا راقيا زاخرا بالمواعظ القيّمة، حاملا من الجمال الفني والدرجة العالية من الإبداع؛ لذلك ليس من السهل، أبدا، الأخذ بناصية فن أدبي من العصر الجاهلي بدون سابق اطّلاع، وتسخير زاد وافر بالمعرفة المعتمدة على وصلتها الوثيقة والمباشرة بالحياة شرط أن تُنقل بصدق العاطفة، ومصداقية الواقع. أما من ناحية اللغة، فما يغلب على الطابع العام لفن الوصية، هو الأسلوب الذي يترك الموصي نفسه على سجيته، ومدى بلاغته وفصاحته وامتلاكه ناصية اللغة، ثم اللعب على أوتار العبارات، ورشاقة التراكيب، وقصر الجمل بما يتماشى، طبعا، مع المعنى وطبيعة المقام الذي تقال فيه الوصية، وهذا ما كان يكشفه العرب قديما حين كانوا يعنون بتنميق أسلوبهم، ويعتنون بالبلاغة واللغة والإيجاز.

أدب الوصايا من الفنون التي تفتقر إليها الساحة الأدبية الجزائرية

❊❊ ما هي المنهجية التي اعتمدتها سامية بوغرنوط لتحبّذ فن الوصية للقارئ الشاب؟

هي أعمق من كونها منهجية؛ فهي مبدأ أوفيت لأجله حق عشقي للحرف، والذي ارتكزت شمائله على قناعات كثيرة، ترجمتها على ألسنة متعددة، كنت فيها سامية الأم، التي استودعت أبناءها بعد حفظ الرحمن مواطن الأمان والاطمئنان لحرف والدتهم، ليبقى مخلَّدا على صفحات الأيام، جسدت فيها شخص سامية الابنة، التي ضرب فيها وصل الدم من المقربين بالغدر، وعهد الصداقة الذي أوفته على مذبح الصدق مع من اتخذوا من قضية الصداقة نفاقا، وكيف للنوايا أن توفَّق في النهايات! كنت الحكيم الذي أوجز عشق الوطن، ووقف على مسارح الحياة وقفة شامخ، لا يخشى في قول الحق لومة لائم، والأديب الذي أحيا من تحت أنقاض الماضي حكمة الغد؛ ببساطة، اعتمدت الشفافية في نقل الأحداث الواقعية في زمننا هذا، وأقمت حدود الواقع في ملعب الحبر والقلم، بعد أن عكفت بحرفي في عزلة، عن النفاق الأدبي... هي المصداقية وحدها التي ستحبّذ للقارئ هذا العمل، الذي جاء يفضح القادم من العمر بحبر التجربة، وحكمة الدرس.

❊❊ بما أنه أول قلم شبابي يحيي أدب الوصايا في الساحة الأدبية الجزائرية، هل سبق وفكرت سامية في دار نشر تقدم لها هذا العمل المميَّز؟

لأنه نتاج أدبي بحت اعتلى منصة التميز باستحقاق، لأول مرة أرفض فكرة تقديم عملي، وسأترك موضوع تبنّي العمل لمن يريد أن يضيف إلى رصيد إصدارات داره ومكتبته، عملا بثقل الوصايا؛ فمن طالبني بالمخطوط هنيئا له به، غير ذلك فأنا رفضت هذه المرة أن يكون الأمر مجرد اختيار لعمل يزن نفيس القوافي؛ حتى أدفع مقابل جهد كنت سبّاقة إليه، في حين أني مؤمنة جدا بأن من يسعى إلى التميز سيعرف السبيل إليه في جميع الأحوال.

 المصداقية وحدها التي ستحبّذ للقارئ هذا العمل

❊❊ هل للكتابة الأدبية طعم مخالف تماما عن الكتابة الأكاديمية؟

طبعا، والفرق كبير جدا؛ فالكتابة الأكاديمية تكون، عادة، مرهونة بمنهجية محددة حسب الموضوع أو الدراسة التي وجب طرحها، حتى تقدم صورة شاملة، تعتمد على أبحاث عديدة تستوجب استنادها على مصادر ومراجع، ودراسات توثيقية أيضا؛ ما يحدّ من حرية القلم في طريقة نقله، وصياغته، وبذل جهد الاستدلال من النقل والعقل، عكس الكتابة الأدبية وفنونها، التي تعطي مساحة أكبر وأعمق للقلم، فيطلق العنان للإبداع بحرية، وكلما تم إعمال الموهبة وتوجيهها توجيها سليما، كان النتاج الأدبي زاخرا.

 مخاض إنتاج الكتب واحد وإن تعددت فيه الصعاب

❊❊  مشوار حافل بسبعة مؤلفات، ما هو المؤلَّف الذي كانت ولادته عسيرة؟

اختلفت إصداراتي التي قدمتها وتصنيفاتها منذ بداياتي إلى يومنا هذا، منها ما أخذ من عمر التأليف جهدا جهيدا من البحث والتنقيب، ومنها ما ضاع مني، فأعدت رحلة سنوات في ظرف أشهر، ومنها ما أنهك الروح والجسد قبل ميلاده بين تدقيق ومراجعة، وآخر أثقل كواهلي أثناء رحلة نشره وتوزيعه... ليبقى المخاض واحدا وإن تعددت فيه الصعاب.

لأول مرة أرفض فكرة تقديم عملي، وسأترك موضوع تبنّي العمل لمن يريده فعلا

❊❊  كلمة أخيرة بخصوص جديدك، ورسالة لقارئ حرفك.

جاءت "وصايا السامية" لتكون بلسما للمتلقي، وعهدا نازعني فيه حرفي. عمل جدير بالتوقف عنده، وارتشاف ما فيه من الإمتاع الأدبي الفني، ومن الغذاء الروحي والنفسي؛ بأخذ العظة والعبرة من خلال ما سقاه مدادي؛ علّها تكون شعاع أمل، ينير أغوار هذه الحياة وظلمتها، لأترك من خلال هذا الصرح ذات الأثر المميز بالارتقاء كما في كل قضية تبنّاها قبلا... قلمي.

وفي الأخير، وافر شكري وامتناني لجريدة "المساء" على هذا الحوار الماتع والنافع بإذن الله. أتمنى أني كنت خفيفة المقام، سديدة القول والمقال. وتحية عطرة ملؤها المودة، أبعثها من هذا المنبر، إلى كل متابع لحرف السامية. ومسك الختام صلاة وسلام على خير الأنام.