أحمد بلفقير رئيس مصلحة الترميم بالمركز الوطني للمخطوطات لـ"المساء"

نعمل على إنشاء خريطة وطنية للخزائن والمخطوطات

نعمل على إنشاء خريطة وطنية للخزائن والمخطوطات
الأستاذ أحمد بلفقير، المختص في الصيانة والترميم، ورئيس مصلحة الترميم بالمركز الوطني للمخطوطات
  • القراءات: 9787
حاورته: مريم. ن حاورته: مريم. ن

الجرد والحفظ والرقمنة شمل المصحف العثماني الشريف

تحدث الأستاذ أحمد بلفقير، المختص في الصيانة والترميم، ورئيس مصلحة الترميم بالمركز الوطني للمخطوطات، في حوار خص به "المساء"، عن واقع هذا التراث ومدى العناية به من قبل الوصاية، وأهم الخزائن التي تحويه، خاصة بالجنوب الغربي، وكذا الوسائل التقنية والبيداغوجية المعتمدة للحفظ والصيانة، مع العمل على نشر هذه المخطوطات في الأوساط الأكاديمية.

ما مدى أهمية المخطوطات في توثيق التراث والتاريخ الوطني؟

❊❊ تعتبر المخطوطات من الكنوز الثمينة التي تركها الأوائل من الجيل السابق من العلماء والباحثين والدارسين، إذ أنها تمثل إرثا حضاريا وثقافيا واجتماعيا ينم عن وعي الشعوب السابقة، ويعبر عن ثقافتهم ومستواهم العلمي في كل مجالات الحياة، وأمة بغير ماضيها لا حاضر ولا مستقبل لها، فكان من الضروري الاهتمام بالمخطوطات وحمايتها وحفظها، للاستفادة منها، لأن لها دور كبير وأساسي في توثيق تراث الأمة، من خلال الكتب والوثائق التي وصلتنا في وقتنا الحاضر.

كما تعتبر المخطوطات مصدرا أساسيا وهاما في توثيق المعلومات وحماية للهوية الإنسانية، فتوثيق التراث من خلال المخطوطات يعزز التكامل بين أطياف الشعوب، على اختلاف أجناسهم وعاداتهم، ويساهم في التطور الاجتماعي، من خلال التعرف على تاريخ المجتمعات الأخرى، عبر الفهم المشترك للهوية الفريدة التي تمنحها أماكن التراث للمنطقة والوطن ككل. من جهة أخرى، نجد أهمية أكبر للمخطوطات، من خلال جمع التراث والتاريخ الوطني، وإتاحته للباحثين والمحققين والدارسين والطلاب، على حد سواء، ولا تقل أهمية هذا عن التعريف بالموروث الثقافي والتاريخ الوطني، الذي تركه الأجداد للأجيال القادمة من عصارة أفكارهم ونتاج ثقافتهم، وكذا الاعتزاز بما أنجزته الأمم السابقة.

كان من الضروري الاهتمام بالمخطوطات وحمايتها وحفظها للاستفادة منها

ما هو الدور المنتظر من المكتبات العائلية الخاصة؟

❊❊ تتربع المكتبات العائلية، أو "الخزانات" بالمصطلح التراثي القديم، على خزان ثمين وكم هائل من المخطوطات والوثائق النادرة في شتى مجالات الحياة؛ الدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، إذ تعتبر هاته المخطوطات، نتاج حضارات أمم سابقة، وعصارة لمجهود علماء ومؤرخين وناسخين بذلوا الجهد الجهيد والنفيس في التأليف، من أجل استخراج هذا العلم للنور، والذي هو بمثابة موروث ثقافي علمي بامتياز، فكان من الضروري على ملاك هذه الكنوز العلمية، الاهتمام بها والمحافظة عليها، من خلال إتاحتها للباحثين والدارسين والمتخصصين في هذا المجال، من أجل حفظها وصيانتها وفهرستها وتحقيقها ونشرها، لتستفيد منها الأجيال القادمة من خلال المؤسسات المعتمدة في هذا الشأن، على غرار المركز الوطني للمخطوطات والمكتبة الوطنية ومخابر الجامعات، وغيرها من المؤسسات ذات الصلة بهذا الأمر، من أجل إنقاذ هذا التراث الثقافي من الضياع.

ما مدى مساهمة هذه الخزانات العائلية وتعاونها في استرجاع وترميم المخطوطات؟

❊❊ يسعى المركز الوطني للمخطوطات منذ إنشائه، إلى الاهتمام بالمخطوطات والوثائق والمطبوعات النادرة، وهي المهمة التي يسمو إليها قلبا وقالبا، في خدمة التراث الثقافي بكل ما أوتي من قوة وإمكانيات مادية وبشرية، بهدف جرد وحفظ وصيانة وترميم وتصوير ونشر هذا الكنز الثقافي، وهو ما يضمن استمرارية هذا التراث وإبرازه للنور، ومن ثمة الحفاظ على الهوية الوطنية من الضياع، ولا يتأتى هذا الأمر إلا بمساعدة وتعاون أرباب الخزائن مع الهيئة الوصية (المركز الوطني للمخطوطات)، من خلال تكوين رصيد لا بأس به من المخطوطات الورقية والرقمية على مستوى المركز، من طرف أرباب الخزائن والزوايا، في إطار هبة أو وديعة أو عمليات بيع.

لقد استطاع المركز الوطني للمخطوطات، بالتعاون مع ملاحقه بتلمسان وبسكرة، من إحصاء عدد هام من الخزانات العائلية عبر ولايات الشمال والجنوب وفي الشرق والغرب، من أجل إنشاء الخريطة الوطنية لعدد خزانات الوطن وعدد المخطوطات المتواجدة داخل الخزانات، على غرار أدرار وبشار وتمنراست وعين صالح وتندوف وغليزان وتلمسان والشلف وتيارت وغيرها، والعملية متواصلة عبر مناطق أخرى من الوطن، مما يدل على درجة الوعي التي وصل إليها أرباب الخزائن في ضرورة الحفاظ على هذا الموروث الثقافي، عن طريق المساعدة في جمعه وصيانته من طرف الجهات الوصية.

نجد أهمية أكبر للمخطوطات، من خلال جمع التراث والتاريخ الوطني وإتاحته للباحثين والمحققين والدارسين والطلاب

كيف يتم التعريف بهذه الكنوز المغمورة ومحتوياتها في الأوساط العلمية؟

❊❊ تجسيدا لبرنامجه السنوي، يعكف المركز الوطني للمخطوطات على التعريف به وبمهامه، وتنظيم برنامج سنوي عام وبرنامج خاص بشهر التراث الثقافي من كل سنة، حيث يشهد أنشطة مختلفة من ملتقيات وأيام دراسية ودورات تكوينية للطلبة والباحثين، وكذا ورشات تدريبية حول التخصصات التي تنتمي للمركز، علاوة على الخرجات الميدانية إلى المؤسسات التعليمية، منها المعاهد والمدارس التربوية والجامعات، من أجل التحسيس والتوعية بضرورة حفظ وصيانة هذا الموروث الثقافي، بالإضافة إلى الزيارات الميدانية لمختلف الفئات العلمية للمركز، في إطار البحث والتحقيق والدراسة والاطلاع على مكنونات المخطوط وكيفية حفظه، كل هذه الأعمال تجعل من الفئة المثقفة على درجة من الوعي واليقظة بأهمية التراث الثقافي المخطوط والمحافظة عليه.

تتربع المكتبات العائلية أو "الخزانات" بالمصطلح التراثي القديم، على خزان ثمين وكم هائل من المخطوطات والوثائق النادرة في شتى مجالات الحياة

ما هي أهم الزوايا التي تمتلك مثل هذه المخطوطات؟

❊❊ تزخر الجزائر بكم هائل من المخطوطات، تتنوع وتتوزع عبر ربوع الوطن كله، إلا أن الجنوب كان له الحظ الأوفر من هذه الكنوز، وهذا راجع إلى كونه من المناطق التي شهدت حواضر علمية وثقافية، وتتربع على أهم طرق القوافل التجارية العابرة للصحراء إلى إفريقيا، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، توجد زاوية الشيخ الحاج الطيب شاري بكوسام، وخزانة الشيخ حسان بانجزمير، وكذا خزانة الشيخ الكنتي وخزانة الرقاني، وهناك خزانة الزاوية القندوسية ببشار، وخزانة أهل العبد بتندوف، وخزانة لحمامي بعين صالح، وغيرها من الخزانات، وتعتبر منطقة الجنوب الغربي من الأماكن الغنية بالمخطوطات النفيسة، التي تحتاج إلى النبش والدراسة من طرف الباحثين.

أسدت السيدة الوزيرة  تعليماتها بضرورة الاهتمام بجرد وحفظ وصيانة المخطوطات ورقمنتها، على غرار نسخة المصحف الشريف النادر الخاص بالفترة العثمانية

كيف يمكن إعادة بعث الحياة في هذه المخطوطات؟

❊❊ في حقيقة الأمر، إن العمل على المخطوطات مهمة شاقة، خاصة ما تعلق بالجانب المادي أو الكيدكلوجي، وفي نفس الوقت، ممتعة من حيث استخراج مكنونات هذا التراث الثقافي والتعرف عليه جردا وفهرسة وتحقيقا وصيانة، فكان لا بد على الجهات الوصية أن تأخذ على عاتقها هذه المهمة النبيلة، من أجل إعادة بعث الروح الثقافية لهذه المخطوطات النفيسة، من خلال التوعية والتحسيس في الأوساط التعليمية، كالمدارس والمعاهد والجامعات، وإنشاء مراكز خاصة للعناية بهذه المخطوطات الثمينة، ومن ثمة صيانتها وجردها وفهرستها وتحقيقها، على غرار المركز الوطني للمخطوطات وغيره، ثم الاعتماد على الرقمنة كوسيلة أنجع وأنجح وأسهل، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا المخطوطات المخزنة في الصناديق والخزانات الخشبية والحديدية، التي لا تتوفر على شروط الحفظ الجيد، مع حفظ وصيانة وترميم هذه المخزون الهام، بتوفير إمكانيات متطورة في مجال الحفظ والصيانة، وهذا ما يسعى إليه المركز بإمكانياته البشرية والمادية المتوفرة.

الجنوب كان له الحظ الأوفر من هذه الكنوز، وهذا راجع إلى كونه من المناطق التي شهدت حواضر علمية وثقافية، وتتربع على أهم طرق القوافل

هل هناك رعاية رسمية من الوصاية، وماذا عن الكفاءات العلمية؟

❊❊ أُنشئ المركز الوطني للمخطوطات بأدرار، بمرسوم تنفيذي رقم 06-10، مؤرخ في 15 جانفي2006، الموافق لـ15 ذي الحجة من عام 1426، وهو مؤسسة ثقافية علمية تحت وصاية وزارة الثقافة، وطبعا هناك رعاية رسمية من الجهة الوصية، حيث تخول للمركز عقد الاتفاقيات مع الجهات الرسمية الوطنية والدولية ذات الصلة بشأن المخطوطات، وتكوين إطارات المركز داخل وخارج المركز، مع الاستفادة من الخبرات العلمية للكفاءات الرائدة في مجال المخطوطات في التحقيق والصيانة والحفظ.

كان لا بد على الجهات الوصية أن تأخذ على عاتقها هذه المهمة النبيلة، من أجل إعادة بعث الروح الثقافية لهذه المخطوطات النفيسة

حدثنا عن زيارة وزيرة الثقافة والفنون مؤخرا لمركز المخطوطات، وماذا عن المصحف الشريف الخاص بالفترة العثمانية؟

❊❊ نثمن الزيارة الأخيرة للسيدة الوزيرة، التي تعبر عن مدى اهتمامها ورعايتها لهذا المركز، حيث زارت إحدى خزانات ولاية أدرار، واطلعت على مكنوناتها ومحتوياتها ووضعيتها، وأسدت تعليماتها بضرورة الاهتمام بجرد وحفظ وصيانة مخطوطاتها ورقمنتها، على غرار النسخة من المصحف الشريف النادر الخاص بالفترة العثمانية، والذي ترجع كتابته إلى السابع والعشرين من شهر الله الحرام محرم سنة 727 ه.

ترجمة الكتاب منقولة حرفيا من مكان حفظه الزاوية البكرية بتمنطيط أدرار، وهو مصحف منقول من مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وجد مكتوبا بخط كاتبه الإمام الأندلسي أحمد بن علي بن أحمد العبدري المعروف بـ"ابن خليفة"، وصل هذا الكتاب إلى الصحراء على يد سيدي عمر بن محمد بن عمر، في منتصف القرن التاسع هجري، الخامس عشر ميلادي، وقد كان هذا المصحف متواترا بين الأحفاد، عاملين فيه بوصية الأجداد صيانة وحفظا.