طباعة هذه الصفحة

الخبير الطاقوي بوزيان مهماه لـ "المساء":

مشروع قانون المحروقات الجديد سيحرر سوناطراك من الضغوط المالية

مشروع قانون المحروقات الجديد سيحرر سوناطراك من الضغوط المالية
الخبير الطاقوي بوزيان مهماه
  • القراءات: 4018
حوار: حنان حيمر حوار: حنان حيمر

أكد الخبير الطاقوي بوزيان مهماه أن مشروع القانون الجديد للمحروقات يحمل العديد من الميزات والإيجابيات، وأنه موجه أساسا لتحرير سوناطراك من الضغوط التي تعاني منها حاليا، والتي منعتها من تطوير أكثر من 100 حقل تم اكتشافها في السنوات الـ15 الأخيرة، ما يهددها ـ حسبه ـ  بالإفلاس. وفي حوار أدلى به لـ"المساء"، استعرض الخبير أهم ما تضمنه مشروع القانون، شارحا الفرق بين المشروع والقانون الساري، وكذا الإشكالات التي أدت إلى الذهاب نحو وضع قانون جديد للمحروقات، معتبرا أنه من المستعجل المصادقة عليه في ظل وضع طاقوي صعب تتجه نحوه بلادنا.

المساء: ما هو الفرق بين القانون الساري المفعول 05/07 ومشروع قانون المحروقات الجديد؟

الخبير بوزيان مهماه: أهم فرق يتعلق بنظام الجباية، ففي القانون السابق، منظومة الجباية البترولية كانت متعددة ومعقدة وأيضا مرتفعة جدا، حتى أنها أصبحت غير جاذبة للاستثمارات. ولذلك فإن مشروع القانون الجديد عمل على تبسيط النظام الجبائي وتوحيده ووضعه في مستوى المتوسط العالمي للجباية البترولية. فالجباية تقدر بـ85 بالمائة في القانون الساري حاليا، بينما تم تخفيضها إلى 65 بالمائة في القانون الحالي.

ومن بين سلبيات القانون الحالي كذلك، أن التعاقد كان ثلاثيا، بين سوناطراك والشريك الأجنبي ووكالة تثمين موارد المحروقات "ألنفط"، بينما مشروع القانون جعل التعاقد مباشرا بين سوناطراك والشريك، وعزز دور "ألنفط" في اختصاصات الضبط والرقابة، باعتبارها تمثل سلطة الدولة. فالقانون الساري كان يتميز بإطار مؤسساتي جامد وبيروقراطي، مما كان يتسبب في بطء العمليات وتأخير النشاطات، وبالتالي زيادة التكاليف بالنسبة للمستثمرين.

من سلبياته كذلك، مضامينه التعاقدية غير المتوافقة مع الأنماط المعتمدة عالميا، بينما المشروع الجديد جاء لتوضيح الأدوار بين وزارة الطاقة ووكالة "ألنفط" وسلطة ضبط المحروقات والمتعامل الوطني سوناطراك. كما عزز دور سوناطراك كمتعامل باسم الدولة، ووضع منظومة متنوعة من أشكال التعاقد للشريك الأجنبي في المنبع، وجعل سوناطراك تحتفظ بالحق الطبيعي الكامل والانفرادي لنشاط النقل عبر الأنابيب. وحافظ على القاعدة 51/49 واقترح معاملا تصحيحيا لأرباح الشركاء في حالة ارتفاع أسعار برميل النفط فوق عتبة محددة، لصالح سوناطراك.

❊ س: إذا كان القانون يحمل كل هذه الإيجابيات، لماذا يواجه إذا انتقادات كبيرة؟

❊ ج: أقول إن هذه التجاذبات هي نتاج طبيعي لزخم الحراك غير المؤطر، وأيضا شعور نبيل وراق من قبل الحراك ومختلف القوى الوطنية، الحريصة على ثروات البلد وعلى حقوق الأجيال المقبلة. لكن مع غياب المعلومة وتقصيرنا نحن كنخبة علمية وسياسية وكخبراء وشخصيات وطنية في تصدر المشهد وتبسيط المعلومة وكذلك تضمينها للحقائق الفنية والتقنية، جعل جزء من الحراك يتحول إلى الراديكالية، لذلك أقول إنه ينبغي على كل مقومات حراكنا الوطني أن يدرك أن مشروع القانون المقترح موجه أساسا للفضاء الوطني ولقطاع الطاقة الجزائري ولمؤسسة سوناطراك، قبل أن يكون موجها للأجانب، لأن هذا مفهوم مهم جدا وجوهري، حتى لا ينحرف النقاش إلى غير مواطنه الطبيعية. واستدل هنا ببعض الأرقام، أولها أن سوناطراك تقوم حاليا وحدها بإنتاج 85 بالمائة من الغاز، والـ15 بالمائة الأخرى تنتجها بالشراكة مع الأجانب. وفي مجال النفط، تنتج بمفردها 75 بالمائة من الإنتاج الوطني والباقي بالشراكة مع الأجانب.

أتساءل هنا، هل من المعقول طرح قانون لا يتكفل بالمجال الأكبر، وهي القدرات الإنتاجية لسوناطراك. كما أنه على مدى 15 سنة الأخيرة تكفلت سوناطراك بعبء الاستكشاف بنسبة 90 بالمائة لوحدها، وهذا العبء المهول الواقع على عاتقها مكنها من تحقيق 150 اكتشاف لمكامن صغيرة ومتوسطة، من بينها 100 مكمن قابل للاستغلال بطاقة 660 مليون طن مكافئ نفط وهو ما يعادل أزيد من 6 أضعاف سلة صادرات الجزائر من المحروقات في 2018. لكن المشكل أن هذه المكامن غير مجدية اقتصاديا، لأن سوناطراك مع نسبة الجباية المرتفعة المطبقة حاليا، لا يمكنها أن تطور هذه المكامن.

ليفهم القارئ أن الجباية ليست موجهة للمستثمر الأجنبي وإنما للجميع بما فيهم سوناطراك، التي تعد حاليا المتضرر الأكبر من النظام الجبائي. لهذا يجب أن نفهم أن المعني الأساسي بالقانون الجديد هو سوناطراك، وهو يسمح لها بتعزيز دورها وعدم التسبب في ضغوطات مالية عليها، قد توصلها إلى حالة الإفلاس. فالقانون يعالج هذه الإشكالية الجوهرية. وبعد ذلك يمكننا أن نتحدث عمّا يتضمنه القانون كأجزاء تكميلية لنشاطات سوناطراك من خلال الشراكة مع الأجانب، فالأصل هي سوناطراك والشركاء الأجانب هم الفرع.

من جهة أخرى، يجب الإشارة إلى أن وضع الجباية في المتوسط العالمي جاء مقرونا بمبدأين جوهريين، الأول هو حق الامتياز الذي لم يعد نمطا للتعاقد كما في القانون السابق، إنما أصبح مبدأ يسري على كل أشكال وأنماط التعاقد. بمعنى أنه في أي عقد ستنجزه سوناطراك مع الشركاء تكون المكامن الطاقوية المشتركة أو التي يتم تطويرها ملك للأمة الجزائرية ولا يحق لأي شريك أن يمتلكها. والمبدأ الثاني القاعدة 51/49 وهي ليست قاعدة بسيطة، كما يتصورها البعض أو مجرد مزايدة سياسية، بل تحمل معنى جوهريا في تثمين ثرواتنا المنجمية الطاقوية.

فلما يأتي شريك أجنبي ويجلب التمويل والتكنولوجيا والخبرات البشرية ويقوم بكل عمليات الاستكشاف على عاتقه ويتحمل المخاطرة، ويكتشف مكمنا طاقويا، فإنه مباشرة يؤول كحق امتلاك للمجموعة الوطنية وسوناطراك كممثل للدولة. وتأخذ المجموعة الوطنية 51 بالمائة إنتاج صافية، أما في 49 بالمائة المتبقية يتم احتساب التكاليف والخدمات المستحقة، بعدها يتم الحديث عن تقاسم الإنتاج بين الشركاء، بمعنى أن القانون الجديد يضع نصيب الشريك الأجنبي بين 18 و25 بالمائة كأقصى تقدير.

❊ س: الكثيرون لم يعترضوا على القانون بحد ذاته، وإنما على توقيت طرحه للمصادقة عليه، إلا أنكم من الداعين للإسراع في ذلك، لماذا؟

❊ ج: أنا أرى أنه لا ينبغي المجازفة بتأجيل المصادقة على مشروع القانون، لأننا متأخرين جدا فينبغي التأكيد على مبدأين، الأول أنه بالرغم من حديث الناس عن مدى شرعية الحكومة الحالية، فإننا أمام وضع قائم، وهناك قاعدة أولى لا ينبغي تجاوزها، هي الحرص على عدم المساس بمصالح الأمة وعدم تضييع الحقوق، والمبدأ الثاني هو أن الأمن الطاقوي للبلاد يعد خطا أحمر.

لهذا أقول إن الوضع الطاقوي للجزائر سيدخل مرحلة صعوبات جمة، إذا لم يتم إقرار هذا القانون اليوم قبل الغد. ومن يقول غير ذلك عليه أن يجيبني عن السؤال التالي .. ما هي مبررات تأجيل مشروع قانون بهذه الميزات الإيجابية.

إننا اليوم أمام تحدي تعزيز التوازن الطاقوي بين الاستهلاك الداخلي والتصدير الذي سنعجز عنه في آفاق 2027 وأيضا أمام حركية المشهد الطاقوي العالمي وديناميكية الاستثمارات العالمية التي لا تنتظر شهر ولا شهرين. فإذا كان الفضاء المنجمي الجزائري اليوم يتسم بالجاذبية، فإن ترددنا وتأخرنا أشهرا أخرى سيفقدنا هذه الجاذبية، في وقت تتجه فيه استثمارات عدة شراكات طاقوية أجنبية إلى الحقول الجديدة الواعدة في إفريقيا.

ثانيا، إذا كان الاعتراض نابع من التحجج بضرورة وجود رئيس شرعي، فأقول إن أي عقد سيبرم لا يمكن إقراره بدون مصادقة مجلس وزراء تحت حكم رئيس شرعي ونشره في الجريدة الرسمية. لذلك أقول إن المستعجل هو تحرير سوناطراك حتى تذهب سريعا إلى تثمين المكامن المعطلة وثانيا الذهاب إلى اختبار رغبة الشركاء الأجانب بالمجئ، وهذا يقتضي منا سنة أو سنتين، لذا أدافع عن إقرار القانون لتهيئة أرضية إنجاز عقود، وبعدها لا مشكل مع الشرعية.

❊ س: في حال المصادقة على مشروع القانون وفشل أول مناقصة في إطاره؟ ماذا سيعني ذلك؟

❊ ج: ليس هذا هو الإشكال، لأن هذا وارد في أول موعد، لكن من الضروري قبل إنجاز المناقصات من إعداد أرضية لاستشراف رغبات المستثمرين الأجانب بالنسبة لسوق جزائرية تكون سليمة، لهذا لابد من وجود نص قانوني مؤسس مصادق عليه.

فشل مناقصة وارد في أي بلد وليس هو المعيار، لكن لا بد قبلها من وجود رؤية حول الحقول التي نريد تطويرها ومدى جاذبيتها. وهذا لا يمكن الحديث عنه قبل المصادقة على القانون.