طباعة هذه الصفحة

عالم الفيزياء والفلك، الدكتور نضال قسوم لـ«المساء»:

لا يجب أن نخاف من العلم وعلينا احترام الحقائق العلمية

لا يجب أن نخاف من العلم وعلينا احترام الحقائق العلمية
  • القراءات: 3295
❊❊  حاوره: ب.هشام ❊❊ حاوره: ب.هشام

نظرته للحياة علمية، فكره متقد وجلي يجول به ويصول في هذا الكون البديع والواسع الذي يعد مجال تخصصه. لا يحب الخلط بين العلم والدين، جريء في طرحه وتفكيره، يدافع عن حرية التفكير التي يعتبرها مطية الباحث العلمي التي من دونها لا يمكنه السفر في عالم المحسوسات، فالعلم-كما يقول- مجاله الطبيعة أما الدين فهو أسمى من كل ذلك، فهو الذي يضفي على الحقائق العلمية التي توصل إليها البشر معان وروحانيات.    

اختار له والده عبد الرزاق قسوم، رئيس جمعية العلماء المسلمين من الأسماء نضال، وهو اليوم مناضل شرس من أجل نهضة علمية عربية إسلامية.

وأنا أحاوره، أحسست بأنني أمام قامة علمية عربية، بالنظر إلى غزارة أفكاره، وضوح رؤيته وحدة ذكائه، كما أنه يدعو دائما إلى ضرورة تجديد فهمنا للعلم والدين وعدم الخوف من الحقائق العلمية.

هو من بين العلماء الذين جمعوا بين التدريس والبحث العلمي في الجامعة الأمريكية بالشارقة بدولة الإمارات، والعمل في مجال الإعلام العلمي من خلال برنامجه على شبكات التواصل الاجتماعي «تأمل معي» الذي بفضله، اختير العام المنصرم من طرف مؤسسة سويسرية ضمن الشخصيات العربية المائة الأكثر تأثيرا في الوطن العربي.

«المساء» التقته على هامش المنتدى العالمي الثامن للعلوم الذي احتضنه الأردن بمنطقة البحر الميت في شهر نوفمبر المنصرم، فكان هذا الحوار العلمي الشيق.

احتضنت الأردن من 7 إلى 11 نوفمبر المنصرم، فعاليات المنتدى العالمي للعلوم في طبعته الثامنة لأول مرة في العالم العربي، وقد كنت من بين العلماء العرب المشاركين فيه، ما هو تقييمك لهذا المنتدى وما تعليقك على فعالياته؟

❊❊لقد كان حدثا كبيرا ومتميزا بالنسبة للأردن والعالم العربي، فهي المرة الأولى التي يحظى فيها بلد عربي بشرف تنظيمه.

أعتقد أن الفائدة الكبيرة من إقامة مثل هذه المنتديات العلمية العالمية، ليس ما يعرض من علوم وتكنولوجيا وإنما في فرص التشبيك التي تتيحها، فهي تعتبر فضاءات تجمع الباحثين العلميين من مختلف دول العالم وتسمح لهم بتبادل الآراء ووجهات النظر.

كما تعتبر سانحة للإعلاميين للقاء زملائهم والاحتكاك بالعلماء والإطلاع على جديد بحوثهم العلمية.

هي أيضا فرصة للاقتراب من صانعي القرارات السياسية في مجال العلوم كرؤساء دول، وزراء ومديري الشركات العالمية الكبرى، بالتالي فهي فرصة ثمينة لتنمية المعارف في مجال سياسات العلوم، وهنا تجدر الإشارة إلى أن من بين التوصيات التي خرج بها المشاركون في هذا المنتدى، هو إقامة منتدى عربي للعلوم، أعتقد أن الفكرة جيدة لأننا نحن العرب بحاجة كبيرة إلى مثل هذه المنتديات التي تجمعنا من أجل رسم خارطة طريقنا، في سبيل تحقيق نهضة علمية عربية وإسلامية.

«فكرة إقامة منتدى عربي للعلوم جيدة، فنحن بحاجة كبيرة إلى مثل هذه المبادرات

المواضيع التي تم التطرق إليها في هذا المنتدى عديدة ومختلفة، مثل مستقبل الذكاء الاصطناعي، ثنائية الطاقة والماء، هجرة العلماء والأمن الغذائي وغيرها من المواضيع المهمة، هل يوجد منها ما أثار اهتمامك؟

❊❊الموضوع الذي شد انتباهي هو موضوع ورشة «عالمية العلم» التي تم التطرق فيها إلى سبل تعميم العلوم ونقل التكنولوجيا للعالم الثالث والدول النامية، نحن نواجه اليوم في الساحة العلمية، مشكلة كبيرة تتمثل في قيام الدول المتقدمة باحتكار المعلومات والمعطيات العلمية وحجبها عن باقي دول العالم، وهذا يتنافى مع أخلاقيات العلم، مما جعل الكثيرين ينادون بالدفاع عن حق شعوب العالم في العلوم

إن شعار عالمية العلم الذي تتبجح به الدول المتقدمة في المحافل الدولية، هو في الواقع مجرد حبر على ورق، فإذا لم نضمن لكل الباحثين العلميين في العالم نقلا حرا وفوريا للبيانات وكل المنشورات العلمية، فلا يمكننا الحديث عن عالمية العلم.

«عالمية العلم، مجرد شعار وعلى الهيئات العالمية كمنظمة اليونيسكو مناقشة الموضوع بجدية، لأنه من غير المنطقي أن تقوم الدول المتقدمة بمنع تدفق العلوم والتكنولوجيا الحديثة إلى باقي دول العالم بحجة الإرهاب

صرح أحد العلماء الأوروبيين خلال إحدى الجلسات، بأن الغرب لا يمكنه ضمان نقل التكنولوجيات الحديثة والعالية إلى باقي دول العالم، خوفا من أن تقع في أيدي الإرهابيين، فما تعليقك؟

❊❊يبدو أن ظاهرة الإرهاب أصبحت لدى الغربيين بمثابة شماعة يعلقون عليها ما يشاؤون، ليس منطقيا أن نقوم بمنع تدفق العلوم والتكنولوجيا الحديثة بحجة الإرهاب، هم لا يريدون أن يبادلوننا المعطيات والمعلومات العلمية الجديدة حتى نبقى دائما في المؤخرة.

لاحظ معي، أنا على سبيل المثال، باحث علمي مختص في علوم الفضاء والفلك وعملي يرتكز أساسا على رصد النجوم والكواكب، فهل تجد هناك علاقة بين مجال تخصصي والإرهاب؟ طبعا ليس هناك أدنى علاقة، فلماذا يمنعون النشر الفوري للمعلومات والأبحاث الجديدة ويقومون باحتكارها، أنا لا أتحدث عن شخصي فنحن في الجامعة الأمريكية بالشارقة يمكننا الحصول على أحدث البحوث العلمية وما يستجد في عالم التكنولوجيات الحديثة، لكن السؤال يبقى مطروحا على باقي الدول العربية والإسلامية التي يحرم علماؤها من الوصول إلى المعلومات.

أعتقد أنه يجب على الهيئات الدولية كمنظمة «اليونيسكو» والأكاديميات العالمية للعلوم، وغيرهم من الهيئات العلمية العالمية، مناقشة هذا الموضوع مع ممثلي كل الدول بجدية كبيرة للخروج بحلول تكفل عالمية العلم. 

انعقاد المنتدى العالمي للعلوم في الأردن كان في ظروف تمر خلالها المنطقة العربية منذ سنوات بأحداث جيو سياسية، أثرت من دون شك على تطور العلوم والتكنولوجيا فيها، ما تحليلك لذلك؟

❊❊كنا نعتقد في البداية أن الربيع العربي سيحمل معه المزيد من الحريات التي أعتبرها أنا شخصيا حاضنة للبحث العلمي،  لكن ما حدث هو العكس، فقد أعادتنا هذه الثورات لسنوات إلى الوراء، وقد كانت سببا في خراب البلدان التي مرت بهذه التجربة الأليمة كسوريا وليبيا.

أنظر ما يحدث اليوم في هذين البلدين، هل يمكننا الحديث فيهما عن منظومة علمية أو تمدرس أو أي شيء له علاقة بالعلوم والتكنولوجيا؟ هناك جامعات ومدارس دمرت، علماء شردوا، أطفال غير متمدرسين ومآس لا تعد ولا تحصى.

مثلا شعب ليبيا يعيش مأساة تاريخية، ميلشيات تتقاتل، حكومات موازية، مدارس وجامعات ومستشفيات دمرت عن آخرها، حالها بالأمس كان أحسن من اليوم

كثر الحديث خلال هذا المنتدى عن ظاهرة اللجوء القسري للعلماء والطلبة العرب من مناطق النزاع إلى الدول المجاورة والأوروبية، وقد خصصت لذلك ورشة كاملة تم خلالها عرض فيلم وثائقي، والتطرق إلى بعض هؤلاء العلماء الذين تشردوا في المهجر قبل أن يستقر بهم الحال، فما تعليقكم؟

❊❊كما هو معروف، فإن الثورات والحروب الأهلية تكون سببا في هجرة الناس لأوطانها، وقد تسبب الربيع العربي في حدوث نزوح قسري وتاريخي لم تعرف المنطقة العربية مثله من قبل، لقد سجلنا أرقاما كبيرة من آلاف الأساتذة والباحثين العلميين والطلبة، النتيجة أن العديد من الجامعات التي كانت بالأمس تشع علما وحكما، تم إفراغها، وهي اليوم مجرد بنايات تسكنها الأشباح.

للإشارة، لقد تحدثت على هامش المنتدى العالمي للعلوم في هذا الموضوع مع بعض العلماء، واقترحت إمكانية احتواء هؤلاء الطلبة من خلال منحهم فرصة للدراسة عن طريق الأنترنت.

هناك طلبة في مقتبل العمر لم يعد باستطاعتهم إنهاء دراساتهم الجامعية لأن جامعاتهم دمرت أو هاجر أساتذتهم، هل الدراسة بالنسبة إليهم انتهت؟ أبدا إنما هم بحاجة إلى مساعدتنا ويجب أن نتعاون لنجد حلا لهم.

ثم إن التجربة علمتنا بأن أغلب الباحثين العلميين والطلبة الذين غادروا ديارهم، سواء طوعا أو كرها، لا يعودون في غالب الأحيان إلى أوطانهم، لذلك فإن الرهان في هذه الدول التي تعيش مخلفات الخراب العربي قائم من أجل النهوض والتعمير من جديد، على الطلبة والباحثين الذين لم يغادروا ديارهم.

«الثورات العربية كانت سببا في هجرة الكثير من العلماء والطلبة والعديد من الجامعات التي كانت بالأمس، تشع علما وحكما، تم إفراغها وهي اليوم مجرد بنايات تسكنها الأشباح»

هل هناك سانحة لتجسيد ذلك على أرض الواقع؟

❊❊نعم يمكننا تحقيق ذلك، فالذين ناقشت معهم الموضوع، تحذوهم إرادة قوية من أجل إنقاذ هؤلاء الطلبة وقد تبادلت معهم وجهات النظر بحكم أنني حاصل على شهادة من أمريكا في التعليم عن بعد،بالإضافة إلى أن دولة الإمارات لديها بنية تحتية قوية لإقامة مثل هذا النوع من الدراسة بسهولة وقد ناقشت معهم إمكانية إشراك

الجامعة الأمريكية بالشارقة وغيرها من الجامعات في الإمارات في هذا المجال الجديد.

 وهل هناك منظومة علمية لتسيير مثل هذه الجامعات في منطقتنا العربية؟

❊❊هي موجودة في الكثير من دول العالم، لكن ليس بعد في عالمنا العربي. من غريب الصدف أن السوريين كانوا أول من حاولوا إدخال هذه المنظومة في العالم العربي قبل عام 2011،  وستجد كدليل على ذلك صفحة على شبكة الأنترنت تحت عنوان؛ «الجامعة السورية الافتراضية»، اليوم لا نجد لهذه المبادرة أي أثر، وأصحابها قد تجدهم يعانون في الشتات.

أعتقد أنه يجب أن نعمل على إقامة جامعات افتراضية في العالم العربي لإنقاذ مستقبل هؤلاء الطلبة والباحثين العلميين الذين توقفت حياتهم العلمية والطلابية بسبب الربيع العربي،  والأمل معلق على دولة الإمارات للاضطلاع بهذه المهمة، فقد سبق لها أن قامت بعدة مبادرات قيمة من أجل دعم التعليم والعلوم في الدول العربية.

«علينا العمل على إقامة جامعات إفتراضية في العالم العربي،  لإنقاذ مستقبل الطلبة والباحثين العلميين الذين توقفت حياتهم العلمية والطلابية بسبب الربيع العربي، والآمال معلقة على دولة الإمارات للاضطلاع بهذه المهمة 

الحديث عن العلماء والطلبة اللاجئين، يجرنا إلى الحديث عن الأطفال المتمدرسين وعن واقع المدرسة العربية، فتلميذ اليوم هو عالم الغد، كيف ترى واقع المدرسة العربية اليوم؟

❊❊التربية والبيداغوجيا مجال حساس جدا وحيوي، فهناك تطورات ونقاشات ومؤتمرات وتجارب يجب الاطلاع عليها، مثل تجربة الدول الاسكندنافية التي لها باع طويل في مجال التعليم والابتكار، وهي تعتبر من بين الدول الرائدة في جودة التعليم وعلينا نحن في الجزائر وفي الدول العربية أن نستفيد منها.

إن المنهج المعتمد في أغلب الدول المتقدمة، هو المنهج البنيوي الذي يتيح للطفل المزيد من الفرص للتعلم عن طريق الاكتشاف والاحتكاك مع زملائه، وليس عن طريق تلقينه وإرهاقه بالواجبات المدرسية.

وهنا أدعو وزارة التربية الوطنية إلى متابعة التطورات الحاصلة في هذا المجال من أجل تطوير منظومتنا التربوية.

في العام المنصرم مثلا، برزت إيستونيا كبلد رائد في مجال التربية، فمن المفروض أن تتحرك وزارة التربية وتوفد أخصائيين لفهم ما يجري في هذا البلد، بغرض الاستفادة من تجربتهم.

بصفة عامة، مستوى التدريس في العالم العربي لا زال ضعيفا،  باستثناء بعض الدول كدول الخليج التي قطعت أشواطا نحو تحسين جودة التعليم فيها.

خلال العام المنصرم، شاركت بعض الدول العربية في اختبار عالمي لتقييم الطلبة حيث يتم انتقاء ثلاث أو أربع مدارس وإخضاعهم لامتحان هو نفسه في باقي دول العالم، وقد كانت النتائج كارثية بالنسبة لبعضها، كالجزائر التي جاءت متأخرة جدا والأردن التي سجلت نتائج أحسن من الجزائر، لكنها جعلت وزير التربية أنذاك يدلي بتصريحات أكد فيها بأنه تفاجأ كثيرا بتدني مستوى التلاميذ الأردنيين في هذه المادة، فقد كانت بالنسبة له «صدمة كبيرة»، كما قال بصريح العبارة، وهو ما جعل الوزارة المعنية تدرس الوضع عن كثب وتعقد عدة جلسات تفكير للنهوض بالمدرسة الأردنية.

ماذا ينقصنا دكتور؟ لماذا لا نبذل جهودا للنهوض بمدرستنا وإحيائها من جديد؟

❊❊أعتقد أن ما ينقصنا في الوطن العربي هو الابتكار، يجب على واضعي سياسات التعليم عندنا التفكير في طرق جديدة لتلقين العلوم لدى التلاميذ، طرق تعتمد على تكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة وتراعي الحالة النفسية للطفل.

إن الطرق المعتمدة لتعليم الأطفال في الكثير من الدول العربية والتي أساسها حشو رأس الطفل بالمعلومات، أصبحت بالية وهي غير مجدية، وقد أثبتت العديد من الدراسات البيداغوجية أن التلميذ في المدرسة بحاجة إلى الكثير من الحرية في التعامل مع محيطه المدرسي والتفاعل مع معلمه وزملائه.

التلقين خارج أسوار المدرسة مثلا، أصبح يأخذ حيزا مهما في تشكيل المنظومة التربوية في الدول المتقدمة، من خلال إقامة ورشات يدوية أو تنظيم رحلات سياحية في أحضان الطبيعة، هذه التقنيات ليست معتمدة في العديد من الدول العربية وعليه فإن تغييرها أصبح اليوم أكثر من ضرورة.

هناك بعض الدول العربية التي قطعت مشوارا طويلا في مجال الابتكار في التمدرس، كالإمارات العربية المتحدة التي تعتبر رائدة من خلال المبادرات التي أطلقتها لتشجيع التلاميذ على الدراسة، مثل قطار المعرفة ومبادرة تحدي القراءة. في الجزائر هناك مدارس علمية خاصة تعتمد في تكوين التلاميذ على أحدث التكنولوجيات وآخر الابتكارات في مجال البيداغوجيا، لكنها تبقى مبادرات معزولة، وهي تحتاج إلى التعميم، ما رأيك؟

❊❊كما قلت سابقا، الابتكار هو العنصر الأساسي في رسم السياسات البيداغوجية الناجحة، وخير دليل على ذلك ما فعلته الدول الإسكندنافية التي أصبحت تحتل المراتب الأولى عالميا في جودة التعليم.

أظن أنه حان الوقت في وطننا العربي لتغيير كل ذلك، طفل اليوم هو عالم الغد، فإذا لم نستطع ضمان جودة تعليم عالية لأطفالنا اليوم، لا يمكننا توقع بروز علماء كبار في الغد.

«يجب أن لا نخاف من العلم وعلينا احترام الحقائق العلمية، التفكير فيها، دراستها ومناقشتها بجدية، وإذا ما أردنا دحضها فيجب أن يكون ذلك بتقديم دلائل علمية

لنرجع دكتور، إلى أجواء المنتدى العالمي للعلوم، كنت المنسق لمبادرة علمية جديدة تتعلق بالثقافة العلمية في العالم الإسلامي، وقد عقدتم على هامش هذا المنتدى أول لقاء، كيف تم ذلك وما هي أهدافكم؟

❊❊المبادرة ترأسها سمو الأميرة، سمية بنت الحسن، رئيسة الجمعية العلمية الملكية، وهي تضم في عضويتها 12 خبيرا ومختصا في مجال العلوم والإعلام، وقد تم اختياري للتنسيق بين أعضائها، وهي تهدف إلى البحث وإثارة النقاش في علاقة العلم بالدين في العالم الإسلامي وكيفية الترويج للثقافة العلمية في عالمنا الإسلامي.

لقد تم تكليف كل عضو بإعداد ورقة بحث حول موضوع معين له علاقة بالثقافة العلمية في عالمنا الإسلامي، مثل الإعلام ودوره في نشر الثقافة العلمية، المؤسسات التربوية ودورها في الرقي بالثقافة العلمية، المؤسسات الدينية وعلاقتها بالثقافة العلمية، المرأة ودورها في نشر هذه الثقافة، دون نسيان الجانب التاريخي الذي يعتبر أساسيا في مجال نشر الثقافة العلمية في العالم الإسلامي.

ستتوج هذه المبادرة بإعداد تقرير من حوالي 20 صفحة، سيشكل أرضية عمل يمكن الانطلاق منها في سبيل نشر الثقافة العلمية في دول العالم الإسلامي، وستصبح ـ كما نتوقع لها ـ مرجعا هاما لكل من ينشد ترقية الثقافة العلمية في عالمنا الإسلامي والعربي.

هذا يجرنا إلى الحديث عنا لإعلام العلمي الذي يعتبر دعامة أساسية لنشر الثقافة العلمية، كيف ترى دكتور واقع الإعلام العلمي في العالم العربي؟

❊❊الإعلام العلمي في عالمنا العربي ليس في أحسن أحواله،  لأن المتخصصين فيه قليلون جدا، وهذا يعتبر في حد ذاته مشكلا كبيرا.

نحن بحاجة إلى عدد كبير من الإعلاميين العلميين، لأن هناك العديد من القضايا العلمية التي تحتاج للمناقشة والعرض في وسائل الإعلام.

بالنسبة للعلميين الذين يمارسون مهنة الإعلام العلمي، فهذا بلا شك يعتبر إضافة مفيدة، لكن لا يجب الاعتماد عليهم فقط من أجل نشر الثقافة العلمية.

لدي ـ مثلا ـ برنامج علمي تحت عنوان «تأمل معي»، أطلقته منذ حوالي ثلاث سنوات على مواقع التواصل الاجتماعي،  ويتابعه حوالي 60 ألف شخص، فهل هذا كاف لنقل المعلومة العلمية للجمهور العريض؟ أين أنا من القنوات التلفزيونية التي يتابعها الملايين أو المجلات والصحف التي يقرأها الآلاف، لهذا فإنه من الضروري جدا أن يكون هناك تعاون بين العلميين والإعلاميين العلميين، والعمل معا من أجل نشر الثقافة العلمية.

«الإعلام العلمي في عالمنا العربي ليس في أحسن أحواله، لأن المتخصصين فيه قليلون جدا، وهذا يعتبر في حد ذاته مشكلا كبيرا، ومن الضروري جدا أن يكون هناك تعاون بين العلميين و الإعلاميين العلميين، والعمل معا من أجل نشر الثقافة العلمية

هل تعتقد دكتور، أن تخصص الإعلام العلمي يجب أن يكون حكرا على العلماء والباحثين العلميين فقط دون باقي الصحفيين؟ في الجزائر ـ مثلا ـ قامت المدرسة الوطنية العليا للصحافة بفتح «ماستر» في الصحافة العلمية، لكن لا يسمح لغير الحاصلين على شهادات علمية كالطب والصيدلة والهندسة  بمزاولة الدراسة فيها، ما تعليقك؟

❊❊هذا خطأ، لأن خريج مدرسة الصيدلة ـ مثلا ـ لا يمكنه فهم علوم الفضاء والنانو تكنولوجيا والفيزياء النووية، والمهندس في الإلكترونيات لا يمكنه تغطية مواضيع الطب والخلايا الجذعية وغيرها من المواضيع.

أعتقد أن خريج مدرسة الصحافة يمكنه ممارسة الصحافة العلمية، لأن المهم هو الاجتهاد في العمل من خلال محاولة فهم المواضيع العلمية والوصول إلى مصادر المعلومات العلمية الموثوقة ومتابعة آخر المستجدات.

ثنائية الدين والعلم الحديث لازالت تثير الكثير من الجدل منذ أكثر من قرن، وأنت كتبت كثيرا حول هذا الموضوع وقمت مع مجموعة من العلماء في العالم الاسلامي، بمناقشته ضمن مبادرة مستقبل الجامعات في العالم الإسلامي التي خلصتم فيها إلى ضرورة تشجيع الحريات في التفكير وتدريس المواضيع المثيرة للجدل، وذكرتم على سبيل المثال، نظرية التطور التي لازال مفهومها إلى حد الساعة غير واضح للكثيرين في عالمنا العربي والإسلامي، ما تعليقك؟

❊❊أتذكر أنه قبل سنوات، رفض بعض الطلبة المسلمين في بريطانيا، حضور دروس في نظرية التطور بحجة تعارضها مع عقيدة ديننا الإسلامي، على حسب زعمهم، فكتبت مقالا حول الموضوع في جريدة أخبار الخليج الإماراتية الناطقة باللغة الإنجليزية تحت عنوان: «هل يمنع الإسلام حتى دراسة نظرية التطور»؟

ما حدث في هذه الجامعة غير منطقي ويدعو إلى الحسرة، فلم يحدث في تاريخ الحضارة الإسلامية أن حدث منع تدريس أو تعلم نظرية ما لسبب ديني، بالعكس فنحن مطالبون كمسلمين بمتابعة ودراسة كل النظريات العلمية، على الأقل حتى نتمكن من الرد عليها إذا كانت فعلا مرفوضة.

أين يكمن الإشكال دكتور،هل نظرية التطور فعلا تتعارض مع ديننا الإسلامي، هل هناك خلل في فهمها أم أن علماءنا لم يوفقوا في عرضها بمفهومها الصحيح؟

❊❊هناك تخوف من هذه النظرية، فالموضوع أصبح بعبعا يثير جزع بعض العلميين في عالمنا الإسلامي، فما بالك بالرأي العام، بل أكثر من ذلك، هناك من العلميين من يتحاشون الخوض فيها رغم فهمهم لها، لأنهم لا يريدون مواجهة المجتمع ويخافون ردود الأفعال التي تكون غالبا ضدهم.

لقد فشلنا نحن كعلماء في تبليغ المفهوم الصحيح لهذه النظرية،  وحتى إذا كان هناك من العلميين من يحاولون فعل ذلك، فإن رسالتهم تصطدم مع مفهومنا الراكد لديننا الحنيف.

أقول بأن نظرية التطور علمية، لأنها مبنية على أدلة علمية واقعية، ثم إن هذه النظرية عرفت في حد ذاتها تطورات مع تطور العلم الحديث، فعلم الجينات مثلا، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن كل المخلوقات على كوكب الأرض تطورت، وهي لم تكن كما هي عليه اليوم، حتى الإنسان تطور مع مرور الأزمان والعصور، والأدلة العلمية تؤكد أن الوجود الإنساني غير العاقل على كوكب الأرض يعود إلى ملايين السنين.

يجب أن لا نخاف من العلم، علينا احترام الحقائق العلمية، التفكير فيها، دراستها ومناقشتها بجدية وإذا أردنا دحضها فيجب أن يكون ذلك بتقديم دلائل علمية.

هناك الكثير من العلماء والمفكرين في عالمنا الإسلامي الذين تطرقوا لهذا الموضوع قبل داروين، على غرار ابن خلدون والجاحظ وغيرهما ممن طرحوا وناقشوا مفهوم تطور المخلوقات، هذا المفهوم الذي أعتقد بأنه يجب أن ننظر إليه كدليل علمي يضاف إلى دلائل عظمة ربنا في خلقه للكون وليس العكس. 

«نظرية التطور تطورت كثيرا، وهي مبينة على أسس علمية،  لكنها صارت بعبعا تثير مخاوف الكثيرين، وهناك من العلميين من يرفضون الخوض فيها خوفا من مواجهة الجمهور 

 من المعروف أن الدين من بين محركات الحضارة، لكنه أصبح اليوم في عالمنا الإسلامي يشكل عائقا في طريق التطور، ما تعليقك؟

❊❊الدين إيمان وأخلاق، لذا يمكن أن يترجم هذا إلى نمط حياة مليء بالنشاط والعمل، العلم، المساواة والاحترام بين الأفراد، وغير ذلك من القيم التي تشكل لب الحضارة، أما إذا اختزلناه في «يجوز ولا يجوز» بعيدا عن الأمور الجوهرية، فحينها يتحول الدين إلى مثبط وكابح للثقافة والحضارة.

لقد أثبت التاريخ أن كلا التوجهين يمكن أن يحدثا، فقد شهد العالم ما حدث في العالم الإسلامي قديما (العصر الذهبي) وحديثا (العصر الأصولي) وكذلك ما حدث في أوروبا: كبح الكنيسة للفكر الحر، ثم وضع مناهج دراسية في الجامعات سمحت بالتطوير والإبداع، وفي الأخير الانسحاب والقبول بالعلمانية (فصل الدين عن الحكم)...

مشكلة العالم الإسلامي اليوم أنه لم يجد بعد صيغة معقولة ومتناسقة للتوفيق بين التراث والحداثة، وهذه يطول الحديث فيها... ومن شاء فليراجع كتاباتي ومحاضراتي حول الإسلام والعلم الحديث...

تدعو دائما إلى ضرورة التجديد والابتكار في مجال تدريس العلوم في جامعاتنا، هل الجمود الحاصل بلغ درجة مقلقة؟

❊❊إن أي تغيير في المناهج والطرق المعتمدة في التدريس يتطلب جهدا، من الإدارات والمنفذين وهذا متعب ومكلّف (ماديا ومعنويا)، لذا يفضل الناس عادة الإبقاء على الوضع كما هو عليه.

إن تغيير نمط التدريس للعلوم ضروري، وهو متفق عليه عالميا،  وهناك معطيات وبيانات تؤكد أهمية ذلك.

كذلك لو قمنا برفع الرواتب مع إخضاع الأساتذة لتقييم سنوي صارم، سنراهم يسارعون إلى تحسين أدائهم.

حتى الحكومات مطالبة ببذل جهود على مستواها، وهكذا فالكل مسؤول عن الوضع، لأن الكل لا يرغب في القيام بالجهد المطلوب على مستواه.

كنت من بين الأوائل الداعين إلى إنشاء وزارة للعلوم في الجزائر في بداية التسعينات، اليوم نجد الكثير من البلدان استحدثت وزارات للعلوم، بينما لازال المقترح في الجزائر جامدا، ما تعليقك؟

❊❊فعلا كنت ولا زلت من الداعين لفصل العلم عن التعليم العالي، يجب علينا إذا أردنا تحريك المياه الراكدة، أن ننشئ وزارات للعلوم، تهتم فقط بالعلوم وسياساتها بعيدا عن مشاكل الجامعات والطلبة.

هناك الكثير من الدول التي نجد بها وزراء للعلم، في ماليزيا مثلا هناك وزير للعلوم، في جنوب إفريقيا هناك وزيرة للعلوم والتكنولوجيا، وقد شاركت في المنتدى في دولة الإمارات وحدها هناك وزارة للعلوم المتقدمة، وزارة للتربية والتعليم، وزارة للتعليم العالي، ومؤخرا تم استحداث وزارة للذكاء الاصطناعي.

أنا لست هنا لتقديم باقة ورد لحكومة الإمارات، لكنها الحقيقة التي أعيشها يوميا في هذا البلد الذي قطع مشوارا كبيرا في اللحاق بركب العالم المتقدم ومسايرة الزمن... الذكاء الاصطناعي موضوع الغد، إن لم يكن اليوم، وقيام حكومة الإمارات باستحداث وزارة له، هو دليل على أن خطة المستقبل محكمة ومبنية على أسس علمية تحسبا لانفجار الذكاء الإصطناعي.

هل من كلمة أخيرة دكتور؟

❊❊أنا دائما أقول بأن عالم الطبيعة هو مجال العلم، أما الدين فهو الذي يمنح هذا العالم معنى، ويسمو بالعلم نحو مستوى أعلى حتى نفهم سبب وجودنا، ونتمكن من تقوية رابطتنا بخالقنا عز وجل.

لقد خلق الله هذا الكون قبل ملايير السنين، والوجود البشري فيه يعود إلى حوالي ثلاثة ملايين سنة، وأدعو الجميع إلى طرح هذا السؤال: هل وجود الإنسان على كوكب الأرض كان هكذا في لحظة واحدة أم أن ذلك حدث بالتدريج...؟ 

لا يجب أن نخشى طرح مثل هذه الأسئلة ولا يجب أن نخاف من العلم، لأن ذلك سيجعلنا متأخرين ولا نتقدم أبدا.

❊❊  حاوره: ب.هشام