المخرج عبد الباقي صلاي لـ ”المساء”:

قادرون على صنع عشرات الأفلام،،لولا البيروقراطية

قادرون على صنع عشرات الأفلام،،لولا البيروقراطية
المخرج عبد الباقي صلاي
  • القراءات: 1511
سألته: دليلة مالك سألته: دليلة مالك

يكشف المخرج الجزائري عبد الباقي صلاي في حديثه معالمساء، عن الصعوبات التي تواجهه في أداء عمله، والتي حددها في مشكل الإدارة. ويروي تجربة حصلت له مع مصالح ولاية بومرداس. كما تحدَّث عن جديده، المتمثل في فيلم وثائقي درامي عنوانهخنساء الجزائر، يُرتقب أن يباشر تصويره في السنة المقبلة.

ما هو جديد أعمالكم؟

❊❊ لو توخينا الحقيقة فإن الجديد لدينا لا ينقطع أثره، ولا يخبو نوره؛ لأننا دائما على أهبة الاستعداد لكل فكرة جديدة تخص الأفلام سواء الوثائقية، أو التخيلية الدرامية، لكن يتنوع الجديد من حيث الأولويات؛ فهناك أفلام قد تركن لأجل مسمى، وأخرى ربما تركن لأجل غير مسمى، وقد تظهر أخرى قد يئسنا من الاستعداد لها، أو الاهتمام بها. مهنتنا تقتضي أن نعيش على الأفكار والتنوع في ما تعلق بمثل هذا المجال. والجديد هذه المرة حول شخصية نسوية جديدة، لم يتم التطرق لها من قبل، وهذا العمل الذي طال أمده لظروف كثيرة، لكن أستطيع أن أقول إن وقته قد حان اليوم رغم الصعوبات التي نعانيها جراء جائحة كورونا والأزمة الصحية، وحتى الأزمة المالية.

هذا الفيلم يحكي قصة دراماتيكية لامرأة دفعت سبعة من أبنائها شهداء للثورة الجزائرية، لكن في النهاية وجدت نفسها في كوخ حقير تسكنه تقريبا بدون عائل. وليس هذا فحسب، فحتى المنحة التي تُعطى لها فهي منحة ابن واحد فقط من السبعة الشهداء، ويا ليت استفادت من هذه المنحة، بل لم تتمكن من الحصول على حقوقها المادية إلا خلال العامين الأخيرين من عمرها، وتوفيت في كوخها بدون أن يسمع بخبرها أحد!

الفيلم سيكون وثائقيا دراميا، يسلط الضوء على حقيقة هؤلاء الشهداء السبعة، ويرسم معالم سينمائية حول شخصية هذه المرأة التي تسمىفاطمة خطابي، وكيف قاومت محنتها بالصبر، وعاشت على الشظف والحيف، وكيف استطاعت أن تصمت ردحا من الزمن ولم تشكُ أبدا.

أعطيت اسما لهذا الفيلم، هوخنساء الجزائر”. وأردت من خلال الاسم أن أجعل الفيلم ينتمي للجزائر وليس لميلة فقط. وتعطل هذا الفيلم كثيرا، ولكن يبدو أننا سننطلق فيه هذه المرة، ونعطيه بعده التاريخي الحقيقي، فضلا عن أننا نعمل على سيناريو درامي خاص بهذه الشخصية؛ لما تحمله من ركائز فنية، نستطيع أن نجعله فيلما يجسد بحق حياة المرأة الجزائرية خلال الثورة التحريرية وبعد الاستقلال. وهناك أفلام أخرى، لكن كما سبق وتحدثنا، يتطلب ركنهم في درج خاص ريثما يحين وقتهم لرؤية النور.

ولا أخفي سرا؛ الوثائقي رغم تركيبته المالية التي تبدو هينة لدى الكثيرين، فإنها مهمة جدا لو أردنا عملا احترافيا فنيا، ويكون مرجعية. وقلت أعمل هذا الفيلم الوثائقي الذي اتفقت مع ممولين حوله، لأنطلق فيه فعليا العام القادم، ريثما نجهّز الفيلم التخيلي، ونجد التمويل مع جهات أخرى.

هل من جديد في قضية مستحقاتك المالية مع مصالح ولاية بومرداس؟

❊❊ أتعبني هذا الموضوع مع هذه الولاية ومسؤوليها الحاليين، لم أكن أنتظر هذه الإهانة في يوم من الأيام، ولم أكن أتصور أن المسؤولين بهذه الولاية يعاملونني هذه المعاملة غير القانونية، وغير المسؤولة! فعندما أراسل والي الولاية الحالي لا يرد على المراسلات لا سلبا ولا إيجابا، فقط مرة استقبلني بطلب من معارفي في مكتبه، لكن لم يحرك ساكنا، بل رمى بالكرة في مرمى الغير رغم أنه الوالي، وأنا لي عقد ممضى مع الولاية؛ أمضيت العقد مع مسعود حجاج الوالي السابق بأم البواقي، عندما كان مدير إدارة محلية.

للأسف، لا أدري لماذا يعاملونني بهذه المعاملة! ولا أدري معنى هذا التنكر للتاريخ؛ وكأنهم ينتقمون مني لأني عملت فيلما عن بومرداس، وأظهرتها بوجه مشرف عبر التاريخ! المشكلة أن مستحقاتي صُرفت بمقررة من الوالي الأسبق، وأنا أملك هذه المقررة. كما أملك دليل مستحقاتي من الإدارة المحلية نفسها، لكن، للأسف، كلما أقصدهم إلا ويتماطلون، ويرفضون القيام بعملهم الذي يتقاضون عليه أجرا. والي الولاية يقول لي اذهب إلى مدير الثقافة، والأخير يتنكر ويتهرب، وفي النهاية وجدت نفسي محاصَرا بأزمة خانقة. عندما أتصل بهم عبر الهاتف لا أحد يرد، سواء مدير الثقافة الحالي الذي أحمّله جزءا كبيرا من المسؤولية، أو الوالي أو حتى الإدارة المحلية. منذ قرابة ثلاث سنوات وأنا أقصدهم تقريبا ثلاثين مرة؛ في رحلة من ميلة إلى بومرداس مع المصاريف؛ من مأكل ومبيت، وفي النهاية لا أحد يحرك ساكنا، ولا أدري هل لا يخافون القانون، ويتعمدون إتعابي حتى أنهك وأستسلم، وما الغرض من ذلك؟ أم هم فوق القانون؟

قدّمت شكوى للسيد رئيس الجمهورية، وشكوى للسيد وزير الداخلية، وشكوى لوزيرة الثقافة. وسأرفع عليهم دعوى قضائية قريبا. كما أحمّلهم كل التبعات التي حصلت لي على المستوى النفسي والمالي، وكل الخسائر التي لحقتني ذهابا وإيابا، وأنا أسألهم: عندما أصرف على فيلم وأنجزه خدمة للتاريخ، فكيف أصرف على نفسي؟

هم المسؤولون عن هذه الولاية، لهم، أظن، مرتباتهم، ومتأكد لو تأخرت فقط يوما لانتفضوا لذلك، لكنهم لا يقومون بمهنتهم على أفضل وجه التي يأخذون عنها مرتبا؛ ما معنى أنك ترفض أن تعطيني مستحقاتي وقد صُرفت ومرت عبر المراقب المالي والخزينة العمومية؟! أي قانون يجيز لهؤلاء أن يمنعوا عني مستحقاتي التي هي حقي وعرقي؟!

مسؤولو ولاية بومرداس يريدون أكل مستحقاتي بغير وجه حق، هذه هي الخلاصة التي توصلت إليها. ويجب أن يعرف العام والخاص أن أول من خلق هذه المشكلة مدير الثقافة الحالي. وعليه أرجو من الوزير الأول عبد العزيز جراد، التدخل، وفتح تحقيق مفصل، وإن وجد أنني لا أستحقها سأسمح في هذه المستحقات للخزينة العمومية

دخلت عالم السينما من باب الأفلام الوثائقية؛ لماذا هذه الاختيار؟

❊❊التاريخ يشدني بشكل رهيب، ويحفّزني على العمل أكثر من أي شيء آخر. أعتبر نفسي مع الأفلام التاريخية وكأنني أعيش هذه المراحل وهذه الأحداث، وأتفاعل معها. ولأن الجزائر غنية بأحداثها فأنا أعتبر الأفلام التاريخية مكسبا للجزائر، ومكسبا لي. شخصيا، أساهم، ولو بقسط قليل، في تأريخ الأحداث. ولعلمك، لو نتجند جميعا لا أظن أننا نفي حق الجزائر تاريخيا؛ فهي وباعتراف الآخرين من الأجانب، محطة تاريخية، كل شبر فيها يتحدث تاريخا. وكل حدث تاريخي لديه محطات جزئية هي ذاتها تاريخ عريض. ويكفي فخرا ثورتنا المجيدة، التي إلى غاية اللحظة تُعد من أعظم الثورات التي غيرت مجرى تاريخ الأمم في تعاملها مع أشكال الاستعمار.

كيف ترى الإنتاج السينمائي في الجزائر؟ وهل له مستقبل؟

❊❊ الإنتاج السينمائي في الجزائر يجب أن يمر على مراحل لكي يعطي ثماره. أولى هذه المراحل التكوين الصحيح وليس المفبرك، لمن يريد الولوج إلى هذا العالم الرهيب والذي يعتمد على الموهبة والعلم في آن معا. ثاني هذه المراحل النظرة المستقبلية لهذه الصناعة وليست الجزافية والتصور الخاطئ للصناعة السينمائية. وثالث هذه المراحل القاعدة التي نعتمد عليها، وهي قاعات السينما؛ فمن غير المعقول صناعة سينمائية بدون قاعات! أتصور أن الاهتمام بهذه الصناعة من قبل المختصين مع الإرادة السياسية، يجعلان لها مكانا مع الكبار في العالم، وتكون لنا صناعة، فعليا، تساهم في الدخل الوطني.

كيف تجدون العمل الوثائقي وصعوبات البحث والأرشيف؟

❊❊ مشكلة أي عمل هي البحث، خاصة إذا كان العمل تاريخيا، فلا بد من بحث معمق وإلا نقع في الخطأ التاريخي، ونتجنى على الحقيقة. ربما المشكلة الكبرى هي في الأرشيف خاصة، ومعاناتنا نحن من نعمل في هذا المجال، لا تخلو من المخاطرة والضيق؛ فكلما انطلقت في فيلم إلا وانتابني خوف شديد من حيث الأرشيف، كيف نأتي به؟ حتى شراؤه غير متوفر هنا بالجزائر بشكل واسع. ولكن أرى رغم هذه الصعوبات، الفيلم الوثائقي المحترف متعة، يقدّم دائما الشيء الجديد بتقنية جديدة، تسمح للمشاهد بأن يدرك فحوى المضمون من خلال السفر عبر إيقاعه.

حدثنا عن أعمالك التي قدمتها؟

❊❊ قدّمت أكثر من خمسة عشر فيلما، بين ما سبق وبُث في الجزائر تحديدا، ولا أتحدث عما قمت به خارج الجزائر. وهنا أتحدث عن الأفلام التاريخية التي شغلت سنوات عمري. وصراحة، وجدت نفسي متأخرا، أعاني البيروقراطية القميئة التي عطلتنا وأخرتنا، وبدل ما نصنع عشرات الأفلام في السنة الواحدة بتنا نتبع الإدارة التي تقتل كل إبداع!

لقد قدمت فيلما عن بوصوف، وعن بن طوبال، وعن ابن باديس، وعن جمعية العلماء المسلمين، وعن شخصيات كثيرة لجمعية العلماء، أكثر من عشر شخصيات، وعن بومرداس وتاريخها، وعن كاف السما وغيرهم.. كل هذه الأفلام لها نكهة خاصة، تمثل تاريخا بمفرده.