الكاتب الشاب عبد الباسط باني لـ"المساء":

سحر رواية "مطلوعة" ينبع من الجزائر العميقة

سحر رواية "مطلوعة" ينبع من الجزائر العميقة
الكاتب الشاب عبد الباسط باني
  • القراءات: 6541
 لطيفة داريب لطيفة داريب

تناول الكاتب الشاب  والمهندس المعماري عبد الباسط باني العديد من القضايا في روايته "مطلوعة" التي ظفر بها بالمرتبة الثالثة لجائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب "علي معاشي"، دورة 2021 في فئة الرواية. ومن بينها الحالة النفسية لمرضى السرطان، عمالة الأطفال، القتل، أحوال السجناء وغيرها من المواضيع الحساسة.."المساء" بغية منها التغلغل في أعماق رواية "مطلوعة" اتصلت بكاتبها عبد الباسط باني وأجرت معه هذا الحوار.

* تطرقت  في روايتك "مطلوعة" إلى معاناة مرضى السرطان خاصة النفسية منها ونظرة الناس اليهم، هل كان ذلك من محض خيالك أم اعتمدت على أحداث واقعية؟

عندما أكتب الرواية أعيش الحالة التي أكتب عنها والتي تعاني منها شخوصي، وكذلك فعلت في رواية "مطلوعة" إذ أثناء كتابتي للرواية كنت أزور مرضى السرطان في المستشفى وأسمع قصصهم حتى أعطي مصداقية وبعدا أكبر لشخصية روايتي، ووصل بي الأمر إلى انخراطي في جمعية لرعاية مرضى السرطان. نعم عشت هذه التجربة الانسانية بكلّ تفاصيلها.

أثناء كتابتي للرواية كنت أزور مرضى السرطان في المستشفى وأسمع لقصصهم

* انطلقت في روايتك من أحداث اجتماعية ثم ختمتها بحبكة بوليسية، إلى ما يعود ذلك؟

يرجع ذلك إلى اعتمادي لمنحى تصاعدي في كتابة روايتي من حيث تسارع الأحداث. فالوصف يتناسب مع بطء عملية السرد وسيرورة الأحداث، على عكس الحوار والسرد المباشر الذي ظهر في النصف الثاني من الرواية والذي كان على شكل قصة بوليسية متشعبة الأحداث. وهذا حتى أشدّ القارئ أكثر وأعرّفه بطريقة غير مباشرة بالشخصيات الأخرى  وماضيها ونفسياتها.

أنا لا أكتب عن مكان لا أعرفه ولا يوجد أفضل من النسر ليحكي لك عن الجبل 

أنا لا أكتب عن مكان لا أعرفه. ولا يوجد أفضل من النسر ليحكي لك عن الجبل* الكاتب ابن بيئته، فهل كتب باسط عن بيئته؟

أنا لا أكتب عن مكان لا أعرفه. والقرية التي جرت فيها أحداث رواية "مطلوعة" هي قريتي (قرية البلبال) من زاوية نظري مع بعض التعديلات الخفيفة، بما أنني أعرف تاريخ المنطقة جيدا وتضاريسها وعقلية سكانها ونفسياتهم. ولا يوجد أفضل من النسر ليحكي لك عن الجبل.

غلب الوصف على الفصول الأولى لروايتك ثم استعجلت الأحداث في فصولها الأخيرة، هل تعمّدت ذلك؟

نعم تعمّدت تكثيف الوصف في بداية الرواية لأعطي للقارئ مسحا شاملا للمكان الذي تقع فيه أحداث الرواية، حتى أغرز فيه روح المكان وإن تشرب من روح المكان سيتشرب الشخصيات بسهولة ويتقبل دخولها السريع في متن القصة، وبذلك جعلت رواية "مطلوعة" مثل الأغنية العاصمية التي يتزايد إيقاعها أكثر كلما وصلت لنهايتها. فالوصف في رواية "مطلوعة" كان عبارة عن "استخبار" والقصة البوليسية كانت عبارة عن "بروالي" لتسارع أحداثها .

أعرف خبايا عمالة الاطفال لأنني عشتها

* هل تؤمن بضرورة التخاطب مع الطفل القابع في دواخلنا؟

أي انسان يحمل داخله ذلك الطفل الذي يمثّل القلب النقي ومقابل ذلك يحمل ذلك العجوز الذي يمثّل العقل. والطفل من دون عجوز يقوده ويخاطبه من حين لآخر سيضل .

* تناولت في روايتك ظروف السجناء، هل أردت تسليط الضوء على موضوع قلّما تناوله الكُّتاب الجزائريون؟

أردت من خلال رواية "مطلوعة" أن ألمس عوالم مختلفة من القرية إلى المدينة. من حياة الريف إلى حياة الترف. من حياة الحرية إلى حياة السجن. ومن خلال ذلك أردت أن أترك بصمة في أدب السجن الذي لم تكتب فيه الكثير من الروايات الجزائرية على عكس الروايات العربية التي كتبت في هذا الموضوع كثيرا. لذلك أردت أن أعطي إضافة من جهة في هذا النوع من الأدب، ومن جهة أخرى إبراز الجانب النفسي لشخصيتي والتوسّع فيه أكثر. والسجن مكان مناسب للغوص في غمار نفسية أي شخصية واعطائها بعدا انسانيا أكثر.

أردت أن أترك بصمة في أدب السجن الذي لم تكتب فيه الكثير من الروايات الجزائرية

* لم يظهر في روايتك الشعور بالندم لمطلوعة الذي قتل والده. أيضا هل قتله لشخص آخر هو نتيجة الجريمة الأولية؟

انطلاقا من نظرية عالم النفس النمساوي ومؤسّس التحليل النفسي سيجموند فرويد التي تقول إنه إذا أردت أن تعرف نفسية أي شخص عليك أن تعرف كيف عاش أول سبعة أعوام من حياته. لأن العقل اللاوعي سيتأثر بشكل كبير بتلك المرحلة. وانطلاقا من ذلك سيؤثر على الكثير من التصرفات التي يفعلها الشخص عندما يكبر وهذا ما حدث مع لقمان الصابري (مطلوعة) الذي قتل هواري اللاز (أب مطلوعة) متأثرا بالكثير من الدوافع الاجتماعية والنفسية . والشيء الذي حدث مرة سيتكرر أكثر من مرة، ومطلوعة شخصية خسرت حنان الأب لذلك أرادت أن تعوضه ببحثها المتواصل عن الحب. حتى لو كان ذلك بالقتل مجددا، أي اصلاح الخطأ بالخطأ مما يوّلد الخطأ . إلا اننا لا نندم دائما على ارتكابنا للأخطاء . فأحيانا نرى أن ارتكابنا لخطأ واحد قد نجانا من الوقوع في الكثير من الأخطاء التي كان سيسببها خطأ أيضا.

* حدثنا عن تطرقك إلى عمالة الأطفال في روايتك؟

تحتلّ أفريقيا المرتبة الأولى في عمالة الأطفال، فمن ضمن كلّ أربعة أطفال هناك طفل في عالم الشغل، وفي الجزائر نرى هذه الظاهرة منتشرة بكثرة خصوصا في المناطق النائية، وتطرّقت للحديث عن هذه الفئة المهمّشة من الأطفال وجعلت شخصية مطلوعة من هذه الفئة لأنّني شخصيا عشت هذه التجربة في صغري وأعرف تفاصيلها بدقة لذلك لم أجد صعوبة في الكتابة عنها وفي الكتابة عن الشارع وعن الفقر والحياة الصعبة. حياة المزابل والصعاليك والمخدرات الرخيصة. حيث استمدت رواية "مطلوعة" سحرها من الجزائر العميقة ومن هذا الوطن المجروح. ومن بساطة الطفولة والجري وراء لقمة العيش.

أردت أن أترك بصمة في أدب السجن الذي لم تكتب فيه الكثير من الروايات الجزائرية

* أصبحت الكتابات الاخيرة سواء الجزائرية منها او حتى العربية تميل الى اختيار بطل رواياتها مشبعا بالعيوب، ما رأيك في ذلك؟

هو راجع لتأثّر فن الرواية في المجتمعات العربية بواقعها المعيش حيث تستمد ذلك من الحروب والانكسارات والآلام التي يواجهها الفرد العربي كلّ يوم. والفرد الذي يعيش وسط كلّ هذه الآلام حتما سيكون مليئا بالعيوب . وأرى أنّ إبراز بطل من هذا النوع هو بمثابة صرخة في وجه العالم ليلتفت إلى معاناة الانسان العربي. ومن جهة أخرى هو سعي نحو التجديد لأنّ الرواية كفن اشتهر عند الغرب وقد شهد انطلاقته في صنع ابطال خارقين (البطل السوبر هيرو) بغية غرز فكرة قوة الفرد في مجتمعاتهم .