الروائي أديب بن عزي لـ"المساء":

تاريخنا منبع أفكارنا وتصرفاتنا

تاريخنا منبع أفكارنا وتصرفاتنا
الروائي أديب بن عزي
  • 1271
حاورته: لطيـفة داريب حاورته: لطيـفة داريب

❊ الكتابة عن تاريخ بلدنا شغف وفخور بعراقته وثرائه

❊ كلما حفرنا في دواخلنا اقتربنا من الحقيقة

❊ للتاريخ تأثير كبير على حياتنا في أكثر من وجه

❊ للموسيقى مكانة كبيرة في حياتي وكتاباتي

❊ للجزائر أيضا تأثير على العالم

❊ بصدد البحث عن معلومات لأكتب إصداري الثالث

أكد الكاتب أديب بن عزي، في حواره مع "المساء"، مدى قوة التاريخ في التأثير على تفكير وتصرفات الإنسان، مضيفا أن أحداثا تاريخية وقعت منذ مئات أو حتى آلاف السنين، قد تؤثر على حاضرنا بشكل رهيب، وحتى أحيانا من دون وعي منا. وهو ما أراد تبيانه أديب في روايته "فوق الجزائر العاصمة. النجوم فقط"، التي صدرت مؤخرا، عن دار نشر "البرزخ"، وتعد ثاني عمل له من سلسلته المشكلة من أربع روايات.

❊ مزجت بين التاريخ وأدب المغامرات في روايتك الجديدة، إلى ما يعود هذا الخيار؟

❊ يهمني جدا أن أكتب عن تاريخ بلدي العريق، أتحدث في أعمالي عن تاريخ يعود إلى 3000 سنة، والذي عرف حدوث أمور كثيرة لم يستغلها الأدب بشكل كبير، الأنجليزيون مثلا بارعون في هذا المجال، أي في المزج بين التاريخ والأدب البوليسي وأدب المغامرات، عكس الفرنكفونيين، أما عني ككاتب جزائري، فقد رغبت في الكتابة عن تاريخنا، الذي يشعرني بالفخر والاعتزاز.

❊ صدر لك كتابان من سلسلتك التي تضم أربع روايات، ما هي نقاط التشابه بينها؟

❊❊ كلها تبدأ بجريمة قتل لها علاقة بالجزائر، تستمر أحداث الرواية لمدة تسعة أشهر، وتنتهي في 8 مارس 2019، أما عن الأحداث التاريخية التي تمس كل عمل، فهي مختلفة. ففي كتابي الأول المعنون بـ«المد المنخفض"، تناولت فيه أحداثا تعود إلى عام 1830، أما في روايتي الثانية، فتبدأ من عام 1785، أما في العمل الثالث، الذي أنا بصدد البحث عن معلومات تخصه، فسأعود فيه إلى القرن الوسيط بالجزائر، في حين ستكون روايتي الرابعة والأخيرة لسلستي عن التاريخ القديم لبلدي. بالمقابل، تتفق شخصيات الروايات الأربع المختلفة في محبتها للسفر، كما تنتهي رحلة البحث عن مفتاح الجريمة في الثامن من مارس 2019.

❊ لماذا هذا التاريخ تحديدا وهل له علاقة بعيد المرأة؟

❊❊ لأنه يذكرني باليوم الذي شاركت فيه في الحراك، كان ذلك في 8 مارس 2019، نعم صحيح أنه تزامن مع عيد المرأة، لكن في الحقيقة، هو مناسبة لا يتم الاحتفاء بها في الغرب، مثلما يحدث في الجزائر، ودول أخرى. أيضا تبادرت إلى ذهني فكرة أن هذا الحراك لم يحدث فقط بفعل مشروع العهدة الخامسة للرئيس السابق، بل هو نتيجة لتراكمات عديدة، حتى حدوثه بشكل سلمي وناضج، هو ثمرة لتاريخنا.

لهذا أحب أن أكتب عن أمر حدث منذ قرون، أو حتى آلاف السنين، ومن تأثيره علينا في الوقت الراهن، أي أن أتناول مفهوم بما يسمى بـ«تأثير الفراشة"، والذي يقصد به أن رفرفة من جناحيها يمكن أن تسبب إعصارا". الأمور لا تحدث بضربة حظ، بل كل ما نفعله سيكون له نتيجة ما في وقت ما، لهذا يهمني إبراز قصص وأحداث وقعت منذ زمن سحيق، ويتواصل تأثيرها إلى غاية اللحظة.

هذا هو بالفعل لب الرواية بأكملها، بل بالسلسلة كلها، فلو استطعنا مثلا، السفر إلى الماضي، وغيرنا شيئا ما، سيؤثر ذلك على حاضرنا ومستقبلنا. بالمقابل، 95 بالمئة من أحداث روايتي حقيقية، نسجت حولها خيطا لكي أغير وقائعها. 

دائما عن هذا الموضوع، أقدم مثالا، عن جدتي التي تضع وشما يعود إلى قديم الزمان، حينما أقول وشما، فهذا يعني عقيدة وطريقة تفكير وطبيعة تصرف محدد، هي جدتي وأنا متأثر بها وبوشمها طبعا، الذي قد يحدد لي بدون وعي مني، طريقة تفكيري ورؤيتي للعالم، وحتى كيفية تصرفي، لهذا فبعض أفكارنا وتصرفاتنا تعود جذورها إلى آلاف السنين. لهذا إذا عدنا إلى ماضينا، سنفهم الكثير من الأمور التي أثرت فينا بدون وعي منا. وهنا أقدم مثالا ثانيا، حول اهتمام الجزائري بتنظيف بيته ولامبالاته بنظافة حيه، والتي تعود إلى فترة حكم العثمانيين للجزائر، حيث كان الجزائريون يقولون "دار البيلك"، أي أنهم ليسوا معنين بما هو خارج بيوتهم.

❊ تعتبر التاريخ مادة دسمة للكُتاب، أليس كذلك؟

❊ أكيد، صحيح أنني أحب المزج بين عدة أساليب في الكتابة، لكن يهمني جدا إعطاء الصدارة لتاريخنا الذي أفتخر به، فالعديد من الأمور تؤثر فينا، ولا نعرف سبب ذلك، إلا إذا عدنا إلى الماضي. شغفي كبير بالتاريخ، والأدب الجزائري بحاجته فعلا. أتذكر طفولتي حينما كنت أذهب مع أبي في نهاية كل أسبوع إلى المكتبات، هناك تعرفت على تاريخنا وأحببته وما زلت كذلك، بل إنني بحاجة إلى تقاسم هذا الشغف مع الآخرين ...مع القراء.

❊ هل أثرت إقامتك بلندن على رغبتك الشديد في التعريف بتاريخ بلدك وتثمينه؟

❊❊ نعم، ولكن ليس لهذا فقط، تاريخ بلدنا استثنائي من حيث عراقته وثرائه، صحيح أن الجزائر تأثرت بدول عديدة، لكنها في الوقت نفسه، كان لها تأثير كبير على العالم، خاصة في سنوات الستينات والسبعينات، لهذا ركزت في كتبي على سفر شخصياتها في دول لها علاقة ببلدنا. فمثلا في روايتي الأخيرة، سافر جلال بطل العمل، إلى العديد من الدول، مثل الهند وكوبا وكزاخستان وجنوب إفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهكذا فإذا قرأ هندي هذه الرواية، رغم أنه قد لا يهتم بتاريخ الجزائر ولا بعلاقتها بفرنسا، سيجد نفسه، لأنني كتبت عن الهند، وهكذا دواليك. فالجزائر كانت قبلة للثوار ومناهضة للظلم واستحقاقا بالعدل، وهي مواضيع إنسانية تمس كل إنسان في العالم.

❊ تنقلت في حياتك بين عدة دول، ألهذا أيضا تكتب عن السفر كثيرا؟

❊صحيح أنني عشت في دول كثيرة، بسبب عملي، ولدي أصدقاء من مختلف الجنسيات، وهو ما ساعدني في الكتابة، فمرة تواصلت مع صديقة لدي من كازخستان، لأسألها عن أمر يخص بلدها، أردت ذكره في روايتي، فأجابتني بأن معلومتي خاطئة، وصححتها لي، لهذا محظوظ أنا بامتلاك أصدقاء من مختلف الجنسيات.

❊  لكن لماذا اخترت دولا محددة في روايتك هذه؟

❊ اخترت الهند وكوبا والولايات المتحدة الأمريكية وإفريقيا الجنوبية وكازاخستان، لعدة أسباب منها؛ علاقتي الشخصية بها، فأنا أعرفها جيدا، وكذا لعلاقتها التاريخية بالجزائر. في المقابل، أذكر أنني كنت في سنغافورا، والتقيت هناك بصيني حدثني بتأثر بالغ عن الرئيس بومدين، نعم نحن لا ندرك مدى حجم صورة بلدنا في العالم. فقد كانت الجزائر في الستينات والسبعينات قبلة لثوار العالم، الذين كانوا يلتقون ببعضهم البعض في الجزائر العاصمة، كان الأمر رائعا.

❊ روسيا أيضا حاضرة في روايتيك الأولى والثانية، لماذا؟

❊ كبرت في الجزائر في سنوات الثمانينات، حيث كانت لنا علاقة وطيدة بالاتحاد السوفياتي، سابقا، أذكر صديق الطفولة الذي كان نصفه جزائري ونصفه الآخر كازاخستاني، علما أن كزاخستان كانت تنتمي إلى الاتحاد السوفياتي سابقا، علاوة على وجود نقاط تشابه بيننا، مثل النظام الاشتراكي المتبع من طرف البلدين، ومعاناتهما من الحرب المدمرة، حيث فقد الاتحاد 25 مليون شخص في الحرب العالمية الثانية، أما عنا، فخسارتنا أيضا فادحة في حرب التحرير، كما شاهدت عروضا كثيرة للبالي الروسي في سنوات الثمانينات. 

❊ هل أثر عملك على كتاباتك؟

❊ أعمل في مجال التكنولوجيا، خاصة المتعلقة بالأسواق المالية، لقد كتبت في روايتي الثانية عن الذكاء الاصطناعي، الذي سبق لي وأن اشتغلت عليه، بينما انعكست دراستي لهندسة الطيران على مؤلفي، من حيث اختيار بطل الرواية "طيارا"، بالإضافة إلى استخدامي لمعلومات حول الطيران.

❊  للموسيقى مكانة كبيرة في روايتك وفي حياتك أيضا، حدثنا عن ذلك؟

❊ للموسيقى دور كبير في حياة جلال، الذي تلقى صدمات في حياته وعاش طفولة صعبة، لتصبح الموسيقى جزءا من أعماقه، حيث يقبع والداه، أما أنا، فالموسيقى أيضا تشكل عنصرا مهما في حياتي، فلا أكتب إلا وأنا أستمع للموسيقى الكلاسيكية، وقد صاحبتني هذه الأخيرة أيضا في طفولتي رفقة والدتي.

❊ تطرقت في روايتك إلى جحيم الاضطرابات النفسية التي تضرب الإنسان، فتكاد تفقده بوصلته، ومع ذلك أردت لبطل روايتك الخلاص بدل الموت، لماذا؟

❊ مسار الإنسان في الحياة ليس يسيرا، إما أن يفشل أمام التحديات، وقد يهلك أم يجابهها ويكتشف الحقيقة، وجمال كبر في محيط معقد ومجنون، دفعه إلى نسيان العديد من مراحل حياته، لهذا كان عليه أن يبحث عن حقيقته وحقيقة عائلته، رغم خطر الموت المحدق به. وكلما كان الحفر في أعماقه صعبا، كلما دنا من الحقيقة، وهو ما كان.

❊ هل ترجمت روايتك الصادرة باللغة الفرنسية إلى اللغة الإنجليزية؟

❊❊ لا ليس بعد، آمل في ذلك، إلا أنني لا أفكر في ترجمتها شخصيا إلى اللغة الإنجليزية، فترجمتها من شخص آخر أفضل.