عبد الرحمان برقي، ”حكم دولي سابق ورئيس جمعية أولاد الحومة” لـ ”المساء”:

التحكيم يمر بأخطر مراحله

التحكيم يمر بأخطر مراحله
  • القراءات: 2387
 ع. إسماعيل ع. إسماعيل
دعا عبد الرحمان برقي، الحكم الدولي السابق والرئيس الحالي لجمعية ”أولاد الحومة”، إلى ترك حكام مباريات كرة القدم للإدلاء بشهاداتهم حول ما يحدث بالفعل في مجال التحكيم، مع ضرورة ضبط سياسة جديدة في هذا السلك، تسمح له باسترجاع هيبته المفقودة. كما تطرق برقي في هذا الحوار الذي أجرته معه ”المساء”، للعمل الذي تنجزه ”جمعية أولاد الحومة” وآفاق نشاطها في المستقبل.

 كثر الحديث منذ أسابيع عن مساوئ التحكيم التي تقع في البطولة، والتي وصلت إلى حد اتهام الحكام علانية بتلقّي الرشاوىے فما رأيكم في هذا الموضوع؟

ما يقال عن التحكيم في الأوساط الرياضية الكروية فيه كثير من الحقيقة، ذلك أن هذا السلك وصل إلى درجة من التعفن أصبحت لا تطاق، بسبب السياسة الارتجالية المتّبعة من طرف لجنته الوطنية التقنية. وفيما يخصني، لم أقف طيلة مشواري كحكم في الكرة الجزائرية، على الوضع الخطير الذي يمر به التحكيم الجزائري اليوم. تصوّروا أن هذا السلك خرج فعلا من قبضة المديرية الفنية الوطنية للتحكيم، التي أصبحت تحت إشراف بلعيد لكارن، مجرد هيكل إداري يقوم فقط بتعيين الحكام دون أن تفرض وصية حقيقية بخصوص نزاهتهم في إدارة المباريات؛ لأنه تَشكل تنظيم مواز لهذه المديرية ينشّطه بصفة غير شرعية، أشخاص تخصصوا في ترتيب نتائج المباريات، يتلقون رشاوى من الأندية بفضل معارفهم مع أطراف مسؤولة في المديرية المذكورة، مما يسمح لهم بالتأثير على الحكام الرئيسيين ومساعديهم وحتى محافظي المباريات لترتيب نتائج البطولة. وأصبح هؤلاء الأشخاص معروفين حاليا في الوسط الكروي تحت تسمية ”الوسطاء”، الذين توصلوا إلى حد ارتشاء حكام بارزين لم نكن نشك أبدا في نزاهتم.

 لكن من يتحمل هذا الوضع؟

كل ما يحدث من مساوئ في هذا السلك يتحمله بالدرجة الأولى رئيس لجنته الوطنية الفنية بلعيد لكارن، وأيضا ”الفاف” بسبب سكوتها عما يحدث من تجاوزات وأخطاء جسيمة في المباريات، تذهب ضحيتها بعض الأندية التي تنشط في مختلف مستويات البطولة الوطنية لكرة القدم. الخطأ الكبير الذي ارتكبه لكارن أنه لم يبذل المجهودات الكافية في مجال تسيير الهيئة التي يرأسها. وتَسبب هذا التصرف غير المسؤول في خلق ضبابية في مجال التعيينات، راح ضحيتها حكام وجدوا أنفسهم عرضة للمناورات وشتى أشكال الضغط، التي جعلتهم يظهرون للعيان كأطراف مشاركة في تشجيع الرشوة داخل هذا السلك. لقد مست حالات الرشوة جزءا هاما من عالم التحكيم، والدليل على ذلك عقوبات الحبس التي صدرت ضد حكمين من رابطة سعيدة، حيث ثبت ضدهما تلقّي الرشاوى. وأظن أن تواجد الرشوة في سلك التحكيم هو الذي شجعهماعلى القيام بفعلتهما، التي تؤكد أن كرة القدم في بلادنا أصبحت تشكل رهانا ماليا هاما، وتلعب فيه رجالات التحكيم أدوارا أساسية، فلا يمكن إنكار هذا الوضع الذي قد يحطّم نهائيا سمعة التحكيم الجزائري.

 هل تعتقد أن قيام الفاف بنزع صلاحيات تعيين الحكام من بين أيدي لكارن، سيجعل حدا لمثل هذه الممارسات؟

حتى وإن كان التغيير ضروريا، فإن هذا الإجراء الذي اتخذته الاتحادية جاء متأخرا ولا يمكن أن يشكل حلا نهائيا لمعضلة مساوئ التحكيم في بلادنا. الحل ليس في اتخاذ مثل هذا الإجراء، الذي لا أظن أنه سيكون تأثيره إيجابيا لا على السير الحسن للتحكيم ولا على كيفية إدارة مباريات البطولة. لقد قام لكارن بالاستحواذ على كل مجالات تسيير هذا السلك. وإن الحكام لا يمكن لهم في ظل هذا الوضع، التنديد بكل الممارسات، يوجد خلط كبير في التحكيم، وهو العامل الذي يفسر غياب الثقة في أي حكم يدير المباريات.

لكن أين الحل لإعادة ترتيب الأمور داخل لجنة التحكيم؟

يجب قبل كل شيء إعادة النظر في كيفية تسيير هذه اللجنة، التي خسرت فعلا ثقة الأوساط الكروية وحتى الحكام أنفسهم. البداية تكون بالتكفل بصفة جيدة بنظام تعيين الحكام والسماح لهؤلاء بالتنديد بالممارسات والضغوطات التي يتعرضون لها، ليُكتشف شيئا فشيئا خيط المؤامرة التي تحاك ضد هذا السلك.

لنتحدث الآن عن جمعية ”أولاد الحومة” التي تترأسها،كيف يسير نشاطها؟

صراحة، أجد متعة في تسيير شؤون هذه الجمعية، كان بوسعي العمل في هيئات التحكيم و«الفاف” وحتى كنفيدرالية كرة القدم، لكني فضلت اختيار نشاط آخر يرمي إلى إصلاح أفراد المجتمع؛ ”جمعية أولاد الحومة”. قطعت أشواطا كبيرة بعد أن نوعت نشاطاتها. انطلقنا في البداية بعملية تكريم شخصيات رياضية كبيرة من أجل الحفاظ على ذاكرتهم لدى الجميع، إلى جانب تنظيم الجمعيات على مستوى الأحياء، والذي أعطى نتائج مذهلة في مجال تأطير الشبان.

حاليا، نخوض تجربة أخرى، وهي التكفل بإعادة إدماج السجناء في الحياة المدنية، من خلال توفير العمل لهم عند خروجهم من السجن، ومساعدتهم على ترك كل الممارسات التي قد تعيدهم إلى وضعهم السابق. فكرة التكفل بالسجناء جاءت بعد قيامي بزيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، سمحت لي بالاطلاع على نشاط الحركة الجمعوية الأمريكية في كيفية التكفل بالسجناء، سواء طيلة فترة قضاء عقوبتهم أو بعد خروجهم من الزنزانات. قمنا بهذه المبادرة بالتنسيق مع وزارة العدل، حيث وجدنا لدى مسؤولها الأول كل التسهيلات لنجاح مهمتنا. زرنا السجون القديمة والجديدة، وسمح لنا ذلك بإعداد نشاط رياضي في مختلف التخصصات داخل السجون وخارجها، يكون عادة متبوعا بحوارات في مجال التوعية. وبلغ نشاطنا مع هذه الفئة إلى حد تنظيم دورات كروية ما بين السجون، وهي تجربة فريدة من نوعها، فتحت للجمعية آفاقا جديدة في نشاطها، إذ سنؤطر خلال الأسبوع الأخير من الشهر الجاري، بطولة نصف أولمبية ما بين السجون، يشارك في أطوارها السجناء والسجينات في مختلف التخصصات الرياضية. وفي المستقبل ستكون مهمتنا سهلة لتكثيف النشاط الرياضي لدى السجناء؛ لكون السجون الجديدة مهيأة بمنشآت رياضية، مثل ملاعب لكرة القدم وقاعات لرياضات مختلفة ككرة السلة وكرة اليد والكرة الطائرة، وأخرى مخصصة لتقوية العضلات.

إلى أين وصلت مجهودات جمعيتكم للحد من مظاهر العنف في الملاعب والأحياء؟ 

كما تعلمون، ”جمعية أولاد الحومة” عضو في اللجنة الوزارية التي أنشئت لمكافحة أعمال الشغب والعنف، والتي يرأسها وزير الشباب والرياضة محمد تهمي. وقد تمكنت هذه اللجنة من إعداد قوانين مصادق عليها، ستسمح لأعضائها في الأندية ولجان الأنصار والأمن ووزارة الشباب والرياضية والجمعيات المعنية، بمكافحة هذه الآفات بالقيام بدورها على أكمل وجه.

 لكن إلى حد الآن لم نر نشاطا لهذه اللجنة على أرضية الميدان؟ 

السبب في ذلك يعود إلى وجود تأخر في وضع هذه القوانين المصادق عليها، حيّز التنفيذ. وأستغل لقائي معكم لأطالب السلطات بالإسراع في تطبيق هذه القوانين؛ لأن أنواع العنف في منشآتنا الرياضية أخذت في الآونة الأخيرة، أشكالا خطيرة ينبغي وضع  حد لها في أسرع وقت.

كيف تقيّمون الوضع في الملاعب؟

صراحة، الوضع مرعب للغاية في كثير من ملاعبنا! لأن العنف ما انفك يتطور بسبب استعماله من أطراف عديدة مثل المسيّرين والمناصرين والمكلفين بالتنظيم وغيرهم من الأطراف المحيطة بالنوادي. كل من يقصد الملعب اليوم لا يشعر بالأمن، وهذه حقيقة نعيشها منذ عدة سنوات، فبمجرد عملية بيع التذاكر تتحول بسرعة إلى أعمال عنف، مثلما وقع قبل مباراة الجزائر – بوركينافاسو لحساب تصفيات كأس العالم 2014. لو كانت ملاعبنا آمنة لما تدخلت مصالح الأمن للحد من أعمال العنف. وكل ما أخشاه هو أن تتفاقم الأوضاع في مباريات كرة القدم على مقربة من نهاية البطولة. من حين لآخر نقوم بتأطير دورات في كرة القدم، لكن المشاركين عادة ما تعترضهم عراقيل للقيام بنشاطهم، حيث يصطدمون بأطراف ليست لها أية سلطة قانونية على الملاعب، يطالبونهم بدفع 1000 دينار مقابل استعمال هذه الملاعب لساعة واحدة فقط. وأتساءل هنا: إلى أين تذهب هذه الأموال؟ ومن المستفيد منها؟

العنف لم يعد مقتصرا على الملاعب الرياضية فقط، بل تحوّل إلى كثير من الأحياء، وأظن أن تطور هذه الآفة يعود إلى شعور الشباب بغياب من يتحاورون معهم حول مشاكلهم. وترجع المسؤولية في هذا المجال إلى السلطات المحلية، منها البلدية بشكل خاص. فالشاب يجب أن يشعر بوجود اهتمام بمشاكله؛ لكونه يبحث دائما عن إيجاد إطار لإسماع مطالبه. وأعترف بأن وزارة الشباب والرياضة تسعى جاهدة لتنظيم الأمور على مستوى هذه الملاعب.