تنسجم مع التزامات الجزائر الدولية 2025-2035..عفرة لـ "المساء":
الاستراتيجية الوطنية لتسيير الكوارث على طاولة الحكومة قريبا
- 227
أسماء منور
❊ الذكاء الاصطناعي لأول مرة في جهاز الإنذار المبكر ضد الحرائق
❊ إجبارية التأمين كآلية لحماية الممتلكات وتعويض الخسائر
كشف رئيس المندوبية الوطنية للمخاطر الكبرى، عبد الحميد عفرة، عن عرض الاستراتيجية الوطنية لتسيير الكوارث 2025/2035 قريبا على مجلس الحكومة، في إطار مقاربة شاملة تهدف إلى الانتقال من منطق إدارة الكوارث بعد وقوعها، إلى تسيير المخاطر بشكل استباقي ووقائي، بما ينسجم مع التزامات الجزائر في إطار سنداي 2015-2030 للحدّ من الكوارث.
قال عفرة في حوار مع "المساء"، إنّ الاستراتيجية الوطنية لتسيير الكوارث الكبرى تعتمد على المقاربة الوقائية بدل التفاعلية، من خلال تعزيز الحوكمة والتنسيق مختلف القطاعات وتحديد الأهداف الواجب بلوغها بحلول 2035، مع الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الحديثة، للتدخل قبل وقوع الكوارث.
❊ ما هي أبرز محاور الاستراتيجية الوطنية لتسيير الكوارث 2025/2035، وكيف ستتجسّد ميدانيا؟
❊ الاستراتيجية الوطنية لتسيير الكوارث تتضمن عدة محاور أساسية، سيتم عرضها قريبا على الحكومة، والتي تعتمد بالدرجة الأولى على تحديد الأهداف الواجب بلوغها، على غرار تقليص نسبة الوفيات الناجمة عن الكوارث لكل 100 ألف نسمة، وأودّ أن أوضح أن هناك إمكانية لمراجعتها حسب التطوّرات المناخية التي لا يمكن التنبؤ بها مسبقا.
❊ ما هو تقييم المندوبية للوضع الحالي لمخاطر الفيضانات في الجزائر؟
❊ بالتأكيد الوضع الراهن يبعث على القلق، لأننا أمام أخطار متزايدة بفعل تغيرات مناخية متسارعة في العالم بأسره، التي جعلت الأمطار أكثر غزارة وفي مدة زمنية جد قصيرة، وهذا ما يفسر تكرر الفيضانات في عدة ولايات خلال السنوات الأخيرة، ومن خلال الدراسات التي قمنا بها أظهرت أن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الفيضانات لوحدها بلغت ما يزيد عن 147 مليار دينار خلال الفترة ما بين 2020 و2024، و521 مليار دينار خلال 20 سنة الأخيرة، أي ما يعادل نحو 72% من مجموع النفقات الخاصة بالكوارث الكبرى.
❊ ما هي الإجراءات الوقائية التي تمّ اتخاذها على مستوى المناطق الأكثر تهديدا؟
❊ أود التأكيد أن الإجراءات متعددة ومتكاملة على كل المستويات، حيث تمّ إلزام البلديات والدوائر ببرمجة حملات منتظمة لتطهير البالوعات ومجاري المياه، خاصة في المدن الكبرى والمناطق المصنفة كنقاط سوداء، وهناك لجان ولائية تعمل على متابعة أشغال صيانة الجسور والقنوات الرئيسية التي تستوعب مياه الأمطار. كما قمنا بتحديث الخرائط الخاصة بمخاطر الفيضانات بالتعاون مع الديوان الوطني للأرصاد الجوية ومراكز البحث الجامعية، كما تمّ تنصيب خلايا يقظة ولجان أزمة محلية مزوّدة بتجهيزات للتدخل السريع، مع تدريب عناصر الحماية المدنية والمتطوّعين على طرق الإجلاء والإنقاذ.
❊ هناك عدة ولايات سجّلت سيولا كبيرة عند تساقط الأمطار، إلى ماذا يعود ذلك؟
❊ بالفعل، غالبا ما تتسبب الأمطار غير الموسمية في تشكل سيول قد تؤدي الى خسائر كبيرة في بعض الولايات، وهي راجعة بالدرجة الأولى إلى انسداد البالوعات مجددا، رغم قيام الجماعات المحلية بواجبها على أتم وجه خلال عمليات التنظيف المسبقة التي يتم القيام بها، إلا أن ظاهرة رمي النفايات في الشارع، فاقمت من حدة المشكل، وهنا يمكن دور المواطنة، للحفاظ على بيئة نظيفة، تكون نتائجها تفادي كوارث يكون العامل البشري سببا أساسيا فيها.
❊ كيف يتم دمج الدراسات المناخية الحديثة في وضع مخططات الحماية؟
❊ نحن نعمل بشكل وثيق مع مراكز البحث والجامعات، من خلال اعتماد النماذج المناخية الحديثة التي تتوقع كميات الأمطار واتجاهات الفيضانات، وهذه الدراسات تدمج مباشرة في المخططات التوجيهية للتهيئة العمرانية وفي المشاريع الكبرى للطرق والمنشآت القاعدية، فمثلا، أصبحت مشاريع الطرق السريعة تأخذ بعين الاعتبار سيناريوهات قصوى للأمطار، لتفادي انهيار البنى التحتية أو انسدادها، كما نقوم بتحيين الخرائط دوريا لتتوافق مع التطوّرات المناخية.
❊ كيف يتم التعامل مع ضحايا الفيضانات في مجالي التكفّل الفوري والتعويض؟
❊ التعامل يتم عبر مرحلتين، الأولى هي المرحلة العاجلة وتشمل التكفل بالإيواء المؤقت للمتضررين عبر المدارس والمراكز البلدية بالتنسيق مع الحماية المدنية والهلال الأحمر الجزائري، أما المرحلة الثانية فتتعلق بالتعويض، حيث سيدخل التأمين الإجباري حيز التنفيذ بموجب القانون الجديد، ليصبح الأداة الرئيسية للتعويض عن الخسائر، ودور الدولة سيكون في شكل إعانات ظرفية عاجلة لتغطية الحاجيات الأساسية، لكنها لن تتحمّل مستقبلا التعويض المالي الكامل عن الأضرار، لأن ذلك أثبت محدوديته وأثقل كاهل الخزينة العمومية، وهذا التغيير في السياسة العامة هدفه ضمان عدالة أكبر في التكفّل بالمتضررين.
❊ شركات التأمين لا يمكنها تعويض المتضرّرين عن الكوارث الطبيعية، بسبب إلزامية الإعلان عن المناطق المنكوبة من قبل السلطات. كيف سيتم التعامل مع هذا الأمر؟
❊ صراحة نسبة التأمين عن الكوارث في الجزائر "كات نات"، لا تتجاوز 8 من المائة، وهذه النسبة متدنية جدا، بالنظر إلى حجم الكوارث المسجّلة، وأود أن أوضح أن المندوبية رفعت مقترحا إلى وزارة المالية من أجل مراجعة الأمر 03-12 المتعلق بإعلان المناطق المنكوبة كشرط للتأمين، لتسهيل الإجراءات، حيث لا تتجاوز تكلفة تأمين شقة سكنية مكوّنة من 3 غرف 3 آلاف دينار سنويا، وهي حماية للممتلكات من أي طارئ، إلا أن الإقبال لا يزال محتشما على هذه الصيغة من التأمينات.
للأسف، لا يلجأ المواطنون إلى التأمين إلا عند القيام بعمليات عقارية، وهذا يعرّضهم لمخاطر كبيرة، وكما تعلمون فإن إلزامية التأمين توفر حماية حقيقية لهم، أما الوقاية فهي مسؤولية مشتركة، فالدولة توفّر البنى التحتية والتأطير، لكن المواطن مطالب باحترام قوانين التهيئة وعدم البناء في مجاري المياه أو رمي النفايات في البالوعات.
❊ إلى أي مدى يمكن للجزائر أن تستفيد من تقنيات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالكوارث؟
❊ بالطبع، الذكاء الاصطناعي أصبح أداة لا غنى عنها في مجال إدارة الكوارث، ونعمل حاليا مع مراكز البحث الوطني والجامعات لإدماج خوارزميات الذكاء الاصطناعي هذه السنة، كمرحلة تجريبية في تحليل بيانات الأرصاد الجوية والهيدرولوجية، هذه التقنيات تسمح لنا بقراءة كميات هائلة من المعطيات في وقت قصير، والتنبؤ بمسارات الفيضانات بدقة أعلى من الطرق التقليدية، فعلى على سبيل المثال، يمكن للنظام أن يحاكي حركة المياه في حي أو بلدية معينة، ويعطي احتمالات دقيقة لحدوث فيضان في ظرف ساعات، وهذا يتيح لنا إرسال إنذارات مبكرة أكثر استهدافا، ويوجه الولاة وفرق الحماية المدنية نحو النقاط المهدّدة قبل وقوع الكارثة، كما نطمح إلى إنشاء منصّة وطنية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، ترتبط بشبكة المستشعرات ومحطات الرصد، لتكون مرجعا لكل المتدخلين في إدارة المخاطر الكبرى، بالإضافة إلى الاستعانة بطائرات "الدرون" للوصول إلى المناطق الصعبة.
❊ ما هو تقييمكم لحصيلة حرائق الغابات في الفترة الأخيرة؟
❊ ما بين 2020 و2024، سجّلت الجزائر حصيلة ثقيلة، حيث تسببت حرائق الغابات في وفاة 198 شخص، وإتلاف ما يفوق 215 ألف هكتار من الغطاء الغابي، إلى جانب خسائر مادية قدرت بـ25,4 مليار دينار، وهذه الأرقام تعكس حجم التحدي الذي نواجهه حاليا، وهو ما جعل ملف الحرائق محورا أساسيا ضمن الاستراتيجية الوطنية 2025-2035، من خلال تعزيز قدرات التدخّل ودعم وسائل المراقبة الجوية والأرضية، وتفعيل أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من الخسائر مستقبلا. وأود أن أوضح أن جهاز مكافحة الحرائق، يبقى عمليا إلى غاية 31 أكتوبر القادم.