الشاعر التونسي محمد الهادي الجزيري لـ"المساء":

الأمة العربية تعيش حالة سريالية

الأمة العربية تعيش حالة سريالية
  • 2139
زبير. ز  زبير. ز
حمل القلم ليعبّر عن مكنونات نفسه ويتقاسمها مع جمهوره واختار الكلمات لينظمها في شكل جميل حتى تصل إلى المتلقي ويتفاعل معها، يرى أنّ الشعر هو الكون ذاته، وأنّ الشاعر يعيش دوما في قلق، فهو قريب من واقعه.. حاول في بداية تجربته الأدبية الجمع بين النثر والشعر فقدّم قصائد نثرية وحاول من خلالها التميز عما كان موجودا في الساحة العربية، أراد صنع الفرحة في أشعاره ولكن الحزن على واقع هذه الأمة يخنقه ويجعله كالطير الأسير في بحور لا ماء فيها ولا هواء، بحور جافة، تنوعت بين الطويل والكامل، المديد والبسيط.. يرى أن أهم الثورات التي أحدثها الجيل الجديد في مجال الشعر هي نزع القداسة عن نظام القصيدة القديم.
بداية من هو محمد الهادي الجزيري؟
الجزيري تربى وترعرع في تونس الخضراء، واستنشق هواء كل شعر، عاش بين الكلمات الخالدة التي كتبها بحروف من ذهب عملاق الشعر التونسي أبو القاسم الشابي... تجول بين مختلف العواصم العربية وزاده هذا التجوال تجربة ويقينا بأن همّ هذه الأمة لن ينجلي إلا بوحدة بلدانها وشعوبها، وأن ما يحدث مجرد غبار سينزاح من خلال التمسك وتشجيع الثقافة والمعرفة. أنتج العديد من المؤلفات والدواوين للساحة العربية على غرار "زفرات الملك المخلوع" سنة 1994، "أرتميدا" سنة 2004، "لا شيء في مكانه" سنة 2009، "نامت على ساقي الغزالة" سنة 2014، "جنة الذئب" (رواية) سنة 2011 وكتاب "النطيحة والعرجاء وما خلف الجهل"، سنة 2014، الجزيري هو أيضا الإعلامي والأمين العام لاتحاد الكتاب التونسيين.
كيف جاءت مشاركتكم في فعاليات تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية؟
نحن سعداء كشعراء من تونس، بالمشاركة في هذه التظاهرة الخاصة بليالي الشعر العربي التي تندرج ضمن نشاطات عاصمة الثقافة العربية 2015، قدمنا إلى الجزائر في وفد ضم مجموعة من الشعراء والشاعرات، هم بالأساس من الأصدقاء على غرار إيمان عمارة، شوقي العنيزي، عبير مكي وأنور اليزيدي، ورافقنا خلال الأمسية الشعرية المخصصة لتونس، شاعران من الجزائر وهما ميلود خيزار وإسماعيل يبرير، الأمر الذي شرفنا كثيرا خاصة وأن الاستقبال كان من صديقنا الشاعر الكبير بوزيد حرز الله، المشرف على هذه الليالي، والذي قدم الكثير من الجهد لكي تنجح هذه السهرة التي استمتعنا خلالها بنصوص شعرية في أشكالها المختلفة تونسية وجزائرية وأعتقد أن الحضور لم يندم على هذه السهرة.
لاحظنا أنك ألقيت قصيدة باللغة العربية ثم قصيدة باللهجة التونسية، فإلى ما يعود هذا الاختيار؟
قرأت اليوم قصيدتين الأولى باللغة العربية الفصحى والثانية بالعامية التونسية، وقد تعمدت ذلك نظرا لتقارب اللهجة بين الشعبين ورأيت ذلك من خلال تفاعل الجمهور، شخصيا أغلب قصائدي بالفصحى، إذ أكتب العمودي والتفعيلة وقصيدة النثر، لكني أفتح من حين إلى آخر النافذة على اللهجة التونسية ولا أرى مانع من ذلك ولا عيب فيه وهو نوع من الإثراء، وهذا لا يعني طبعا أني أدعو لاستبدال اللغة العربية في الكتابات باللهجات المحلية.
كشعراء، كيف تعيشون واقع الأمة العربية الحالي؟
نحن اليوم نعيش حالة سريالية وهولا حقيقيا، أعتقد أن كبار كتاب الواقعية السحرية على غرار غابريال غارسيا مركيز، لو يبعثوا من جديد إلى الحياة، سيمزقون كل ما كتبوه، وسيكتبون حول ما تعانيه الدول العربية لأن واقع هذه الأمة قد تجاوز كل تخيل وكل واقعية سحرية، أطلب من الله أن ترفع هذه الغمة عن هذه الأمة الحزينة المغبونة المستهدفة من طرف العدو ومن طرف الشقيق.
وماذا عن واقع تونس؟
تونس تأثرت هي الأخرى كغيرها من البلدان العربية بهذه التيارات المتجاذبة، لكن أظن أن بلدنا تجاوز مرحة الخطر رغم التهديدات الحالية الموجودة على الحدود الليبية، فنحن نستمد قوتنا واطمئناننا من الجزائر التي تقاسمنا الحدود وتقع بجانبنا، والتي نعتبرها الشقيقة الكبرى لتونس والتي لن تدعها تسقط طبعا، فنحن شعب واحد ومصيرنا مرتبط بمصير الجزائر وأعتقد أن الجميع يعي ذلك جيدا.
يرى الشاعر العراقي مضر الألوسي، أن المثقف له دور كبير في إيقاظ الضمائر وتحريك الهمم، فهل توافقون هذا الطرح ؟
طبعا، المسؤولية ثقيلة وهناك تحد خطير يواجهه المثقف وبالأخص الشاعر العربي، وهو الإجابة على مجموعة من التساؤلات: ماذا سيكتب؟، وأي كلام سينظم؟ وأي صورة شعرية سيستدرج بها القارئ ويورطه؟، فالعقل العربي والمواطن العربي بشكل عام رأى كل شيء كما رأى أقصى حالات العنف، وهو يعيش حالة من الرعب وحالة من الذهول، مسؤوليتنا كبيرة جدا كمبدعين... كنت شخصيا منذ حوالي شهر ونصف في زيارة لبعض المناطق المحررة بالعراق وبالتحديد بتكريت، ووقفت على مدى الدمار الذي صنعه الدواعش اللذين لا علاقة لهم بالإنسانية مطلقا، لكن أعتقد أنه لا غلبة إلا للإنسان، فيستحيل لهذا الركام الحضاري العظيم أن ينهزم أمام هذا الغبار العابر، أظن أن التضحية جسيمة والأمر حقيقة جلل ولكن سننتصر، ستنتصر الإنسانية والمعرفة وحب الآخر والرضا بالاختلاف، يجب أن نقبل بأن العالم متنوع ومستحيل أن نرضى بأن يكون العالم نسخة لداعش.
حدثنا عن التجربة الشعرية التونسية وما هي أوجه الترابط بينها وبين الجزائرية؟
أظن أن المشهدين الجزائري والتونسي قريبان من بعضهما البعض، رغم وجود بعض التجارب المختلفة ومحاولات التفعيلة والعمودي وكذا النثر، وأظن أن هذا التقارب هو نتاج الاحتكاك وأيضا بحكم الجغرافية، أظن أن هذا التواصل له ثماره ويؤدي هذا إلى التشابه بين التجربتين وكل ما نرجوه أن يحسن البلدين تسويق هذه الطاقات لأن ما يتفوق علينا به المشرق هو حسن معرفتهم لتسويق طاقاتهم الأدبية والفنية، في حين أننا في المغرب العربي للأسف الشديد لا نتقن ذلك، بل نعاني من الحقد الوطني، حيث تجد بعض الشعراء أحيانا يحسدون ويغارون من أصدقائهم لا لشيء، نحن لا نطلب ملكا أو جاها، نحاول فقط إيجاد ركح ندافع به عن الجمال وعن القيم المثلا من خير وحب الآخر وتقبله، لا أفهم لماذا هذه الغيرة المرضية، يجب أن تجتهد الجزائر وتونس للتعريف بمبدعيها.
ألا ترون أن الإشكال قائم أيضا بسبب المعسكرين العربي والفرنكفوني في الثقافة عندنا؟
لا أظن ذلك، المشكل ليس في اللغة العربية أو الفرنسية، بصراحة المشكل في الأنظمة العربية والسلطات التي لا تراهن على الثقافة وهذا هو الخطر، هناك قطيعة كبرى وجدت بين المثقف وبين المواطن وبين هذا الأخير وبين الكتاب على المستوى البصري، فعين المواطن لا ترى الكتاب لا على مستوى السوق ولا على مستوى التلفزة ولا تسمع به أصلا، فكيف نطالب من هذا المواطن أن يقرأ الكتاب أو يتذوق الشعر والرواية، أعتقد أنه على الشعراء والمثقفين أن يبذلوا مجهودات جبارة وأن يكونوا مؤسسات متنقلة، وحتى هذا لا يكفي، إذ يجب أن تقوم السلطة بدورها كاملا وأن تؤمن بأن لا انتصار لنا على هذا الغبار الزاحف إلا بالمعرفة والثقافة.
كيف وجدتم قسنطينة وتظاهرتها العربية؟
أمر مفرح ومنبع فخر لنا، فنحن شعب واحد، ولا تبعد هذه المدينة إلا مسافة صغيرة عن تونس، فقد نسافر الآن إلى تونس ونعود مرة أخرى في زمن قصير، ما يشرّف الجزائر يشرفنا وما يحزنها يحزننا، سنظل دائما شعبا واحدا وشعبا عظيما هو جزائري وتونسي.